وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب النذر .
ويصح النذر من كل مسلم بالغ عاقل فأما الكافر فلا يصح نذره ومن أصحابنا من قال يصح نذره لما روي أن عمر Bه قال لرسول الله A : إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية فقال له A : [ أوف بنذرك ] والمذهب الأول لأنه سبب وضع لإيجاب القربة فلم يصح من الكافر كالإحرام وأما الصبي والمجنون فلا يصح نذرهما لقوله A [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] ولأنه إيجاب حق بالقول فلا يصح من الصبي والمجنون كضمان المال .
فصل : ولا يصح النذر إلا بالقول وهو أن يقول لله علي كذا فإن قال علي كذا ولم يقل لله صح لأن القربة لا تكون إلا لله تعالى فحمل الإطلاق عليه وقال في القديم : إذا أشعر بدنة أو قلدها ونوى أنها هدي أو أضحية صارت هديا أو أضحية لأن النبي A أشعر بدنة وقلدها ولم ينقل أنه قال : إنها هدي وصارت هديا وخرج أبو العباس وجها آخر أنه يصير هديا أو أضحية بمجرد النية ومن أصحابنا من قال : إن ذبح ونوى صار هديا أو أضحية والصحيح هو الأول لأنه إزالة ملك يصح بالقول فلم يصح بغير القول مع القدرة عليه كالوقف والعتق ولأنه لو كتب على دار أنها وقف أو على فرس أنها في سبيل الله لم تصر وقفا فكذلك ههنا .
فصل : ويجب بالنذر جميع الطاعات المستحبة لما روت عائشة Bها أن النبي A قال : [ من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ] وأما المعاصي كالقتل والزنا وصوم يوم العيد وأيام الحيض والتصدق بما لا يملكه فلا يصح نذرها لما روى عمران بن الحصين أن النبي A قال : [ لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم ] ولا يلزمه بنذره كفارة وقال الربيع : إذا نذرت المرأة صوم أيام الحيض وجبت عليها كفارة يمين ولعله خرج ذلك من قوله A : [ كفارة النذر كفارة يمين ] والمذهب الأول والحديث متأول فأما المباحات كالأكل والشرب فلا تلزم بالنذر لما روي أن النبي A مر برجل قائم في الشمس لا يستظل فسأل عنه فقيل هذا ابن اسرائيل نذر أن يقف ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال : مروه فليقعد وليستظل وليتكلم وليتم صومه .
فصل : فإن نذر طاعة نظرت فإن علق ذلك على إصابة خير أو دفع سوء فأصاب الخير أو دفع السوء عنه لزمه الوفاء بالنذر لما روى ابن عباس Bهما أن امرأة ركبت في البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها أو أمها إلى النبي A فأخبرته فأمرها النبي A أن تصوم عنها فإن لم يعلقه على شيء بأن قال لله علي أن أصوم أو أصلي ففيه وجهان : أحدهما أنه يلزمه وهو الأظهر لقوله A : [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ] والثاني لا يلزمه وهو قول أبي إسحاق و أبي بكر الصيرفي لأنه التزام من غير عوض فلم يلزمه بالقول كالوصية والهبة وإن نذر طاعة في لجاج وغضب بأن قال إن كلمت فلانا فعلي كذا فكلمه فهو بالخيار بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر أن رسول الله A قال : [ كفارة النذر كفارة يمين ] ولأنه يشبه من حيث إنه قصد المنع والتصديق ويشبه النذر من حيث إنه التزم قربة في ذمته فخير بين موجبهما ومن أصحابنا من قال : إن كانت القربة حجا أو عمرة لزمه الوفاء به لأن ذلك يلزم بالدخول فيه بخلاف غيره والمذهب الأول لأن العتق أيضا يلزم إتمامه بالتقويم ثم لا يلزمه .
فصل : إذا نذر أن يصدق بماله لزمه أن يتصدق بالجميع لقوله A : [ من نذر نذرا أن يطيع الله فليطعه ] فإن نذر أن يعتق رقبة ففيه وجهان : أحدهما يجزئه ما يقع عليه من الاسم اعتبارا بلفظه والثاني لا يجزئه إلا ما يجزئ في الكفارة لأن الرقبة التي يجب عتقها بالشرع ما تجب في الكفارة فحمل النذر عليه فإن نذر أن يعتق رقبة بعينها لزمه أن يعتقها ولا يزول ملكه عنها حتى يعتقها فإن أراد بيعها أو إبدالها بغيرها لم يجز لأنه تعين للقربة فلا يملك بيعه كالوقف وإن تلف أو أتلفه لم يلزمه بدله لأن الحق للعبد فسقط بموته فإن أتلفه أجنبي وجبت عليه القيمة للمولى ولا يلزمه صرفها في عبد آخر لما ذكرناه .
فصل : وإن نذر هديا نظرت فإن سماه كالثوب والعبد والدار لزمه ما سماه وإن أطلق الهدي ففيه قولان : قال في الإملاء والقديم : يهدي ما شاء لأن اسم الهدي يقع عليه ولهذا يقال أهديت له دارا وأهدى لي ثوبا وأن الجميع يسمى قربانا ولهذا قال A في الجمعة : [ من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساة الخامسة فكأنما قرب بيضة ] فإذا سمي قربانا وجب أن يسمى هديا وقال في الجديد : لا يجزئه إلا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والإبل والبقر لأن الهدي المعهود في الشرع ما ذكرناه فحمل مطلق النذر عليه وإن نذر بدنة أو بقرة أو شاة فإن قلنا بالقول الأول أجزأه من ذلك ما يقع عليه الاسم وإن قلنا بالقول الثاني لم يجزه إلا ما يجزئ في الأضحية وإن نذر شاة فأهدى بدنة أجزأه لأن البدنة بسبع من الغنم وهل يجب الجميع ؟ فيه وجهان : أحدهما أن الجميع واجب لأنه مخير بين الشاة والبدنة فأيهما فعل كان واجبا كما تقول في العتق والإطعام في كفارة اليمين والثاني أن الواجب هو السبع لأن كل سبع منها بشاة فكان الواجب هو السبع وإن نذر بدنة وهو واجد للبدنة ففيه وجهان : أحدهما أنه مخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم لأن كل واحد من الثلاثة قائم مقم الآخر والثاني أنه لا يجزئه غير البدنة لأنه عينها بالنذر وإن كان عادما للبدنة انتقل إلى البقر فإن لم يجد بقرة انتقل إلى سبع من الغنم ومن أصحابنا من قال لا يجزئه غير البدنة فإن لم يجد ثبتت في ذمته إلى أن يجد لأنه التزم ذلك بالنذر والمذهب الأول لأنه فرض له بدل فانتقل عند العجز إلى بدله كالوضوء .
فصل : فإن نذر الهدي للحرم لزمه في الحرم وإن نذر لبلد آخر لزمه في البلد الذي سماه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي A فقالت : [ يا رسول الله إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا المكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال : لصنم قالت لا قال : لوثن قالت : لا قال : أوفي بنذرك ] فإن نذر لأفضل بلد لزمه بمكة لأنها أفضل البلاد والدليل عليه ما روى جابر Bه قال : قال رسول الله A في حجته : [ أي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : بلدنا هذا فقال النبي A : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] ولأن مسجدها أفضل المساجد فدل على أنها أفضل البلاد وإن أطلق النذر ففيه وجهان : أحدهما يجوز حيث شاء لأن الاسم يقع عليه والثاني لا يجوز إلا في الحرم لأن الهدي المعهود في الشرع هو الهدي في الحرم والدليل عليه قوله تعالى : { هديا بالغ الكعبة } [ المائدة : 95 ] وقال تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } [ الحج : 33 ] فحمل مطلق النذر عليه فإن كان قد نذر الهدي لرتاج الكعبة أو عمارة مسجد لزمه صرفه فيما نذر فإن أطلق ففيه وجهان : أحدهما أن له أن يصرفه فيما شاء من وجوه القرب في ذلك البلد الذي نذر الهدي فيه لأن الاسم يقع عليه والثاني أنه يفرقه على مساكين البلد الذي نذر أن يهدي إليه لأن الهدي المعهود في الشرع ما يفرق على المساكين فحمل مطلق النذر عليه وإن كان ما نذره مما لا يمكن نقله كالدار باعه ونقل ثمنه إلى حيث نذر .
فصل : وإن نذر النحر في الحرم ففيه وجهان : أحدهما يلزمه النحر دون التفرقة لأنه نذر أحد مقصودي الهدي فلم يلزمه الآخر كما لو نذر التفرقة والثاني يلزمه النحر والتفرقة وهو الصحيح لأنه نحر الهدي في الحرم في عرف الشرع ما يتبعه التفرقة فحمل مطلق النذر عليه وإن نذر النحر في بلد غير الحرم ففيه وجهان : أحدهما لا يصح لأن النحر في غير الحرم ليس بقربة يلزمه بالنذر والثاني يلزمه النحر والتفرقة لأن النحر على وجه القربة لا يكون إلا للتفرقة فإذا نذر النحر تضمن التفرقة .
فصل : وإن نذر صلاة لزمه ركعتان في أظهر القولين لأن أقل صلاة واجبة في الشرع ركعتان فحمل النذر عليه وتلزمه ركعة في القول الآخر لأن الركعة صلاة في الشرع وهي الوتر فلزمه ذلك وإن نذر الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى جاز له أن يصلي في غيره لأن ما سوى المساجد الثلاثة في الحرمة والفضيلة واحدة فلم يتعين بالنذر وإن نذر الصلاة في المسجد الحرام لزمه فعلها فيه لأنه يختص بالنسك والصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره والدليل عليه ما روى عبد الله بن الزبير Bه أن النبي A قال : [ صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا ] فلا يجوز أن يسقط ما نذره بالصلاة في غيره وإن نذر الصلاة في مسجد المدينة أو المسجد الأقصى ففيه قولان : أحدهما يلزمه لأنه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فأشبه المسجد الحرام والثاني لا يلزمه لأنه لا يجب قصده بالنسك فلا تتعين الصلاة فيه بالنذر كسائر المساجد فإن قلنا يلزمه فصلى في المسجد الحرام أجزأه عن النذر لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل فسقط به فرض النذر وإن نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فصلى في مسجد المدينة أجزأه لما روى جابر Bه أن رجلا قال : [ يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال : صل ههنا فأعاد عليه فقال : صل ههنا ثم أعاد عليه فقال : شأنك ] ولأن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في بيت المقدس فسقط به فرض النذر .
فصل : وإن نذر الصوم لزمه صوم يوم لأن أقل الصوم يوم وإن نذر صوم سنة بعينها لزمه صومها متتابعا كما يلزمه صوم رمضان متتابعا فإذا جاء رمضان صام عن رمضان لأن مستحق بالشرع ولا يجوز أن يصوم فيه عن النذر ولا يلزمه قضاؤه عن النذر لأنه لم يدخل في النذر ويفطر في العيدين وأيام التشريق لأنه مستحق للفطر ولا يلزمه قضاؤها لأنه لم يتناولها النذر وإن كانت امرأة فحاضت فهل يلزمها القضاء ؟ فيه قولان : أحدهما لا يلزمها لأنه مستحق للفطر فلا يلزمها قضاؤه كأيام العيد والثاني يلزمها لأن الزمان محل للصوم وإنما تفطر هي وحدها فإن أفطر فيه لغير عذر نظرت فإن لم يشترط فيه التتابع أثم ما بقي لأن التتابع فيه يجب على الصائم في رمضان وإن شرط التتابع لزمه أن يستأنف لأن التتابع لزمه بالشرط فبطل بالفطر كصوم الظهار وإن أفطر لمرض وقد شرط التتابع ففيه قولان أحدهما : ينقطع التتابع لأنه أفطر باختياره والثاني لا ينقطع لأنه أفطر بعذر فأشبه الفطر بالحيض فإن قلنا لا ينقطع التتابع فهل يجب القضاء فيه وجهان بناء على القولين في الحائض وقد بيناه وإن أفطر بالسفر فإن قلنا إنه ينقطع التتابع بالمرض فالسفر أولى وإن قلنا لا ينقطع بالمرض ففي السفر وجهان : أحدهما لا ينقطع لأنه أفطر بعذر فهو كالفطر بالمرض والثاني ينقطع لأن سببه باختياره بخلاف المرض وإن نذر سنة غير معينة فإن لم يشترط التتابع جاز متتابعا ومتفرقا لأن الاسم يتناول الجميع فإن صام شهورا بالأهلة وهي ناقصة أجزأه لأن الشهور في الشرع بالأهلة وإن صام سنة متتابعة لزمه قضاء رمضان وأيام العيد لأن الفرض في الذمة فانتقل فيما لم يسلم منه إلى البدل كالمسلم فيه إذا رد بالعيب ويخالف السنة المعينة فإن الفرض فيها يتعلق بمعين فلم ينتقل فيما لم يسلم إلى البدل كالسلعة المعينة إذا ردها العيب وأما إذا شرط فيها التتابع فإنه يلزمه صومها متتابعا على ما ذكرناه .
فصل : وإن نذر أن يصوم في كل اثنين لم يلزمه قضاء أثانين رمضان لأنه يعلم أن رمضان لا بد فيه من الأثانين فلا يدخل في النذر فلم يجب قضاؤها وفيما يوافق منها أيام العيد قولان : أحدهما لا يجب وهو قول المزني قياسا على ما يوافق رمضان والثاني يجب لأنه نذر ما يجوز أن لا يوافق أيام العيد فإذا وافق لزمه القضاء وإن لزمه صوم الأثانين بالنذر ثم لزمه صوم شهرين متتابعين في كفارة بدأ بصوم الشهرين ثم يقضي صوم الأثانين لأنه إذا بدأ بصوم الشهرين يمكنه بعد الفراغ من الشهرين أن يقضي صوم الأثانين وإذا بدأ بصوم الأثانين لم يمكنه أن يقضي صوم الشهرين فكان الجمع بينهما أولى فإذا فرغ من صوم الشهرين لزمه قضاء صوم الأثانين لأنه لم يمكنه صيامها وإنما تركه لعارض فلزمه القضاء كما لو تركه لمرض وإن وجب عليه صوم الشهرين ثم نذر صوم الأثانين بدأ بصوم الشهرين ثم يقضي صوم الأثانين كما قلنا فيما تقدم ومن أصحابنا من قال لا يجب القضاء لأنه استحق صيامه عن الكفارة فلا يدخل في النذر والمذهب الأول أنه يلزمه لأنه كان يمكنه صومه عن النذر فإذا صامه عن غيره لزمه القضاء .
فصل : وإن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ففيه قولان : أحدهما نذره لأنه يمكنه أن يتحرى اليوم الذي يقدم فيه فينوي صيامه من الليل فإذا قدم صار ما صامه قبل القدوم تطوعا وما بعده فرضا وذلك يجوز كما لو دخل في صوم تطوع ثم نذر إتمامه والثاني لا يصح نذره لأنه لا يمكنه الوفاء بنذره لأنه إن قدم بالنهار فقد مضى جزء منه وهو فيه غير صائم وإن تحرى اليوم الذي يقدم فيه فنوى من الليل فقدم في أثناء النهار كان ما قبل القدوم تطوعا وقد أوجب صوم جميعه بالنذر فإن قلنا إنه يصح نذره فقدم ليلا لم يلزمه لأن الشرط أن يقدم نهارا وذلك لم يوجد فإن قدم نهارا وهو مفطر لزمه قضاؤه وإن قدم نهارا وهو صائم عن تطوع لم يجزه عن النذر لأنه لم ينو من أوله وعليه أن يقضيه وإن عرف أنه يقدم غدا فنوى الصوم من الليل عن النذر صح عن النذر ويكون أوله تطوعا والباقي فرضا فإن اجتمع في يوم نذران بأن قال إن قدم زيد فلله علي أن أصوم اليوم الذي يلي يوم مقدمه وإن قدم عمرو فلله علي أن أصوم أول خميس بعده فقدم زيد وعمرو يوم الأربعاء لزمه صوم يوم الخميس عن أول نذر نذره ثم يقضي عن الآخر .
فصل : وإن نذر اعتكاف اليوم الذي يقدم فيه فلان صح النذر فإن قدم ليلا لم يلزمه شيء لأن الشرط لم يوجد وإن قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وفي قضاء ما فات وجهان : أحدهما يلزمه وهو اختيار المزني والثاني لا يلزمه وهو المذهب لأن ما مضى قبل القدوم لم يدخل في النذر فلا يلزمه قضاؤه وإن قدم وهو محبوس أو مريض فالمنصوص أنه يلزمه القضاء لأنه فرض وجد شرطه في حال المرض فبقي في الذمة كصوم رمضان وقال القاضي أبو حامد و أبو علي الطبري : لا يلزمه لأن ما لا يقدر عليه لا يدخل في النذر كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه .
فصل : وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام لزمه المشي إليه بحج أو عمرة لأنه لا قربة في المشي إليه إلا بنسك فحمل مطلق النذر عليه ومن أي موضع يلزمه المشي والإحرام ؟ فيه وجهان : قال أبو إسحاق : يلزمه أن يحرم ويمشي من دويرة أهله لأن الأصل في الإحرام أن يكون من دويرة أهله وإنما أجيز تأخيره إلى الميقات رخصة فإذا أطلق النذر حمل الأصل وقال عامة أصحابنا : يلزمه الإحرام والمشي من الميقات لأن مطلق كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع والمعهود هو من الميقات فحمل النذر عليه فإن كان معتمرا لزمه المشي إلى أن يفرغ وإن كان حاجا لزمه المشي إلى أن يتحلل التحلل الثاني لأن بالتحلل الثاني يخرج من الإحرام فإن فاته لزمه القضاء ماشيا لأن فرض النذر يسقط بالقضاء فلزمه المشي فيه كالأداء وهل يلزمه أن يمشي في فائتة ؟ فيه قولان : أحدهما يلزمه لأنه لزمه بحكم النذر فلزمه المشي فيه كما لو لم يفته والثاني لا يلزمه لأن فرض النذر لا يسقط به وإن نذر المشي فركب وهو قادر على المشي لزمه دم لما روى ابن عباس Bهما عن عقبة بن عامر أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام فأتى النبي A فسأله فقال : [ إن الله لغني عن نذر أختك لتركب ولتهد بدنة ] ولأنه صار بالنذر نسكا واجبا فوجب بتركه الدم كالإحرام من الميقات وإن لم يقدر على المشي فله أن يركب لأنه إذا جاز أن يترك القيام الواجب في الصلاة للعجز جاز أن يترك المشي فإن ركب فهل يلزمه دم ؟ فيه قولان : أحدهما لا يلزمه لأن حال العجز لم يدخل في النذر والثاني يلزمه لأن ما وجب به الدم لم يسقط الدم فيه بالمرض كالطيب واللباس وإن نذر أن يركب إلى بيت الله الحرام فمشى لزمه دم لأنه ترفه بترك مؤنة الركوب وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام لا حاجا ولا معتمرا ففيه وجهان : أحدهما لا ينعقد نذره لأن المشي في غير نسك ليس بقربة فلم ينعقد كالمشي إلى غير البيت والثاني ينعقد نذره ويلزمه المشي بحج أو عمرة لأنه لما نذر المشي لزمه المشي بنسك ثم رام إسقاطه فلم يسقط وإن نذر المشي إلى بيت الله ولم يقل الحرام ولا نواه فالمذهب أنه يلزمه لأن البيت المطلق بيت الله الحرام فحمل مطلق النذر عليه ومن أصحابنا من قال لا يلزمه لأن البيت يقع على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد فلا يجوز حمله على البيت الحرام فإن نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه المشي بحج أو عمرة لأن قصده لا يجوز من غير إحرام فكان إيجابه إيجابا للإحرام وإن نذر المشي إلى عرفات لم يلزمه لأنه يجوز قصده من غير إحرام فلم يكن في نذره المشي إليه أكثر من إيجاب مشي وذلك ليس بقربة فلم يلزمه وإن نذر المشي إلى مسجد غير المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى لم يلزمه لما روى أبو سعيد الخدري Bه أن النبي A قال : [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ] وإن نذر المشي إلى المسجد الأقصى ومسجد المدينة ففيه قولان : قال في البويطي يلزمه لأنه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فلزمه المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام وقال في الأم لا يلزمه لأنه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد .
فصل : وإن نذر أن يحج في هذه السنة نظرت فإن تمكن من أدائه فلم يحج صار ذلك دينا في ذمته كما قلنا في حجة الإسلام وإن لم يتمكن من أدائه في هذه السنة سقط عنه فإن قدر بعد ذلك لم يجب لأن النذر اختص بتلك السنة فلم يجب في سنة أخرى إلى بنذر آخر