فقبل كل أنموذج وأطروحة موجودة في التاريخ، هناك أنموذج الإسلام المعضد والمشبع بالعالمية، والمرتكز إلى أساس العالمية، فمنذ القرون الأربعة عشر الماضية، وعلى مدى برهات متمادية، كان الإسلام وقبل تداول المصطلح المعاصر العولمة والعالمية والتحول إلى النظام العالمي، واستحالته إلى أنموذجاً في عهدنا هذا، كان الإسلام ولأول مرة في التاريخ ليس من قدم للمجتمع البشري الإطار والنظريات والأسس الشاملة للعالمية وحسب، بل واستطاع أيضاً في ظل فترة وجيزة تطبيق هذه العالمية على أساس عقائدي إيماني في الأوساط والميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية. فتعاليم الإسلام العالمي تقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الآية 107 من سورة الأنبياء. لقد سفّهت الثورة الإسلامية في إيران ظاهرتين هامتين في القرن العشرين، الأولى أساس وبنية النظام الشعبي ـ الرسمي، والأخرى الحداثوية أو نزعة العصرنة الغربية؛ وعملت على ترسيخ وتطبيق رؤية للعولمة الإسلامية وعالميتها بما يتجاوز الحدود السياسية والقومية والعرقية والقبلية ويتعداها. إن احد المصادر العظمى للاقتدار في العلاقات الدولية هو تحديد المسؤوليات المعاصرة، فكل جماعة أو فرد أو شعب يستطيع تحديد مسؤولياته الآنية، وسيجد نفسه سباقاً في العالم. واليوم وعلى الرغم من المشاكل والعقبات الكبرى التي يجري اصطناعها في العالم للحؤول دون تنامي الثورة الإسلامية الإيرانية، إلا ان الإسلام صار في صلب حياة القرن الحادي والعشرين، هذا فضلا عن انه احيى في ذات الوقت الأنموذج الكسح للعصرنة في مغلف وقالب العولمة والعالمية، لتستحيل بلدان كإيران إلى المتراس الوحيد للمقاومة والصمود بوجه النظام العالمي. المسلمون في شتى ارجاء الدنيا يواصلون وكما نشهده في فلسطين المحتلة ومختلف البقاع مقاومتهم وجهادهم على مدى هذه العقود، لكنهم يفتقرون للأسف إلى نظام دولة رسمي إسلامي، وهذا الأمر يثير بذاته تساؤلاً كبيرًا؛ هل إن عالم الأمة الإسلامية قد تحرى الصمت إزاء موضوع عولمة الاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا المعاصرة التي تأتي إتماماً للهيمنة السابقة، وانه سيبقى لا أبالياً تجاه هذا الأمر؟ فينساق رويداً رويداً باتجاه الذوبان آخر الأمر في النظام العالمي الاستكباري الحالي أكثر فأكثر، أم انه سيتولى دوره التاريخي ليقدم للعالم استدلالاته الفكرية ورؤاه التطبيقية عن وعي تام في إطار عالمية الإسلام، عبر تحريه للاتحاد والوحدة ودرك الواقع القائم، بدلاً عن الانفعالات والارتدادات الآنية وطرح المشاريع المتناثرة والمتفرقة ذات المسحة الشكلية التي نلحظها هذه الأيام تتفتق عن بعض الحكومات والجماعات بالبلدان الإسلامية؟. ان مشروع تأسيس جامعة للأمة الإسلامية، وهو الموضوع الرابع في مقالنا وبحثنا، ليشكل خطوة على نهج عولمة الإسلامية وفي خضم انبثاقه وتركيبته، ويصب في مجرى إنشاء نظام عالمي جديد يتخطى حدود النظام الشعبي ـ الرسمي وسفاسف عولمته.