وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الأقضية باب ولاية القضاء وأداب القاضي .
القضاء فرض على الكفاية والدليل عليه قوله D : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق } [ ص : 26 ] وقوله D : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } [ النساء : 58 ] وقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } [ المائدة : 49 ] ولأن النبي A حكم بين الناس وبعث عليا كرم الله وجهه إلى اليمن للقضاء بين الناس ولأن الخلفاء الراشدين Bهم حكموا بين الناس وبعث عمر Bه أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيا وبعث عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيا ولأن الظلم في الطباع فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم فإن لم يكن من يصلح للقضاء إلا واحد تعين عليه ويلزمه طلبه وإذا امتنع أجبر عليه لأن الكفاية لا تحصل إلا به فإن كان هناك من يصلح له غيره نظرت فإن كان خاملا وإذا ولى القضاء انتشر علمه استحب أن يطلبه لما يحصل به من المنفعة بنشر العلم وإن كان مشهورا فإن كانت له كفاية كره له الدخول فيه لما روي أن النبي A قال : [ من استقضى فكأنما ذبح بغير سكين ] ولأنه يلزمه بالقضاء حفظ الأمانات وربما عجز عنه وقصر فيه فكره له الدخول فيه وإن كان فقيرا يرجو بالقضاء كفياة من بيت المال لم يكره له الدخول فيه لأنه يكتسب كفاية بسبب مباح وإن كان جماعة يصلحون للقضاء اختار الإمام أفضلهم وأورعهم وقلده فإن اختار غيره جاز لأنه تحصل به الكفاية وإن امتنعوا من الدخول فيه أثموا لأنه حق وجب عليهم فأثموا بتركه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهل يجوز للإمام أن يجبر واحدا منهم على الدخول فيه أم لا ؟ فيه وجهان : أحدهما أنه ليس له إجباره لأنه فرض على الكفاية فلو أجبرناه عليه تعين عليه والثاني أن له إجباره لأنه إذا لم يجبر بقي الناس بلا قاض وضاعت الحقوق وذلك لا يجوز .
فصل : ومن تعين عليه القضاء وهو في كفاية لم يجز أن يأخذ عليه رزقا لأنه فرض تغين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه مالا من غير ضرورة فإن لم يكن له كفاية فله أن يأخذ الرزق عليه لأن القضاء لا بد منه والكفاية لا بد منها فجاز أن يأخذ عليه الرزق فإن لم يتعين عليه فإن كانت له كفاية كره أن يأخذ عليه الرزق لأنه قربة فكره أخذ الرزق عليها من غير حاجة فإن أخذ جاز لأنه لم يتعين عليه وإن لم يكن له كفاية لم يكره أن يأخذ عليه الرزق لأن أبا بكر الصديق Bه لما ولي خرج برزمة إلى السوق فقيل ما هذا ؟ فقال : أنا كاسب أهلي فأجروا له كل يوم درهمين وعن عمر Bه أنه قال : أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة ولي اليتيم ومن كان غينا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف وبعث عمر Bه إلى الكوفة عمار بن ياسر واليا وعبد الله بن مسعود قاضيا وعثمان بن حنيف ماسحا وفرض لهم كل يوم شاة نصفها وأطرافها لعمار والنصف الآخر بين عبد الله وعثمان ولأنه لما جاز للعامل على الصدقات أن يأخذ مالا على العمامة جاز للقاضي أن يأخذ على القضاء ويدفع إليه مع رزقه شيء للقرطاس لأنه يحتاج إليه لكتب المحاضر ويعطى لمن على بابه من الأجر لأنه يحتاج إليهم لإحضار الخصوم كما يعطى من يحتاج إليه العامل على الصدقات من العرفاء ويكون ذلك من سهم المصالح لأنه من المصالح .
فصل : ولا يجوز أن يكون القاضي كافرا ولا فاسقا ولا عبدا ولا صغيرا ولا معتوها لأنه إذا لم يجز أن يكون واحد من هؤلاء شاهدا فلأن لا يجوز أن يكون قاضيا أولى ولا يجوز أن يكون امرأة لقوله A : [ ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] ولأنه لا بد للقاضي من مجالسة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم والمرأة ممنوعة من مجالسة الرجال لما يخاف عليهم من الإفتتان بها ولا يجوز أن يكون أعمى لأنه لا يعرف الخصوم والشهود وفي الأخرس الذي يفهم الإشارة وجهان كالوجهين في شهادته ولا يجوز أن يكون جاهلا بطرق الأحكام لما روي أن النبي A قال : [ القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فحكم به فهو ف الجنة وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فجار في حكه فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ] ولأنه إذا لم يجز أن يفتي الناس وهو لا يلزمهم الحكم فلأن لا يجوز أن لا يقضي بينهم وهو يلزمهم الحكم أولى ويكره أن يكون القاضي جبارا عسوفا وأن يكون ضعيفا مهينا لأن الجبار يهابه الخصم فلا يتمكن من استيفاء حجته والضعيف يطمع فيه الخصم وينشط عليه ولهذا قال بعض السلف وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلا شدة من غير عنف ولين من غير ضعف .
فصل : ولا يجوز ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو تولية من فوض إليه الإمام لأنه من المصالح العظام فلا يجوز إلا من جهة الإمام فإن تحاكم رجلان إلى من يصلح أن يكون حاكما ليحكم بينهما جاز لأنه تحاكم عمر وأبي بن كعب إلى زيد بن ثابت تحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم واختلف قوله في الذي يلزم به حكمه فقال في أحد القولين لا يلزم الحكم إلا بتراضيهما بعد الحكم وهو قول المزني C تعالى لأنا لو ألزمناهما حكمه كان ذلك عزلا للقضاة وافتياتا على الإمام ولأنه لما اعتبر تراضيهما في الحكم اعتبر رضاهما في لزوم الحكم والثاني أنه يلزم بنفس الحكم لأن من جاز حكمه لزم حكمه كالقاضي الذي ولاه الإمام واختلف أصحابنا فيما يجوز فيه التحكيم فمنهم من قال يجوز في كل ما تحاكم فيه الخصمان كما يجوز حكم القاضي الذي ولاه الإمام ومنهم من قال : يجوز في الأموال فأما في النكاح والقصاص واللعان وحد القذف فلا يجوز فيها التحكيم لأنها حقوق بنيت على الاحتياط فلم يجز فيها التحكيم .
فصل : ويجوز أن يجعل قضاء بلد إلى اثنين وأكثر على أن يحكم كل واحد منهم في موضع ويجوز أن يجعل إلى أحدهما القضاء في حق وإلى الآخر في حق آخر وإلى أحدهما في زمان وإلى الآخر في زمان آخر لأنه نيابة عن الإمام فكان على حسب الاستنابة وهل يجوز أن يجعل إليهما القضاء في مكان واحد في حق واحد وزمان واحد فيه وجهان : أحدهما أنه يجوز لأنه نيابة فجاز أن يجعل إلى اثنين كالوكالة والثاني أنه لا يجوز لأنهما قد يختلفان في الحكم فتقف الحكومة ولا تنقطع الخصومة .
فصل : ولا يجوز أن يعقد تقلد القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه لقوله D : { فاحكم بين الناس بالحق } والحق ما دل عليه الدليل وذلك لا يتعين في مذهب بعينه فإن قلد على هذا الشرط بطلت التولية لأنه علقها على شرط وقد بطل الشرط فبطلت التولية .
فصل : وإذا ولى القضاء على بلد كتب له العهد بما ولى لأن النبي A كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن وكتب أبو بكر الصديق Bه لأنس حين بعثه إلى البحرين كتابا وختمه بخاتم رسول الله A وروى حارثة بن مضرب أن عمر كتب إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا ووزيرا فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد آثرتكم بهما فإن كان البلد الذي ولاه بعيدا أشهد له على التولية شاهدين ليثبت بهما التولية وإن كان قريبا بحيث يتصل به الخبر في التولية ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يجب الإشهاد لأنه عقد فلا يثبت بالاستفاضة كالبيع والثاني وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه لا يجب الإشهاد لأنه يثبت بالاستفاضة فلا يفتقر إلى الإشهاد والمستحب للقاضي أن يسأل عن أمناء البلد ومن فيه من العلماء لأنه لا بد له منهم فاستحب تقدم العلم بهم والمستحب أن يدخل البلد يوم الإثنين لأن النبي A دخل المدينة يوم الإثنين والمستحب أن ينزل وسط البلد ليتساوى الناس كلهم في القرب منه ويجمع الناس ويقرأ عليهم العهد ليعلموا التولية وما فوض إليه .
فصل : فإذا أذن له من ولاء أن يستخلف فله أن يستخلف وإن نهاه عن الاستخلاف لم يجز له أن يستخلف لأنه نائب عنه فتبع أمره ونهيه وإن لم يأذن له ولم ينهه نظرت فإن كان ما تقلده يقدر أن يقضي فيه بنفسه ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه يجوز أن يستخلف لأنه ينظر في المصالح فجاز أن ينظر بنفسه وبغيره والثاني وهو المذهب أنه لا يجوز لأن الذي ولاه لم يرض بنظر غيره وإن كان ما ولاه لا يقدر أن يقضي فيه بنفسه لكثرته جاز أن يستخلف فيما لا يقدر عليه لأن تقليده لا يقدر عليه بنفسه أذن في الاستخلاف فيما لا يقدر عليه كما أن توكيل الوكيل فيما لا يقدر عليه بنفسه أذن له في استنابة غيره وهل له أن يستخلف فيما يقدر عليه أن يقضي فيه بنفسه فيه وجهان : أحدهما أن له ذلك لأن ما جاز له أن يستخلف في البعض جاز أن يستخلف في الجميع كالإمام والثاني أنه لا يجوز لأنه إنما أجيز له أن يستخلف فيما لا يقدر علي للعجز فوجب أن يكون مقصورا على ما عجز عنه .
فصل : ولا يجوز أن يقضي ولا يولي ولا يسمع البينة ولا يكاتب قاضيا في حكم في غير عمله فإن فعل شيئا من ذلك في غير عمله لم يعتد به لأنه لا ولاية له في غير عمله فكان حكمه فيما ذكرناه حكم الرعية .
فصل : ولا يحكم لنفسه وإن اتفقت له حكومة مع خصم تحاكما فيها إلى خليفة له لأن عمر بن الخطاب Bه تحاكم مع أبي بن كعب إلى زيد بن ثابت وتحاكم عثمان Bه مع طلحة إلى جبير بن مطعم وتحاكم علي كرم الله وجهه مع يهودي في درع إلى شريح ولأنه لا يجوز أن يكون شاهدا لنفسه فلا يجوز أن يكون حاكما لنفسه ولا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وإن سفل وقال أبو ثور : يجوز وهذا خطأ لأنه متهم في الحكم لهما كما يتهم في الحكم لنفسه وإن تحاكم إليه والده مع ولده فحكم لأحدهما فقد قال بعض أصحابنا : إنه يحتمل وجهين : أحدهما أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبي والثاني أنه يجوز لأنهما استويا في التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل وإن أراد أن يستخلف في أعماله والده وولده جاز لأنهما يجريان مجرى نفسه ثم يجوز أن يحكم في أعماله فجاز أن يستخلفهما للحكم في أعماله وأما إذا فوض الإمام إلى رجل أن يختار قاضيا لم يجز أن يختار والده أو ولده لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده .
فصل : ولا يجوز أن يرتشي على الحكم لما روى أبو هريرة أن النبي A قال : [ لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم ] ولأنه أخذ مال على حرام فكان حراما كمهر البغي ولا يقبل هدية ممن لم يكن له عادة أن يهدي إليه قبل الولاية لما روى أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله A رجلا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فقام A على المنبر فقال : [ ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي ألا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منهما شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته ] فدل على أن ما أهدي إليه بعد الولاية لا يجوز قبوله وأما من كانت له عادة بأن يهدى إليه قبل الولاية برحم أو مودة فإنه إن كانت له في الحال حكومة لم يجز قبولها منه لأنه لا يأخذ في حال يتهم فيه وإن لم يكن له حكومة فإن كان أكثر مما كان يهدى إليه أو أرفع منه لم يجز له قبولها لأن الزيادة حدث بالولاية وإن لم يكن أكثر ولا أرفع مما كان يهد إليه جاز قبولها لخروجها عن تسبب الولاية والأولى أن لا يقبل لجواز أن يكون قد أهدي إليه لحكومة منتظرة .
فصل : ويجوز أن يحضر الولائم لأن الإجابة إلى وليمة غير العرس مستحبة وفي وليمة العرس وجهان : أحدهما أنها فرض على الأعيان والثاني أنها فرض على الكفاية ولا يخص في الإجابة قوما دون قوم لأن في تخصيص بعضهم ميلا وتركا للعدل فإن كثرت عليه وقطعته عن الحكم ترك الحضور في حق الجميع لأن الإجابة إلى الوليمة إما أن تكون سنة أو فرضا على الكفاية أو فرضا على الأعيان إلا أنه لا يستضر بتركها جميع المسلمين والقضاء فرض عليه ويستضر بتركه جميع المسلمين فوجب تقديم القضاء .
فصل : ويجوز أن يعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي مقدم الغائب لقوله A : [ عائد المريض في مخوف من مخارف الجنة حتى يرجع ] وعاد النبي A سعدا وجابرا وعاد غلاما يهوديا في جواره وعرض عليه السلام فأجاب وكان يصلي على الجنائر فإن كثرت عليه أتى من ذلك ما لا يقطعه عن الحكم والفرق بينه وبين حضور الولائم حيث قلنا إنها إذا كثرت عليه ترك الجميع أن الحضور في الولائم لحق أصحابنا فإذا حضر عند بعضهم كان ذلك للميل إلى من يحضره والحضور في هذه الأشياء لطلب الثواب لنفسه فلم يترك ما قدر عليه .
فصل : ويكره أن يباشر البيع والشراء بنفسه لما روى أبو الأسود المالكي عن أبيه عن جده أن النبي A قال : [ ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا ] وقال شريح : شرط علي غضبان ولأنه إذا باشر ذلك بنفسه لم يؤمن أن يحابى فيميل إلى من حاباه فإن احتاج إلى البيع والشراء وكل من ينوب عنه ولا يكون معروفا به فإن عرف أنه وكيله استبدل بمن لا يعرف به حتى لا يحابى فتعود المحاباة إليه فإن لم يجد من ينوب عنه تولى بنفسه لأنه لا بد له منه فإذا وقعت لمن بايعه حكومة استخلف من يحكم بينه وبين خصمه لأنه إذا تولى الحكم بنفسه لم يؤمن أن يميل إليه .
