وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب الصيد والذبائح .
لا يحل شيء من الحيوان المأكول سوى السمك والجراد إلا بذكاة لقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب } [ المائدة : 3 ] ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله A : [ أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ] لأن ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها .
فصل : والأفضل أن يكون المزكي مسلما فإن ذبح مشرك نظرت فإن كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل لقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } [ المائدة : 5 ] وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وإن كان يهوديا أو نصرانيا من العجم حل للآية وإن كان من نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب لم يحل لما روي عن عمر Bه أنه قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب لا تحل لنا ذبائحهم وعن علي بن أبي طالب Bه أنه قال : لا تحل ذبائح نصارى بني تغلب ولأنهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل منهم فصاروا كالمجوس لما أشكل أمرهم في الكتاب لم تحل ذبائحهم والمستحب أن يكون المذكي رجلا لأنه أقوى على الذبح من المرأة فإن كان امرأة جاز لما روى كعب بن مالك أن جارية له كسرت حجرا فذبحت به شاة فسأل النبي A فأمر بأكلها ويستحب أن يكون بالغا لأنه أقدر على الذبح فإن ذبح صبي حل لما روي عن ابن عباس Bه أنه قال : من ذبح من ذكر أو أنثى أو صغير أو كبير وذكر اسم الله عليه حل ويكره ذكاة الأعمى لأنه ربما أخطأ المذبح فإن ذبح خل لأنه لم يفقد فيه إلا النظر وذلك لا يوجب التحريم ويكره ذكاة السكران والمجنون لأنه لا يأمن أن يخطئ المذبح فيقتل الحيوان فإن ذبح حل لأنه لم يفقد في ذبحهما إلا القصد والعلم وذلك لا يوجب التحريم كما لو ذبح شاة وهو يظن أنه يقطع حشيشا .
فصل : والمستحب أن يذبح بسكين حادة لما روى شداد بن أوس أن النبي A قال : [ إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ] فإن ذبح بحجر محدد أو ليطة حل لما ذكرناه من حديث كعب بن مالك في المرأة التي كسرت حجرا فذبحت بها شاة ولما روي أن رافع بن خديج قال : يا رسول الله إنا نرجو أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ فقال النبي A : [ ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأخبركم ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة ] وإن ذبح بسن أو ظفر لم يحل لحديث رافع بن خديج والمستحب أن تنحر الإبل معقولة من قيام لما روي أن ابن عمر Bه رأى رجلا أضجع بدنة فقال قياما سنة أبي القاسم A وتذبح البقر والغنم مضجعة لما روى أنس Bه أن رسول الله A ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده ووضع رجليه على صفاحهما وسمى وكبر والبقر كالغنم في الذبح فكان مثله في الاضجاع والمستحب أن توجه الذبيحة إلى القبلة لأنه لا بد لها من جهة فكانت جهة القبلة أولى والمستحب أن يسمي الله تعالى على الذبح لما روى عدي بن حاتم قال : سألت النبي A عن الصيد فقال : [ إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه ] فإن ترك التسمية لم يحرم لما روت عائشة Bها أن قوما قالوا : يا رسول الله إن قوما من الأعراب يأتونا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله تعالى عليه أم لا ؟ فقال رسول الله A : [ اذكر اسم الله تعالى عليه وكل ] والمستحب أن يقطع الحلقوم والمرئ والودجين لأنه أوحى وأروح للذبيحة فإن اقتصر على قطع الحلقوم والمرئ أجزأه لأن الحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والروح لا تبقى مع قطعهما والمستحب أن ينحر الإبل ويذبح البقر والشاء فإن خالف ونحر البقر والشاء وذبح الإبل أجزأه لأن الجميع موح من غير تعذيب ويكره أن يبين الرأس وأن يبالغ في الذبح إلى أن يبلغ النخاع وهو عرق يمتد من الدماغ ويستبطن الفقار إلى عجب الذنب لما روي عن عمر Bه أنه نهى عن النخع ولأن فيه زيادة تعذيب فإن فعل ذلك لم يحرم لأن ذلك يوجد بعد حصول الذكاة وإن ذبحه من قفاه فإن بلغ السكين الحلقوم والمرئ وقد بقيت فيه حياة مستقرة حل لأن الذكاة صادفته وهو حي وإن لم يبق فيه حياة مستقرة إلا حركة مذبوح لم يحل لأنه صار ميتا قبل الذكاة فإن جرح السبع شاة فذبحها صاحبها وفيها حياة مستقرة حل وإن لم يبق فيها حياة مستقرة لم تحل لما روي أن النبي A قال لأبي ثعلبة الخشني : [ فإن رد عليك كلبك غنمك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذلك وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكله ] والمستحب إذا ذبح أن لا يكسر عنقها ولا يسلخ جلدها قبل أن تبرد لما روي أن الفرافصة قال لعمر Bه إنكم تأكلون طعاما لا نأكله قال : وما ذاك يا أبا حسان ؟ فقال : تعجلون الأنفس قبل أن تزهق فأمر عمر Bه مناديا ينادي الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر ولا تعجلوا الأنفس حتى تزهق .
