( 53 ) ولكن لما جاء المسح بالروَوس والاَرجل في الآية المباركة بعد غسل الوجه واليدين يكون ذلك قرينة على إمرار اليد عليها بالبلّة الموجودة فيها. وبذلك ظهر أنّ الآية المباركة تحتوي على واجبين: أحدهما: الغسل، والآخر: المسح، وكلّ يغاير الآخر، فلا الغسل مشتمل على المسح ولا المسح على الغسل. ومن حاول تفسير المسح في الآية بالغسل بحجّة انّ المسح يستعمل في الغسل فقد أخطأ، فلاَنّ المسح انّما يستعمل في الغسل إذا قيّد بلفظة الماء وإلاّ فلا يراد منه سوى الاِمرار. وبذلك يظهر الخلط في كلام ابن قتيبة، قال: كان رسول اللّه يتوضأ بمدّ، وكان يمسح بالماء يديه ورجليه وحولها غاسل، قال: ومنه قوله تعالى: (و امسحوا بروَوسكم وأرجلكم) والمراد بمسح الاَرجل غسلها. ويستدل بمسحه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) برأسه وغسله رجليه، بأنّ فعله مبيّـن وبأنّ المسح يستعمل في المعنيين المذكورين، إذ لو لم نقل بذلك لزم القول بأنّ فعله ناسخ للكتاب وهو ممتنع، وعلى هذا فالمسح مشترك بين معنيين، فإن جاز إطلاق اللفظة الواحدة وإرادة كلا معنييها كانت مشتركة أو حقيقة في أحدهما ومجازاً في الآخر كما هو قول الشافعي، فلا كلام. وإن قيل بالمنع فالعامل محذوف، فالتقدير وامسحوا بأرجلكم مع إرادة الغسل، وسُوِّغ حذفه لتقدّم لفظه وإرادة التخفيف (1) يلاحظ عليه بوجهين: الاَوّل: أنّ ابن قتيبة أراد تفسير الآية بفعله وعمل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) وبما أنّه كان يغسل رجليه فهو دليل على أنّ المراد من مسح الاَرجل هو الغسل، ولكنه غفل عن أنّ معنى ذلك أنّ الآية مع أنّها بصدد بيان وظيفة الموَمنين ____________ 1 . الفيومي: المصباح المنير: 2|571 ـ 572، مادة مسح.