ـ(290)ـ ورد الله النصارى بقوله الكريم كما فهمنا. ان من أعظم أنواع البر، الإيمان بصفات الله تعالى واعتقاد اتصافه بها فانه يفتح بابا بين هذا العبد وبينه تعالى وبعده لانكشاف ما هنالك من المعبد والكبرياء. ان الحق تعالى اجل من ان يقاس بمعقول أو محسوس أو يحل فيه صفات كحلول الأعراض في محالها أو تعالجه العقول العامية أو تتناوله الألفاظ العرفية ولابد من تعريفه إلى الناس ليكملوا كما لهم الممكن لهم فوجب أن تستعمل الصفات بمعنى وجود غاياتها لا بمعنى وجود مباديها.. فمعنى الرحمة إفاضة النعم لا انعطاف القلب والرقة وان تستعار ألفاظ تدل على تسخير الملك لمدينته لتسخيره لجميع الموجودات. ان الله تعالى يلاحظ الإنسان التدبير الواحد الذي يجمع العالم ومن اعتقده على وجهه يصير طامح البصر ما عند الله يرى الدنيا وما فيها كالظل لـه ويرى اختبار العباد من قضاء الله كالصورة المنطبعة في المرأة وذلك يعدله لانكشاف ما هنالك من التدبير الوجداني وأنه تعالى متصف بالذات ـ كمال جلاله وجماله وتنزهه عن المماثلة لخلقه أو الحلول في شيء مما خلق وأوصد أمامه باب التطلع إلى معرفة حقيقة ذاته تعالى، وصرفه عن محاولة التفكير في هذا الجانب: ?ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ $ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ?(سورة الأنعام: 102 ـ 103) وكل هاجز عن أدراك حقيقة الذات الأقدس عقيدة من عقائد الإيمان بالله تعالى. التوحيد في الصفحات بضوء القرآن ان الذي يجعل الإنسان في منأى عن الإشراك بالله هو الاعتقاد برابطة وصلة تجمعه بهذه القدرة الإلهية، فأي حاجز وأي وسيلة بينه وبين الذات الإلهية من الدواعي للإشراك به ولهذا نرى الإسلام يجعل بين الله والناس رابطة لا تلجئهم إلى الاستعانة بغيره.