وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب الربا .
الربا محرم والأصل فيه قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } [ البقرة : 275 ] وقوله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } [ البقرة : 275 ] روي في التفسير حين يقوم من القبر وروى ابن مسعود Bه قال : [ لعن رسول الله ( ص ) آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه ] .
فصل : والأعيان التي نص على تحريم الربا فيها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح والدليل عليه ما روى عبادة بن الصامت Bه قال سمعت رسول الله ( ص ) ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا فمن زاد أو استزاد فقد أربى فأما الذهب والفضة فإنه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة وهو أنهما من جنس الأثمان فيحرم الربا فيهما ولا يحرم فيما سواهما من الموزونات والدليل عليه أن لا يجوز أن يكون تحريم الربا لمعنى يتعداهما إلى غيرهما من الأموال لأنه لو كان لمعنى يتعداهما إلى غيرهما لم يجز إسلامهما فيما سواهما من الأموال لأن شيئين جمعتها علة واحدة في الربا لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير فلما جاز إسلام الذهب والفضة في الموزونات و المكيلات وغيرهما من الأموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنه من جنس الأثمان فأما الأعيان الأربعة ففيها قولان : قال في الجديد العلة فيها أنها مطعومة والدليل عليه ماروى معمر بن عبد الله أن النبي ( ص ) قال : [ الطعام بالطعام مثلا بمثل ] والطعام اسم لكل ما يتطعم والدليل عليه قوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } [ المائدة : 45 ] أراد به الذبائح وقالت عائشة Bها : مكثنا مع نبينا ( ص ) سنة ما لنا طعام إلا الأسودان الماء والتمر وقال لبيد : .
( لمعفر قهد ينازع شلوه ... غبش كواسب ما يمن طعامها ) .
وأراد بع الفريسة والحكم إذا علق على اسم مشتق كان ذلك علة فيه كالقطع في السرقة والحد في الزنا ولأن الحب ما دام مطعوما يحرم فيه الربا فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه الربا فإذا انعقد الحب وصار مطعوما حرم فيه الربا فدل على أن العلة فيه كونه مطعوما فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم من الأقوات والإدام والحلاوات والفواكه والأدوية وفي الماء وجهان : أحدهما يحرم فيه الربا لأنه مطعوم فهو كغيره والثاني لا يحرم فيه الربا لأنه مباح في الأصل غير متمول في العادة فلا يحرم فيه الربا وفي الأدهان المطيبة وجهان : أحدهما لا ربا فيها لأنها تعد للانتفاع برائحتها دون الأكل والثاني أنه يحرم فيها الربا وهو الصحيح لأنه مأكول وإنما لا يؤكل لأنه ينتفع به فيما هو أكثر من الأكل وفي البذر ودهن السمك وجهان : أحدهما لا ربا فيه لأنه يعد للاستصباح والثاني أنه يحرم الربا فيه لأنه مأكول فأشبه الشيرج وقال في القديم العلة فيها أنها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة والدليل عليه أن النبي ( ص ) قال : [ الطعام بالطعام مثلا بمثل ] والمماثلة لا تكون إلا بالكيل أو الوزن فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن فعلى هذا لا يحرم الربا فيما لا يكال ولا يوزن من الأطعمة كالرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبهها .
فصل : وما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيها الربا فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا ونسيئة ويجوز فيها التفرق قبل التقابض لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أمرني رسول الله أن أجهز جيشا فنقدت الإبل فأمرني أن آخذ على قلاص الصدقة فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة وعن علي كرم الله وجهه أنه باع جملا إلى أجل بعشرين بعيرا وباع ابن عباس Bه بعيرا بأربعة أبعرة واشترى ابن عمر رضي لله عنه راحلة بأربعة رواحل ورواحله بالربذة واشترى رافع بن خديج Bه بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا ولا يجوز بيع نسيئة بنسيئة لما روى ابن عمر Bه أن النبي ( ص ) [ نهى عن بيع الكاليء بالكاليء ] قال أبو عبيدة : هو النسيئة بالنسيئة .
فصل : فأما ما يحرم فيه الربا فينظر فيه فإن باعه بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لما روى عبادة ابن الصامت أن النبي ( ص ) قال : [ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ] فإن باعه بغير جنسه نظرت فإن كان مما يحرم الربا فيهما لعلة واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض لقوله ( ص ) : [ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ] فإن تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لأن التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد فكذلك إذا تخايرا وإن تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فإن لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بالبلد لأن المعقود عليه ما في الذمة وقد قبض قبل التفرق وإن تفرقا ففيه قولان : أحدهما يجوز إبداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه والثاني لا يجوز وهو قول المزني لأنه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز وإن كان مما يحرم فيهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حل فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لإجماع الأمة على جواز إسلام الذهب والفضة في المكيلات المطعومة .
فصل : وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة كالتمر البرني والتمر المعقلي فهما جنس واحد وكل شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب فهما جنسان والدليل عليه أن النبي ( ص ) ذكر ستة أشياء وحرم التفاضل إذا باع كل شيء منها بما وافقه في الاسم وأباح فيه التفاضل إذا باعه بما خالفه في الاسم فدل على أن كل شيئين اتفقا في الاسم فهما جنس وإذا اختلفا في الاسم فهما جنسان وما اتخذ من أموال الربا كالدقيق والخبز والعصير والدهن تعتبر بأصولها فإن كانت الأصول أجناسا فهي أجناس وإن كانت الأصول جنسا واحدا فهي جنس واحد فعلى هذا دقيق الحنطة ودقيق الشعير جنسان وخبز الحنطة وخبز الشعير جنسان ودهن الجوز ودهن اللوز جنسان واختلف قوله في زيت الزيتون وزيت الفجل فقال في أحد القولين : هما جنس واحد لأنه جمعهما اسم الزيت والثاني أنهما جنسان وهو الصحيح لأنهما يختلفان في الطعم واللون فكانا جنسين كالتمر الهندي والتمر البرني ولأنهما فرعان لجنسين مختلفين فكانا جنسين كدهن الجوز ودهن اللوز واختلف قوله في اللحمان فقال في أحد القولين هي أجناس وهو قول المزني هو الصحيح لأنها فروع لأصول هي أجناس فكانت أجناسا كالأدقة والأدهان والثاني أنها جنس واحد لأنها تشترك في الاسم الخاص في أول دخولها في تحريم الربا فكانت جنسا واحدا كالتمور وتخالف الأدقة والأدهان لأنه أصولها أجناس يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا فاعتبر فروعها بها واللحمان لا يحرم الربا في أصولها فاعتبرت بنفسها فإن قلنا إن اللحم جنس واحد لم يجز بيع لحم شيء من الحيوان بلحم غيره متفاضلا وهل يدخل لحم السمك في ذلك فيه وجهان : قال أبو اسحاق يدخل فيها فلا يجوز بيعه بلحم شيء من الحيوان متفاضلا لأن اسم اللحم يقع عليه والدليل قوله تعالى : { لتأكلوا منه لحما طريا } [ النحل : 14 ] ومن أصحابنا من قال لا يدخل فيه لحم السمك وهو المذهب لأنه لا يدخل في إطلاق اللحوم أجناس جاز بيع لحم كل جنس من الحيوان بلحم جنس آخر متفاضلا فيجوز بيع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا ولحم بقر الوحش بلحم بقر الأهل لأنهما جنسان و لا يجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز و لا لحم البقر بلحم الجواميس متفاضلا لأنهما نوعان من جنس واحد .
فصل : واللحم الأحمر واللحم الأبيض جنس واحد لأن الجميع لحم واللحم والشحم جنسان واللحم والألية جنسان والشحم و الألية جنسان واللحم والكبد جنسان والكبد والطحال جنسان واللحم والكلية جنسان لأنه مختلفة الاسم والخلقة فأما الألبان ففيها طريقان : من أصحابنا من قال هي كاللحمان وفيها قولان ومنهم من قال الألبان أجناس قولا واحدا لأنها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الألبان واللحمان لا تتولد من الحيوان والصحيح أنها كاللحمان .
فصل : وما حرم فيه التفاضل لا يجوز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لما روى عبادة بن الصامت أن النبي ( ص ) قال : [ الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن والفضة بالفضة تبرها وعينها وزنا بوزن والملح بالملح والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير كيلا بكيل فمن زاد أو أزاد فقد أربى ] فإن باع صبرة طعام بصبرة طعام وهما لا يعلمان كيلهما لم يصح البيع لما روى جابر Bه قال قال رسول الله ( ص ) : [ لاتباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام ] وإن باع صبرة طعام بصبرة طعام صاعا بصاع فخرجتا متساويتين صح البيع وإن خرجتا متفاضلتين ففيه قولان : أحدهما أنه باطل لأنه بيع طعام بطعام متفاضلا والثاني أنه يصح فيما تساويا فيه لأنه شرط التساوي في الكيل ومن نقصت صبرته فهو بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين أن يمضيه بمقدار صبرته لأنه دخل على أن يسلم له جميع الصبرة ولم يسلم له فثبت له الخيار وإن باع صبرة طعام بصبرة شعير كيلا بكيل فخرجتا متساويتين جاز وإن خرجتا متفاضلتين فإن رضي صاحب الصبرة الزائد بتسليم الزيادة أقر العقد ووجب على الآخر قبوله لأنه ملك الجميع بالعقد إن رضي صاحب الصبرة الناقصة بقدر صبرته من الصبرة الزائدة أقر العقد وإن تشاحا فسخ البيع لأن كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة صاحبه على التساوي في المقدار وقد تعذر ذلك ففسخ العقد .
فصل : ويعتبر التساوي فيما يكال ويوزن بكيل الحجاز ووزنه لما روي أن النبي ( ص ) قال : [ المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة ] وإن كان مما لا أصل له بالحجاز في الكيل والوزن نظرت فإن كان مما لا يمكن كيله اعتبر التساوي فيه بالوزن لأنه لا يمكن غيره وإن كان مما يمكن كيله ففيه وجهان : أحدهما أن يعتبر بأشبه الأشياء به في الحجاز فإن كان مكيلا لم يجز بيعه إلا كيلا وإن كان موزونا لم يجز بيعه إلا موزونا لأن الأصل فيه الكيل والوزن بالحجاز فإذا لم يكن له في الحجاز أصل في الكيل والوزن اعتبر بأشبه الأشياء به والثاني أنه يعتبر بالبلد الذي فيه البيع لأنه أقرب إليه وإن كان مما لا يكال أو يوزن وقلنا بقوله الجديد إنه يحرم فيه الربا وجوزنا بيع بعضه ببعض نظرت فإن كان مما لا يمكن كيله كالبقل والقثاء والبطيخ وما أشبهها بيع وزنا وإن كان مما يمكن كيله ففيه وجهان : أحدهما لا يباع إلا كيلا لأن الأصل هو الأعيان الأربعة المنصوص عليها وهي مكيلة فوجب رده إلى الأصل والثاني أنه لا يباع إلا وزنا لأن الوزن أحصر .
فصل : وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة كبيع ثوب ودرهم بدرهمين ولا يباع نوعان من جنس بنوع كدينار قاساني ودينار سابوري بقاسانين أو سابورين أو دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو دينارين قراضة والدليل عليه ما روى فضالة بن عبيد قال : أتى رجل إلى رسول الله ( ص ) بقلادة فيها خرز مغلفة بذهب فابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة دنانير فقال E : [ لاحتى تميز بينه وبينه ] قال : إنما أردت الحجارة فقال : لاحتى تميز بينهما ولأن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة انقسم الثمن عليهما والدليل عليه أنه إذا باع سيفا وشقصا بألف قوم السيف والشقص وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن على قدر قيمته وأمسك المشتري السيف بحصته من الثمن على قدر قيمته وإذا قسم الثمن على قدر القيمة أدى إلى الربا لأنه إذا باع دينارا صحيحا قيمته عشرون درهما ودينارا قراضة قيمته عشرة بدينارين وقسم الثمن على قدر قيمتهما صارت القراضة مبيعة بثلث الدينارين والصحيح بالثلثين وذلك ربا .
فصل : ولا يباع خالصه بمشوبه كحنطة خالصة بحنطة فيها شعير أو زؤان وفضة خالصة لفضة مغشوشة وعسل مصفى بعسل فيه شمع لأن أحدهما يفضل على الآخر و لا يباع مشوبه بمشوبه كحنطة فيها شعير أو زؤان بحنطة فيها شعير أو زؤان وفضة مغشوشة بفضة مغشوشة أو عسل فيه شمع بعسل فيه شمع لأنه لا يعلم التماثل بين الحنطتين وبين الفضتين وبين العسلين ويجوز أن يباع طعام بطعام وفيه قليل تراب لأن التراب يحصل في سفوف الطعام و لا يظهر في الكيل فإن باع موزونا بموزون من جنسه من أموال الربا وفيه قليل تراب لم يجز لأن ذلك يظهر في الوزن ويمنع من التماثل .
فصل : ولا يباع رطبه بيابسه على الأرض لما روى سعد بن أبي وقاص Bه أن النبي ( ص ) سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال : [ أينقص الرطب إذا يبس فقيل له نعم قال فلا ] فنهى عن بيع الرطب بالتمر وجعل العلة فيه أنه ينقص عن يابسه فدل على أن كل رطب لا يجوز بيعه بيابسه وأما بيع رطبه برطبه فينظر فيه فإن كان ذلك مما يدخر يابسه كالرطب والعنب ولم يجز بيع رطبه برطبه وقال المزني يجوز لأن معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع بعضه ببعض كالبن والدليل على أنه لا يجوز أنه لا يعلم التماثل بينهما في حال الكمال والادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالتمر بالتمر جزافا ويخالف اللبن فإن كماله في حال رطوبته لأنه يصلح لكل ما يراد به الكمال في الرطب والعنب في حال يبوسته لأنه يعمل منه كل ما يراد منه ويصلح للبقاء والادخار وإن كان مما لا يدخر يابسه كسائر الفواكه ففيه قولان : أحدهما لا يجوز لأنه جنس فيه ربا فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب والثاني أنه يجوز لأن معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع رطبه برطبه كاللبن وفي الرطب الذي لا يجيء منه التمر والعنب الذي لا يجيء منه الزبيب طريقان : أحدهما أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض لأن الغالب منه أنه يدخر يابسه وما لا يدخر منه نادر فألحق بالغالب والثاني وهو قول أبي العباس إنه على قولين لأن معظم منفعته في حال رطوبته فكان على قولين كسائر الفواكه وفي بيع اللحم الطري باللحم الطري طريقان : أحدهما وهو المنصوص إنه لا يجوز لأنه يدخر يابسه فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب والثاني وهو قول أبي العباس إنه على قولين لأن معظم منفعته في حال رطوبته فصار كالفواكه فإن باع منه ما فيه نداوة يسيرة بمثله كالتمر الحديث بعضه ببعض جاز بلا خلاف لأن ذلك لا يظهر في الكيل وإن كان مما يوزن كاللحم لم يجز لأنه يظهر في الوزن .
فصل : وأما العرايا وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الأرض خرصا فإنه يجوز للفقراء فيخرص ما على النخل من الرطب وما يجيء منه من التمر إذا جف ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه إليه قبل التفرق والدليل عليه ماروى محمود بي لبيد قال : قلت لزيد بن ثابت : ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله ( ص ) أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم رسول الله ( ص ) أن بيتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا وهل يجوز للأغنياء فيه قولان : أحدهما لا يجوز - وهو اختيار المزني - لأن الرخصة وردت في حق الفقراء والأغنياء لا يشاركونهم في الحاجة فبقي في حقهم على الحظر والثاني أنه يجوز لما روى سهل بن أبي حثمة قال : نهى رسول الله ( ص ) عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرايا أن تبتاع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولم يفرق ولأن كل بيع جاز للفقراء جاز للأغنياء كسائر البيوع وهل يجوز ذلك في الرطب بالرطب ؟ فيه ثلاثة أوجه : أحدها يجوز - وهو قول أبي علي بن خيران لما روى زيد بن ثابت قال : رخص رسول الله في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك والثاني لايجوز وهو قول أبي سعيد الإصطخري لما روى عمر Bه أن النبي ( ص ) قال : [ لا تبايعوا ثمر النخل بثمر النخل ] ولأن الخرص غرر وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين فلو جوزناه في الرطب بالرطب لجوزناه في العوضين وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثة أيام والثالث وهو قول أبي إسحاق إنه إن كان نوعا واحدا لم يجز لأنه لاحاجة به إليه لأن مثل ما يبتاعه عنده وإن كان نوعين جاز لأنه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذي عند صاحبه فيكون كمن عنده تمر ولارطب عنده ولا يجوز في العرايا فيما زاد على خمسة أوسق في عقد واحد لما روى جابر Bه أن رسول الله ( ص ) نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطة والمزابنة أن يبيع الثمر على رؤوس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع ويجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق لما روى أبو هريرة Bه أن النبي ( ص ) أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق وفي خمسة أوسق قولان : أحدهما لا يجوز وهو قول المزني لأن الأصل هو الحضر وقد ثبت جواز ذلك فيما دون خمسة أوسق لحديث أبي هريرة Bه وفي خمسة أوسق شك لأنه روي في حديث أبي هريرة فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك فيه داود بي الحصين فبقي على الأصل ولأن خمسة أوسق في حكم ما زاد بدليل أنه تجب الزكاة في الجميع فإذا لم تجز فيما زاد على خمسة أوسق لم تجز في خمسة أوسق والقول الثاني أنه يجوز لعموم حديث سهل بن أبي حثمة .
فصل : وما جاز في الرطب بالتمر جاز في العنب بالزبيب لأنه يدخر يابسه ويمكن خرصه فأشبه الرطب وفيما سوى ذلك من الثمار قولان : أحدهما يجوز لأنه ثمرة فجاز بيع رطبها بيابسها خرصا كالرطب والثاني لا يجوز لما روى زيد بن ثابت قال : رخص رسول الله ( ص ) في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في ذلك ولأن سائر الثمار لايدخر يابسها ولا يمكن خرصها لتفرقها في الأغصان واستتارها في الأوراق فلم يجز بيعها خرصا .
فصل : ولا يباع منه ما نزع نواه بما لم ينزع نواه لأن أحدهما على هيئة الادخار والآخر على غير هيئة الادخار ويتفاضلان حال الادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالتمر وهل يجوز بيع ما نزع نواعه بعضه ببعض ؟ فيه وجهان : أحدهما يجوز لقوله ( ص ) [ لا تبيعوا التمر بالتمر إلا سواء بسواء ] والثاني لا يجوز لأنه يتجافى في المكيال فلا يتحقق التساوي ولأنه يجهل تساويهما في حال الكمال والادخار فأشبه بيع التمر بالتمر جزافا .
فصل : ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه لأن النار تعقد أجزاءه وتسخنه فإن بيع كيلا لم يجز لأنهما لا يتساويان في الكيل في حال الادخار وإن بيع وزنا لم يزد لأن أصله الكيل فلا يجوز بيعه وزنا ولا يجوز بيع مطبوخه لأن النار قد تعقد من أجزاء أحدهما أكثر من الآخر فيجهل التساوي واختلف أصحابنا في بيع العسل المصفى بالنار بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لأن النار تعقد أجزاءه فلا يعلم تساويهما ومنهم من قال يجوز وهو المذهب لأن نار التصفية نار لينة لا تعقد الأجزاء وإنما تميزه من الشمع فصار كالعسل المصفى بالشمس واختلفوا في بيع السكر بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لأن النار قد عقدت أجزاءه ومنهم من قال يجوز لأن ناره لا تعقد الأجزاء وغنما تميزه من القصب .
فصل : ولا يجوز بيع الحب بدقيقه متفاضلا لأن الدقيق هو الحب بعينه وإنما فرقت أجزاؤه فهو كالدنانير الصحاح بالقراضة فأما بيعه به متماثلا فالمنصوص أنه لا يجوز وقال الكرابيسي : قال أبو عبد الله : تجوز فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر وقال أكثر أصحابنا : لا يجوز قولا واحدا ولعل الكرابيسي أراد أبا عبد الله مالكا أو أحمد فإن عندهما يجوز ذلك والدليل على أنه لا يجوز أنه جنس فيه ربا بيع منه ما هو على هيئة الادخار بما ليس منه على هيئة الادخار على وجه يتفاضلان في حال الادخار فلم يصح كبيع الرطب بالتمر ولا يجوز بيع دقيقة بدقيقة وروى المزني عنه في المنثور أنه يجوز وإليه أومأ في البويطي لأنهما يتساويان في الحال ولا يتفاضلان في الثاني فجاز بيع أحدهما بالآخر كالحنطة بالحنطة والصحيح هو الأول لأنه جهل التساوي بينهما في حال الكمال والإدخار فأشبه بيع الصبرة بالصبرة جزافا ولا يجوز بيع حبه بسويقه ولا سويقه بسويقه لما ذكرناه في الدقيق ولأن النار قد دخلت عليه وعقدت أجزاؤه فمنع التماثل ولا يجوز بيعه بخبزه لأنه دخله النار وخالطه الملح والماء وذلك يمنع التماثل ولأن الخبز موزون والحنطة مكيل فلا يمكن معرفة التساوي بينهما ولا يجوز بيع خبزه بخبزه لأن ما فيه من الماء والملح يمنع من لا علم بالتماثل فمنع جواز العقد وإن جفف الخبز وجعل فتيتا وبيع بعضه ببعض كيلا ففيه قولان : أحدهما لا يجوز لأنه لا يعلم تساويهما في حال التكامل فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالرطب والثاني أنه يجوز لأنه مكيل مدخر فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر .
فصل : ولا يجوز بيع أصله بعصيره كالسمسم بالشيرج والعنب بالعصير لأنه إذا عصر الأصل نقص عن العصير الذي بيع به ويجوز بيع العصير بالعصير إذا لم تنعقد أجزاؤه لأنه يدخر على صفته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب ويجوز بيع الشيرج بالشيرج ومن أصحابنا من قال لا يجوز لأنه يخالطه الماء والملح وذلك يمنع التماثل فمنع العقد والمذهب الأول لأنه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالعصير وأما الماء والملح فإنه يحصل في الكسب ولا ينعصر لأنه لو انعصر في الشيرج لبان عليه و يجوز بيع خل الخمر بخل الخمر لأنه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب ولا يجوز بيع خل الخمر بخل الزبيب لأن في خل الزبيب ماء وذلك يمنع من تماثل الخلين ولا يجوز خل الزبيب بخل الزبيب و لا بيع خل التمر بخل التمر لأنا إن قلنا إن الماء فيه ربا لم يجز للجهل بتماثل الماءين والجهل بتماثل الخلين وإن باع خل الزبيب بخل التمر فإن قلنا إن في الماء ربا لم يجز للجهل بتماثل الماءين فيهما وإن قلنا لا ربا في الماء جاز لأنهما جنسان فجاز بيع أحدهما بالآخر مع الجهل بالمقدار كالتمر بالزبيب والله أعلم .
