وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بسم الله الرحمن الرحيم .
أحْمدُ اللّه على نعمه بجميع مَحامده وأُثني عليه بآلائه في بادئ الأمر وعائِدِه وأشكره على وافر عطائه ورافِدِه وأعترف بلُطْفه في مَصادر التوفيق ومَوارده .
وأَشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله شهادَةَ مُتَحَلٍّ بقلائد الإخلاص وفرائِدِه مستقل بإحكام قواعد التوحيدِ ومَعَاقدِهِ .
وأصلي على رسوله جامعِ نَوافر الإيمان وشَوارِدِه ورافع أعلام الإسلام ومَطارِدِه ( المطارد جمع مطرد - على وزن منبر - : الرمح القصير ) وشارع نَهْج الهُدى لقاصِدِه وهادي سبيل الحق وماَهِدِه وعلى آله وأصحابه حُماة معالم الدين ومَعاهِدِه ورَادَةِ مَشْرَعِهِ السائغ لوارِدِه .
أما بعد فلا خلاف بين أُولي الألباب والعقول ولا ارتياب عند ذَوِي المعارف والمحصول أنّ علم الحديث والآثار من أشرف العلوم الإسلامية قَدْرا وأحسنِها ذكرا وأكملها نفْعا وأعظمها أجرا .
وأنه أحَدُ أَقطاب الأسلام التي يَدُورُ عليها ومعاقِدِهِ التي أضيفَ إليها وأنه فَرْضٌ من فروض الكفايات يجب التزامُه وحق من حقوق الدين يتعين إحكامه واعْتزَامُه .
وهو على هذه الحال - من الاهتمام البيِّن والالتزام المُتعيِّن - ينقسم قسمين : أحدُهما معرفة ألفاظه والثاني معرفة معانيه . ولاشك أن معرفَةَ ألفاظه مُقَدّمةٌ في الرتبة لأنها الأصل في الخطاب وبها يحْصُل التفاهم فإذا عُرِفَتْ تَرتَّبتِ المعاني عليها فكان الإهتمام ببيانها أوْلَى .
ثم الألفاظ تنقَسم إلى مفردة ومركبة ومعرفة المفردة مقَّدمة على معرفة المركبة لأنّ التركيب فَرْعٌ عن الإفراد .
والألفاظ المفردة تنقسم قسمين : أحدهما خاصٌّ والآخر عامٌّ .
أما العام فهو ما يَشْتَرِك في معرفته جُمهور أهل اللسان العربي مما يَدُورُ بَينَهم في الخطاب فهم في معرفته شَرَعٌ سَوَاءٌ أو قريبٌ من السَّواء تَناقَلوه فيما بينهم وتَداوَلوه وتَلقَّفُوه من حال الصِّغَر لضرورة التَّفاهُم وتَعَلموه .
وأما الخاصُّ فهو ما يدور فيه من الألفاظ اللُّغَوية والكلمات الغريبة الحشويَّة التي لا يعرفها إلا من عُنِيَ بها وحافَظَ عليها واستخرَجَها من مظانّها - وقليلٌ ماَ هُمْ - فكان الاهتمام بمعرفة هذا النوع الخاصّ من الألفاظ أهمَّ مما سواه وأولى بالبيان مما عداه ومُقَدَّماً في الرتبة على غيره ومَبدُوًّا في التعريف بذكره إذ الحاجة إليه ضرورية في البيان لازمة في الإيضاح والعِرْفان .
ثم معرفته تنقسم إلى معرفة ذاته وصفاته : أما ذاته فهي معرفة وَزْن الكلمة وبنائها وتأليف حروفها وضَبْطها لئلاّ يتبدّل حرفٌ بحرف أو بناءٌ ببناء . وأما صفاته فهي معرفة حركاتِه وإعرابِه لئَلا يَخْتَلَّ فاعل بمفعول أو خبر بأمر أو غير ذلك من المعاني التي مَبْنَى فَهْمِ الحديث عليها فمعرفة الذات استقل بها علماءُ اللغة والاشتقاق ومعرفة الصفات استقل بها علماء النحو والتَّصريف وإن كان الفريقان لا يكادان يَفْتَرِقاَنِ لاضْطِرارِ كلّ منهما إلى صاحبه في البيان .
وقد عَرفْت - أيّدك اللّه وإيّانا بلُطفه وتوفيقه - : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا وأوضَحَهُمْ بيانا . وأعذَبَهم نُطقا وأسَدَّهم لفظا . وأبيَنَهم لَهجَة وأقومَهم حُجة . وأعرَفَهُم بمواقع الخطاب وأهدَاهم إلى طُرق الصواب . تأييداً إلهِياً ولُطفا سماويا . وعنايَةً رَبَّانية ورعايَةً رُوحانية حتى لقد قال له عليُّ بنُ أبي طالب كرم اللّه وجهه - وسَمِعَهُ يخاطبُ وَفْد بَني نَهْد - : يا رسول اللّه نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال [ أدَّبني رَبّي فأحْسَنَ تَأديبي وَرُبِّيتُ في بني سَعْد ] . فكان صلى اللّه عليه وسلم يُخَاطب العرب على اختلاف شُعُوبهم وقبائلهم وتَبَاين بُطونهم وأفخاذهم وفصائِلِهم كلاًّ منهم بما يفهمون ويُحادثُهم بما يعلمون . ولهذا قال - صَدَّق اللّه قَولَه - : [ أُمرْتُ أن أخاطبَ الناسَ على قَدْر عُقُولهم ] فكأنّ اللّه عزّ وجل قد أعْلَمه ما لم يكن يَعْلَمُه غيرُه من بني أبِيه وجمع فيه من المعارف ما تفرَّق ولم يوجد في قَاصِي العَرَب ودَانِيه . وكان أصحابُه رضي اللّه عنهم ومن يَفِدُ عليه من الْعَرَب يعرفون أكثرَ ما يقوله وما جَهِلوه سألوه عنه فيوضحه لهم .
واسْتمرَّ عصره صلى اللّه عليه وسلم إلى حين وفاته على هذا السَّنَن المستقيم . وجاء العصر الثاني - وهو عصر الصحابة - جاريا على هذا النَّمط سالكا هذا المَنهج . فكان اللسان العربي عندهم صحيحا مَحْرُوسا لا يَتَدَاخَلُهُ الخَلل ولا يَتَطرَّقُ إليه الزَّلَل إلى أن فُتحت الأمصار وخالطَ العربُ غيرَ جنسهم من الروم والفرس والحبش والنَّبَط وغيرهم من أنواع الأمم الذين فتح اللّه على المسلمين بلادَهم وأفاَءَ عليهم أموالَهم ورقابَهُم فاختلطتِ الفرق وامتزجت الألسُن وتداخَلتِ اللغاتُ ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بدّ لهم في الخطاب منه وحفظوا من اللغة ماَلاَ غِنًى لهم في المحاوَرَةِ عنه وتركو ما عداه لعدم الحاجة اليه وأهمَلوه لقلّة الرَّغبة في الباعث عليه فصار بعد كونه من أهمّ المعارف مُطّرَحاً مهجوراً وبعد فَرْضِيَّتهِ اللازمة كأن لم يكن شيئا مذكورا . وتمادتِ الأيامُ والحالة هذه على ما فيها من التَّماسُك والثَّبَات واسْتَمرَّت على سَنَنٍ من الاستقامة والصلاح إلى أن انقرض عصرُ الصحابة والشأنُ قريب والقائمُ بواجب هذا الأمر لقلّته غريب . وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلُّوا في الإتقان عددا واقْتَفَوْا هديَهُمْ وإن كانوا مَدُّوا في البيان يَدَا فما انقضى زمانُهم على إحسانهم إلاّ واللسانُ العربيُّ قد استحال أعجميا أو كَاد فلا ترى المُسْتَقِلَّ به والمحافِظَ عليه إلاّ الآحاد .