فصل : ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازي والصقر لقوله تعالى : { أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم } [ المائدة : 4 ] قال ابن عباس Bه : هي الكلاب المعلمة والبازي وكل طائر يعلم الصيد .
فصل : والمعلم هو الذي إذا أرسله على الصيد طلبه فإذا أشره استشلى فإذا أخذ الصيد أمسكه وخلى بينه وبينه فإذا تكرر منه ذلك كان معلما وحل له ما قتله .
فصل : وإن أرسل من تحل ذكاته جارحة معلمة على الصيد فقتله بظفره أو نابه أو بمنقاره حل أكله لما روى أبو ثعلبة الخشني Bه أن النبي A قال : [ إذا كنت في أرض صيد فأرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى وكل ] وأما إذا أرسله من لا تحل ذكاته فقتله لم يحل لأن الكلب آلى كالسكين والمذكي هو المرسل فإذا لم يكن من أهل الذكاة لم يحل صيده فإن أرسل جارحة غير معلمة فقتل الصيد لم يحل لما روى أبو ثعلبة أن النبي A قال : [ إذا أرسلت كلبك الذي ليس بمعلم فما أدركت ذكاته فكل ] وإن استرسل المعلم بنفسه فقتل الصيد لم يحل لما روى عدي بن حاتم أن رسول الله A قال [ إذا أرسلت كلابك المعلمة فأمسكن عليك فكل ] قلت : وإن قتلن ؟ قال [ وإن قتلن ] فشرط أن يرسل وإن أرسل فقتل الصيد بثقله ففيه قولان : أحدهما لا يحل لأنه آلة للصيد فإذا قتل بثقله لم يحل كالسلاح والثاني يحل لحديث عدي ولأنه لا يمكن تعليم الكلب الجرح وإنهار الدم فسقط اعتباره كالعقر في محل الذكاة وإن شارك كلبه في قتل الصيد كلب مجوسي أو كلب استرسل بنفسه لم يحل لأنه اجتمع في ذبحه ما يقتضي الحظر والإباحة فغلب الحظر كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل وإن وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف حاله ولا يعلم القاتل منهما لم يحل لما روى عدي بن حاتم قال سألت رسول الله A فقلت أرسلت كلبي ووجدت مع كلبي كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه فقال : لا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ولأن الأصل فيه الحظر فإذا أشكل بقي على أصله وإن قتل الكلب الصيد وأكل منه ففيه قولان : أحدهما يحل لما روى أو ثعلبة قال : قال رسول الله A : [ إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك وإن أكل منه ] والثاني لا يحل لما روى عدي بن حاتم أن النبي A قال : [ إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن إلا أن يأكل الكلب منه فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ] وإن شرب من دمه لم يحرم قولا واحدا لأن الدم لا منفعة له فيه ولا يمنع الكلب منه فلم يحرم وإن كانت الجارحة سن الطير فأكل من الصيد فهو كالكلب وفيه قولان وقال المزني أكل الطير لا يحرم وأكل الكلب يحرم لأن الطير لا يضرب على الأكل والكلب يضرب وهذا لا يصح لأنه يمكن أن يعلم الطير ترك الأكل كما يعلم الكلب وإن اختلفا في الضرب .
فصل : إذا أدخل الكلب نابه أو ظفره في الصيد نجس وهل يجب غسله ؟ فيه وجهان : أحدهما يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب قياسا على غير الصيد والثاني لا يجب لأنا لو أوجبنا ذلك ألزمناه أن يغسل جميعه لأن الناب إذا لاقى جزءا من الدم نجس ذلك الجزء ونجس كل ما لاقاه إلى أن ينجس جميع بدنه وغسل جميعه يشق فسقط كدم البارغيث .
فصل : ويجوز الصيد بالرمي لما روى أبو ثعلبة الخشني قال : قلت يا رسول الله إنا نكون في أرض صيد فيصيب أحدنا بقوسه الصيد ويبعث كلبه المعلم فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما لا ندرك ذكاته فقال A : [ ما ردت عليك قوسك فكل وما أمسك كلبك المعلم فكل ] وإن رماه بمحدد كالسيف والنشاب والمروة المحددة وأصابه بحده فقتله لم يحل وإن رمي بما لا حد له كالبندق والدبوس أو بما له حد فأصابه بغير حده فقلته لم يحل لما روى عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله A عن صيد المعراض قال : [ إذا أصبد بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ ] وإن رماه بسهم لا يبلغ الصيد وأعانه الريح حتى بلغه فقتله حل أكله لأنه لا يمكن حفظ الرمي من الريح فعفى عنه وإن رمى بسهم فأصاب الأرض ثم ازدلف فأصاب الصيد فقتله ففيه وجهان بناء على القولين فيمن رمى إلى الغرض في المسابقة فوقع السهم دون الغرض ثم ازدلف وبلغ الغرض وإن رمى طائرا فوقع على الأرض فمات حل أكله لأنه لا يمكن حفظه من الوقوع على الأرض وإن وقع في ماء فمات أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل لما روى عدي بن حاتم أن رسول الله A قال : [ إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن وجدته ميتا فكل إلا أن تجده قد وقع في الماء فمات فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك ] .
فصل : وإن رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فعقره ولم يقتله نظرت فإن أدركه ولم يبق فيه حياة مستقرة بأن شق جوفه وخرجت الحشوة أو أصاب العقر مقتلا فالمستحب أن يمر السكين على الحلق ليريحه وإن لم يفعل حتى مات حل لأن العقر قد ذبحه وإنما بقيت فيه حركة المذبوح وإن كانت فيه حياة مستقرة ولكن لم يبق من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه حل وإن بقي من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه فلم يذبحه أو لم يكن معه ما يذبح به فمات لم يحل لما روى أبو ثعلبة الخشني أن النبي A قال : [ ما رد عليك كلبك المكلب وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وكل وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل وإن رد عليك كلب غنمك فذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل وما ردت عليك يدك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وإن لم تدرك ذكاته فكله ] وإن عقره الكلب أو السهم وغاب عنه ثم وجده ميتا والعقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت منه فقد قال الشافعي C : لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأى فمن أصحابنا من قال فيه قولان : أحدهما يحل لما روى عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله إني أرمي الصيد فأطلبه فلا أجده إلا بعد ليلة قال : [ إذا رأيت سهمك فيه ولم يأكل منه سبع فكل ] ولأن الظاهر أنه مات منه لأنه لم يعرف سبب سواه والثاني أنه لا يحل لما روى زياد بن أبي مريم قال : جاء رجل إلى رسول الله A فقال : إني رميت صيدا ثم تغيب فوجدته ميتا فقال رسول الله A : [ هوام الأرض كثيرة ] ولم يأمره بأكله ومنهم من قال يؤكل قولا واحدا لأنه قال : لا يؤكل إذا لم يكن خبر وقد ثبت الخبر أنه أمر بأكله .
فصل : وإن نصب أحبولة وفيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته الحديدة لم يحل لأنه مات بغير فعل من جهة أحد فلم يحل .
فصل : وإن أرسل سهما على صيد فأصاب غيره فقتله حل أكله لقوله A لأبي ثعلبة ما رد عليك قوسك فكل ولأننه مات بفعله ولم يفقد إلا القصد وذلك لا يعتبر في الذكاة والدليل عليه أنه تصح ذكاة المجنون وإن لم يكن له قصد فإن أرسل كلبا على صيد فأصاب غيره فقتله نظرت فإن أصابه في الجهة التي أرسله فيها حل لقوله A : [ ما رد عليك كلبك ولم درك ذكاته فكل ] وإن عدل إلى جهة أخرى فأصاب صيدا غيره ففيه وجهان : أحدهما لا يحل - وهو قول أبي إسحاق - لأن للكلب اختيارا فإذا عدل كان صيده باختياره فلم يحل كما لو استرسل بنفسه فأخذ الصيد ومن أصحابنا من قال يحل لأن الكلب لا يمكن منعه من العدول في طلب الصيد .
فصل : وإن أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يحل لأنه أرله على غير صيد فلم يحل ما اصطاده كما لو حل باطله فاسترسل بنفسه واصطاد وإن أرسل سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا ففيه وجهان : قال أبو إسحاق يحل لأنه قتله بفعله ولم يفقد إلا القصد إلى الذبح وذلك لا يعتبر كما لو قطع شيئا وهو يظن أنه خشبة فكان حلق شاة ومن أصحابنا من قال لا يحل وهو الصحيح لأنه لم يقصد صيدا بعينه فأشبه إذا نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتله وإن كان في يده سكين فوقعت على حلق شاة فقتلتها حل في قول أبي إسحاق لأنه حصل الذبح بفعله وعلى القول الآخر لا تحل لأنه لم يقصد .
فصل : وإن رأى صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل أكله لأنه قتله بفعل قصده وإنما جهل حقيقته والجهل بذلك لا يؤثر كما لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة وإن أرسل على ذلك كلبا فقتله ففيه وجهان : أحدهما يحل كما يحل إذا رماه بسهم والثاني لا يحل لأنه أرسله على غير صيد فأشبه إذا أرسله على غير شيء .
فصل : وإن توحش أهلي أو ند بعير أو تردى في بر فلم يقدر على ذكاته في حلقه فذكاته حيث يصاب من بدنه لما روى رافع ابن خديج قال : كنا مع النبي A في غزاة وقد أصاب القوم غنما وإبلا فند منها بعير فرمى بسهم فحبسه الله به فقال رسول الله A : [ إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا ] وقال ابن عباس Bه : ما أعجزك من البائم فهو بمنزلة الصيد ولأنه تعذر ذكاته في الحلق فصار كالصيد وإن تأنس الصيد فذكاته ذكاة الأهلي كما أن الأهلي إذا توحش فذكاته ذكاة الوحشي وإن ذكى ما يؤكل لحمه ووجد في جوفه جنينا ميتا حل أكله لما روى أبو سعيد قال : قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله ؟ فقال : [ كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه ] ولأن الجنين لا يمكن ذبحه فجعل ذكاة الأم ذكاة له وإن خرج الجنين حيا وتمكن من ذبحه لم يحل من غير ذبح وإن مات قبل أن يتمكن من ذكاته حل .
فصل : إذا أثبت صيدا بالرمي أو بالكلب فأزال امتناعه ملكه لأنه حبسه بفعله فملكه كما لو أمسكه بيده فإن رماه اثنان واحد بعد واحد فهو لمن أثبته منهما فإن ادعى كل واحد منهما أنه هو الذي سبقه وأزال امتناعه وأن الآخر رماه فقتله فعليه الضمان لم يحل أكله لأنهما اتفقا على أنه قتل بعد إمكان ذبحه فلم يحل ويتحالفان فإذا حلفا بريء كل واحد منهما مما يدعي الآخر وإن اتفقا على أن أحدهما هو السابق غير أن السابق ادعى أنه هو الذي أثته بسهمه وادعى الآخر أنه بقي على الامتناع إلى أن رماه هو فالقول قول الثاني لأن الأصل بقاؤه على الامتناع وإن كان الصيد مما يمتنع بالرجل والجناح كالقبج والقطا فرماه أحدهما فأصاب الرجل ثم رماه الآخر فأصاب الجناح ففيه وجهان : أحدهما أنه يكون بينها لأنه زال الامتناع بفعلهما فتساويا والثاني أنه للثاني وهو الصحيح لأن الامتناع لم يزل إلا بفعل الثاني فوجب أن يكون له .
فصل : وإن رمى الصيد اثنان أحدهما بعد الآخر ولم يعلم بإصابه من منهما صار غير ممتنع فقد قال في المختصر : إنه يؤكل ويكون بينهما فحمل أبو إسحاق هذا على ظاهره فقال : يحل أكله لأن الأصل أنه بقي بعد عقر الأول على الامتناع إلى أن قتله الآخر فيحل ويكون بينهما لأن الظاهر أنهما مشتركان فيه بحكم اليد ومن أصحابنا من قال : إن بقي على الامتناع حتى رماه الآخر فقتله حل وكان للثاني وإن زال امتناعه بالأول فهو للأول ولا يحل بقتل الثاني لأنه صار مقدورا عليه فيجب أن يتأول عليه إذا لم يمتنع الصيد حتى أدركه وذكاه فيحل واختلفا في السابق منهما فيكون بينهما .
فصل : فإن رمى رجل صيدا فأزال امتناعه ثم رماه الآخر نظرت فإن أصاب الحلقوم والمريء فقتله حل أكله لأنه قد صار ذكاته في الحلق واللبة وقد ذكاه في الحلق واللبة ويلزمه للأول ما بين قيمته مجروحا ومذبوحا كما لو ذبح له شاة مجروحة وإن أصاب غير الحلق واللبة نظرت فإن وحاه لم يحل أكله لأنه قد صار ذكاته في الحلق واللبة فقتله بغير ذكاة فلم يحل ويجب عليه قيمته لصاحبه مجروحا كما لو قتل له شاة مجروحة فإن لم يوجه وبقي مجروحا ثم مات نظرت فإن مات قبل أن يدركه صاحبه أو بعد ما أدركه وقبل أن يتمكن من ذبحه وجب عليه قيمته مجروحا لأنه مات من جنايته وإن أدركه وتمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يحل أكله لأنه ترك ذكاته في الحلق مع القدرة واختلف أصحابنا في ضمانه فقال أبو سعيد الإصطخري : تجب عليه قيمته مجروحا لأنه لم يوجد من الأول أكثر من الرمي الذي ملك به وهو فعل مباح وترك ذبحه إلى أن مات وهذا لا يسقط الضمان كما لو جرح رجل شاة لرجل فترك صاحبها ذبحها حتى ماتت والمذهب أنه لا يجب عليه كمال القيمة لأنه مات بسببين محظورين : جناية الثاني وسراية جرح الأول فالسراية كالجناية في إيجاب الضمان فيصير كأنه مات من جناية اثنين وما هلك بجناية اثنين لا يجب علي أحدهما كمال القيمة وإذا قلنا بهذا قسم الضمان على الجانبين فما يخص الأول يسقط عن الثاني ويجب عليه الباقي ونبين ذلك في جنايتين مضمونتين ليعرف ما يجب على كل واحد منهما فما وجب على الأول منهما من قيمته أسقطناه عن الثاني فنقول : إذا كان لرجل صيد قيمته عشرة فجرحه رجل جراحة نقص من قيمته درهم ثم جرحه آخر فنقص درهم ثم مات ففيه لأصحابنا ستة طرق : أحدها - وهو قول المزني - إنه يجب على كل واحد منهما أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد الجنايتين بينهما نصفان فيجب على الأول درهم وعلى الثاني درهم ثم تجب قيمته بعد الجنايتين - وهو ثمانية - بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة فيحصل على كل واحد منهما خمسة لأن كل واحد منهما انفرد بجنايته فوجب عليه أرشها ثم هلك الصيد بجنايتهما فوجب عليهما قيمته والثاني - وهو قول أبي إسحاق إنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته يوم الجناية ونصف أرش جنايته فيجب على الأول خمسة دراهم ونصف وسقط عنه النصف لأن أرش الجناية يدخل في النفس وقد ضمن نصف النفس والجناية كانت على النصف الذي ضمنه وعلى النصف الذي ضمنه الآخر فما حصل على النصف الذي ضمنه يدخل في الضمان فيسقط وما حصل على النصف الذي ضمنه الآخر يلزم فيحصل عليه خمسة دراهم ونصف الآخر جنى وقيمته تسعة فيلزمه نصف قيمته أربعة ونصف وأرش جنايته درهم فيدخل نصفه في النصف الذي ضمنه ويبقى النصف لأجل النصف الذي ضمنه الأول فيجب عليه خمسة دراهم ثم يرجع الأول على الثاني بنصف الأرض الذي ضمنه وهو نصف درهم لأن هذا الأرش وجب بالجناية على النصف الذي ضمنه الأول وقد ضمن الأول كمال قيمة النصف فرجع بأرش الجناية عليه كرجل غصب من رجل ثوبا فخرقه رجل ثم هلك الثوب وجاء صاحبه وضمن الغاصب كمال قيمة الثوب فإنه يرجع على الجاني بأرش الحرق فيحصل على الأول خمسة دراهم وعلى الثاني خمسة دراهم فهذا يوافق قول المزني في الحكم وإن خالفه في الطريق والثالث - وهو قول أبي الطيب بن سلمة - إنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال الجناية ونصف أرض جناية ويدخل النصف فيما ضمنه صاحبه كما قال أبو إسحاق إلا أنه قال لا يعود من الثاني إلى الأول شيء ثم ينظر لما حصل على كل واحد منهما ويضم بعضه إلى بعض وتقسم عليه العشرة فيجب على الأول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني خمسة دراهم فذلك عشرة ونصف فتقسم العشرة على عشرة ونصف فما يخص خمسة ونصفا يجب على الأول وما يخص خمسا يجب على الثاني والرابع ما قال بعض أصحابنا إنه يجب على الأول أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد ذلك بينهما نصفين ولا يجب على الثاني أرش جنايته فيجب على الأول درهم ثم تجب التسعة بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة دراهم ونصف فيحصل على الأول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني أربعة دراهم ونصف لأن الأول انفراد بالجناية فلزمه أرشها ثم اجتمع جناية الثاني وسراية الأول فحصل الموت منهما فكانت القيمة بينهما والخامس ما قال بعض أصحابنا إن الأرش في قيمة الصيد فيجب على الأول نصف قيمته حال الجناية وهو خمسة وعلى الثاني نصف قيمته حال الجناية وهو أربعة ونصف ويسقط نصف درهم قال : لأني لم أجد محلا أوجبه فيه والسادس وهو قول أبي علي بن خيران وهو أن أرش جناية كل واحد منهما يدخل في القيمة فتضم قيمة الصيد عند جناية الأول إلى قيمة الصيد عند جناية الثاني فتكون تسعة عشر ثم تقسم العشرة على ذلك فيما يخص الطرق الأربعة لا يدخلون الأرش في بدل النفس وهذا لا يجوز لأن الأرش يدخل في بدل النفس وصاحب الطريق الخامس يوجب في صيد قيمته عشرة تسعة ونصفا ويسقط من قيمته نصف درهم وهذا لا يجوز .
فصل : ومن ملك صيدا ثم خلاه ففيه وجهان : أحدهما يزول ملكه كما لو ملك عبدا ثم أعتقه والثاني لا يزول ملكه كما لو ملك بهيمة ثم سيبها وبالله التوفيق