@ 361 @ .
وقوله ( شيباً ) تمييز محول عن الفاعل في أظهر الأعاريب . خلافاً لمن زعم أنه ما ناب عن المطلق من قوله ( واشتعل ) لأنه اشتعل بمعنى شاب ، فيكون ( شيباً ) مصدراً منه في المعنى ومن زعم أيضاً أنه مصدر منكر في موضع الحال . .
وهذا الذي ذكره الله هنا عن زكريا في دعائه من إظهار الضعف والكبر جاء في مواضع أخر . كقوله هنا : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً } ، وقوله في ( آل عمران ) : { وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ } . وهذا الذي ذكره هنا من إظهار الضعف يدل على أنه ينبغي للداعي اظهار الضعف والخشية والخشوع في دعائه . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } أي لم أكن بدعائي إياك شقيا ، أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك ، يعني أنك عودتني الإجابة فيما مضى . والعرب تقول : شقى بذلك إذا تعب فيه ولم يحصل مقصوده . وربما أطلقت الشقاء . على التعب ، كقوله تعالى : { إِنَّ هَاذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } وأكثر ما يستعمل في ضد السعادة . ولا شك أن إجابة الدعاء من السعادة ، فيكون عدم إجابته من الشقاء . .
قوله تعالى عن زكريا : { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } . .
معنى قوله : { خِفْتُ الْمَوَالِىَ } أي خفت أقاربي وبني عمي وعصبتي : أن يضيعوا الدين بعدي ، ولا يقوموا لله بدينه حق القيام ، فأرزقني ولداً يقوم بعدي بالدين حق القيام . وبهذا التفسير تعلم أن معنى قومه ( يرثني ) أنه إرث وعلم ونبوة ، ودعوة إلى الله والقيام بدينه ، لا إرث مال . ويدل لذلك أمران : .
أحدهما قوله { وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ } ومعلوم أن آل يعقوب انقرضوا من زمان ، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين . .
والأمر الثاني ما جاء من الأدلة على أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يورث عنهم المال ، وإنما يورث عنهم العلم والدين . فمن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا نورث ، ما تركنا صدقه ) . ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخان أيضاً عن عمر رضي الله عنه أنه قال لعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير وسعد ، وعلي ، والعباس ، رضي الله عنهم : أنشدكم الله