وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الحج .
الحج ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه لما روى ابن عمر Bهما قال سمعت رسول الله A يقول : [ بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله A وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ] وفي العمرة قولان : قال في الجديد : هي فرض لما روت عائشة Bها قالت : قلت : يا رسول الله أعلى النساء جهاد ؟ قال : جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة وقال في القديم : ليست بفرض لما روى جابر أن النبي A سئل عن العمرة أهي واجبة قال : لا وأن تعتمر خير لك والصحيح هو الأول لأن هذا الحديث يرفعه ابن لهيعة وهو ضعيف ففيما ينفرد به ولا يجب في العمر أكثر من حجة وعمرة بالشرع لما روى ابن عباس Bهما أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله A قال : الحج كل عام قال : [ لا بل حجة واحدة ] وروى سراقة بن مالك قال : قلت يا رسول الله أعمرتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ قال : بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ومن حج واعتمر حجة الإسلام وغمرته ثم أراد دخول مكة لحاجة نظرت فإن كان لقتال أو دخلها خائفا من ظالم يطلبه ولا يمكنه أن يظهر لأداء النسك جاز أن يدخل بغير إحرام لأن النبي A دخل مكة يوم الفتح بغير إحرام لأنه كان لا يأمن أن يقاتل ويمنع النسك وإن كان دخوله لتجارة أو زيارة ففيه قولان : أشهرهما أنه لا يجوز أن يدخل إلا بحج أو عمرة لما روى ابن عباس Bهما قال : لا يدخل أحدكم مكة إلا محرما ورخص للحطابين والثاني أنه يجوز لحديث الأقرع بن حابس وسراقة بن مالك وإن كان دخوله لحاجة تتكرر كالحطابين والصيادين جاز بغير نسك لحديث ابن عباس ولأن في إيجاب الإحرام على هؤلاء مشقة فإن دخل بتجارة وقلنا إنه يجب عليه الإحرام فدخل بغير إحرام لم يلزمه القضاء لأنا لو ألزمناه القضاء لزمه لدخوله للقضاء قضاء ولا يتناهى قال أبو العباس بن القاص : فإن دخل بغير إحرام ثم صار حطابا أو صيادا لزمه القضاء لأنه لا يلزمه للقضاء قضاء .
فصل : ولا يجب الحج والعمرة إلا على مسلم عاقل بالغ حر مستطيع فأما الكافر فإن كان أصليا لم يصح منه لأن ذلك من فروع الإيمان فلم يصح من الكافر ولا يخاطب به في حال الكفر لأنه لا يصح منه وإن أسلم لم يخاطب بما فاته في حال الكفر لقوله A [ الإسلام يجب ما قبله ] ولأنه لم يلتزم وجوبه فلم يلزمه ضمائنه كحقوق الآدميين وإن كان مرتدا لم يصح منه لما ذكرناه ويجب عليه لأنه التزم وجوبه فلم يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين وأما المجنون فلا يصح منه لأنه ليس من أهل العبادات فلم يصح حجه ولا يجب عليه لقوله A [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] وأما الصبي فلا يجب عليه للخبر ويصح منه لما روى ابن عباس أن امرأة رفعت صبيا لها من محفتها فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر فإن كان مميزا فأحرم بإذن الولي صح إحرامه وإن أحرم بغير إذنه ففيه وجهان : قال أبو إسحاق : يصح كما يصح إحرامه في الصلاة وقال أكثر أصحابنا لا يصح لأنه يفتقر في اداته إلى المال فلا يصح من غير إذن الولي بخلاف الصلاة وإن كان غير مميز جاز لأمه أن تحرم عنه لحديث ابن عباس ويجوز لأبيه قياسا على الأم ولا يجوز للأخ والعم أن يحرما عنه لأنه لا ولاية لهما على الصغير فإن عقد له