وفي تأويل هذا الكلام وجوه أحدها أن يكون القوم إنما أرادوا اللحن الذي هو الخطأ وأن يكون معاوية قد استحسن منه السهولة في كلامه وابتذال السليقية في خطابه ورأى أن تركه تفخيم الكلام وإشباعه بالإعراب نوع من الظرف وباب من الأخذ بخفة المؤونة في إفهام من يخاطبه ممن لا يتسع لمعرفة الإعراب ولا يكمل لضبطه عنه لا سيما وهو أمير أو رئيس ينفذ وتلزم طاعته .
وقد نحا هذا النحو جماعة من كملة الرؤساء وأجلة الولاة والأمراء .
وقال بعضهم لأصحابه لا تستعملوا الإعراب في كلامكم إذا خاطبتم ولا تخلوا منه كتبكم إذا كاتبتم وعابوا الحجاج حين يقول لطباخه اتخذ لنا غبربية وأكثر فيجنها فخرج يسأل عنها فلم يكن بحضرته أحد يفهم ما أراد حتى عادوا إليه فسألوه فقال إنما قلت له اتخذ لنا سماقية وأكثر فيها السذاب .
ودخل الجند على بعض الولاة ببغداد أيام فتنة المستعين فقالوا قد اقتحم الأتراك من بعض أبواب المدينة فقال لهم استلئموا سدفة فخرجوا يسألون عن هذا الكلام ولا يفهمونه حتى جاؤوا إلى باب ثعلب فقال يقول لكم بكروا غدا في السلاح فهذا وجه .
والثاني أن يكون القوم إنما أرادوا به لحن الفطنة كما أرادها معاوية إلا أنهم لم يجعلوا قولهم على أنه يلحن استثناء من قولهم ظريف إنما أرادوا بذلك المبالغة في مدحه واشتراطا للزيادة في ظرفه كقول النابغة الجعدي