[ 292 ] الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، ورفع التنافي المتوهم بينهما، نذكره مماشاة لمن يصر على كون الارادة في الآية تشريعية. فنقول مستمدين العون من الله تعالى: إعلم أن الارادة التشريعية هي عبارة عن الحكم بالشئ بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، أعني الامر والنهي، والطلب والزجر، ليكون الامر داعيا للمأمور إلى فعل ما امر به، وزاجرا له عن فعل ما نهي عنه. وبعبارة اخرى هي إنشاء ما يصلح لان يكون داعيا إلى فعل المأمور به، وزاجرا له عن فعل المنهى عنه، لان ينبعث نحو الفعل من ينبعث بأمره، وينتهي عن الفعل من ينتهي بنهيه، ويتم الحجة على غيره ممن يستخف بأمره ولا يعتني به. وهذا أمر يجتمع مع الارادة الحقيقية والجدية التي التي هي روح الحكم تارة، ويفترقها اخرى. فإذا علم المولى من حال عبده أنه ينبعث بأمره وينزجر بنهيه، وان أمره يدعوه إلى طاعته وامتثاله، يريد منه بالارادة الجدية، والطلب الحقيقي فعل ما أمره به، وترك مانهاه عنه. فأمره ونهيه وبالنسبة إلى هذا العبد يكون حقيقيا جديا. وإذا علم من حاله أنه لا يؤثر فيه أمر المولى، ولا يحركه بشئ، ولا يصير داعيا له نحو الاطاعة والامتثال، فلا يعقل أن يكون أمره أو نهيه بالنسبة إلى هذا العبد حقيقيا، ولا يقترن مثل هذا الامر والنهي بالارادة الجدية من الآمر والناهي. فالامر والطلب في الصورة الاولى يكون حقيقيا مجامعا للارادة الجدية، وفي الصورة الثانية يكون صوريا، ولاتمام الحجة وقطع العذر. وبالجملة، فلا يعقل أرادة الانبعاث الجدية والطلب الحقيقي ممن يعلم أنه لا ينبعث بأمر المولى. فلا يعقل أن يقول: " قم "، أو ________________________________________