هذا والعصرُ ذلك العصرُ القديم والعَهدُ ذلك العهدُ الكريم فجهِل الناس من هذا المُهِمّ ما كان يلزمُهم معرفَتُه وأخّروا منه ما كان يجب تَقْدِمَتُه واتخذوه وراءَهم ظِهْرِيًّا فصار نِسْياً منسياً والمشتغل به عندهم بعيدا قصيّاً فلما أعضَلَ الدَّاء وعزَّ الدَّواء ألهمَ اللّه D جماعة من أولِي المعارف والنُّهَى وذوي البصائر والحِجَى أن صرفوا إلى هذا الشأن طَرَفاً مِن عنَايتهم وجانبا من رِعايَتهم فشَرَّعوا فيه للناس مواردا ومهَّدوا فيه لهم معاَهدا حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياَع وحفظا لهذا المهِم العزيز من الاختلال .
فقيل إن أوّلَ من جَمعَ في هذا الفنّ شيئاَ وألَّف أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنّى التميمي فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابا صغيرا ذا أوراق معدودات ولم تكن قِلَّتُهُ لجهله بغيره من غريب الحديث وإنما كان ذلك لأمرين : أحدهما أن كل مُبْتَدِئ لشىء لم يُسْبَق إليه وَمُبْتَدِعٍ لأمر لم يُتَقَدَّم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر وصغيرا ثم يكبر . والثاني أنَّ الناسَ يومئذ كان فيهم بَقِيةٌ وعندهم معرفة فلم يكن الجهلُ قد عَمّ ولا الخطبُ قد طَمّ .
ثم جَمَع أبو الحسن النَّضْر بن شُميل المازنيّ بعده كتابا في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عُبيدة وشرح فيه وبَسَطَ على صغر حجمه ولُطفه . ثم جمع عبدُ الملك بن قُرَيب الأصمعيّ - وكان في عصر أبي عُبيدة وتأخر عنه - كتابا أحسن فيه الصُّنْعَ وأجاد ونيَّف على كتابه وزاد وكذلك محمد بن المُسْتَنير المعروف بِقُطْرُب وغيره من أئمة اللغة والفقه جمعوا أحاديث تَكَلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذواتِ عِدد ولم يَكَدْ أحدُهم ينفردُ عن غيره بكبير حديث لم يذكره الآخر .
واستَمَرَّتْ الحال إلى زمن أبي عُبيد القاسم بن سلاّم وذلك بعد المائتين فجمع كتابه المشهور َفي غريب الحديث والآثار الذي صار - وإن كان أخيراً - أوّلا لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة والمعاني اللطيفة والفوائد الجمَّة فصار هو القدوةَ في هذا الشأن فإنه أفْنى فيه عمره وأطاب به ذكره حتى لقد قال فيما يروى عنه : [ إني جَمَعْتُ كتابي هذا في أربعين سنة وهو كان خُلاصة عمري ] . ولقد صدق رحمه اللّه فإنه احتاج إلى تَتَبُّع أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على كَثْرتها وآثار الصحابة والتابعين على تَفَرُّقها وتعدُّدِها حتى جمع منها ما احتاج إلى بيانه بطرق أسانيدها وحفظ رُوَتها وهذا فن عزيز شريف لا يوفّقُ له إلا السعداء . وظنَّ رحمه اللّه - على كَثرة تعبه وطول نَصَبه - أنه قد أتى على معظم غريب الحديث وأكثرِ الآثار وما علم أن الشّوْطَ بَطِين ( أي بعيد ) والمنهل مَعِين .
وبقي على ذلك كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه ويعتمدون في غريب الحديث عليه إلى عصر أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتَيْبَة الدِّيَنوَرِي رحمه اللّه فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار حذا فيه حَذْوَ أبي عبيد ولم يُودعْه شيئا من الأحاديث المودعةِ في كتاب أبي عبيد إلا ما دَعَتْ إليه حاجةٌ من زيادة وبيان أو استدراك أو اعتراض فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه . وقال في مقدِّمة كتابه : [ وقد كنتُ زمانا أرى أن كتاب أبي عبيد قد جمع تفسير غريب الحديث وأن النظر فيه مُسْتَغْنٍ به . ثم تَعَقبتُ ذلك بالنظر والتفتيش والمذاكرة فوجدت ما ترك نَحْوا مما ذكر فتتبَّعْتُ ما أغفل وفَسرتُه على نَحْو مما فَسَّر وأرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحدٍ فيه مقال ] . وقد كان في زمانه الإمام إبراهيم بن إسحاق الحَرْبيّ رحمه اللّه وجمع كتابه المشهور في غريب الحديث وهو كتاب كبير ذو مجلدات عِدَّةٍ جم .