الإحرام فعل بنفسه ما يقدر عليه ويفعل عنه وليه ما لا يقدر عليه لما روى جابر قال : حججنا مع رسول الله A ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم وعن ابن عمر Bهما قال : كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم رمى ومن لم يستطع رمي عنه وفي نفقة الحج وما يلزمه من الكفارة قولان : أحدهما يجب في مال الولي لأنه هو الذي أدخله فيه والثاني يجب في مال الصبي لأنه وجب لمصلحته فكان في ماله كأجرة المعلم وأما العبد فلا يجب عليه الحج لأن منافعه مستحقة لمولاه وفي إيجاب الحج عليه إضرار بالمولى ويصح منه لأنه من أهل العبادة فصح منه الحج كالحر فإن أحرم بإذن السيد وفعل ما يوجب الكفارة فإن ملكه السيد مالا وقلنا إنه يملك لزمه الهدي وإن قلنا لا يملك أو لم يملكه السيد وجب عليه الصوم ويجوز للسيد أن يمنعه من الصوم لأنه لم يأذن في سببه وإن أذن في التمتع أو القران وقلنا أنه لا يملك المال صام وليس للمولى منعه من الصوم لأنه وجب بإذنه فإن قلنا إنه يملك ففي الهدى قولان : أحدهما يجب في مال السيدة لأنه أذن في سببه والثاني لا يجب لأن أذنه رضا بوجوبه على عبده لا في ماله ولأن بوجوب التمتع في حق العبد هو الصوم لأنه لا يقدر على الهدي فلا يجب عليه الهدى فإن حج الصبي ثم بلغ أو حج العبد ثم أعتق لم يجزه ذلك عن حجة الإسلام لما روى ابن عباس Bه قال : قال رسول الله A : [ أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى ] وإن بلغ الصبي أو أعتق العبد في الإحرام نظرت فإن كان قبل الوقوف بعرفة أو في حال الوقوف بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام لأنه أتى بأفعال النسك في حال الكمال فأجزأه وإن كان ذلك بعد فوات الوقوف لم يجزه وإن كان بعد الوقوف وقبل فوات وقته ولم يرجع إلى الموقف فقد قال أبو عباس : يجزئه لأن إدراك وقت العبادة في حال الكمال كفعلها في حال الكمال والدليل عليه أنه لو أحرم كمل جعل كأنه بدأ بالإحرام حال الكمال ولو صلى في أول الوقت ثم بلغ في آخر الوقت جعل كأنه صلى في حال بلوغه والمذهب أنه لا يجزيه لأنه لم يدرك الوقوف في حال الكمال فأشبهه إذا كمل في يوم النحر ويخالف الإحرام لأن هناك أدرك الكمال والإحرام قائم فوازنه من مسألتنا أن يدرك الكمال وهو واقف بعرفة فيجزئه وههنا أدرك الكمال وقد انقضى الوقوف فلم يجزه يجزه كما لو أدرك الكمال بعد التحلل عن الإحرام ويخالف الصلاة فإن الصلاة تجزئه بإدراك الكمال بعد الفراغ منها ولو فرغ من الحج ثم أدرك الكمال لم يجزه .
فصل : فأما غير المستطيع فلا يجب عليه لقوله D { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } [ آل عمران 97 ] فدل على أنه لا يجب على غير المستطيع والمستطيع اثنان : مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره والمستطيع بنفسه ينظر فيه فإن كان من مكة على مسافة تقصر فيها الصلاة فهو أن يكون صحيحا واجدا للزاد والماء بثمن المثل في المواضع التي جرت العادة أن يكون فيها في ذهابه ورجوعه واجدا لراحلة تصلح لمثله بثمن المثل أو بأجرة المثل وأن يكون الطريق آمنا من غير خفارة وأن يكون عليه من الوقت ما يتمكن فيه من السير و الأداء فأما إذا كان مريضا تلحقه مشقة غير معتادة لم يلزمه لما روى أبو أمامة Bه قال : قال رسول الله A : [ من لم يمنعه من الحج مرض حابس أو سلطان جائز فمات فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا ] .
فصل : فإن لم يجد الزاد لم يلزمه لما روى ابن عمر Bهما قال : قام رجل إلى رسول الله A فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج فقال : الزاد والراحلة فإن لم يجد الماء لم يلزمه لأن الحاجة إلى الماء أشد من الحاجة إلى الزاد فإذا لم يجب على من لم يجد الزاد فلأن لا يجد على من لم يجد الماء أولى وإن وجد الزاد والماء بأكثر من ثمن المثل لم يلزمه لأنه لو لزم ذلك لم يأمن أنه لا يباع منه ذلك إلا بما يذهب به جميع ماله في إيجاب ذلك إضرار فلم يلزمه وإن لم يجد راحلة لم يلزمه لحديث ابن عمر وإن وجد راحلة لا تصلح لمثله بأن يكون ممن لا يمكنه الثبوت على القتب والزاملة لم يلزمه حتى يجد عمارية أو هودجا وإن بذل له رجل راحلة من غير عرض لم يلزمه قبولها لأن عليه في قبول ذلك منة وفي تحمل المنة مشقة فلا يلزمه وإن وجد بأكثر من ثمن المثل ولو بأكثر من أجرة المثل لم يلزمه لما ذكرناه في الزاد وإن وجد الزاد والراحلة لذهابه ولم يجد لرجوعه نظرت فإن كان له أهل في بلده لم يلزمه وإن لم يكن له أهل ففيه وجهان : أحدهما يلزمه لأن البلاد كلها في حقه واحدة والثاني لا يلزمه لأنه يستوحش بالانقطاع عن الوطن والمقام في الغربة لم يلزمه وإن وجد ما يشتري به الزاد والراحلة وهو محتاج إليه لدين عليه لم يلزمه حالا كان الدين أو مؤجلا لأن الدين الحال على الفور والحج على التراخي فقدم عليه والمؤجل يحل عليه فإذا صرف ما معه في الحج لم يجد ما يقضي به الدين وإن كان محتاجا إليه لنفقة من تلزمه نفقة لم يلزمه الحج لأن النفقة على الفور والحج على التراخي وإن احتاج إليه لمسكن لا بد له من مثله أو خادم يحتاج إلى خدمته لم يلزمه وإن احتاج إلى النكاح وهو يخاف العنت قدم النكاح لأن الحاجة إلى ذلك الفور والحج ليس على الفور وإن احتاج إليه في بضاعة يتجر فيهل ليحصل منها على ما يحتاج إليه للنفقة ففيه وجهان : قال أبو العباس بن سريج لا يلزمه الحج أنه محتاج إليه فهو كالمسكن والخادم ومن أصحابنا من قال يلزمه لأنه واجد للزاد والراحلة وإن لم يجد الزاد والراحلة وهو قادر على المشي وله صنعة يكتسب بها ما يكفيه لنفقته استحب له أن يحج لأنه يقدر على إسقاط الفرض بمشقة لا يكره تحملها فاستحب له إسقاط الفرض كالمسافر إذا قدر على الصوم في السفر وإن لم يكن له صنعة ويحتاج إلى مسألة الناس كره له أن يحج لأن المسألة مكروهة ولأن في المسألة تحمل مشقة شديدة فكره وإن كان الطريق غير آمن لم يلزمه لحديث أبي أمامة ولأن في إيجاب الحج مع الخوف تغريرا بالنفس والمال وإن كان الطريق آمنا إلا أنه يحتاج فيه إلى خفارة لم يلزمه لأن ما يؤخذ في الخفارة بمنزلة ما زاد على ثمن المثل وأجرة المثل في الزاد والراحلة فلا يلزمه ولأنه رشوة على واجب فلا يلزمه وإن لم يكن له طريق إلا في البحر فقد قال في الأم : لا يجب عليه وقال في الإملاء : إن كان أكثر معاشه في البحر لزمه فمن أصحابنا من قال فيه قولان : أحدهما يجب لأنه طريق مسلوك فأشبه البر والثاني لا يجب لأن فيه تغريرا بالنفس والمال فلا يجب كالطريق المخوف ومنهم من قال إن كان الغالب منه السلامة لزمه وإن كان الغالب منه الهلاك لم يلزمه كطريق البر ومنهم من قال إن كان عادة بركوبه لزمه وإن لم يكن له عادة بركوبه لم يلزمه لأن من له عادة لا يشق عليه ومن لا عادة له يشق عليه وإن كان أعمى لم يجب عليه إلا أن يكون معه قائد فإن الأعمى من غير قائد كالزمن ومع القائد كالبصير وإن كانت امرأة لم يلزمها إلا أن تأمن على نفسها بزوج أو محرم أو نساء ثقات قال في الإملاء أو امرأة واحدة وروى الكرابيسي عنه إذا كان الطريق آمنا جاز من غير نساء وهو الصحيح لما روى عدي بن حاتم أن النبي A قال : حتى لتوشك الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف بالكعبة قال عدي : فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالكعبة بغير جوار ولأنها تصير مستطيعة بما ذكرناه ولا تصير مستطيعة بغيره فإن لم يبق من الوقت ما يتمكن فيه من السير لأداء الحج لم يلزمه لأنه إذا ضاق الوقت لم يقدر على الحج فلا يلزمه فرضه .
فصل : وإن كان من مكة على مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يجد راحلة نظرت فإن كان قادرا على المشي وجب عليه لأنه يمكنه الحج من غير مشقة شديدة وإن كان زمنا على المشي ويقدر على الحبو لم يلزمه لأن المشقة في الحبو في المسافة القريبة أكثر من المشقة في المسافة البعيدة في السير .
فصل : وإن كان من أهل لمكة وقدر على المشي إلى مواضع النسك من غير خوف وجب عليه لأنه بصير مستطيعا بذلك .
فصل : ومن قدر على الحج راكبا أو ماشيا فالأفضل أن يحج راكبا لأن النبي A حج راكبا ولأن الركوب أعون على المناسك .
فصل : والمستطيع بغيره اثنان : أحدهما من لا يقدر على الحج بنفسه لزمانه أو كبر وله مال يدفع إلى من يحج عنه فيجب عليه فرض الحج لأنه يقدر على أداء الحج بغيره كما يقدر على أدائه بنفسه فيلزمه فرض الحج والثاني من لا يقدر على الحج بنفسه وليس له مال ولكن له ولد يطيعه إذا أمره بالحج فينظر فيه فإن كان الولد مستطيعا بالزاد والراحلة وجب على الأب الحج ويلزمه أن يأمر الولد بأدائه عنه لأنه قادر على أداء الحج بولده كما يقدر على أدائه بنفسه وإن لم يكن للولد مال ففيه وجهان : أحدهما يلزمه لأنه قادر على تحصيل الحج بطاعته والثاني لا يلزمه لأن الصحيح لا يلزمه فرض الحج من غير زاد ولا راحلة فالمغصوب أولى أن لا يلزمه وإن كان الذي يطيعه غير الولد ففيه وجهان : أحدهما أن الحاكم ينوب عنه في الإذان كما ينوب عنه إذا امتنع من إخراج الزكاة والثاني لا ينوب عنه كما إذا كان له مال ولم يجهز من يحج عنه ينب الحاكم عنه في تجهيز من يحج عنه وإن بذل له الطاعة ثم رجع الباذل ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يجوز لأنه لما لم يجز للمبذول له أن يرد لم يجز للباذل أن يرجع والثاني أنه يجوز وهو الصحيح لأنه متبرع بالبذل فلا يلزمه الوفاء بما بذل وأما إذا بذل له مالا يدفعه إلى من يحج عنه ففيه وجهان : أحدهما أنه يلزمه قبوله كما يلزمه قبول الطاعة والثاني لا يلزمه وهو الصحيح لأنه إيجاب كسب لإيجاب الحج فلم يلزمه كالكسب بالتجارة .
فصل : والمستحب لمن وجب عليه الحج بنفسه أو بغيره أن يقدمه لقوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات } [ البقرة : 148 ] ولأنه إذا أخره عرضه للفوات ولحوادث الزمان ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة لأن فريضة الحج نزلت سنة ست فأخر النبي A إلى سنة عشر من غير عذر فلو لم يجز التأخير لما أخره .
فصل : ومن وجب عليه الحج فلم يحج حتى مات نظرت فإن مات قبل أن يتمكن من الأداء سقط فرضه ولم يجب القضاء وقال أبو يحيى البلخي : يجب القضاء وأخرج إليه أبو إسحاق نص الشافعي C فرجع عنه والدليل على أنه يسقط أنه هلك ما تعلق به الفرض قبل التمكن من الأداء فسقط الفرض كما لو هلك النصاب قبل أن يتمكن من إخراج الزكاة وإن مات بعد التمكن من الأداء لم يسقط الفرض ويجب قضاؤه من تركته لما روى بريدة قال : أتت النبي A امرأة فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت ولم تحج قال : حجي عن أمك ولأنه حق تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمي ويجب قضاؤه عنه من الميقات لأن الحج يجب من الميقات ويجب من رأس المال لأنه دين واجب فكان من رأس المال كدين الآدمي وإن اجتمع الحج ودين الآدمي والتركة لا تتسع لهما ففيه الأقوال الثلاثة التي ذكرناها في آخر الزكاة .
فصل : وتجوز النيابة في حج الفرض في موضعين : أحدهما في حق الميت إذا مات وعليه حج والدليل ليه حديث بريدة والثاني في حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير معتادة كالزمن والشيخ الكبير والدليل عليه ما روى ابن عباس Bهما أن امرأة من خثعم أتت النبي A فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم قالت : أينفعه ذلك ؟ قال نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه ولأنه أيس من الحج بنفسه فتاب عنه غيره كالميت وفي حج التطوع قولان : أحدهما لا يجوز لأنه غير مضطر إلى الاستنابة فيه فلم تجز الاستنابة فيه كالصحيح والثاني أنه يجوز وهو الصحيح لأن كل عبادة جازت النيابة في فرضها جازت النيابة في نفلها كالصدقة فإن استأجر من يتطوع عنه وقلنا لا يجوز فإن الحج للحاج وهل يستحق الأجرة ؟ فيه قولان : أحدهما أنه لا يستحق لأن الحج قد انعقد له فلا يستحق الأجرة كالصرورة والثاني أنه يستحق لأنه لم يحصل له بهذا الحج منفهة لأنه لم يسقط به عنه فرض ولا حصل له به ثواب بخلاف الصرورة فإن هناك قد سقط عنه الفرض فأما الصحيح الذي يقدر على الثبوت على الراحلة فلا يجوز النيابة عنه في الحج لأن الفرض عليه في بدنه فلا ينتقل الفرض إلى غيره إلا في الموضع الذي وردت فيه الرخصة وهو إذا أيس وبقي فيما سواه على الأصل فلا تجوز النيابة عنه فيه وأما المريض فينظر فيه فإن كان غير مأيوس منه لم يجز أن يحج عنه غيره لأنه لم ييأس من فعله بنفسه فلا تجوز النيابة عنه فيه كالصحيح فإن خالف أو حج عن نفسه ثم مات فهل يجزئه عن حجة الإسلام ؟ فيه قولان : أحدهما يجزئه لأنه مات تبينا أنه كان مأيوسا منه والثاني لا يجزئه لأنه حج وهو غير مأيوس منه في الحال فلم يجزه كما لو برأ منه وإن كان مريضا مأيوسا منه جازت النيابة عنه في الحج لأنه مأيوس منه فأشبه الزمن والشيخ الكبير فإن حج عن نفسه ثم برأ من المرض ففيه طريقان : أحدهما أنه كالمسألة التي قبلها وفيها قولان والثاني أنه يلزمه الإعادة قولا واحدا لأنا تبينا الخطا في الأياس ويخالف إذا كان غير مأيوس منه فمات لأنا لم نتبين الخطأ لأنه يجوز أنه لم يكن مأيوسا منه ثم زاد المرض فصار مأيوسا منه ولا يجوز أن يكون مأيوسا منه ثم يصير غير مأيوس منه .
فصل : ولا يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه لما روى ابن عباس Bهما قال : سمع رسول الله A رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال : [ حججت عن نفسك قال : لا قال : فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ] ولا يجوز أن يعتمر عن غيره من لم يعتمر عن نفسه قياسا على الحج قال الشافعي C : وأكره أن يسمي من لم يحج صرورة لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله A : [ لا صرورة في الإسلام ] ولا يجوز أن يتنفل بالحج والعمرة وعليه فرضهما ولا يحج ويعتمر عن النذر وعليه فرض حجة الإسلام لأن النفل والنذر أضعف من حجة الإسلام فلا يجوز تقديمهما عليها كحج غيره على حجة فإن أحرم من غيره وعليه فرضه انعقد إحرامه لنفسه لما روي في حديث ابن عباس Bه أن النبي A قال له : [ أحججت عن نفسك قال : لا قال : فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة ] فإن أحرم بالنفل وعليه فرضه انعقد إحرامه عن الفرض وإن أحرم عن النذر وعليه فرض الإسلام انعقد إحرامه عن فرض الإسلام قياسا على من أحرم عن غيره وعليه فرضه فإن أمر المعضوب من يحج عنه عن النذر وعليه حجة الإسلام فأحرم عنه انصرف إلى حجة الإسلام لأنه نائب عنه ولو أحرم هو عن النذر انصرف إلى حجة الإسلام فكذلك النائب عنه .
فصل : فإن كان عليه حجة الإسلام وحجة نذر فاستأجر رجلين يحجان عنه في سنة واحدة فقد نص في الأم أنه يجوز وكان أولى لأنه لم يقدم النذر على حجة الإسلام ومن أصحابنا من قال : لا يجوز لأنه يحج بنفسه حجتين في سنة وليس بشيء .
فصل : ولا يجوز الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج والدليل عليه قوله D { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } [ البقرة : 197 ] والمراد به وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أنه أراد به وقت الإحرام ولأن الإحرام نسك من مناسك الحج فكان مؤقتا كالوقوف والطواف وأشهر الحج : شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وهو إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر لما روى عن ابن مسعود وجابر وابن الزبير Bهم أنهم قالوا : أشهر الحج معلومات شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة فإن أحرم بالحج في غير أشهره انعقد إحرامه بالعمرة لأنها عبادة مؤقتة فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها كصلاة الظهر إذا أحرم بها قبل الزوال فإنه ينعقد إحرامه بالنفل ولا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة فلا يمكن أداء الحجة الأخرى .
فصل : وأما العمرة فإنها تجوز في أشهر الحج وغيرها لما روت عائشة Bها أن النبي A اعتمر عمرتين في ذي القعدة وفي شوال وروى ابن عباس Bهما أن النبي A قال : [ عمرة في رمضان تعدل حجة ] ولا يكره فعل عمرتين وأكثر في سنة لما ذكرناه من حديث عائشة Bها .
فصل : ويجوز إفراد الحج عن العمرة والتمتع بالعمرة إلى الحج والقران بينهما لما روت عائشة Bها قالت : خرجنا مع رسول الله A فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة .
فصل : والإفراد والتمتع من القران وقال المزني القران أفضل والدليل على ما قلناه أن المفرد والمتمتع يأتي بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله والقارن يقتصر على عمل الحج وحده فكان الإفراد والتمتع أفضل .
فصل : وفي التمتع والإفراد قولان : أحدهما أن التمتع أفضل لما روى ابن عمر Bهما قال تمتع رسول الله A في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج والثاني أن الإفراد أفضل لما روى جابر قال أهل رسول الله A بحج ليس معه عمرة ولأن التمتع يتعلق به وجوب دم فكان الإفراد أفضل منه كالقران وأما حديث ابن عمر Bهما فإنه يحتمل أنه أمر بالتمتع كما روي أنه رجم ماعزا وأراد أنه يرجمه والدليل عليه أن ابن عمر هو الراوي وقد روى أن النبي A أفرد بالحج .
فصل : والإفراد أن يحج ثم يعتمر والتمتع أن يعتمر في أشهر الحج ثم يحج من عامه والقران أن يحرم بهما معا فإن أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف جاز ويصير قارنا لما روي أن عائشة Bها أحرمت بالعمرة فحاضت فدخل عليها رسول الله A وهي تبكي فقال لها رسول الله A : [ أهلي بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي ] وإن أدخل عليها الحج بعد الطواف لم يجز واختلف أصحابنا في علته فمنهم من قال لا يجوز لأنه قد أخذ في التحلل ومنهم قال لا يجوز لأنه قد أتى بمقصود العمرة وإن أحرم بالحج وأدخل عليه بالعمرة ففيه قولان : أحدهما يجوز لأنه أحد النسكين فجاز إدخاله على الآخر كالحج والثاني لا يجوز لأن أفعال العمرة استحقت بإحرام الحج فلا يعد إحرام العمرة شيئا فإن قلنا إنه يجوز فهل يجوز بعد الوقوف أن يبني على العلتين في إدخال الحج على العمرة بعد الطواف ؟ فإن قلنا لا يجوز إدخال الحج على العمرة بعد الطواف لأنه أخذ في التحلل ههنا بعد الوقوف لأنه لم يأخذ في التحلل وإن قلنا لا يجوز لأنه أتى بالمقصود لم يجز ههنا لأنه قد أتى بمعظم المقصود وهو الوقوف فإن أحرم بالعمرة فأفسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه وجهان : أحدهما ينعقد الحج ويكون فاسدا لأنه إدخال حج على عمرة فأشبه إذا كان صحيحا والثاني لا ينعقد لأنه لا يجوز أن يصح لأنه إدخال حج على إحرام فاسد ولا يجوز أن يفسد لأن إحرامه لم يصادفه الوطء فلا يجوز إفساده .
فصل : ويجب على المتمتع الدم لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } [ البقرة : 196 ] ولا يجب عليه إلا بخمسة شروط : أحدها أن يعتمر في أشهر الحج فإن اعتمر في غير أشهر الحج لم يلزمه دم لأنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج فلم يلزمه دم كالمفرد وإن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وأتى بأفعالها في أشهر الحج ففيه قولان : قال في القديم و الإملاء : يجب عليه دم لأن استدامة الإحرام بمنزلة الابتداء ولو ابتدأ الإحرام بالعمرة في أشهر الحج لزمه الدم فكذلك إذا استدام وقال في الأم : لا يجب عليه الدم لأن الإحرام نسك لا تتم العمرة إلا به أتى به في غير أشهر الحج فلم يلزمه دم التمتع كالطواف والثاني أن يحج من سنته فأما إذا حج في سنة اخرى لم يلزمه الدم لما روى سعيد بن المسيب قال : كان أصحاب النبي A يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا ولأن الدم إنما يجب بترك الإحرام بالحج من الميقات وهذا لم يترك الإحرام بالحج من الميقات فإنه إن أقام بمكة صارت مكة ميقاته وإن رجع إلى بلده وعاد فقد أحرم من الميقات والثالث أن لا يعود لإحرام إلى الميقات فأما إذا رجع لإحرام الحج إلى الميقات فأحرم لم يلزمه الدم لأن الدم توجب بترك الإحرام من الميقات وهذا لم يترك الميقات فإن أحرم بالحج من جوف مكة ثم رجع إلى الميقات قبل أن يقف ففيه وجهان : أحدهما لا دم عليه لأنه حصل محرما من الميقات قبل التلبس بنسك فأشبه من جاوز الميقات غير محرم ثم أحرم وعاد إلى الميقات والثاني يلزمه لأنه وجب عليه الدم بالإحرام من مكة فلا يسقط بالعود إلى الميقات كما لو ترك الميقات وأحرم دونه ثم عاد بعد التلبس بالنسك والرابع أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام فأما إذا كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه لقوله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } وحاضر المسجد الحرام أهل الحرم ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة لأن الحاضر في اللغة هو القريب ولا يكون قريبا إلا في مسافة لا تقصر فيها الصلاة وفي الخامس وهو نية التمتع وجهان : أحدهما أنه لا يحتاج إليها لأن الدم يتعلق بترك الإحرام بالحج من الميقات وذلك يوجد من غير نية والثاني أنه يحتاج إلى نية التمتع لأنه جمع بين العبادتين في وقت إحداهما فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين فإذا قلنا بهذا ففي وقت النية وجهان : أحدهما أنه يحتاج أن ينوي عند الإحرام بالعمرة والثاني يجوز أن ينوي ما لم يفرغ من العمرة بناء على القولين في وقت نية الجمع بين الصلاتين فإن في ذلك قولين : أحدهما ينوي في ابتداء الأولى منهما والثاني ما لم يفرغ من الأولى .
فصل : ويجب دم التمتع بالإحرام بالحج لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } [ البقرة : 196 ] ولأن شرائط الدم إنما توجد بوجود الإحرام فوجب أن يتعلق الوجوب به وفي وقت جوازه قولان : أحدهما لا يجوز قبل أن يحرم بالحج لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصوم والصلاة والثاني يجوز بعد الفراغ من العمرة لأنه حق مال يجب بشيئين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب .
فصل : فإن لم يكن واجدا للهدي في موضعه انتقل إلى الصوم وهو صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لقوله تعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } [ البقرة : 196 ] فأما صوم ثلاثة أيام في الحج فلا يجوز قبل الإحرام بالحج لأنه صوم واجب فلا يجوز قبل وجوبه كصوم رمضان ويجوز بعد الإحرام بالحج إلى يوم النحر والمستحب أن يفرغ منه قبل يوم عرفة فإنه يكره للحاج صوم عرفة وهل يجوز صيامها في أيام التشريق على قولين وقد ذكرناهما في كتاب الصيام وأما صوم السبعة ففيه قولان : قال في حرملة : لا يجوز حتى يرجع إلى أهله لما روى جابر أن النبي A قال : من كان معه هدي فليهد ومن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وقال في الإملاء : يصوم إذا أخذ في السير خارجا من مكة لقوله تعالى : { وسبعة إذا رجعتم } وابتداء الرجوع إذا ابتدأ بالسير من مكة فإذا قلنا بهذا ففي الأفضل قولان : أحدهما الأفضل أن يصوم بعد الابتداء بالسير لأن تقديم العبادة في أول وقتها أفضل والثاني الأفضل أن يؤخر إلى يرجع إلى الوطن ليخرج من الخلاف فإن لم يصم الثلاثة حتى رجع إلى أهله لزمه صوم عشرة أيام وهل يشترط التفريق بينهما : فيه وجهان : أحدهما أنه ليس بشرط لأن التفريق وجب بحكم الوقت وقد فات فسقط كالتفريق بين الصلوات والثاني أنه يشترط وهو المذهب لأن ترتيب أحدهما على الآخر لا يتعلق بوقت فلم يسقط بالفوات كترتيب أفعال الصلاة فإن قلنا بالوجه الأول صام عشرة أيام كيف شاء وإن قلنا بالمذهب فرق بينهما بمقدار ما وجب التفريق بينهما في الأداء .
فصل : فإن دخل في الصوم ثم وجد الهدي فالأفضل أن يهدي ولا يلزمه وقال المزني : يلزمه كالمتيمم إذا رأى الماء فإن وجد الهدى بعد الإحرام بالحج وقبل الدخول في الصوم فهو مبني على الأقوال الثلاثة في الكفارات : أحدها أن الاعتبار بحال الوجوب ففرضه الصوم والثاني أن الاعتبار بحال الأداء ففرضه الهدي والثالث الاعتبار بأغلظ الحالين ففرضه الهدي .
فصل : ويجب على القارن دم لأنه روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر Bهما ولأنه إذا وجب على المتمتع لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى فإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع على ما بيناه وبالله التوفيق