فصل : ولا يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بلب شاة لأن اللبن يدخل في البيع ويقابله قسط من الثمن والدليل عليه أن النبي ( ص ) جعل في مقابلة لبن المصراة صاعا من تمر ولأن اللبن في الضرع كاللبن في الإناء والدليل عليه قوله ( ص ) : [ لا يحلبن أحدكم شاة غيره بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى خزانته فينتثل ما فيها ] فجعل اللبن كالمال في الخزانة فصار كما لو باع لبنا وشاة بلبن فإن باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن ففيه وجهان : قال أبو الطيب بن سلمى : يجوز كما يجوز بيع السمسم بالسمسم وإن كان في كل واحد منهما شيرج وكما يجوز بيع دار بدار وإن كان في كل واحدة منهما بئر ماء وقال أكثر أصحابنا : لا يجوز لأنه جنس فيه ربا بيع بعضه ببعض ومع كل واحد منهما شيء مقصود فلم يجز كما لو باع نخلة مثمرة بنخلة مثمرة ويخالف السمسم لأن الشيرج في السمسم كالمعدوم لأنه لا يحصل إلا بطحن وعصر واللبن موجود في الضرع من غير فعل ويمكن أخذه من غير مشقة وأما الدار فإن قلنا إن الماء يملك ويحرم فيه الربا فلا يجوز بيع إحدى الدارين بالأخرى ويجوز بيع اللبن الحليب بعضه ببعض لأن عامة منافعه في هذه الحال فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر بالتمر ويجوز بيع اللبن الحليب بالرائب وهو الذي فيه حموضة لأنه لبن خالص وإنما تغير فهو كتمر طيب بتمر غير طيب ويجوز بيع الرائب بالرائب كما يجوز بيع تمر متغير بتمر متغير ولا يجوز بيع اللبن بما يتخذ منه من الزبد والسمن لأن ذلك مستخرج منه فلا يجوز بيعه به كالشيرج بالسمسم ولا يجوز بيعه بالمخيض لأن المخيض لبن نزع منه الزبد والحليب لم ينزع منه الزبد فإذا بيع أحدهما بالآخر تفاضل اللبنان ولا يجوز بيعه بالشيراز واللبأ والجبن لأن أجزاءها قد انعقدت فلا يجوز بيعها باللبن كيلا لأنهما يتفاضلان ولا يجوز بيعها وزنا لأن اللبن مكيل فلا يباع بجنسه وزنا وأما بيع ما يتخذ منه بعضه ببعض فإنه إن باع السمن بالسمن جاز لأنه لا يخالطه غيره قال الشافعي C والوزن فيه أحوط وقال أبو إسحاق : يباع كيلا لأن أصله الكيل فإن باع الزبد بالزبد ففيه وجهان : أحدهما يجوز كما يجوز بيع السمن بالسمن واللبن باللبن والثاني لا يجوز لأن الزبد فيه لبن فيكون بيع لبن وزبد بلبن وزبد وإن باع المخيض بالمخيض نظرت فإن لم يطرح فيه الماء جاز لأنه بيع لبن بلبن وإنما طرح فيه ماء للضرب لم يجز لتفاضل الماءين وتفاضل اللبنين وإن باع الجبن أو الأقط أو المصل أو اللبأ بعضه ببعض لم يجز لأن أجزاءها منعقدة ويختلف انعقادها ولأن فيها ما يخالطه الملح والأنفحة وذلك يمنع التماثل وأما بيع نوع منه بنوع آخر فإنه ينظر فيه فإن باع الزبد بالسمن لم يجز لأن السمن مستخرج من الزبد فلا يجوز بيعه بما استخرج منه كالشيرج بالسمسم وإن باع المخيض بالسمن فالمنصوص أنه يجوز لأن ليس في أحدهما شيء من الآخر قال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري C : هما كالجنسين فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف وإن باع الزبد بالمخيض فالمنصوص أنه يجوز وقال أبو إسحاق أنه لا يجوز لأن في الزبد شيئا من المخيض فيكون بيع زبد ومخيض بمخيض وهذا لا يصح لأن الذي فيه من المخيض لا يظهر إلا بالتصفية والنار فلم يكن له حكم وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر لأنه يؤدي إلى التفاضل .
فصل : ولا يجوز بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه لما روى سعيد بن المسيب Bه أن النبي ( ص ) قال : [ لا يباع حي بميت ] وروى ابن عباس Bه أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر Bه فجاء رجل بعناق فقال : أعطوني بها لحما فقال أبو بكر : لا يصلح هذا ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه مثله فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم وفي بيع اللحم بحيوان لا يؤكل قولان : أحدهما لا يجوز للخبر والثاني يجوز لأنه ليس فيه مثله فجاز بيعه به كاللحم بالثوب ويجوز بيع اللحم بجنسه إذا تناهى جفافه ونزع منه العظم لأنه يدخر على هذه الصفة فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل زرع العظم ؟ فيه وجهان : قال أبو سعيد الإصطخري يجوز كما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى ومن أصحابنا من قال لا يجوز كما لا يجوز بيع العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ويخالف النوى في التمر فإن فيه مصلحة له وليس في ترك العظم في اللحم مصلحة له .
فصل : ولا يجوز بيع بيض الدجاج بدجاجة في جوفها بيض لأنه جنس فيه ربا بيع بما في مثله فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان