وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل .
لا تقبل شهادة الصبي لقوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } [ البقرة : 282 ] والصبي ليس من الرجال ولما روي أن النبي A قال : [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] ولأنه إذا لم يؤتمن على حفظ أمواله فلأن لا يؤتمن على حفظ حقوق غيره أولى ولا تقبل شهادة المجنون للخبر والمعنى الذي ذكرناه ولا تقبل شهادة المغفل الذي يكثر منه الغلط لأنه لا يؤمن أن يغلط في شهادته وتقبل الشهادة ممن يقل منه الغلط لأن أحدا لا ينفك من الغلط واختلف أصحابنا في شهادة الأخرس فمنهم من قال : تقبل لأن إشارته كعبارة الناطق في نكاحه وطلاقه فكذلك في الشهادة ومنهم من قال : لا تقبل لأن إشارته أقيمت مقام العبارة في موضع الضرورة وهو في النكاح والطلاق لأنها لا تستفاد إلا من جهته ولا ضرورة بنا إلى شهادته لأنها تصح من غيره بالنطق فلا تجوز بإشارته .
فصل : ولا تقبل شهادة العبد لأنها أمر لا يتبعض بني على التفاضل فلم يكن للعبد فيه مدخل كالميراث والرحم ولا تقبل شهادة الكافر لما روى معاذ Bه قال : قال رسول الله A : [ لا تجوز شهادة أهل دين على أهل دين آخر إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم ] ولأنه إذا لم تقبل شهادة من يشهد بالزور على الآدمي فلأن لا تقبل شهادة من شهد بالزور على الله تعالى أولى ولا تقبل شهادة فاسق لقوله تعالى : { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } [ الحجرات : 6 ] فإن ارتكب كبيرة كالغصب والسرقة والقذف وشرب الخمر فسق وردت شهادته سواء فعل ذلك مرة أو تكرر منه والدليل عليه قوله D : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } [ النور : 4 ] وروي أن النبي A قال : [ لا تجوز شهادة خائن ن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ] فورد النص في القذف والزنا وقسنا عليهم سائر الكبائر ولأن من ارتكب كبيرة ولم يبال شهد بالزور ولم يبال وإن تجنب الكبائر وارتكب الصغائر فإن كان ذلك نادرا من أفعاله لم يفسق ولم ترد شهادته وإن كان ذلك غالبا في أفعاله فسق وردت شهادته لأنه لا يمكن رد شهادته بالقليل من الصغائر لأنه لا يوجد من يمحض الطاعة ولا يخلطها بمعصية ولهذا قال النبي A : [ ما منا إلا من عصى أو عم بمعصية إلا يحيى ابن زكريا ] ولهذا قال الشاعر : .
( من لك بالمحض وليس محض ... يخبث بعض ويطيب بعض ) .
ولا يمكن قبول الشهادة مع الكثير من الصغائر لأن من استجاز الإكثار من الصغائر استجاز أن يشهد بالزور فعلقنا الحكم على الغالب من أفعاله لأن الحكم للغائب والنادر لا حكم له ولهذا قال الله تعالى : { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } [ الأنبياء : 103 ] .
فصل : ولا تقبل شهادة من لا مروءة له كالقوال والرقاص ومن يأكل في الأسواق ويمشي مكشوف الرأس في موضع لا عادة له في كشف الرأس فيه لأن المروءة هي الإنسانية وهي مشتقة من المرء ومن ترك الإنسانية لم يؤمن أن يشهد بالزور ولأن من لا يستحيي من الناس في ترك المروءة لم يبال بما يصنع والدليل عليه ما روى أبو مسعود البدري Bه أن النبي A قال : [ إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ] واختلف أصحابنا في أصحاب الصنائع الدنيئة إذا حسنت طريقتهم في الدين كالكناس والدباغ والزبال والنخال والحجام والقيم الحمام فمنهم من قال لا تقبل شهادتهم لدناءتهم ونقصان مروءتهم ومنهم من قال : تقبل شهادتهم لقوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ] ولأن هذه صناعات مباحة وبالناس إليها حاجة فلم ترد بها الشهادة .
فصل : ويكره اللعب بالشطرنج لأنه لعب لا ينتفع به في أمر الدين ولا حاجة تدعو إليه فكان تركه أولى ولا يحرم لأنه روي اللعب به عن ابن عباس وابن الزبير وأبي هريرة وسعيد بن المسيب Bهم وروي عن سعيد بن جبير أنه كان يلعب به استدبارا ومن لعب به من غير عوض ولم يترك فرضا ولا مروءة لم ترد شهادته وإن لعب به عوض نظرت فإن أخرج كل واحد منهما مالا على أن من غلب منهما أخذ المالين فهو قمار تسقط به العدالة وترد به الشهادة لقوله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } [ المائدة : 90 ] والميسر القمار وإن أخرج أحدهما مالا على أنه إن غلب أخذ ماله وإن غلبه صاحبه أخذ المال لم يصح العقد لأنه ليس من آلات الحرب فلا يصح بذل العوض فيه ولا ترد به الشهادة لأنه ليس بقمار لأن القمار أن لا يخلو أحد من أن يغتم أو يغرم وههنا أحدهما يغنم ولا يغرم وإن اشتغل به عن الصلاة في وقتها مع العلم فإن لم يكثر ذلك منه لم ترد شهادته وإن كثر منه ردت شهادته لأنه من الصغائر ففرق بين قليلها وكثيرها فإن ترك فيه المروءة بأن يلعب به على طريق أو تكلم في لعبه بما يسخف من الكلام أو اشتغل بالليل والنهار ودت شهادته لترك المروءة .
فصل : ويحرم اللعب بالنرد وترد به الشهادة وقال أبو إسحاق C : هو كالشطرنج وهذا خطأ لما روى أبو موسى الأشعري Bه أن النبي A قال : [ من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله ] وروى بريدة Bه أن رسول الله A قال : [ من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه ] ولأن المعول فيه على ما يخرجه الكعبان فشابه الأزلام ويخالف الشطرنج فإن المعول فيه على رأيه ويحرم اللعب بالأربعة عشر لأن المعول فيها على ما يخرجه الكعبان فحرم كالنرد .
فصل : ويجوز اتخاذ الحمام لما روى عبادة بن الصامت Bه أن رجلا شكى إلى النبي A الوحشة فقال : اتخذ زوجا من حمام ولأن فيه منفعة لأنه يأخذ بيضه وفرخه ويكره اللعب به لما روي أن النبي A رأى رجلا يسعى بحمامة فقال : شيطان يتبع شيطانة وحكمه في رد الشهادة حكم الشطرنج وقد بيناه .
فصل : ومن شرب قليلا من النبيذ لم يفسق ولم ترد شهادته ومن أصحابنا من قال إن كان يعتقد تحريمه فسق وردت شهادته والمذهب الأول لأن استحلال الشيء أعظم من فعله بدليل أن من استحل الزنا كفر ولو فعله لم يكفر فإذا لم ترد شهادة من استحل القليل من النبيذ فلأن لا يرد شربه أولى ويجب عليه الحد وقال المزني C : لا يجب كما لا ترد شهادته وهذا خطأ لأن الحد للردع والنبيذ كالخمر في الحاجة إلى الردع لأنه يشتهى كما يشتهى الخمر ورد الشهادة لارتكاب كبيرة لأنه إذا أقدم على كبيرة أقدم على شهادة الزور وشرب النبيذ ليس بكبيرة لأنه مختلف في تحريمه وليس من أقدم على مختلف فيه أقدم على شهادة الزور وهي من الكبائر .
فصل : ويكره الغناء وسماعه من غير آلة مطربة لما روى ابن مسعود أن النبي A قال : [ الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ] ولا يحرم لما روي أن النبي A مر بجارية لحسان بن ثابت وهي تقول : .
( هل علي ويحكما ... إن لهوت من حرج ) .
فقال النبي A : [ لا حرج إن شاء الله ] وروت أم المؤمنين عائشة Bها قالت : كان عندي جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر Bه فقال مزمار الشيطان في بيت رسول الله A فقال رسول الله A : [ دعهما فإنها أيام عيد ] فإن غنى لنفسه أو سمع غناء جاريته ولم يكثر منه لم ترد شهادته لأن عمر Bه كان إذا دهل في داره يرنم بالبيت والبيتين واستؤذن عليه لعبد الرحمن بن عوف Bه وهو يترنم فقال أسمعتني يا عبد الرحمن قال نعم قال : إنا إذا خلونا في منازلنا نقول كما يقول الناس وروي عن أبي الدرداء Bه وهو من زهاد الصحابة وفقهائها أنه قال : إني لأجم قلبي شيئا من الباطل لأستعين به على الحق فأما إذا أكثر من الغناء أو اتخذه صنعة يغشاه الناس للسماع أو يدعى إلى المواضع ليغني ردت شهادته لأنه سفه وترك للمروءة وإن اتخذ جارية ليجمع الناس لسماعها ردت شهادته لأنه سفه وترك مروءة ودناءة .
فصل : ويحرم استعمال الآلات التي تطرب من غير غناء كالعود والطنبور والمعزفة والطبل والمزمار والدليل عليه قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } قال ابن عباس إنها الملاهي وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي A قال : [ إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين ] فالكوبة الطبل والقنين البربط وروي عن النبي A أنه قال : [ تمسخ أمة من أمتي بشربهم الخمر وضربهم بالكوبة والمعازف ] ولأنها تطرب وتدعو إلى الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وإلى إتلاف المال فحرم كالخمر ويجوز ضرب الدف في العرس والختان دون غيرهما لما روي عن النبي A أنه قال : [ أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ] ويكره القضيب الذي يزيد الغناء طربا ولا يطرب إذا انفرد لأنه تابع للغناء فكان حكمه حمك الغناء وأما رد الشهادة فما حكمنا بتحريمه من ذلك فهو من الصغائر فلا ترد الشهادة بما قل منه وترد بما كثر منه كما قلنا في الصغائر وما حكمنا بكراهيته وإباحته فهو كالشطرنج في رد الشهادة وقد بيناه .
فصل : وأما الحداء فهو مباح لما روى ابن مسعود Bه قال : كان مع رسول الله A ليلة نام بالوادي حاديان وروت عائشة Bها قالت : كنا مع رسول الله A في سفر وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال وكان أنجشة مع النساء فقال النبي A لعبد الله بن رواحة [ حرك بالقوم ] فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فأعنقت الإبل في السير فقال النبي A : [ يا أنجشة رويدك رفقا بالقوارير ] ويجوز استماع نشيد الأعرابي لما روى عمرو بن الشريد عن أبيه قال : أردفني رسول الله A وراءه ثم قال : [ أمعك شيء من شعر أمية بن أبي الصلت فقلت : نعم فأنشدته بيتا فقال : هيه ] فأنشدته بيتا آخر فقال هيه فأنشدته إلى أن بلغ مائة بيت .
فصل : ويستحب تحسين الصوت بالقرآن لما روى الشافعي C بإسناده عن النبي A أنه قال : [ ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن ] وروي حسن الصوت بالقرآن وروى البراء بن عازب Bه أن النبي A قال : [ حسنوا القرآن بأصواتكم ] وقال E : [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] وحمله الشافعي على تحسين الصوت وقال : لو كان المراد به الاستغناء بالقرآن لقال من لم يتغان بالقرآن وأما القراءة بالألحان فقد قال في موضع : أكرهه وقال في موضع آخر لا أكرهه وليست على قولين وإنما هي على اختلاف حالين فالذي قال أكرهه أراد إذا جاوز الحد في التطويل وإدغام بعضه في بعض والذي قال لا أكرهه إذا لم يجاوز الحد .
فصل ويجوز قول الشعر لأنه كان للنبي A شعراء منهم حسان بن ثابت وكعب ابن مالك وعبد الله بن رواحة ولأنه وفد عليه الشعراء ومدحوه وجاءه كعب بن زهير وأنشده : .
( بانت سعاد فقلبي اليوم متنبول ... متيم عندها لم يفد مكبول ) .
فأعطاه رسول الله A بردة كانت عليه فابتاعها منه معاوية بعشرة آلاف درهم وهي التي مع الخلفاء إلى اليوم وحكمه حكم الكلام في حظره وإباحته وكراهيته واستحبابه ورد الشهادة به والدليل عليه ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص Bه أن النبي A قال : [ الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام ] .
فصل : ومن شهد بالزور فسق وردت شهادته لأنها من الكبائر والدليل عليه ما روى خريم بن فاتك قال صلى رسول الله A صلاة الصبح ولما انصرف قام قائما ثم قال : [ عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ] ثلاث مرات ثم تلا قوله D : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } [ النحل : 30 ] وروى محارب بن دثار عن عمر Bه عن النبي A قال : [ شاهد الزور لا يزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار ] ويثبت أنه شاهد زور من ثلاثة أوجه : أحدها أن يقر أنه شاهد زور والثاني أن تقوم البينة أنه شاهد زور والثالث أن يشهد بما يقطع بكذبه بأن شهد على رجل أنه قتل أو زنى في وقت معين في موضع معين والمشهود عليه في ذلك الوقت كان في بلد آخر وأما إذا شهد بشيء أخطأ فيه فلم يكن شاهد زور لأنه لم يفسد الكذب وإن شهد لرجل بشيء وشهد به آخر أنه لغيره لم يكن شاهد زور لأنه ليس تكذيب أحدهما بأولى من تكذيب الآخر فلم يقدح ذلك في عدالته وإذا ثبت أنه شاهد زور ورأى الإمام تعزيره بالضرب أو الحبس أو الزجر فعل وإن رأى أن يشهر أمره في سوقه ومصلاه وقبيلته وينادي عليه أنه شاهد زور فاعرفوه فعل لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي A قال : [ اذكروا الفاسق بما فيه ليحذره الناس ] ولأن في ذلك زجرا له ولغيره عن فعل مثله وحكي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال : إن كان من أهل الصيانة لم يناد عليه لقوله E : [ أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهن ] وهذا غير صحيح لأن بشهادة الزور يخرج عن أن يكون من أهل الصيانة .
فصل : ولا تقبل شهادة جار إلى نفسه نفعا ولا دافع عن نسه ضررا لما روى ابن عمر Bه أن النبي A قال : [ لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحنة ] والظنين المتهم والجار إلى نفسه نفعا والدافع عنها ضررا متهمان فإن شهد المولى لمكاتبه بمال لم تقبل شهادته لأن يثبت لنفسه حقا لأن مال المكاتب يتعلق به حق المولى وإن شهد الوصي لليتيم والوكيل للموكل فيما فوض النظر فيه إليه لم تقبل لأنهما يثبتان لأنفسها حق المطالبة والتصرف وإن وكله في شيء ثم عزله لم يشهد فيما كان النظر فيه إليه فإن كان قد خاصم فيه لم تقبل شهادته وإن لم يكن قد خاصم فيه ففيه وجهان : أحدهما أنه تقبل لأنه لا يحلقه تهمة والثاني أنه لا تقبل لأنه بعقد الوكالة يملك الخصومة فيه وإن شهد الغريم لمن له عليه دين وهو محجور عليه بالفلس لم تقبل شهادته لأنه يتعلق حقه بما يثبت له بشهادته وإن شهد لمن له عليه دين وهو موسر قبلت شهادته لأنه لا يتعين حقه فيما شهد به وإن شهد له وهو معسر قبل الحجر ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يقبل لأنه يثبت له حق المطالبة والثاني أنه يقبل لأنه لا يتعلق بما يشهد به له حق .
فصل : وإن شهد رجلان على رجل أنه جرح أخاهما وهما وارثاه قبل الاندمال لم تقبل لأنه يسري إلى نفسه فيجب الدم به لهما وإن شهدا له بمال وهو مريض ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه لا تقبل لأنهما متهمان لأنه قد يموت فيكون المال لهما فلم تقبل كما لو شهدا بالجراحة والثاني وهو قول أبي الطيب ابن سلمة أنه تقبل لأن الحق يثبت للمريض ثم ينتقل بالموت إليهما وفي الجناية إذا وجبت الدية وجبت لهما لأنهما تجب بموته فلم تقبل وإن شهدا له بالجراحة وهناك ابن قبلت شهادتهما لأنهما غير متهمين وإن مات الابن وصار الأخوان وارثين نظرت فإن مات الابن بعد الحكم بشهادتهما لم تسقط الشهادة لأنه حكم بها وإن مات قبل الحكم بشهادتهما سقطت الشهادة كما لو فسقا قبل الحكم وإن شهد المولى على غريم مكاتبه والوصي على غريم الصبي أو الوكيل على غريم الموكل بالإبراء من الدين أو بفسق شهود الدين لم تقبل الشهادة لأنه دفع بالشهادة عن نفسه ضررا وهو حق المطالبة وإن شهد شاهدان من عاقلة القاتل بفسق شهود القتل فإن كانا موسرين لم تقبل شهادتهما لأنهما يدفعان بهذه الشهادة عن أنفسهما ضررا وهو الدية وإن كانا فقيرين فقد قال الشافعي Bه : ردت شهادتهما وقال في موضع آخر إذا كانا من أباعد العصبات بحيث لا يصل العقل إليهما حتى يموت من قبلهما قبلت شهادتهما فمن أصحابنا من نقل جواب إحداهما إلى الأخرى وجعلهما على قولين : أحدهما أنه تقبل لأنهما في الحال لا يحملان العقل والثاني أنه لا تقبل لأنه قد يموت القريب قبل الحول ويوسر الفقير فيصيران من العاقلة ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال تقبل شهادة الأباعد ولا تقبل شهادة القريب الفقير لأن القريب معدود في العاقلة واليسار يعتبر عند الحول وربما يصير موسرا عند الحول والبعيد غير معدود في العاقلة وإنما يصير من العاقلة إذا مات الأقرب .
فصل : ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا وقال المزني C و أبو ثور : تقبل ووجهه قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } [ البقرة : 282 ] فعم ولم يخص ولأنهم كغيرهم في العدالة فكانوا كغيرهم في الشهادة وهذا خطأ لما روى ابن عمر Bه أن النبي A قال : [ لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحنة ] والظنين المتهم وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع ولأن الوالد بضعة من الوالد ولهذا قال عليه السلام : [ يا عائشة إن فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ] ولأن نفسه كنفسه وماله كماله ولهذا قال عليه السلام لأبي معشر الدارمي [ أنت ومالك لأبيك ] وقال A : [ إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه ] ولهذا يعتق عليه إذا ملكه ويستحق عليه النفقة إذا احتاج والأية نخصها بما ذكرناه والاستدلال بأنهم كغيرهم في العدالة يبطل بنفسه فإنه كغيره في العدالة ثم لا تقبل شهادته لنفسه وتقبل شهادة أحدهما على الآخر في جميع الحقوق ومن أصحابنا من قال لا تقبل شهادة الولد على الوالد في إيجاب القصاص وحد القذف لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله والمذهب الأول لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله والمذهب الأول لأنه إنما رت شهادته له للتهمة ولا تهمة في شهادته عليه ومن عد الوالدين والأولاد من الأقارب كالأخ والعم وغيرهما تقبل شهادة بعضهم لبعض لأنه لم يجعل نفس أحدهما كنفس الآخر في العتق ولا ماله كماله في النفقة وإن شهد شاهدان على رجل أنه قذف ضرة أمهما ففيه قولان : قال في القديم : لا تقبل لأنهما يجران إلى أمهما نفعا لأنه يجب عليه بقذفها الحد فيحتاج أن يلاعن وتقع الفرقة بينه وبين ضرة أمها وقال في الجديد : تقبل وهو الصحيح لأن حق أمهما لا يزيد بمفارقة الضرة وإن شهد أنه طلق ضرة أمهما ففيه قولان : أحدهما أنه تقبل والثاني أنه لا تقبل وتعليلهما ما ذكرناه .
فصل : وتقبل شهادة أحد الزوجين للآخر لأن النكاح سبب لا يعتق به أحدهما على الآخر بالملك فلم يمنع من شهادة أحدهما للآخر كقرابة ابن العم ولا تقبل شهادة الزوج على الزوجة في الزنا لأن شهادته دعوى خيانة في حقه فلم تقبل كشهادة المودع على المودع بالخيانة في الوديعة ولأنه خصم لها فيما يشهد به فلم تقبل كما لو شهد عليها أنه جنت عليه .
فصل : ولا تقبل شهادة العدو على عدوه لقوله E : [ لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحنة ] وذو الإحنة هو العدو ولأنه متهم في شهادته بسبب منهي عنه فلم تقبل شهادته .
فصل : ومن جمع في الشهادة بين أمرين فردت شهادته في أحدهما نظرت فإن ردت للعداوة بينه وبين المشهود عليه مثل أن يشهد على رجل أنه قذفه وأجنبيا ردت شهادته في حقه وفي حق الأجنبي لأن هذه الشهادة تضمنت الإجبار عن عداوة بينهما وشهادة العدو على عدوه لا تقبل فإن ردت شهادته في أحدهما لتهمة غير العداوة بأن شهد على رجل أنه اقترض من أبيه ومن أجنبي مالا ردت شهادته في حق أبيه وهل ترد في حق الأجنبي ؟ فيه قولان : أحدهما أنها ترد كما لو شهد أنه قذفه وأجنبيا والثاني أنها لا ترد لأنها ردت في حق أبيه للتهمة ولا تهمة في حق الأجنبي فقبلت .
فصل : ومن ردت شهادته بمعصية فتاب قبلت شهادته لقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا } [ النور : 4 ] التوبة توبتان توبة في الباطن وتوبة في الظاهر فأما التوبة في الباطن فهي ما بينه وبين الله D فينظر في المعصية فإن لم يتعلق بها مظلمة لآدمي ولا حد لله تعالى كالاستمتاع بالأجنبية فيما دون الفرج فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها والدليل عليه قوله تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } [ آل عمران : 135 ] وإن تعلق بها حق آدمي فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها وأن يبرأ من حق الآدمي إما أن يؤديه أو يسأله حتى يبرئه منه لما روى إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب Bه رأى رجلا يصلي مع النساء فضربه بالدرة فقال الرجل : والله لئن كنت أحسنت فقد ظلمتني وإن كنت أسأت فما علمتني فقال عمر اقتص قال لا أقتص قال فاعف قال لا أعفو فافترقا على ذلك ثن لقيه عمر من الغد فتغير لون عمر فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين أرى ما كان مني قد أسرع فيك قال : أجل قال : فاشهد إني قد عقوت عنك وإن لم يقدر على صاحب الحق نوى أنه إن قدر أوفاه حقه وإن تعلق بالمعصية حد لله تعالى كحد الزنا والشرب فإن لم يظهر ذلك فالأولى أن يستره على نفسه لقوله عليه السلام : [ من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله ] وإن أظهره لم يأثم لأن ماعزا والغامدية اعترفا عند رسول الله A بالزنا فرجمهما ولم ينكر عليهما وأما التوبة في الظاهر وهي التي تعود بها العدالة والولاية وقبول الشهادة فينظر في المعصية فإن كانت فعلا كالزنا والسرقة لم يحكم بصحة التوبة حتى يصلح عمله مدة لقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } وقدر أصحابنا المدة بسنة لأنه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة فكانت أولى المدد بالتقدير سنة لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التي تهيج فيها الطبائع وتغير فيها الأحوال وإن كانت المعصية بالقول فإن كانت ردة فالتوبة منها أن يظهر الشهادتين وإن كانت قذفا فقد قال الشافعي C : التوبة منه إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الإصطخري C : هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله ووجهه ما روي عن عمر Bه أن النبي A قال : [ توبة القاذف إكذابه نفسه ] وقال أبو إسحاق و أبو علي بن أبي هريرة هو أن يقول قذفي له كان باطلا ولا يقول إني كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا فيصير بتكذيبه نفسه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا ولا تصح التوبة منه إلا بإصلاح العمل على ما ذكرناه في الزنا والسرقة فأما إذا شهد عليه بالزنا ولم يتم العدد فإن قلنا إنه لا يجب عليه الحد فهو على عدالته ولا يحتاج إلى التوبة وإن قلنا إنه يجب عليه الحد وجبت التوبة وهو أن يقول ندمت على ما فعلت ولا أعود إلى ما أتهم به فإذا قال هذا عادت عدالته ولا يشترط فيه إصلاح العمل لأن عمر Bه قال لأبي بكرة : تب أقبل شهادتك وإن لم يتب لم تقبل شهادته ويقبل خبره لأن أبا بكرة ردت شهادته وقبلت أخباره وإن كانت معصية بشهادة زور فالتوبة منها أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله ويشترط في صحة توبته إصلاح العمل على ما ذكرناه .
فصل : وإن شهد صبي أو عبد أو كافر لم تقبل شهادته فإن بلغ الصبي أو أعتق العبد أو أسلم الكافر وأعاد تلك الشهادة قبلت وإن شهد فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعاد تلك الشهادة لم تقبل وقال المزني و أبو ثور رحمهما الله تقبل كما تقبل من الصبي إذا بلغ والعبد إذا أعتق والكافر إذا أسلم وهذا خطأ لأن هؤلاء لا عار عليهم فيرد شهادتهم فلا يحلقهم تهمة في إعادة الشهادة بعد الكمال والفاسق عليه عار في رد شهادته فلا يؤمن أن يظهر التوبة لإزالة العار فلا تنفك شهادته من التهمة وإن شهد المولى لمكاتبه بمال فردت شهادته ثم أدى المكاتب مال الكتابة وعتق وأعاد المولى الشهادة له بالمال فقد قال أبو العباس فيه وجهان : أحدهما أنه تقبل لأن شهادته لم ترد بمعرة وإنما ردت لأنه ينسب لنفسه حقا بشهادته وقد زال هذا المعنى بالعتق والثاني أنها لا تقبل وهو الصحيح لأنه ردت شهادته للتهمة فلم تقبل إذا أعادها كالفاسق إذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد الشهادة وإن شهد رجل على رجل أنه قذفه وزوجته فردت شهادته ثم عفا عن قذفه وحسنت الحال بينهما ثم أعاد الشهادة للزوجة لم تقبل شهادته لأنها شهادة ردت للتهمة فلم تقبل وإن زالت التهمة كالفاسق إذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد الشهادة وإن شهد لرجل أخوان له بجراحة لم تندمل وهما وارثان له فردت شهادتهما ثم اندملت الجراحة فأعاد الشهادة ففيه وجهان : أحدهما أنه تقبل لأنها ردت للتهمة وقد زالت التهمة والثاين وهو قول أبي إسحاق وظاهر المذهب أنها لا تقبل لأنها شهادة ردت للتهمة فلم تقبل كالفاسق إذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد