وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قال الخطابي : وأما كتابنا هذا فإني ذكرت فيه ما لم يرد في كتابيهما فصرفْتُ إلى جمعه عِنايتي ولم أزل أتتبع مظانّها وألتقط آحادها حتى اجتمع منها ما أحب اللّه أن يُوَفِّقَ له واتسق الكتاب فصار كنحوٍ من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه .
قال : وبلغني أن أبي عبيد مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث والأثر والناس إذ ذاك متوافرون والروضة أُنُف والحوضُ ملآن . ثم قد غادر الكثيرَ منه لمن بعده . ثم سعى له أبو محمد سَعْيَ الجَواد فأسأر القَدر الذي جمعناه في كتابنا وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذواتُ عددٍ لم أتيسر لتفسيرها تركتها ليفتحها اللّه على من يشاء من عباده ولكل وقت قوم ولكل نشئٍ علم . قال اللّه تعالى { وإنْ مِنْ شَيء إلاّ عِنْدَناَ خَزائِنُهُ وما نُنَزِّلُهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } .
قلتُ : لقد أحسنَ الخطابي رحمة اللّه عليه وأنصف عرفَ الحق فقاله وتحرَّى الصدق فنطق به فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمَّهاتِ الكتب وهي الدائرة في أيدي الناس والتي يُعَوِّلُ عليها علماء الأمصار إلا أنها وغيرها من الكتب المصنفة التي ذكرتاها أو لم نذكرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتَّباً ومُقفَّى يرجع الإنسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي وهو على طوله وعسر ترتيبه لا يوجد الحديث فيه إلا بعد تعبٍ وعناء ولاخفاء لما في ذلك من المشقة والنَّصَب مع كون الحديث المطلوب لا يُعرف في أيّ واحد من الكتب هو فيحتاج طالبُ غريب حديث إلى اعتبار جميع الكتب أو أكثرِها حتى يجد غرضه من بعضها . فلما كان زمنُ أبي عبيد أحمد بن محمد الهَروي صاحب الإمام أبي منصور الأزْهَرِي اللغوي وكان في زمن الخطابي وبعده وفي طبقته صنَّف كتابه المشهور السئر في الجمع بين غريبي القرآن العزيز والحديث ورتبه مقفى على حروف المعجم على وضع لم يُسْبَقْ في غريب القرآن والحديث إليه . فاستخرَجَ الكلمات اللغويةَ الغريبة من أماكنها وأثبتها في حروفها وذكر معانيها إذ كان الغرضُ والمقصد من هذا التصنيف معرفةَ الكلمة الغريبة لغةً وإعراباً ومعنًى لا معرفةَ مُتُون الأحاديث والأحاديث والآثار وَطُرق أسانيدها وأسماء رُوَاتها فإن ذلك علم مستقبل بنفسه مشهور بين أهله .
ثم إنه جمع فيه من غريب الحديث ما في كتاب أبي عُبيد وابن قتيبةَ وغيرهما ممن تَقَدَّمه عصرهُ من مُصَنِّفي الغريب مع ما أضاف إليه مما تتبعه من كلمات لم تكن في واحد من الكتب المصنَّفة قَبله فجاء كتابهُ جامعا في الحُسن بين الإحاطة والوضع . فإذا أراد الإنسانُ كلمةً غريبةً وجَدَها في حرفها بغير تَعب إلا أنه جاء الحديث مُفَرَّقاً في حروف كلماته حيث كان هو المقصودَ والغرضَ فانتشر كتابهُ بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار . وما زال الناس بعده يَقْتَفُون هَدْيَه ويَتْبَعُون أَثَره ويَشكُرون له سَعَيه ويَسْتَدرِكُون ماَ فَاتَه من غريب الحديث والآثار ويجمعون فيه مجاميعَ . والأيامُ تَنْقَضِى والأعمارُ تَفْنَى ولا تنقضى إلا عن تصنيفٍ في هذا الفن إلى عهد الإِمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخُوارَزمي رحمه اللَّه فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث وسماه [ الفائق ( طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بالقاهرة 1366 ه - 1947 م ) ] . ولقد صادف هذا الاسمُ مُسَمَّى وكشف من غريب الحديث كل مُعَمَّى ورتَّبه على وضعٍ اخْتارَه مُقَفَّى على حروف المعجم ولكن في العُثُور على طلب الحديث منه كُلْفَةً ومشقة وإن كانت دون غيره من مُتَقدم الكتب لأنه جَمعَ في التَقْفِيةِ بين إيراد الحديث مَسْرُوداً جميعه أو أكثره أو أقله ثم شَرَحَ ما فيه من غريب فيجيء شرحُ كل كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف واحد من حروف المعجم فترِدُ الكلمة في غير حرفها وإذا تَطَلَّبها الإِنسان تَعِب حتى يَجدها فكان كتابُ الهروي أقرب مُتَنَاولا وأسهل مأخذاً وإن كانت كلماته متفرقة في حروفها وكان النفع به أتمَّ والفائدة منه أعمَّ .
فلما كان زمنُ الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني وكان إماما في عصره حافظا متقنا تُشدُّ إليه الرحال وتُناط به من الطلبة الآمال قد صنف كتابا جمع فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث ينُاسبهُ قَدْراً وفائدة ويُماَثلهِ حجمْاً وعائدة وسلك في وضعه مَسْلَكه وذهب فيه مَذهَبه ورتَّبَه كما رتّبَه ثم قال : [ واعلم أنه سيبقى بعد كتابي أشياء لم تقع لي ولا وقفتُ عليها لأن كلام العرب لا ينحصر ] . ولقد صدق رحمه اللَّه فإن الذي فَاتَه من الغريب كثيرٌ ومات سنة إحدى وثمانين وخمسمائة .
وكان في زماننا أيضا معاصرُ أبي موسى الإمامُ أبو الفرج عبدُ الرحمن بن علي ابن الجوْزِي البغدادي رحمه اللَّه كان مُتَفنّناً في علومه مُتَنَوِّعا في معارفه فاضلا لكنه كان يَغْلِبُ عليه الوعظ . وقد صَنَّفَ كتابا في غريب الحديث خاصَّة نَهَج فيه طريق الهَرَوي في كتابه وسلك فيه محَجَّته مجردا من غريب القرآن . وهذا لفظه في مقدمته بعد أن ذكر مُصَنَّفي الغريب : قال : [ فَقَوِيت الظُّنون أنه لم يَبْقَ شيء وإذاً قد فاتَهُمْ أشْياء فرأيت أن أبذلَ الوُسع في جمع غريب حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم وأرجو ألاّ يَشذَّ عني مهِمّ من ذلك وأن يُغْنِيَ كتابي عن جميع ما صُنّف في ذلك ] . هذا قوله .
ولقد تتبعت كتابه فرأيتُه مخْتَصراً من كتاب الهروي مُنْتَزَعا من أبوابه شيئاً فشيئاً ووَضعاً فوَضْعاً ولم يزد عليه إلا الكلمة الشّاذّةَ واللفظَة الفاذّة . ولقد قايَسْتُ مازاد في كتابه على ما أخَذَه من كتاب الهروي فلم يكن إلا جزءاً يسيرا من أجزاءٍ كثيرة .
وأما أبو موسى الأصفهاني رحمه اللّه فإنه لم يذكر قي كتابه مما ذكره الهروي إلا كلمة اضطر إلى ذكرها إما لخَلل فيها أو زيادة في شرحها أو وَجْهٍ آخرَ في معناه ومع ذلك فإن كتابَهُ يُضَاهي كتاب الهروي كما سبق لأن وضعَ كتابه استدراكُ ما فات الهَروي .
ولما وقفت على كتابه الذي جعله مُكمّلا لكتاب الهروي ومُتَمِمّا وهو في غاية من الحسن والكمال وكان الإنسان إذا أراد كلمة غريبة يَحْتَاجُ إلى أن يَتَطلّبها في أحد الكتابين فإن وجدها فيه وإلا طَلَبها من الكتاب الآخر وهما كتابان كبيران ذَوَا مجلدات عٍدَّة ولا خفاء بما في ذلك من الكلفة فرأيتُ أن أجمع ما فيهما من غريب الحديث مُجرَّدا من غريب القرآن وأضِيف كل كلمة إلى أختها في بابها تسهيلا لكُلْفة الطلب وتمادت بي الأيام في ذلك أُقدِّم رجلا وأُؤخِّر أخرى إلى أن قَوٍيت العزيمة وخلَصت النية وتحقّقت في إظهار ما في القوة إلى الفعل ويسَّر اللّه الأمر وسهَّله وسنّاه ووفق إليه فحينئذ أمْعَنْتُ النظر وأَنْعَمْتُ الفِكر في اعتبار الكتابين والجمع بين ألفاظهما وإضافة كل منهما إلى نظيره في بابه فَوَجَدْتُهما - على كثرة ما أُدع فيهما من غريب الحديث والأثر - قد فَاتَهُما الكثير الوافرُ فإني في بادِئ الأمر وأوَّل النظر مرّ بِذكري كلماتٌ غريبة من غرائب أحاديث الكتب الصّحاح كالبخاري ومسلم - وكفاك بهما شُهْرَةً في كتب الحديث - لم يَرِدْ شيء منهما في هذين الكتابين فحيث عرفتُ ذلك تنبهتُ لاعتبار غير هذين الكتابين من كتب الحديث المدَوَّنة المصنفة في أول الزمان وأوسطه وآخره . فتتبعتها واسْتَقْرَيْتُ ما حَضَرَني منها واسْتَقْصَيْتُ مُطالَعتها من المَسَانيد والمجاميع وكتب السُّنَن والغرائبِ قديمها وحديثها وكتب اللغة على اختلافها فرأيتُ فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيرا فَصَدَفْتُ حينئذ عن الاقتصار على الجمع بين كتابَيْهما وأضفت ما عَثَرتُ عليه ووَجدتُه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها وأمثالها .
وما أحْسَنَ ما قال الخطّابي وأبو موسى رحمة اللّه عليهما في مُقَدّمَتَيْ كتابَيْهما وأنا أقول أيضا مُقْتَدياً بهما : كم يكونُ قد فَاتَنِي من الكلمات الغريبة التي تشتملُ عليها أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وأصحابِه وتابِعيهم رضي اللّه عنهم جَعَلَها اللّه سبحانه ذَخِيرة لغيري يُظْهِرُها على يده ليُذْكر بها . ولقد صَدَق القائل الثَّاني : كم ترك الأوَّل للآخر فحيث حقق اللّه سبحانه النية في ذلك سَلَكْتُ طريقة الكتابين في التَّرتيب الذي اشتملا عليه والوَضْع الذي حَوياه من التَّقْفِيَةِ على حروف المعجم بالتزام الحرف الأوّل والثَّاني من كلِّ كلمة وإتْبَاعِهما بالحرف الثالث منهما على سِياق الحروف إلا أنّي وجدتُ في الحديث كلماتٍ كثيرةً في أوائلها حروف زائدة قد بُنِيتِ الكلمةُ عليها حتى صارت كأنها من نفسها وكان يَلْتَبِسُ مَوْضِعها الأصْلي على طالبها لا سِيَّما وأكْثَرُ طَلَبةِ غريب الحديث لا يَكادُون يَفْرِقُون بين الأصلي والزائد فرأيتُ أن أثبتَهما في باب الحرف الذي هو في أوّلها وإن لم يكن أصليّاً ونَبَّهتُ عند ذكره على زيادته لئَلاَّ يَرَاها أحد في غير بابها فيظنّ أني وضعتُها فيه للجهل بها فلا أُنْسَبُ إلى ذلك ولا أكون قد عَرَّضتُ الواقف عليها لِلغيِبَة وسوء الظن ومع هذا فإن المُصِيبَ بالقول والفِعْل قليل بل عَدِيم . ومَن الذي يأمَن الغلطَ والسهوَ والزَّلل ؟ نسأل اللّه العصمةَ والتوفيق .
وأنا أسأل مَن وَقَف على كتابي هذا وَرَأى خطأ أو خللا إن يُصْلِحه ويُنَبّه عليه ويُوضّحَه ويُشيرَ إليه حائزا بذلك مني شكرا جميلا ومن اللّه تعالى أجرا جزيلا .
وجعلتُ على ما فيه من كتاب الهروي ( هاء ) بالحمرة وعلى ما فيه من كتاب أبي موسى ( سينا ) وما أضفتهُ من غيرهما مهملا بغير علامة ليتميز ما فيها عما ليس فيها .
وجميع ما في هذا الكتاب من غريب الحديث والآثار ينقسم قسمين : أحدهما مُضاف إلى مُسمًّى والآخَر غير مُضاف فما كان غيرَ مضاف فإن أكثره والغالبَ عليه أنه من أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا الشيء القليل الذي لا تُعْرف حقيقتُه هل هو من حديثه أو حديث غيره وقد نبَّهْنَا عليه في مواضعه . وأما ما كان مضافا إلى مسمى فلا يخلو إما أن يكون ذلك المسمّى هو صاحبَ الحديث واللفظُ له وإما أن يكون راويا للحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو غيره وإما أن يكون سببا في ذكر ذلك الحديث أضيفَ إليه وإما أن يكون له فيه ذكرٌ عَرف الحديث به واشتهر بالنسبة إليه وقد سميتُه : " النهايةَ في غريب الحديث والأثر " .
وأنا أرغب إلى كرم اللّه تعالى أن يجعل سعيي فيه خالصا لوجهه الكريم وأن يتقبلَهُ ويجعله ذخيرةً لي عنده يَجْزِيني بها في الدار الآخرة فهو العالم بمُودَعَاتِ السَّرَائر وخَفيَّات الضَّمائر . وأن يَتَغَمَّدَني بفضله ورحمته ويَتَجاوز عنّي بسَعَة مغفرته . إنه سميع قريب . وعليه أتوكل وإليه أنيبُ