ثمَّ صَنّف الناس غيرُ من ذكَرنا في هذا الفنِّ تصانيف كثيرة منهم شَمِرُ بن حَمْدَوَيه وأبو العباس أحمد بن يحي اللغوي المعروف بثعلب . وأبو العباس محمد بن يزيد الثُّمالي المعروف بالمبرَّد . وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري وأحمد بن الحسن الكنْدي . وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب . وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث .
ولم يَخْلُ زمانٌ وعصْرٌ ممن جمع في هذا الفن شيئا وانفرد فيه بتأليف واستبدَّ فيه بتصنيف .
واستمرَّتِ الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن أحمد الخطَابي الْبُسْتي رحمه اللّه وكان بعد الثلثمائة والستين وقبلها فألف كتابه المشهور في غريب الحديث سلك فيه نهج أبي عبيد وابن قُتَيْبة واقتفى هَدْيَهُما وقال في مقدمة كتابه - بعد أن ذكر كتابَيْهما وأَثْنى عليهما - : [ وبقيت ْبعدهما صُبَابةٌ للقول فيها مُتَبَرَّض توليتُ جمعها وتفسيرها مُسْتَرْسلا بحسن هدايتهما وفضل إرشادهما بعد أن مضى عليّ زمان وأنا أحْسِب أنه لم يبقَ في هذا الباب لأحدٍ مُتكلَّم وأن الأوّلَ لم يترُكْ للآخر شيئا وأتّكلُ على قول ابن قُتَيْبَةَ في خطْبَةِ كتابه : إنه لم يبقَ لأحد في غريب الحديث مقال ] .
وقال الخَطابي ايضا بعد أن ذكر جماعة من مُصَنفي الغريب وأثْنى عليهم : [ إلا أن هذه الكُتُبَ على كثرة عَدَدِها إذا حَصَلت كان مآلُها كالكتاب الواحد . إذ كانَ مصنفوها إنما سبيلهم فيها أن يتوالوْا على الحديث الواحد فَيَعْتَوِروه فيما بينهم ثم يتَبَارَوْا في تفسيره ويدخل بعضهم على بعض ولم يكن من شرط المسبوق أن يُفَرِّج للسابق عما أحْرَزَه وأن يقْتَضِب الكلام في شيء لم يُفَسَّرْ قبله على شاَكلة ابن قُتَيْبَة وصنيعه في كتابه الذي عَقَّبَبه كتاب أبي عبيد ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التي ذكرناها أن يكون شيئا منها على مِنْهاج كتاب أبي عبيد في بيان اللفظ وصحة المعنى وجَوْدَة الاستنباط وكثرة الفقه ولا أن يكون من جنس كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحُجة وذكر النظائر وتخليص المعاني وإنما هي أو عامَتُها إذا تقسمت وقعت بين مُقَصِّر لا يورد في كتابه إلا أطْرَافاً وسَواقطَ من الحديث ثم لا يوفِّيها حقها من إشباع التفسير وإيضاح المعنى وبين مُطِيل يسرُدُ الأحاديث المشهورة التي لا يكاد يُشْكل منها شيء ثم يتكلفُ تفسيرها ويُطْنبُ فيها . وفي الكتابين غنى ومَنْدُوحَةٌ عن كلِّ كتاب ذكرناه قبلُ إذ كانا قد أتَيَا على جماع ما تضمنتِ الأحاديث المودعة فيهما من تفسير وتأويل وزادا عليه فصارا أحق به وأملك له ولعل الشيءَ بعد الشيء منها قد يَفُوتُهَما