وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأما الجواب عن إعادة لفظه الأهل في قوله تعالى : " حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها " ولم يقل استطعماهم والمحل محل الإضمار وفيه الإيجاز فقد علم أن البلاغة لا تختص بالإيجاز وإنما هو نوع من أنواعها . وأن مدار حسن الكلام وارتفاع شأنه في القبول بإيراده مطابقاً لمقتضى الحال . فإن كان مقتضى الحال خليقاً ببسط الكلام تعلقت البلاغة ببسطه . وإن كان حقيقاً بالإيجاز كانت البلاغة في إيراده كذلك . ثم قد يعرض للبليغ أمور يحسن معها إيراد الكلام على خلاف مقتضى الظاهر فينزل غير السائل منزلة من يسأل إذا كان قد لوح له بما يقتضي السؤال وينزل غير المنكر منزلة المنكر إذا ظهرت عليه مخايل الإنكار . ويوقع المضمر في موضع الظاهر والظاهر في موضع المضمر إلى غير ذلك من الأمور المذكورة في علم البلاغة . والذي حسن إيقاع الظاهر موقع المضمر في الآية الكريمة أن الظاهر أدل على المعنى الذي وضع اللفظ له من المضمر لأنه يدل عليه بنفسه . والمضمر يدل عليه بواسطة ما يفسره وقصد المتكلم هنا الإخبار عن الذين طلب منهم الإطعام أنهم أهل القرية لأن من غشية الضيف في منزله ولم يعتذر بعذر عن إكرامه بل قابله بالمنع مع ظهور حاجته التي أوجبت له أن يسأل منه ذلك لأن المسألة آخر أسباب الكسب يعلم بذلك أن الحامل له على الامتناع من إضافته لؤم الطبع واتباع مذموم البخل والشح المطاع كما قال الشاعر : من الطويل .
حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع .
حتى روي عن النبي A أنه قال : كانوا أهل قرية لئاماً ومن كانت هذه سجيته وهذا حاله كان حرياً بالإعراض عنه وعدم مقابلته بالإحسان إليه . فلما رأى موسى صلوات الله عليه إصلاح الخضر عليه السلام لجدار مشرف على السقوط في القرية التي هؤلاء أهلها من غير طلب أجر على ذلك منهم مع الحاجة إلى ذلك عجب من ذلك وأنكره حتى كأنه نسي ما قدمه من وعده إياه بالصبر وبعدم المصاحبة إن سأله عن شيء بعد ذلك مع حرصه على صحبته والتعلم منه . وكان في إعادة لفظه الأهل في الآية الكريمة إقامة لعذر موسى عليه السلام في الاعتراض في هذه الحالة لأنها حالة لا يصبر عن الاعتراض فيها لأن حالهم يقتضي بذل الأجرة في إصلاح أمر دنياوي لحرصهم وشحهم . فترك طلب الأجرة على إصلاح ذلك مع الضرورة والحاجة وقع إحساناً إلى أهلها الذين قابلوهما بالمنع عن الضيافة .
وكانت البلاغة متعلقة بلفظه الأهل التي هي الحاملة على الإعراض ظاهراً فأطلعه الخضر عليه السلام بأن الجدار إنما كان ليتيمين من أهلها . واليتيم محل الرحمة وليس محلاً لأن يطلب منه أجرة إما لعجزه لفقره وهو الظاهر أو لأنه لا يجوز تصرفه في ماله ولهذا قال : " رحمة من ربك " ولم يكن لأهلها الذين أبوا أن يضيفونا والله سبحانه وتعالى أعلم . قلت : جواب الشيخ نجم الدين C تعالى في غاية الحسن . وهو كلام عارف بهذا الفن جار على القواعد . والذي قاله الشيخ جمال الدين ابن الحاجب C تعالى في الجواب عن ذلك ملخصه أنه إنما أعاد اللفظ بلفظ الظاهر لأمرين أحدهما : أن استطعم صفة ل قرية فلو قال : استطعماها لكان مجازاً إذ القرية لا تستطعم فلا بد من ذكر الضمير ولا يمكن ذكره وهو مضاف إليه إلا بذكر المضاف ولا يمكن ذكر المضاف مضمراً فتعين ذكره مظهراً . ولا يرد عليه أن استطعما جواب ل إذا لا صفة ل قرية لأنا نقول : لقوله في القصة الأخرى : " حتى إذا لقيا غلاماً فقتله " فقال : ها هنا جواب إذا متعين ولا يستقيم أن يكون فقتله جوابه إذ الماضي الواقع في جواب إذا لا يكون بالفاء فتعين فيه . قال : والظاهر أن الجواب في القصة الأخرى هكذا لأنها في مساق واحد .
الثاني أن الأهل لو أضمر لكان مدلوله مدلول الأول ومعلوم أنه جمع الأهل ألا ترى أنك إذا قلت : أتيت أهل قرية كذا إنما تعني : وصلت إليهم فلا خصوصية لبعضهم . والاستطعام في العادة إنما يكون لمن يلي النازل بهم وهم بعضهم فوجب أن يقال : استطعما أهلها لئلا يفهم أنهم استطعموا جميع الأهل وليس كذلك . وقد أجابني عن هذا السؤال أيضاً مولانا قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي السبكي أمتعنا الله بفوائده بجواب طويل نظم ونثر وقد كتبته بخطي وقرأته عليه وهو مثبت في التذكرة