وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : ويملك الحر ثلاث تطليقات والعبد تطليقتين .
يملك الحر على زوجته حرة كانت أو أمة ثلاث تطليقات لما روى أنس Bه قال : جاء رجل إلى النبي A فقال : إني أسمع الله يقول { الطلاق مرتان } فأين الثالثة فقال E [ إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ] صححه ابن القطان وبرهن عليه وقال الدارقطني : الصواب إرساله وبهذا فسرت عائشة وابن عباس Bهم وقيل الثلاثة في قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } الآية ولأنه حق خالص للزوج يختلف بالرق والحرية فكان كعدد الزوجات وأما العبد فلا يملك إلا تطليقتين لقوله E [ طلاق العبد ثنتان ] وروى الشافعي أن مكاتبا لأم سلمة طلق حرة طلقتين وأراد الرجعة فسأل عثمان ومعه زيد بن ثابت Bهما فابتدراه وقالا : حرمت عليك ولا فرق بين القن والمدبر والمكاتب وكذا المبعض ومتى طلق الحر أو العبد جميع ما يملك لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتها والله أعلم قال : .
ويصح الاستثناء في الطلاق إذا وصله به .
الاستثناء صحيح معهود وفي الكتاب والسنة موجود ثم تارة يقع في العدد وتارة يقع بلفظ المشيئة فإن وقع في العدد فله شرطان : أحدهما يكون متصلا باللفظ فإن انفصل فهو باطل وسكتة التنفس والعي لا يمنعان الاتصال قال إمام الحرمين : والاتصال المشروط هنا أبلغ من اشتراطه بين الإيجاب والقبول لأنه يحتمل بين كلامي الشخصين ما لا يحتمل بين كلام شخص واحد ولهذا لا ينقطع التخلل بين الإيجاب والقبول كلام يسير على الأصح وينقطع الاستثناء على الصحيح وهل يشترط قرن الاستثناء بأول اللفظ ؟ فيه وجهان : أحدهما لا بل لو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى حكم بصحة الاستثناء وثانيهما وادعى الفارسي الإجماع عليه لا يصح الاستثناء حتى يتصل بأول الكلام قال النووي : الأصح وجه ثالث وهو صحة الاستثناء بشرط وجود النية قبل فراغ اليمين وإن لم يقارن أولها والله أعلم ثم ما ذكرناه من اتصال اللفظ واقتران القصد بأول الكلام يجري في الإستثناء بألا وأخواتها وسواء في ذلك التعليق بالمشيئة وسائر التعليقات الشرط الثاني أن لا يكون الاستثناء مستغرقا فإن استغرق فهو باطل ويقع الجميع والله أعلم .
مثاله قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو اثنتين متصلا مع النية المعتبرة لم يقع المستثنى فإن قال : إلا ثلاثا وقع الثلاث للإستغراق والله أعلم أما إذا كان الاستثناء بالمشيئة بأن قال : أنت طالق إن شاء الله فينظر إن سبقت إن شاء الله إلى لسانه لتعوده لها كما هو الأدب أو قصد التبرك بذكر الله تعالى أو قصد الإشارة إلى أن الأمور كلها بمشيئة الله أو لم يقصد تعليقا محققا لم يؤثر على ذلك ووقع الطلاق وإن قصد التعليق حقيقة لم تطلق على المذهب لأمرين : أحدهما وهو طريق المتكلمين أنه يقتضي مشيئة جديدة ومشيئة الله تعالى قديمة فإذا تعذرت الصفة لم تطلق والثاني وهو طريق الفقهاء أنا لم نتحقق وجود المشيئة فلم تطلق لأن الأصل بقاء النكاح كما لو علق بمشيئة زيد فمات ولم تعلم مشيئته فإنها لا تطلق وفي الحديث أنه E قال : [ من أعتق أو طلق واستثنى فله ثنياه ] بالقياس على غيره من الشروط كما لو قال : أنت طالق إن شاء أبوك أو أمك أو شئت ونحو ذلك ولا فرق في الاستثناء بين أن يقول : أنت طالق إن شاء الله أو إن شاء الله فأنت طالق أو متى شاء أو إذا شاء الله وكذا لو قال : إن شاء الله أنت طالق وفي هذه الصيغة وجه أنه يقع ولو قال : أنت طالق أن شاء الله بفتح الهمزة حكى في أصل الروضة هنا ثلاثة أوجه فقال : ولو قالت : أنت طالق إن شاء الله بفتح الهمزة وقع في الحال وفي وجه لا يقع وفي ثالث يفرق بين عارف النحو وغيره واختاره الروياني ومقتضاه وقوع الطلاق على الصحيح لكنه صحح من زيادته خلاف ذلك ذكره قبيل الفصل المعقود للتعليق بالحمل فقال هناك في أصل الروضة : إن الشرطية بكسر الهمزة فإن فتحت صارت للتعليل فإذا قال : أنت طالق أن لم أطلقك بفتح الهمزة في الحال إلا أن يكون الرجل ممن لا يعرف اللغة ولا يميز بين إن وأن وقال : قصدت التعليق فيصدق وقال الرافعي : وهذا أشبه وقال النووي من زيادته : إن من لم يعرف اللغة لا يقع عليه مطلقا ويحمل على التعليق قال : وهو الأصح وبه قطع الأكثرون والله أعلم انتهى ملخصا .
ولو قال : أنت طالق إن لم يشأ الله أو إذا لم يشأ الله لم تطلق على الصحيح الذي قطع به الجمهور ولو قال : أنت طالق إلا أن يشاء الله تعالى فوجهان : أصحهما في أصل الروضة لا يقع الطلاق كما لو قال : أنت طالق إن شاء الله والثاني يقع الطلاق وبه قال العراقيون لأنه أوقع الطلاق وجعل الملخص منه مشيئة الله وهي غير معلومة فلا يحصل الخلاص كما لو قال : أنت طالق إلا أن يشاء زيد ولم يعلم بمشيئته فإنه يقع الطلاق والقائلون بالصحيح يقولون : إن هذا تعليق بعدم المشيئة وهي غير معلومة وأيضا فمعناه حصر الوقوع في حال عدم مشيئة الوقوع وهو تعليق على مستحيل لأن الوقوع بخلاف مشيئة الله محال والتعليق على المستحيل لا يقع به طلاق كما لو قال : أنت طالق إن صعدت السماء وهذا ما صححه الإمام والغزالي وغيرهما وجرى عليه القفال ونقله عن نص الشافعي قال الرافعي : وهو أقوى ولهذا صححه النووي في أصل الروضة : يعني عدم الوقوع والله أعلم .
مسألة قال : أنت طالق إن شاء الله ولم يقصد تبركا ولا تعليقا بل أطلق فهل يقع الطلاق أم لا ؟ وهذه الحالة وهي حالة الإطلاق لم يذكرها الرافعي ولا النووي قال الأسنوي : وحكمه أن لا يقع والله أعلم .
( فائدة ) إذا فرعنا على المذهب أن قوله : إن شاء الله لا يقع معه طلاق بشروطه كذلك أيضا الاستثناء يمنع انعقاد التعليق كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار ونحوه إن شاء الله ويمنع أيضا العتق كقوله : أنت حر إن شاء الله ويمنع إنعقاد النذر واليمين ويمنع صحة البيع وسائر التصرفات والله أعلم قال : .
ويصح تعليقه بالصفة والشرط .
كما يصح تنجيز الطلاق كذلك يصح تعليقه واستأنس الأصحاب لذلك بقوله E [ المؤمنون عند شروطهم ] وقاسوه على العتق فإن العتق ورد بالتدبير وهو تعليق عتق بالموت والطلاق والعتاق يتقاربان في كثير من الأحكام والمعنى في ذلك أن المرأة قد تخالف الزوج في بعض مقاصده ويكره طلاقها لكون الطلاق أبغض المباحات إلى الله ولكنه يرجو موافقتها فيعلق طلاقها بفعل ما يكرهه أو ترك ما يريده فإن تركت ما يكرهه أو فعلت ما يريده فذاك وإلا فهي مختارة للطلاق كذا قاله الرافعي وفيه منازعة من جهة أن المعنى الذي ذكره يقتضي وجود التعليق عند وجوده لا عند عدمه ولا قائل بالفرق وأيضا فالقياس على العتق ممنوع فإنه ضده لأن العتق محبوب إلى الله سبحانه وتعالى فناسب أن يوسع فيه بالتطليق والطلاق مبغوض إلى الرب فلا يناسب ذلك ولهذا روي أنه E قال لمعاذ بن جبل Bه : [ ما خلق الله D على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق ] فإذا عرفت هذا فاعلم أن التعليق بالصفة والشرط باب متسع جدا فتقتصر على بعض الأمثلة ليدل على ما ذكرناه على ما لم نذكره إذ هذا الكتاب لا يليق به الاتساع وقبل ذكر الأمثلة يعلم أن الطلاق إذا علق على شرط لم يجز الرجوع في التعليق وسواء علقه بشرط معلوم الحصول أو محتمله لا يقع الطلاق إلا بوجود الشرط ولا يحرم الوطء قبل وجود الشرط ووقوع الطلاق ولو شك في وجود الصفة أو الشرط المعلق عليهما لم يقع طلاق إذ الأصل عدم ذلك ولو علق الطلاق بصفة ثم قال : عجلت تلك الطلقة المعلقة لا يتعجل على الصحيح .
فمن الأمثلة ما إذا قال لزوجته عند التخاصم أو غيره : أنت طالق إن شئت فيشترط مشيئتها في مجلس التجاوب : يعني التخاطب فإن أخرت لم تطلق وإن قالت : شئت على الفور طلقت ووجه اشتراط الفور بشيئين : أحدهما أن هذا التعليق استدعاء رغبة جواب منها فينزل منزلة القبول في العقود والثاني أن يتضمن تخييرها وتمليكها البضع فكان كما لو قال : طلقي نفسك ولو قال لها : طلقي نفسك فهو تفويض الطلاق إليها وهو تمليك الطلاق على الجديد فيشترط لوقوع الطلاق تطليقها على الفور وكذا لو قال : طلقي نفسك على كذا : يعني على مائة ونحوها فيشترط الفور وتبين منه ويلزمها المسمى فلو أخرت وطلقت لم يقع هذا إذا كانت الزوجة مكلفة راضية أما لو كانت مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تطلق فإن كانت مميزة فوجهان : صحح النووي أنها لا تطلق أيضا ولو كانت غير راضية في الباطن طلقت في الظاهر وهل تطلق باطنا ؟ وجهان : أحدهما لا يقع وبه قال غير واحد كما لو علق على حيضها فقالت : حضت وهي كاذبة فإنه لا يقع باطنا والأصح في المحرر والمنهاج والتهذيب وبه قال القفال وغيره : أنه يقع لأن التعليق في الحقيقة بلفظ المشيئة وقد وجدت لا بما في الباطن ولو شاءت بقلبها ولم تنطق بلسانها قال الإمام : الذي يجب القطع به أنها لا تطلق ظاهرا ولا باطنا لأن الكلام الجاري على النفس ليس جوابا وأبدى الرافعي في الوقوع ترددا وحكى في الروضة في ذلك وجهين ولو قالت : شئت فكذبها فإن قلنا إن المعلق عليه اللفظ فالقول قوله وإن قلنا ما في نفس الأمر فالقول قولها حكاه مجلي ولو علق الطلاق بمشيئتها لا على مخاطبته لها فقال : زوجتي طالق إن شاءت لم تشترط المشيئة على الفور على الأصح سواء كانت حاضرة أم غائبة ولو قال لأجنبي : إن شئت فزوجتي طالق فالأصح أنه لا يشترط مشيئته على الفور إذ لا تمليك له ولو قال : إن شئت وشاء فلان فأنت طالق اشترط مشيئتها على الفور وفي مشيئة فلان وجهان : الصحيح لا يشترط الفور وإذا علق بمشيئتها فأراد أن يرجع مشيئتها لم يكن كسائر التعليقات ثم هذا كله إذا علق بقوله : أنت طالق إن شئت أما إذا قال : أنت طالق متى شئت طلقت متى شاءت وإن فارقت المجلس لأنه تعليق على صفة لا تقتضي فورا ولو قال : أنت طالق إن شئت أنا فمتى شاء وقع الطلاق ولو قال : أنت طالق كيف شئت قال البغوي وأبو زيد والقفال : تطلق شاءت أم لم تشأ وقال الشيخ أبو علي : لا تطلق حتى توجد مشيئته في المجلس : مشيئة أن تطلق وأن لا تطلق قال البغوي : وكذا الحكم إذا قال على : أي وجه شئت كذا نقله الرافعي هنا ثم أعاد ذلك في باب العتق قبيل الولاء واقتضى نقله هناك رجحان اشتراط المشيئة والله أعلم .
ومنها إذا قال : أنت طالق إلا أن يشاء أبوك أن لا تطلقي فلا يقع طلاق كما لو قال : إلا أن لا يدخل أبوك الدار فإنها لا تطلق إذا دخل ولو قال : أنت طالق لولا أبوك لم تطلق على الصحيح ومنها له زوجتان فقال : من أخبرتني منكما بكذا فهي طالق فلفظ الخبر يقع على الصدق والكذب ولا يختص بالخبر الأول فإن أخبرتاه صادقتين أو كاذبتين معا أو على الترتيب طلقتا معا وسواء قال : من أخبرتني منكما بقدوم زيد ونحوه أو من أخبرتني أن زيدا قدم أو بأن زيدا قد قدم على الصحيح ومنها أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم نهارا طلقت ويتبين الوقوع من أول النهار على الصحيح وقيل يقع الطلاق عقب القدوم فلو ماتت ثم قدم زيد ذلك اليوم فعلى الصحيح ماتت مطلقة فلا يرثها الزوج إن كان الطلاق بائنا وكذا لو مات الزوج بعد الفجر فقدم زيد في يومه لم ترث منه ولو خالعها في أول النهار ثم قدم زيد فعلى الصحيح الخلع باطل إن كان الطلاق المعلق بقدوم زيد بائنا وإن كان رجعيا فعلى الخلاف في خلع الرجعية : والأظهر صحة خلع الرجعية لأنها زوجة ولو قدم زيد ليلا لم تطلق على المذهب الذي قطع به الجمهور والله أعلم ومنها إذا قال : إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت طالق أو أنت طالق إن دخلت الدار أو كلمت زيدا طلقت بأيهما وجد وتنحل اليمين فلا يقع بالصفة الأخرى شئ ولو قال : إن دخلت الدار وإن كلمت زيدا بلا ألف فأنت طالق فدخلت وكلمته وقع طلقتان وبإحدى الصفتين طلقة وإن قال : إن دخلت وكلمت بلا إذن فأنت طالق فلا بد من وجود الدخول والتكليم ويقع طلقة واحدة وسواء تقدم الكلام على الدخول أو تأخر على الصحيح وقيل يشترط تقدم الدخول فلو أتي بثم بأن قال : إن دخلت الدار ثم كلمت زيدا فلا بد منهما ويشترط تقدم الدخول والله أعلم .
ومنها إذا قال : إن أكلت هذا الزبيب فأنت طالق فأكلته طلقت فإن تركت واحدة فلا يحنث ويقاس بهذا أشباهه ولو قال : إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فأكلته إلا فتاتا قال القاضي حسين : لا يحنث كما لو قال : إن أكلت هذه الرمانة فأنت طالق فأكلتها إلا حبة فإنه لا يحنث وقال الإمام : وإن بقي قطعة تحس ويجعل لها موضع لم يحنث وربما يضبط بأن تسمى قطعة خبز وإن دق مدركه لم يبق له أثر في بر ولا حنت قال الرافعي : والوجه تنزيل إطلاق القاضي حسين على هذا التفصيل والله أعلم ومنها لو وقع حجر في الدار فقال : إن لم تخبريني هذه الساعة من رماه وإلا فأنت طالق ففي فتاوى القاضي حسين أنها إن قالت : رماه مخلوق لم تطلق وإن قالت : رماه آدمي طلقت لجواز أن يكون رماه الهوى أو هرة لأنه وجد سبب الحنث وشككنا في المانع وشبهوه بما إذا قال : أنت طالق إلا أن يشاء زيد اليوم فمضى اليوم ولم تعرف مشيئته فإن يقع الطلاق على خلاف فيه سبق هذا كلام الروضة هنا وذكر في آخر الباب الرابع أنه لو قال : أنت طالق إن لم يشأ زيد أو إن لم يدخل الدار أو إن لم يفعل كذا ومات ولم يعلم وجود الصفة فالأكثرون قالوا بالوقوع عند الشك لأن الأصل في عدم وجود المعلق عليه وإختاره الإمام عدم الوقوع قال الرافعي : وهو أوجه وأقوى قال النووي : الأصح عدم الوقوع للشك في الصفة الموجبة للطلاق والله أعلم قلت : وإيضاح ما قاله النووي : أنه وإن كان الأصل عدم مشيئة زيد أو عدم دخول الدار إلا أن عارضه أصل النكاح واحتمال وجود مشيئة زيد ودخوله الدار ممكن فضعف أصل عدم الدخول والمشيئة بهذا الإحتمال ولا كذلك النكاح وقياس المصحح هناك عدم الوقوع في مسئلة الحجر لاحتمال صدقها فيما أخبرت به مع أن الخبر يصدق على الصدق والكذب والله أعلم .
ومنها لو قال : كل كلمة كلمتيني بها إن لم أقل مثلها فأنت طالق فقالت المرأة : أنت طالق ثلاثا فطريق الخلاص من ذلك أن يقول : أنت تقولين أنت طالق ثلاثا إن شاء والله أعلم ومنها لو قيل يا زوج القحبة فقال : إن كانت امرأتي بهذه الصفة فهي طالق نظر إن قصد التخلص من عارها وقع الطلاق وإلا فهو تعليق فينظر إن كانت بالصفة المذكورة طلقت وإلا فلا وكذا لو قالت له : يا خسيس فقال : إن كنت كما تقولين فأنت طالق نظر إن أراد المكافأة طلقت سواء كان خسيسا أم لا وإن قصد التعليق لم تطلق إلا بوجود الخسية وإن أطلق ولم يقصد المكافأة ولا حقيقة اللفظ فهو للتعليق فإن عم العرف بالمكافأة كان على الخلاف في أنه يراعي الوضع أو العرف والأصح وبه قطع المتولي مراعاة اللفظ فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا فأجاب القاضي حسين بمقتضى الوجه الآخر فإن شك في وجود الصفة فالأصل أن لا طلاق والله أعلم .
ومنها لو قالت له : يا أحمق فقال : إن كنت أحمق فأنت طالق فالأمر راجع مع معرفة الأحمق قال الرافعي : قال أبو العباس الروياني : الأحمق من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصانا بينا بلا سبب ولا مرض وقال النووي : قال صاحبا المهذب والتهذيب : الأحمق من يفعل الشئ في غير موضعه مع العلم بقبحه وفي التتمة والبيان أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه وفي الحاوي الكبير من يضع كلامه في غير موضعه فيأتي بالحسن في موضع القبيح وعكسه وقال ثعلب : الأحمق من لا ينتفع بعقله والله أعلم ومنها قال رجل لزوجته : سرقت أو زنيت فقالت : لم أفعل ذلك فقال : إن كنت سرقت أو زنيت فأنت طالق حكم بوقوع الطلاق في الحال بإقراره السابق كذا قاله الرافعي والنووي جازمين به وفيه نظر ومنها لو قال : إن ضربتك فأنت طالق فتطلق إذا حصل الضرب بالسوط أو الوكز أو اللكز ولا يشترط أن لا يكون حائل ويشترط الايلام على الأصح والعض وقطع الشعر لا يسمى ضربا فلا يقع به الطلاق وتوقف المزني في العض ولو قصد ضرب غيرها فأصابها طلقت ولم يقبل قوله لأن الضرب تيقن ويحتمل أن يصدق قاله البغوي في فتاويه ومنها لو قال : إن رأيت فلانا فأنت طالق فرأته حيا أو ميتا أو نائما طلقت ويكفي رؤية شئ من بدنه وإن قل وقيل يعتبر الوجه وإن رأته مستورا أو ان رأته في المنام لم تطلق وإن رأته في ماء صاف أو من وراء زجاج شفاف طلقت على الصحيح ومنها لو قالت : إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمته ولو كان سكرانا أو مجنونا طلقت قال ابن الصباغ : يشترط أن يكون السكران بحيث يسمع ويتكلم ولو كلمته وهو مغمى عليه أو وهو نائم لم تطلق وإن كلمته وهي مجنونة قال ابن الصباغ : لا تطلق وعن القاضي حسين أنها تطلق قال الرافعي : والظاهر تخريجه على حنث الناسي وإن كلمته وهي سكرانة طلقت على الأصح ولو خفضت صوتها بحيث لا يسمع لم تطلق وإن وقع في سمعه شئ فهو المقصود اتفاقا لأنه لا يقال كلمته ولو نادته من مسافة بعيدة لا يسمع منها الصوت لم تطلق فلو حملت الريح كلامها ووقع في سمعه فالمذهب أنها لا تطلق وإن كانت المسافة بحيث يسمع فيها الصوت فلم يسمع لذهول أو شغل طلقت فإن لم يسمع لعارض ريح أو لصمم فيه وجهان لم يصحح الرافعي ولا النووي هنا شيئا وصحح الرافعي في الشرح الصغير الوقوع وجزم به في الشرح الكبير في صلاة الجمعة عند إسماع أربعين إلا أنه فرض المسألة في الصمم فقط ونقله في التتمة عن نص الشافعي وأما النووي فإختلف تصحيحه فصحح في تصحيح التنبيه أنه لا يقع وجزم في صلاة الجمعة بالوقوع والله أعلم .
ومنها لو قال : إن سرقت مني شيئا فأنت طالق فدفع إليها كيسا فأخذت منه شيئا لا تطلق لأنه خيانة لا سرقة قلت : كذا جزم به الرافعي والنووي وفيه نظر من جهة أن العامي لا يفرق بين السرقة والخيانة فإذا فسرت السرقة بالخيانة وأخذنا بذلك أوقعنا عليه الطلاق عملا بعرفه واعتقاده والله أعلم .
ومنها لو قال المديون لصاحب الدين : إن أخذت مالك علي فامرأتي طالق فأخذه صاحب الدين مختارا طلقت امرأة المديون سواء كان المديون مختارا في الإعطاء أو مكرها وسواء أعطى بنفسه أو استسفله صاحب الدين قال البغوي : وكذا لو أخذه الحاكم ودفعه إلى صاحب الدين وفي كتب العراقيين لا يقع الطلاق إذا أخذه الحاكم ودفعه إليه لأنه إذا أخذه الحاكم برئت ذمة المديون وصار المأخوذ حقا لصاحب الدين فلا يبقى له حق عليه ولا يصير بأخذه من الحاكم آخذا حقه من المديون ولو قضى حقه أجنبي قال الدارمي : لا تطلق لأنه بدل حقه لا حقه بنفسه ولو قال : إن أخذت حقك منى لم تطلق بإعطاء وكيله ولا بإعطاء السلطان من ماله فإن أكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه فعلى القولين في المكره ولو قال : إن أعطيتك حقك فامرأتي طالق فأعطاه باختياره طلقت سواء كان الآخذ مختارا في الأخذ أم لا ولا تطلق بإعطاء الوكيل والسلطان لأنه لم يعطه وإنما أعطاه غيره قلت : هذا صحيح أراد أن لا يعطيه بنفسه أو أطلق أما إذا أراد بالإعطاء عدم الوفاء وبقاء الحق عليه فيحنث بإعطاء الوكيل والحاكم لأنه غلظ على نفسه لأن صرف اللفظ عن حقيقته إلى المعنى المجازي الصحيح مستعمل فيعمل به والله أعلم .
ومنها إذا قال : إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاده طلقت وكذا لو قال : اعرفي ذلك طلقت لأنه كلمها ولو قال : إن بدأتك بالكلام فأنت طالق أو بالسلام فأنت طالق فبدأته لم تطلق وتنحل اليمين والله أعلم .
ومنها سئل القاضي حسين عن امرأة صعدت السطح بالمفتاح فقال : إن لم تلق المفتاح فأنت طالق فلم تلقه ونزلت به فقال : لا يقع الطلاق ويحمل قوله إن لم تلقه على التأبيد كما قال أصحابنا فيمن دخل عليه صديقه فقال : تغد معي فامتنع فقال : إن لم تتغد معي فامرأتي طالق فلم يفعل لا يقع الطلاق فلو تغدى بعد ذلك معه وإن طال الزمان انحلت يمينه وإن نوى أن يتغدى معه في الحال فامتنع وقع الطلاق ورأى البغوي حمل المطلق على الحال لأجل العادة وسئل القاضي أيضا عن رجل قال لامرأته : إن لم تبيعي هذه الدجاجات فأنت طالق فقتلت واحدة منهن طلقت لتعذر بيع الجميع وإن ذبحت واحدة وباعتهن مع المذبوحة لم تطلق وسئل عمن قال : إن قرأت سورة البقرة في صلاة الصبح فأنت طالق فقرأتها ثم فسدت صلاتها في الركعة الثانية لم تطلق على الصحيح لأن الصلاة عبادة واحدة يفسد أولها بفساد آخرها والله أعلم .
ومنها لو قال : لزوجته إن غسلت ثوبي فأنت طالق فغسلته أجنبية ثم غمسته زوجته في الماء تنظيفا ففي فتاوى القاضي حسين أنها لا تطلق لأن العرف في مثل هذا يغلب والمراد بالعرف الغسل بالصابون والأشنان ونحوهما وإزالة الوسخ وقال غير القاضي : إن أراد الغسل من الوسخ لم تطلق وإن أراد التنظيف حنث وإن أطلق فلا حنث هذا كلام الروضة وقوله فلا حنث سهو لموافقته لما قبله وصوابه حنث وكذا هو في الرافعي والله أعلم .
ومنها لو حلف شخص أنه لا يخرج من البلد حتى يقضي دين فلان بالعمل فعمل له ببعض دينه وقضى الباقي من موضوع آخر ثم خرج طلقت فلو قال : أردت أني لا أخرج حتى أخرج إليه من دينه وأقضي حقه قبل قوله في الحكم قاله البغوي في فتاويه .
ومنها حلف شخص أن هذا الذي أخذه من فلان وشهد به عدلان أنه ليس ذلك طلقت على الصحيح لأنها وإن كانت شهادة على النفي إلا أنه نفي يحيط به العلم كذا نقله الرافعي عن أبي العباس الروياني وأقره وتبعه النووي قال الاسنوي : الحنث غير صحيح على قاعدته فإنه إذا حلف معتقدا أنه ذلك الشئ وليس إياه لكونه جاهلا به فالأصح أن الجاهل لا يحنث وقد صرح الرافعي بهذه القاعدة في أول كتاب الأيمان إذا حلف بالطلاق أنه لم يفعل كذا فشهد عدلان عنده أنه فعله وتيقن صدقهما أو غلب على ظنه صدقهما لزمه الأخذ بالطلاق كذا نقله الرافعي عن أبي العباس الروياني وتبعه النووي وقال الاسنوي : هذا إنما يجيء إذا فرعنا على حنث الناسي فاعرفه وهو قريب مما مر والله أعلم .
ومنها لو قال : لزوجته إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق فأخرجها هو فهل يكون إذنا ؟ وجهان القياس المنع كذا نقله الرافعي عن الروياني وتبعه النووي ومقتضاه وقوع الطلاق والله أعلم .
ومنها أنه لو قال : إن لم تخرجي الليلة من داري فأنت طالق فخالعها مع أجنبي في الليل وجدد نكاحها ولم تخرج لم تطلق وأنه لو حلف لا يخرج من البلد إلا معها فخرجا أو تقدم بخطوات فوجهان : أحدهما لا يحنث للعرف والثاني يحنث ولا يحصل البر إلا بخروجهما معا بلا تقدم وأنه لو حلف لا يضربها إلا بالواجب فشتمته فضربها بالخشب طلقت لأن الشتم لا يوجب الضرب بالخشب وإنما تستحق به التعزير وقيل خلافه كذا نقله الرافعي عن أبي العباس الروياني وأقره وقال النووي : الأصح أنها لا تطلق في مسألة الضرب ولا في مسألة التقدم بخطوات يسيرة والله أعلم .
ولو سرقت من زوجها دينارا فحلف بالطلاق لتردينه وكانت قد أنفقته لا تطلق حتى يحصل اليأس من رده بالموت فإن تلف الدينار وهما حيان فوقوع الطلاق على الخلاف في الحنث بفعل المكره قال النووي : إن تلف بعد التمكن من الرد طلقت على المذهب والله أعلم .
ومنها أنه لو قال : إن دخلت هذه الدار فأنت طالق وأشار إلى موضع من الدار فدخلت غير ذلك الموضع من الدار ففي وقوع الطلاق وجهان قال النووي : أصحهما لوقوع ظاهرا لكنه إن أراد ذلك الموضع دين فيما بينه وبين الله والله أعلم .
ومنها قالت له زوجته : هذا ملكك فقال : إن كان ملكي فأنت طالق ثم وكل من يبيعه فهل يكون ذلك إقرارا بأنه ملكه ؟ وجهان وكذا لو تقدم التوكيل على التعليق قال النووي : المختار في الحالين أنه لا طلاق إذ يحتمل أن يكون وكيلا في التوكيل يبيعه أو كان لغيره وله عليه دين وتعذر استيفاؤه فيبيعه ليتملك ثمنه أو باعه غصبا أو باعه بولاية كالوالد والوصي والناظر والله أعلم .
ومنها لو قال : إن لم تصومي غدا فأنت طالق فحاضت فوقوع طلاق على الخلاف في المكره .
ومنها لو قال : إن لم أطأك الليلة فأنت طالق فوجدها حائضا فعن المزني أنه حكى عن الشافعي ومالك وأبو حنيفة أنه لا طلاق واعترض وقال : يقع الطلاق لأن المعصية لا تعلق لها باليمين ولهذا لو حلف أن يعصي الله فلم يعصه حنث وقيل ما قاله المزني هو المذهب واختاره القفال وقيل على قولين كفوات البر بالإكراه وكذا ذكر الرافعي هذه المسألة هنا عن الروياني وتبعه النووي ثم أعاد الرافعي المسألة في الباب السادس من كتاب الأيمان في النوع السابع عند الحلف على استيفاء الحقوق وجزم بما قاله المزني حكما وتعليقا والله أعلم .
ومنها لو حلف لا يعيد بالمكان الفلاني وأقام به يوم العيد ولم يخرج إلى العيد قال البوشنجي : حنث ويحتمل المنع نقله الرافعي عنه وأقره وتبعه النووي ومنها لو تخاصم رجل وامرأته على المراودة فقال : إن لم تجيئي إلى الفراش الساعة فأنت طالق ثم طالت الخصومة بينهما حتى مضت الساعة ثم جاءت إلى الفراش فقال البوشنجي : القياس أنها طلقت كذا نقله الرافعي وأقره وتبعه النووي منها لو قال لزوجته : إن خرجت من الدار فأنت طالق وللدار بستان بابه مفتوح إليه فخرجت إلى البستان قال البوشنجي : الذي يقتضيه المذهب أنه إن كان بحيث يعد من جملة الدار ومرافقها لا تطلق وإلا فتطلق كذا نقله الشيخان عنه وأقراه قال البوشنجي : لو حلف أنه لا يعرف فلانا وقد عرفه بوجهه وطالت صحبته له إلا أنه لا يعرف اسمه حنث على قياس المذهب وبه قال الاستراباذي قال البوشنجي : ولو قال : إن نمت على ثوب لك فأنت طالق فوضع رأسه على مرفقة لها لا تطلق كما لو وضع عليها يديه أو رجيله والله أعلم .
مسألة حلف لا يأكل من طعام فلان فتناهدا قال البوشنجي : حنث وأقره الرافعي قال النووي : هذا مشكل لأن المناهدة في معنى المعاوضة وإن لم تكن في معنى المعاوضة فتتخرج على مسألة الضيف والله أعلم والمناهدة خلط المسافرين نفقتهم واشتراكهم في الأكل من المختلط ثم أعاد الرافعي المسألة في آخر كتاب الأيمان وفسرها بتفسير هو أعم مما فسره النووي وذكر ما ذكره النووي من التخريج على مسألة الضيف والله أعلم .
ومنها قال البوشنجي : لو قال : إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق فتحول فلان منها ثم عاد إليها فدخلتها لا تطلق وأقره الشيخان على ذلك قال البوشنجي : لو قال : إن أغضبتك فأنت طالق فضرب ابنها طلقت وإن كان ضرب تأديب قلت : كذا أطلقه الشيخان وينبغي أن يقال : إن أمرته بضربه أو لم تأمره وادعت أنها لم تغضب لم يقع لعدم وجود الصفة إذا لم يلزم من الضرب الغضب والله أعلم .
ومنها لو قال : إن أكلت من الذي تطبخيه فهي طالق فوضعت القدر على الكانون وأوقد غيرها لم تطلق وكذا لو سجر التنور غيرها ووضعت القدر فيه كما قاله العبادي وأقره الشيخان قلت : وهو صحيح فيمن عادتها تباشر الطبخ نفسها وأما ما جرت به عادة أصحاب الثروة من أن المرأة لها خادم هي تتولى وضع القدر على الكانون والوقيد والزوجة تراقبها في أمر الطبخ فيتجه الحنث إذ يصدق عليها أنها طبخت في عرفهم واستعمالهم ولهذا لم تزل الزوجة تقول عند مخاصمتها : لم أقصر في حقه ولم أزل أطبخ له وأغسل عليه فهو عندهم عرف شائع يطرد والله أعلم .
ومنها لو قال : إن كان في بيتي نار فامرأتي طالق وفيه سراج طلقت قاله العبادي وأقره الشيخان قلت : وفيه نظر لأن مقتضى العرف لا يقتضيه وهذا عند عدم القرينة الدالة على النار المعتادة أما عند وجود القرينة الدالة على ذلك كمن جاء بآنية لأخذ نار الطبخ ونحوه فالوجه القطع بعدم الوقوع والله أعلم .
ومنها لو قالت له زوجته : لا طاقة لي بالجوع معك فقال : إن جعت يوما في بيتي فأنت طالق ولم ينو المجازاة فيعتبر حقيقة الصفة ولا تطلق بالجوع في أيام الصوم قاله العبادي وأقره الشيخان .
ومنها لو قال لزوجته : إن لم تكوني أحسن من القمر او إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق قال القاضي أبو علي والقفال وغيرهما : لا تطلق : واستدلوا بقوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } قال النووي : هذا الحكم والاستشهاد متفق عليه وقد نص عليه الشافعي قال المروزي : لو قال : إن لم أكن أحسن من القمر فأنت طالق لا تطلق ولو كان زنجيا أسود والله أعلم .
ومنها إذا علق طلاقها بحيضها فقالت : حضت وأنكر الزوج صدقت بيمينها وكذا الحكم في كل ما لا يعرف إلا منها كقوله : إن أضمرت لي سوءا فقالت : أضمرت فإنه يقع الطلاق ولو علق طلاقها بزناها فقال : زنيت فوجهان : أحدهما تصدق لأنه خفي تندر معرفته فأشبه الحيض وأصحهما عند الإمام وآخرين لا تصدق كالتعليق بالدخول وغيره لأن معرفته ممكنة والأصل بقاء النكاح وطرد الخلاف في الأفعال الخفية التي لا يكاد يوقف عليها ولو علق بالولادة فادعتها وأنكر وقال : هذا الولد مستعار لم تصدق هي على الأصح وتطالب بالبينة كسائر الصفات ولو علق الطلاق غيرها بحيضها لم يقبل قولها فيه إلا بتصديق الزوج ولو قال : إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت : حضت وكذبها طلقت ولم تطلق ضرتها على الصحيح ويشترط التعليق بالحيض أن تحيض ثم تطهر وحينئذ يقع الطلاق إن قال : إن حضت حيضة فلو قال : إن حضت وأطلق فالمذهب أنه يقع برؤية الدم فإن انقطع قبل يوم وليلة ولم يعد إلى خمسة عشرة يوما تبينا أنه لم يقع والله أعلم .
ومنها في فتاوى القفال لو قال : إن كنت حاملا فأنت طالق فقالت : أنا حامل فإن صدقها الزوج حكم بوقوع الطلاق في الحال وإن كذبها لم تطلق حتى تلد فإن لمسها النساء فقال أربع منهن فصاعدا : إنها حامل لم تطلق لأن الطلاق لا يقع بقول النسوة ولو علق الطلاق بالولادة فشهد أربع نسوة بها لم يقع الطلاق وإن ثبت النسب والميراث لأنهما من توابع الولادة وضروراتها بخلاف الطلاق والله أعلم .
ومنها لو قال : إن لم أطلقك فأنت طالق لم يقع الطلاق حتى يحصل اليأس من التطليق وفي معنى ذلك التعليق بنفي دخول الدار أو الضرب وسائر الأفعال بخلاف ما إذا قال : إذا لم أطلقك فأنت طالق فإنها تطلق إذا مضى زمان يمكن أن تطلق فيه ولم تطلق وهذا هو المذهب في إن وإذا وهو المنصوص والفرق بين إن وإذا : أن إن حرف دل على مجرد الاشتراط فلا اشعار له بالزمان بخلاف إذا فإنها ظرف زمان وقيل فيها قولان ولو قال : متى لم أطلقك أو مهما أو أي حين أو كلما لم أفعل أو تفعلي كذا فأنت طالق فمضى زمن الفعل ولم تفعل طلقت على المذهب كلفظة إذا واعلم أن لفظة إن المكسورة إذا فتحت صارت للتعليل فلو قال : أن لم أطلقك فأنت طالق بفتح أن طلقت في الحال قال الرافعي : الأشبه أنه يقع في الحال إلا أن يكون ممن لا يعرف اللغة وقال : قصدت التعليق فيقبل منه ويصدق قال النووي : يكون ذلك التعليق مطلقا إذا كان عاميا لا يفرق بين إن وأن وهو الأصح وبه قطع المحققون وما قاله النووي نقله الرافعي عن الشيخ أبي حامد والإمام الغزالي والبغوي واعلم أن قول العامي : أنت طالق أن دخلت الدار بفتح أن كذلك وكذا قوله : أنت طالق إذ دخلت الدار وإن كانت للتعليل لأنه فرق بين إذ وإذا والله أعلم .
فرع علق طلاق زوجته بصفة كدخول الدار مثلا ثم أبانها قبل الدخول بخلع أو بالثلاث في المدخول بها أو بواحدة في غير المدخول بها ثم وجدت الصفة في حال البينونة ثم جدد نكاحها ثم وجدت الصفة ثانيا في النكاح الثاني لم تطلق على المذهب الذي قطع به الأصحاب ويجري الخلاف في عود الإيلاء والظهار ولو لم توجد الصفة في حال البينونة ثم وجدت في النكاح الثاني لم تطلق على الراجح لأن التعليق يتعلق بالنكاح الذي وجد التعليق فيه والنكاح المجدد غيره فلو كان الطلاق رجعيا ثم راجعها ثم وجدت الصفة طلقت بلا خلاف لأنه ليس نكاحا مجددا ولم تحدث حالة تمنع وقوع الطلاق وهذه المسألة التي يعبر عنها بعود اليمين والله أعلم قال : .
ولا يقع الطلاق قبل النكاح .
شرط وقوع الطلاق الولاية على المحل كالزوجية فلا يصح طلاق غير الزوج سواء كان بالتنجيز كقوله لأجنبية : أنت طالق أو بالتعليق كقوله لأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق أو إن تزوجت فلانة فهي طالق وحجة ذلك قوله A : [ لا طلاق إلا فيما يملك ] رواه غير واحد وقال الحاكم : صحيح الإسناد وقال الترمذي : إنه حسن وأحسن شئ روي في الباب وسألت البخاري : أي شئ أصح في الطلاق قبل النكاح ؟ فقال : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وروى [ لا طلاق إلا بعد نكاح ] وبالقياس على ما لو قال : لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها ثم دخلت الدار فإنها لا تطلق بالاتفاق ولنا قول في المعلق أنه يقع والمذهب أنه لا يقع والله أعلم قال : .
وأربعة لا يقع طلاقهم : الصبي والمجنون والنائم والمكره .
أما الثلاثة الأول فلقوله A [ رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ] أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حسن وأما المكره فلقوله A : [ لا طلاق ولا عتاق في غلاق ] رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال : إنه على شرط مسلم ولفظ ابن ماجه والحاكم إغلاق بالألف وهو المحفوظ والإغلاق الاكراه قاله أبو عبيد والقتيبي وفي حديث ابن عباس Bهما أنه E قال : [ وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم وقال : إنه على شرط الشيخين واعلم أن المبرسم والمغمى عليه كالنائم وأما السكران فيقع طلاقه على المذهب أنه مكلف وحجته قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } ولأن عليا Bه رأى إيجاب حد المفترى عليه لهذيانه ووافقه الصحابة Bهم على ذلك فدل على أن لكلامه حكما كالصاحي ولأنه كالصاحي في قضاء صلاته زمن سكره فكذا في وقوع الطلاق وهل يقع طلاقه باطنا ؟ وجهان ومن شراب دواء أزال عقله لغير حاجة حكمه حكم السكران لاشتراكهما في التعدي بالشرب واعلم أن المكره على تعليق الطلاق لا يصح منه التعليق كما يمنع الاكراه تنجيز الطلاق ولا بد من معرفة شروط الاكراه لأنها قد تلتبس على كثير من الفقهاء فضلا عن المتفقهة وكثيرا ما يقع في الفتاوى ما يقول العلماء في شخص أكره على طلاق زوجته الاكراه الشرعي فهل يقع طلاقه فيقول المفتي : إذا أكره الاكراه الشرعي لا يقع وهذا الجواب وإن كان يقال إنه صحيح إلا أنه خطأ باعتبار عدم استفسار السائل وقد كان بعض مشايخنا يفتي بمثل ذلك فاتفق أنه استفسر السائل في واقعة فأبان عن معنى الاكراه الشرعي عنده فوجده باعتبار عرف ذلك السائل وكانت الصورة أن شخصا حلف بالطلاق لا يشرب الخمر فمر على أمير كبير وهو يشرب الخمر فحلف الأمير بالطلاق عليه ليشربن معه فشرب واعتقد أن ذلك اكراه فبعد أن كتب له لا يقع الطلاق أخذ الفتوى منه وأفتاه بالوقوع وكان بعد ذلك إذا كتب على فتوى يذكر شروط الاكراه ولا يقتصر على قوله إذا أكره الاكراه الشرعي لا يقع إذا عرفت هذا فيشترط في الاكراه كون المكره بكسر الراء غالبا قادرا على تحقيق ما هدد به المكره بفتح الراء وقدرته إما بولاية أو تغلب أو فرط هجوم ويشترط كون المكره مغلوبا عاجزا عن الدفع بهرب أو مقاومة أو استغاثة بغيره ويشترط أيضا أن يغلب على ظنه أنه امتنع مما أكرهه عليه أن يوقع به المكروه والصحيح أنه لا يشترط تنجيز ما توعده به بل يكفي التوعيد نعم لا يحصل الاكراه بالتخويف بعقوبة آجله كقوله : لأقتلنك غدا ويشترط أيضا ألا يظهر ما يدل على إختيار المكره بفتح الراء فإن ظهر خلافه وقع الطلاق كما إذا أكرهه أن يطلق زوجته ثلاثا فطلق واحدة فإنه يقع وكذا عكسه وكذا إن أكرهه على أن يطلق بصريح الطلاق فطلق بالكناية أو بصريح آخر وبالعكس أو أكرهه على تنجيز الطلاق فعلقه أو بالعكس فلا عبرة بالاكراه في هذه الصور ويقع الطلاق لظهور اختياره إذا عرفت هذا فلا بد من معرفة ما يحصل به الاكراه من الأمر المكروه وللأصحاب فيه خلاف قال النووي في أصل الروضة : وفيما يكون التخويف به اكراها سبعة أوجه ونحن نقتصر على ما يفتى به والأصح أنه يحصل بالتخويف وبالقتل والقطع والضرب الشديد والحبس كذا أطلقه في الروضة وقيده في المذهب وغيره بالحبس الطويل وكذا يحصل الاكراه بالتخويف بأخذ المال واتلافه وزاد الشيخ أبو علي التوعد بنوع استخفاف لرجل وجيه قال النووي : الأصح أن الاكراه يحصل بأن يكرهه على فعل يؤثر العاقل الاقدام عليه حذرا مما يهدد به فعلى هذا ينظر فيما طلب منه وما هدد به فقد يكون الشئ اكراها في مطلوب دون مطلوب وفي شخص دون شخص والله أعلم ولا يحصل الاكراه بأن يقول شخص : طلق امرأتك وإلا قتلت نفسي أو كفرت أو تركت الصلاة ولا بقول مستحق القصاص : طلق امرأتك وإلا اقتصصت منك والله أعلم واعلم أن الناسي والجاهل لا يقع طلاقه على الراجح قال النووي : لحديث [ رفع عن أمتي ] والمختار أنه عام فيعمل بعمومه إلا فيما دل الدليل على تخصيصه كغرامة المتلفات والله أعلم .
فرع أخذ الحاكم الظالم شخصا بسبب غيره وطالبه به فقال : لا أعرف موضعه أو طالبه بماله فقال : لا شئ له عندي لم يخله حتى يحلف بالطلاق فحلف به كاذبا وقع طلاقه ذكره القفال وغيره لأنه لم يكرهه على الطلاق بخلاف ما أمسكه اللصوص وقالوا : لا نخليك حتى تحلف أنك لا تذكر ما جرى فحلف لا يقع الطلاق إذا ذكره لأنهم أكرهوه على الحلف بالطلاق هنا والله أعلم .
فرع تلفظ بالطلاق ثم قال : كنت مكرها وأنكرت المرأة لا يقبل قوله إلا أن يكون محبوسا أو كان هناك قرينة أخرى فيقبل ولا يحل لأحد أن يشهد عليه في مثل ذلك وأشباهه بمطلق الطلاق ومن شهد بذلك فهو شاهد زور آثم قلبه ولسانه وشهادته مكتوبة في صحيفته الخبيثة ويسأل عنها والله بصير بما شهد والله أعلم .
فرع طلق إحدى زوجتيه بعينها ثم نسيها حرم عليه الاستمتاع بكل منهما حتى يتذكر فلو بادرت واحدة وقالت : أنا المطلقة فلا يقنع منه بقوله : نسيت أو لا أدري بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها فإن نكل حلفت وقضى باليمين المردودة ولو طلق مبهما بأن قال : إحداكما طالق ولم يقصد واحدة بعينها طلقت واحدة على الابهام وبعينها هو باختياره والله أعلم .
فرع قال لزوجته المدخول بها : أنت طالق أنت طالق أنت طالق نظر إن سكت بين الطلقتين سكتة فوق سكتة التنفس ونحوه وقع الثلاث فلو قال : أردت التأكيد لم يقبل ظاهرا ويدين وإن لم يسكت وقصد التأكيد قبل ولم يقع إلا طلقة وإن قصد الاستئناف وقع الثلاث وكذا إن أطلق على الأظهر جريا على ظاهر اللفظ لأن التأسيس فيه أولى من التأكيد والله أعلم .
فرع لو قال شخص لزوجته : أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث ولو قال : أنت طالق ونوى ثنتين أو ثلاثا وقع ما نوى ويدل لذلك حديث ركانة في تحليف النبي A له [ آلله ما أردت إلا واحدة ] فلو كانت الثلاث واحدة لما كانت للتحليف فائدة ولحديث مسلم في غير المدخول بها لأنها تبين بالأولى والله أعلم قال :