فصل : ولا يقضي في حال الغضب ولا في حال الجوع والعطش ولا في حال الحزن والفرح ولا يقضي والنعاس يغلبه ولا يقضي والمرض يقلقه ولا يقضي وهو يدافع الأخبثين ولا يقضي وهو في حر مزعج ولا في برد مؤلم لما روى أبو بكرة أن النبي A قال : [ لا ينبغي للقاضي أن يقضي بين اثنين وهو غضبان ] وروى أبو سعيد الخدري Bه قال : قال رسول الله A : [ لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان ] ولأن في هذه الأحواليشتغل قلبه فلا يتوفر على الاجتهاد في الحكم وإن حكم في هذه الأحوال صح حكمه لأن الزبير ورجلا من الأنصار اختصما إلى رسول الله A في شراج الحرة فقال رسول الله A للزبير : [ اسق زرعك ثم أرسل الماء إلى جارك ] فقال الأنصاري وأن كان ابن عمتك يا رسول الله فغضب رسول الله A حتى احمر وجهه ثم قال للزبير : [ اسق زرعك واحبس الماء حتى يبلغ الجدر ثم أرسله إلى جارك ] فحكم في حال الغضب .
فصل : والمستحب أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد ولا يحتجب من غير عذر لما روي أن النبي A قال : [ من ولي من أمر الناس شيئا فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون فاقته وفقره ] والمستحب أن يكون المجلس فيسحا حتى لا يتأذى بضيقه الخصوم ولا يزاحم فيه الشيخ والعجوز وأن يكون موضعا لا يتأذى فيه بحر أو برد أو دخان أو رائحة منتنة لأن عمر Bه كتب إلى أبي موسى الأشعري Bه وإياك والقلق والضجر وهذه الأشياء تفضي إلى الشجر وتمنع الحاكم من التوفر على الاجتهاد وتمنع الخصوم من استيفاء الحجة فإن حكم مع هذه الأحوال صح الحكم كما يصح في حال الغضب ويكره أن يجلس للقضاء في المسجد لما روى معاذ Bه أن النبي A قال : [ جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وحدودكم وسل سيوفكم وشراءكم وبيعكم ] ولأن الخصومة يحضرها اللغط والسفه فينزه المسجد عن ذلك ولأنه قد يكون الخصم جنبا أو حائضا فلا يمكنه المقام في المسجد للخصومة فإن جلس في المسجد لغير الحكم فحضر خصمان لم يكره أن يحكم بينهما لما روى الحسن البصري قال : دخلت المسجد فرأيت عثمان Bه قد ألقى رداءه ونام فأتاه سقاء بقربة ومعه خصم فجلس عثمان وقضى بينهما وإن جلس في البيت لغير الكم فحضره خصمان لم يكره أن يحم بينهما لما روت أم سلمة Bها قالت : اختصم إلى رسول الله A رجلان من الأنصار في مواريث متقادمة فقضى رسول الله A بينهما في بيتي .
فصل : وإن احتاج إلى أجرياء لإحضار الخصوم اتخذ أجرياء أمناء ويوصيهم بالرفق بالخصوم ويكره أن يتخذ حاجبا لأنه لا يؤمن أن يمنع من له ظلامة أو يقدم خصما على خصم فإن دعت الحاجة إلى ذلك اتخذ أمينا بعيدا من الطم ويوصيه بما يلزمه من تقديم من سبق من الخصوم ولا يكره للإمام أن يتخذ حاجبا لأن يرفأ كان حاجب عمر والحسن البصري كان حاجب عثمان وقنبر كان حاجب علي كرم الله وجهه ولأن الإمام ينظر في جميع المصالح فتدعوه الحاجة إلى أن يجعل لكل مصلحة وقتا لا يدخل فيه كل أحد .
فصل : ويستحب أن يكون له حبس لأن عمر Bه اشترى دارا بمكة بأربعة آلاف درهم وجعلها سجنا واتخذ علي كرم الله وجهه سجنا وحبس عمر Bه الحطيئة الشاعر فقال : .
( ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر .
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فارحم عليك سلام الله يا عمر ) .
فخلاه وحبس عمر آخر فقال : .
( يا عمر الفاروق طال حبسي ... ومل مني إخواتي وعرسي .
في حدث لم تقترنه نفسي والأمر أضوأ من شعاع الشمس ) .
ولأنه يحتاج إليه للتأديب ولاستيفاء الحق من المماطل بالدين ويستحب أن يكون له درة للتأديب لأن عمر Bه كاتن له درة يؤدب بها الناس .
فصل : وإن احتاج إلى كاتب اتخذ كاتبا لأن النبي A كان له كتاب منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت Bهما ومن شرطه أن يكون عارفا بما يكاتب به القضاة من الأحكام وما يكتبه من المحاضر والسجلات لأنه إذا لم يعرف ذلك أفسد ما يكتبه بجهله وهل من شرطه أن يكون مسلما عدلا ؟ فيه وجهان : أحدهما أن ذلك شرط فلا يجوز أن يكون كافرا لأن أبا موسى الأشعري قدم على عمر Bه ومعه كاتب نصراني فانتهره عمر Bه وقال : لا تأمنوهم وقد خونهم الله ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله ولا تعزوهم وقد أذلهم الله ولأن الكافر عدو للمسلمين فلا يؤمن أن يكتب ما بطل به حقوقهم ولا يجوز أن يكون فاسقا لأنه لا يؤمن أن يخون والوجه الثاني أن ذلك يستحب لأن ما يكتبه لا بد أن يقف عليه القاضي ثم يمضيه فيؤمن فيه من الخيانة .
فصل : ولا يتخذ شهودا معينين لا تقبل شهادة غيرهم لأن في ذلك تضييقا على الناس وإضرارا بهم في حفظ حقوقهم ولأن شروط الشهادة لا تختص بالعينين فلم يجز تخصيصهم بالقبول .
فصل : ويتخذ قوما من أصحاب المسائل ليتعرف بهم أحوال من جهلت عدالته من الشهود وينبغي أن يكونوا عدولا برآء من الشحناء بينهم وبين الناس بعداء من العصبية في نسب أو مذهب حتى لا يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية غير عدل وأن يكونوا وافري العقول ليصلوا بوفور عقولهم إلى المطلوب ولا يسترسلوا فيسألوا عدوا أو صديقا لأن العدو يظهر القبيح ويخقي الجميل والصديق يظهر الجميل ويخفي القبيح وإن شهد عنده شاهد نظرت فإن علم عدالته قبل شهادته وإن علم فسقه لم يقبل شهادته ويعمل في العدالة والفسق بعلمه وإن جهل إسلامه لم يحكم حتى يسألة عن إسلامه ولا يعمل في إسلامه بظاهر الدار كما يعمل في إسلام اللقيط بظاهر الدار لأن أعرابيا شهد عند النبي A برؤية الهلال فلم يحكم بشهادته حتى سأل عن إسلامه ولأنه يتعلق بشهادته إيجاب حق على غيره فلا يعمل فيه بظاهر الدار ويرجع في إسلامه إلى قوله لأن النبي A رجع إلى قول الأعرابي وإذا جهل حريته ففيه وجهان : أحدهما وهو ظاهر النص أنها تثبت بقوله لأن الظاهر من الدار حرية أهلها كما أن الظاهر من الدار إسلام أهلها ثم يثبت الإسلام بقوله فكذلك الحرية والثاني وهو الأظهر أنها لا تثبت بقوله والفرق بينها وبين الإسلام أنه يملك الإسلام إذا كان كافرا فقبل إقراره به ولا يملك الحرية إذا كان عبدا فلم يقبل إقراراه بها وإن جهل عدالته لم يحكم حتى ثبتت عدالته لقوله تعالى : { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } [ البقرة : 282 ] ولا يعلم أنه مرضي قبل السؤال وروى سليمان عن حريث قال : شهد رجل عند عمر بن الخطاب Bه فقال له عمر Bه : إني لست أعرفك ولا يضرك أني لا أعرفك فأتني بمن يعرفك فقال رجل : أنا أعرفه يا أمير المؤمنين فقال بأي شيء تعرفه قال : بالعدالة قال : هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه قال : لا قال : فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع قال : لا قال : فصاحبك في السفر الذي يستدل له على مكارم الأخلاق قال : لا قال : لست تعرفه ثم قال للرجل ائتني بمن يعرفك ولأنه لا يؤمن أن يكون فاسقا فلا يحكم بشهادته وإن أراد أن يعرف عدالته كتب اسمه ونسبه وحليته وصنعته وسوقه ومسكنه حتى لا يشتبه بغيره ويذكر من يشهد له حتى لا يكون ممن لا تقبل شهادته ولو من والد أو ولد ويذكر من يشهد عليه حتى لا يكون عدوا لا يقبل شهادته عليه ويذكر قدر ما يشهد به لأنه قد يكون ممن يقبل قوله في قليل ولا يقبل قوله في كثير ويبعث ما يكتبه مع أصحاب المسائل ويجتهد أن لا يكون أصحاب المسائل معروفين عند الشهود ولا عند الشهود حتى لا يحتالوا في تعديل أنفسهم ولا عند المسؤولين عن الشهود حتى لا يحتال لهم الأعداء في الجرح ولا الأصدقاء في التعديل ويجتهد أن لا يعلم أصحاب المسائل بعضهم ببعض فيجمعهم الهوى على التواطؤ على الجرح والتعديل قال الشافعي C : ولا يثبت الجرح والتعديل إلا باثنين ووجهه أنه شهادة فاعتبر فيها العدد واختلف أصحابنا هل يحكم القاضي في الجرح والتعديل بأصحاب المسائل أو بمن عدل أو جرح من الجيران فقال أبو إسحاق : يحكم بشهادة الجيران لأنهم يشهدون بالجرح والتعديل فعلى هذا يجوز أن يقتصر على قول الواحد من أصحاب المسائل ويجوز بلفظ الخبر ويسمى للحاكم من عدل أو جرح ثم يسمع الشهادة بالتعديل والجرح من الجيران على شرط الشهادة في العدد ولفظ الشهادة وحمل قول الشافعي C في العدد على الجيران وقال أبو سعيد الإصطخري يحكم بشهادة أصحاب المسائل وهو ظاهر النص لأن الجيران لا يلزمهم الحضور للشهادة بما عندهم فحكم بشهادة أصحاب المسائل فعلى هذا لا يجوز أن يكون أصحاب المسائل أقل من اثنين ويجوز أن يكون من يخبرهم من الجيران واحدا إذا وقع في نفوسهم صدقه ويجب أن يشهد أصحاب المسائل عند الحاكم على شرط الشهادة في العدد ولفظ الشهادة وحمل قول الشافعي C تعالى في العدد على أصحاب المسائل وإن بعث اثنين فعادا بالجرح حكم بالجرح وإن عادا بالتعديل حكم بالتعديل وإن عاد أحدهما بالتعديل وعاد الآخر بالجرح لم يحكم بقول واحد منهما في جرح ولا تعديل ويبعث ثالثا فإن عاد بالجرح كملت بينة الجرح وإن عاد بالتعديل كملت بينة التعديل وإن شهد اثنان بالجرح واثنان بالتعيل حكم بالجرح لأن شاهدي الجرح يخبران عن أمر باطن وشاهدي العدالة يخبران عن أمر ظاهر فقدم من يخبر بالباطن كما لو شهد اثنان بالإسلام وشهد آخران بالردة وإن شهد اثنان بالجرح وشهد ثلاثة بالعدالة قدمت بينة الجرح لأن بينة الجرح كملت فقدمت على بينة التعديل ولا يقبل الجرح إلا مفسرا وهو أن يذكر السبب الذي به جرح ولأن الناس يختلفون فيما يفسق به الإنسان ولعل من شهد بفسقه شهد على اعتقاده والحاكم لا يعتقد أن ذلك فسق والجرح والتعديل إلى رأي الحاكم فوجب بيانه لينظر فيه ولا يشهد بالجرح من يشهد من الجيران وأهل الخبرة إلا أن يعلم الجرح بالمشاهدة في الأفعال كالسرقة وشرب الخمر أو بالسماع في الأقوال كالشتم والقذف والكذب وإظهار ما يعتقده من البدع أو استفاض عنه ذلك بالخبر لأنه شهادة على علم فأما إذا قال بلغني أو قيل لي أنه يفعل أو يقول أو يعتقد لم يجز أن يشهد به لقوله تعال : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } [ الزخرف : 86 ] قال الشافعي C : ولا تقبل الشهادة بالتعديل حتى يقول هو عدل على ولي فمن أصحابنا من قال يكفي أن يقول هو عدل وهو قول أبي سعيد الإصطخري لأن قوله عدل يقتضي أنه عدل عليه وله وما ذكره الشافعي C تعالى ذكره على سبيل الاستحباب ومنهم من قال لا يقبل حتى يقول عدل لي وعلي وهو قول أبي إسحاق لأن قوله عدل لا يقتضي العدالة على الإطلاق لأنه قد يكون عدلا في شيء دون شيء وإذا قال عدل على ولي دل على العدالة على الإطلاق .
فصل : ولا يقبل التعديل إلا ممن تقدمت معرفته وطالت خبرته بالشاهد لأن المقصود معرفة العدالة في الباطن ولا يعمل ذلك ممن لم يتقدم به معرفته ويقبل الجرح ممن تقدمت معرفته به وممن لم يتقدم معرفته لأنه لا يشهد في الجرح إلا بما شاهد أو سمع أو استفاض عنه وبذلك يعلم فسقه .
فصل : وإن شهد مجهول العدالة فقال المشهود عليه هو عدل ففيه وجهان : أحدهما أنه يجوز للحاكم أن يحكم بشهادته لأن البحث عن العدالة لحق المشهود عليه وهو قد شهد له بالعدالة والثاني أنه لا يحكم لأن حكمه شهادته حكم بتعديله وذلك لا يجوز بقول الواحد ولأن اعتبار العدالة في الشاهد حق لله تعالى ولهذا لو رضي المشهود عليه بشهادة الفاسق لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادته .
فصل : وإن ثبت عدالة الشاهد ومضى على ذلك زمان ثم شهد عند الحاكم بحق نظرت فإن كان بعد زمان قريب يحكم بشهادته ولم يسألة عن عدالته وإن كان بعد زمان طويل ففيه وجهان : أحدهما أنه يحكم بشهادته لأن الأصل بقاء العدالة والثاني وهو قول أبي إسحاق أنه لا يحكم بشهادته حتى يعيد السؤال عن عدالته لأنه مع طول الزمان يتغير الحال .
فصل : وإن شهد عنده شهود وارتاب بهم فالمستحب أن يسألهم عن تحمل الشهادة ويفرقهم ويسأل كل واحد منهم على الانفراد عن صفة التحمل ومكانه وزمانه لما روي أن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا عند دانيال ففرقهم وسألهم فاختلفوا فدعا عليهم فنزلت عليهم نار من السماء فأحرقتهم وإن فرقهم فاختلفوا سقطت شهادتهم وإن اتفقوا وعظهم لما روى أبو حنيفة C قال : كنت جالسا عند محارب بن دثار وهو قاضي الكوفة فجاءه رجل فادعى على رجل حقا فأنكره فأحضر المدعي شاهدين فشهدا له فقال المشهود عليه والذي تقوم به السموات والأرض لقد كذا علي في الشهادة وكان محارب ابن دثار متكئا فاستوى جالسا وقال سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله A يقول : [ إن الطير لتخفق بأجنحتها وتمي بما في حواصلها من هول يوم القيامة وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار ] فإن صدقتما فاثبتا وإن كذبتما فغطيا على رؤوسكما وانصرفا فغطيا رؤوسهما وانصرفا .
فصل : والمستحب أن يحضر مجلسه الفقهاء ليشاورهم فيما يشكل لقوله تعالى : { وشاورهم في الأمر } [ آل عمران : 159 ] قال الحسن : إن كان رسول الله A عن مشاورتهم لغنيا ولكن أراد الله تعالى أن يستسن بذلك الحكام ولأن النبي A شاور في أسارى بدر فأشار أبو بكر بالفداء وأشر عمر Bه بالقتل وروى عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه أن أبا بكر Bه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي والفقه دعا رجالا من المهاجرين ورجالا من الأنصار ودعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت Bهم فمضى أبو بكر على ذلك ثم ولي عمر Bه وكان يدعو هؤلاء النفر فإن اتفق ولا يقلد غيره لأنه مجتهد فلا يقلد وقال أبو العباس : إن ضاق الوقت وخاف الفوت بأن يكون الحكم بين مسافرين وهم على الخروج قلد غيره وحكم كما قال في القبلة إذا خاف فوت الصلاة وقد بينا ذلك في كتاب الصلاة وإن اجتهد فأداه اجتهاده إلى حكم فحكم به ثم بان له أنه أخطأ فإن كان ذلك بدليل مقطوع به كالنص والإجماع والقياس الجلي نقض الحكم لقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } [ المائدة : 49 ] ولما روي عن عمر Bه أنه قال : ردوا الجهالات إلى السنة وكتب إلى أبي موسى لا يمنعنك قضاء قضيت به ثم راجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم لا يبطله شيء وإن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل ولأنه مفرط في حكمه غير معذور فيه فوجب نقضه .
فصل : وإن ولي قضاء بلد وكان القاضي قبله لا يصلح للقضاء نقض أحكامه كلها أصاب فيها أو أخطأ لأنه حكم ممن لا يجوز له القضاء فوجب نقضه كالحكم من بعض الرعية وإن كان يصلح للقضاء لم يجب عليه أن يتتبع أحكامه لأن الظاهر أنها صحيحة فإن أراد أن يتتبعها من غير متظلم فهل يجوز له ذلك أم لا فيه وجهان : أحدهما وهو اختيار الشيه أبي حامد الإسفرايني أنه يجوز لأن فيه احتياطا والثاني أنه لا يجوز لأنه يشتغل بماض لا يلزمه عن مستقبل يلزمه وإن تظلم منه متظلم فإن سأل إحضاره لم يحضره حتى يسأله عما بينهما لأنه ربما قصد أن يبتذ له ليحلف من غير حق وإن قال لي عليه مال من معاملة أو غصب أو إتلاف أو رشوة أخذها منه على حكم أحضره وإن قال حكم علي بشهادة عبدين أو فاسقين ففيه وجهان : أحدهما أنه يحضره كما يحضره إذا ادعى عليه مالا والثاني أنه لا يحضره حتى يقيم بينة بما يدعيه لأنه لا تتعذر إقامة البينة على الحكم فإن حضر وقال ما حكمت عليه إلا بشهادة حرين عدلين فالقول قوله لأنه أمين وهل يحلف فيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه لا يخلف لأنه عدل والظاهر أنه صادق والثاني أنه يحلف لأنه أمين ادعى عليه خيانة فلم يقبل قوله من غير يمين كالمودع إذا ادعى عليه خيانة وأنكرها وإن قال جار علي في الحكم نظرت فإن كان ما حكم به مما لا يسوغ فيه الاجتهاد نقضه كما ينقض على نفسه إذا حكم بما لا يسوغ فيه الاجتهاد وإن كان مما يسوغ فيه الاجتهاد كثمن الكلب وضمان ما أتلف على الذمي من الخمر لم ينقضه كما لا ينقض على نفسه ما حكم فيه مما يسوغ فيه الاجتهاد لأنها لو نقضنا ما يسوغ فيه الاجتهاد لم يستقر لأحد حق ولا ملك لأنه كلما ولى حاكم نقض ما حكم به من قبله فلا يستقر لأحد حق ولا ملك .
فصل : وإذا خرج إلى مجلس الحكم فالمستحب له أن يدعو بدعاء رسول الله A وهو ما روت أم سلمة Bها قالت كان رسول الله A إذا خرج من بيته يقول : [ اللهم أعوذ بك من أن أزل أو أزل أو أضل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي ] والمستحب أن يجلس مستقبل القبلة لقوله A : [ خير المجالس ما استقبل به القبلة ] ولأنه قربة فكانت جهة القبلة فيها أولى كالأذان والمستحب أن يقعد وعليه السكينة والوقار من غير جبرية ولا استكبار لما روي أن النبي A رأى رجلا وهو متكئ على يساره فقال : هذه جلسة المغضوب عليهم ويترك بين يديه القمطر مختوما ليترك فيه ما يجتمع من المحاضر والسجلات ويجلس الكاتب بقربه ليشاهد ما يكتبه فإن غلط في شيء رده عليه .
فصل : والمستحب أن يبدأ في نظرت بالمحبسين لأن الحبس عقوبة وعذاب وربما كان فيهم من تجب تخليته فاستحب البداية بهم ويكتب أسماء المحبسين وينادي في البلدان القاضي يريد النظر في أمر المحبسين في يوم كذا فليحضر من له محبوس فإذا حضر الخصوم أخرج خصم كل واحد منهم فإن وجب إطلاقه أطلقه وإن وجب حبسه أعاده إلى الحبس فإن قال المحبوس حبست على دين وأنا معسر فإن ثبت إعساره أطلق وإن لم يثبت إعساره أعيد إلى الحبس فإن ادعى صاحب الدين أن له دارا وأقام على ذلك البينة فقال المحبوس هي لزيد سئل زيد فإن أكذبه بيعت الدار وقضى الدين لأن إقراره يسقط بإكذابه وإن صدقه زيد نظرت فإن أقام زيد بينة أن الدار له حكم له بالدار ولم تبع في الدين لأن له بينة ويدا بإقرار المحبوس ولصاحب الدين بينة من غير يد فقدمت بينة زيد وإن لم يكن لزيد بينة ففيه وجهان : أحدهما أنه يحكم بها لزيد ولا تباع في الدين لأن بينة صاحب الدين بطلت بإكذاب المحبوس وبقي إقرار المحبوس بالدار لزيد والثاني أنه لا يحكم بها لزيد وتباع في الدين لأن بينة صاحب الدين شهدت للمحبوس بالملك وله بقضاء الدين من ثمنها فإذا أكذبها المحبوس سقطت البينة في حقه ولم تسقط في حق صاحب الدين .
فصل : ثم ينظر في أمر الأوصياء والأمناء لأنهم يتصرفون في حق من لا يملك المطالبة بماله وهم الأطفال فإذا ادعى رجل أنه وصي للميت لم يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل عدم الوصية فإن أقام على ذلك بينة فإن كان عدلا قويا أقر على الوصية وإن كان فاسقا لم يقر على الوصية لأن الوصية ولاية والفاسق ليس من أهل الولاية وإن كان عدلا ضعيفا ضم إليه غيره ليتقوى به وإن أقام يبنة أن الحاكم الذي كان قبله أنقذ الوصية إليه أقره ولم يسأله عن عدالته لأن الظاهر أنه لم ينفذ الوصية إليه إلا وهو عدل فإن كان وصيا في تفرقة ثلثه فإن لم يفرقه فالحكم في إقراره على الوصية على ما ذكرناه وإن كان قد فرقه فإن كان عدلا لم يلزمه شيء وإن كان فاسقا فإن كانت الوصية لمعينين لم يلزمه شيء لأنه دفع الموصي به إلى مستحقه وإن كانت الوصية لغير معينين ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يغرم لأنه دفع الماس إلى مستحقه فأشبه إذا كانت الوصية لمعينين والثاني أنه يغرم ما فرق لأنه فرق ما لم يكن له تفرقته فغرمه كما لو فرق ما جعل تفرقته إلى غيره .
فصل : ثم ينظر في اللقطة والضوال وأمر الأوقاف العامة وغيرها من المصالح ويقدم الأهم فالأهم لأنه ليس لها مستحق معين فتعين على الحاكم النظر فيها