ـ(436)ـ ثانيها: معنى التكليف ؛ والتكليف واضح في معنى الآية، والإنسان هو المكلّف، نظرا لما زوّده الله به من إمكانات التعقّل والتمييز والفهم، والتكليف يتطلب المسؤولية، والإنسان مسؤول عن كلّ ما يُكلّف به وما يصدر عنه. و"المكلّف" في المصطلح الأصولي هو من يتوجّه إليه الخطاب، ولابدّ في التكليف من مشقّة، والغاية من التكليف إصلاح حال الخلق في حياتهم، ومنع النظام والعدوان، وإقامة أنظمة اجتماعية تضمن كرامة كلّ إنسان وحقّه في الحياة، ولهذا أنزل الله الرسل ?رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا?(1). ومن هذا المنطق ارتبط التكليف بأهليّته، وركن الأهليّة العقل، لأنّه أداة الفهم وأداة التمييز، ولكي يكون العقل في موطن الحماية والحفظ فقد حرّم الإسلام كلّ الوسائل التي تمنع العقل من أداء مهمته في التمييز والفهم والتفكير تجسيدا لمعنى التكليف، وتأكيداً لثقة الإسلام بالإنسان، وتمكيناً للعقل البشري من أن يباشر مهمّته التكليفية باطمئنان، ويرفع التكليف عندما يكون هناك سبب يمنع العقل من أداء مهمّته، بسبب صغر أو جنون. وخاطب الإسلام العقلاء من أهل التكليف بخطاب شرعي، وترك لهم حرّية التفسير والتأويل فيما يحتمل ذلك من الألفاظ والدلالات رحمة بهذه الأُمّة وتيسّراً لشؤونها، فما كان قطعي الثبوت والدلالة من النصوص فالحكم فيه واضح ولا يقبل الاجتهاد، وما كان ظنّي الثبوت أو الدلالة منها فالأمر فيه متروك لأهل العلم والرأي ممّن توفرت فيهم أهليّة الترجيح والاجتهاد، وهذا هو الموطن الذي تعدّدت فيه الآراء، وبرزت فيه مواطن الخلاف، وظهرت فيه مدارس فقهيّة وتميزت كلّ مدرسة بمنهجها. والتكاليف الشرعية عامّة وشاملة، لأنّ الخطاب الشرعي موجّه لكلّ مكلف من غير تمييز لأنّ الشريعة جاءت لإصلاح شأن العباد، ولا يتحقّق هذا الإصلاح إلاّ عندما _______________________________________ 1 ـ سورة النساء 165.