وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب الهدنة .
لا يجوز عقد الهدنة لإقليم أو صقع عظيم إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام لأنه لو جعل ذلك إلى كل واحد لم يؤمن أن يهادن الرجل أهل إقليم والمصلحة في قتالهم فيعظم الضرر فلم يجز إلا للإمام أو للنائب عنه فإن كان الإمام مستظهرا نظرت فإن لم يكن في الهدنة مصلحة لم يجز عقدها لقوله D : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم } [ محمد : 35 ] وإن كان فيها مصلحة بأن يرجو إسلامهم أو بذل الجزية أو معاونتهم على قتال غيرهم جاز أن يهادن أربعة أشهر لقوله D : { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ التوبة : 1 - 2 ] ولا يجوز أن يهادنهم سنة فما زاد لأنها مدة يجب فيها الجزية فلا يجوز إقرارهم فيها من غير جزية وهل يجوز فيما زاد على أربعة أشهر وما دون سنة فيه قولان : أحدهما أنه لا يجوز لأن الله تعالى بقتال أهل الكتاب إلى أن يعطوا الجزية لقوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } [ التوبة : 29 ] وأمر بقتال عبدة الأوثان إلى أن يؤمنوا لقوله D : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] ثم أذن في الهدنة في أربعة أشهر وبقي ما زاد على ظاهر الآيتين والقول الثاني أنه يجوز لأنها مدة تقصر عن مدة الجزية فجاز فيها عقد الهدنة كأربعة أشهر وإن كان الإمام غير مستظهر بأن كان في المسلمين ضعف وقلة وفي المشركين قوة وكثرة أو كان الإمام مستظهرا لكن العدو على بعد ويحتاج في قصدهم إلى مؤنة مجحفة جاز عقد الهدنة إلى مدة تدعو إليها الحاجة وأكثرها عشر سنين لأن رسول الله A هادن قريشا في الحديبية عشر سنين ولا يجوز فيما زاد على ذلك لأن الأصل وجوب الجهاد إلا فيما وردت فيه الرخصة وهو عشر سنين وبقي ما زاد على الأصل وإن عقد على أكثر من عشر سنين بطل فيما زاد على العشر وفي العشر قولان بناء على تفريق الصفقة في البيع وإن دعت الحاجة إلى خمس سنين لم تجز الزيادة عليها فإن عقد على ما زاد على الخمس سنين بطل العقد فيما زاد وفي الخمس قولان : فإن عقد الهدنة مطلقا من غير مدة لم يصح لأن إطلاقه يقتضي التأبيد وذلك لا يجوز وإن هادن على أن له أن ينقض إذا شاء جاز لأن النبي A وادع يهود خيبر وقال : [ أقركم ما أقركم الله ] وإن قال غير النبي A هادنتكم إلى أن يشاء الله تعالى أو أقررتكم ما أقركم الله تعالى لم يجز لأنه لا طرق له إلى معرفة ما عند الله تعالى ويخالف الرسول A فإنه كان يعلم ما عند الله تعالى بالوحي وإن هادنهم ما شاء فلان وهو رجل مسلم أمين عالم له رأي جاز فإن شاء فلان أن ينقض نقض وإن قال هادنتكم ما شئتم لم يصح لأنه جعل الكفار محكمين على المسلمين وقد قال النبي A : [ الإسلام يعلو ولا يعلى ] ويجوز عقد الهدنة على مال يؤخذ منهم لأن في ذلك مصلحة للمسلمين ولا يجوز بمال يؤدي إليهم من غير ضرورة لأن في ذلك إلحاق صغار بالإسلام فلم يجز من غير ضرورة فإن دعت إلى ذلك ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين وخافوا الاصطلام أو أسروا رجلا من المسلمين وخيف تعذيبه جاز بذل المال لاستنقاذه منهم لما روى أبو هريرة Bه أن الحرث بن عمر والغطفاني رئيس غطفان قال للنبي A إن جعلت لي شطر ثمار المدينة وإلا ملأتها عليك خيلا ورجلا فقال النبي A : [ حتى أشاور السعديين ] يعني سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسعد بن زرارة فقالوا : إن كان هذا بأمر من السماء فتسليم لأمر الله D وإن كان برأيك فرأينا تبع لرأيك وإن لم يكن بأمر من السماء ولا برأيك فوالله ما كنا نعطيهم في الجاهلية تمرة إلا شراء أو قراء وكيف وقد أعزنا الله بك فلم يعطهم شيئا فلو لم يجز عند الضرورة لما رجع إلى الأنصار ليدفعوه إن رأوا ذلك ولأن ما يخاف من الاصطلام وتعذيب الأسير أعظم في الضرورة من بذل المال فجاز دفع أعظم الضررين بأخفهما وهل يجب بذل المال ؟ فيه وجهان بناء على الوجهين في وجوب الدفع عن نفسه وقد بيناه في الصول فإذا بذل لهم على ذلك مال لم يملكوه لأنه مال مأخوذ بغير حق فلم يملكوه كالمأخوذ بالقهر .
فصل : ولا يجوز عقد الهدنة على رد من جاء من المسلمات لأن النبي A عقد الصلح الحديبية فجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة فجاء أخوها فطالباها فأنزل الله D { فلا ترجعوهن إلى الكفار } فقال النبي A : [ إن الله تعالى منع من الصلح في النساء ] ولأنه لا يؤمن أن تزوج بمشرك فيصيبها ولا يؤمن أن تفتن في دينها لنقصان عقلها ولا يجوز عقدها على رد من لا عشيرة له من الرجال تمنع عنه لأنه لا يأمن على نفسه في إظهار دينه فيما بينهم ويجوز عقدها على رد من له عشيرة تمنع عنه لأنه يأمن على نفسه في إظهار دينه ولا يجوز عقدها مطلقا على رد من جاء من الرجال ملسما لأنه يدخل فيه من يجوز رده ومن لا يجوز .
فصل : وإن عقدت الهدنة على ما لا يجوز مما ذكرناه أو عقدت الذمة على ما لا يجوز من النقصان عن دينار في الجزية أو المقام في الحجاز أو الدخول إلى الحرم أو بناء كنيسة في دار الإسلام أو ترك الغيار أو إظهار الخمر والخنزير في دار الإسلام وجب نقضه لقوله A : [ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ] ولما روي عن عمر Bه أنه خطب الناس وقال : ردوا الجهالات إلى السنة ولأنه عقد على محرم فلم يجز الإقرار عليه كالبيع بشرط باطل أو عوض محرم .
فصل : وإن عقدت الهدنة على ما يجوز إلى مدة وجب الوفاء بها إلى أن تنقضي المدة ما أقاموا على العهد لقوله D : { أوفوا بالعقود } ولقوله تعالى : { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم * إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين } [ التوبة : 3 - 4 ] ولقوله D : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } [ التوبة : 7 ] وروى سليمان ابن عامر قال كان بين معاوية وبين الروم هدنة فسار معاوية في أرضهم كأنهم يريد أن يغير عليهم فقال له عمرو بن عبسة سمعت رسول الله A يقول : [ من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحل عقده ولا يشدها حتى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء ] قال : فانصرف معاوية ذلك العام ولأن الهدنة عقدت لمصلحة المسلمين فإذا لم يف لهم عند قدرتنا عليهم لم يفوا لنا عند قدرتهم علينا فيؤدي ذلك إلى الإضرار بالمسلمين وإن مات الإمام الذي عقد الهدنة ولي غيره لزمه إمضاؤه لما روي أن نصارى نجران أتوا عليا كرم الله وجهه وقالوا : إن الكتاب كان بيديك والشفاعة إليك وإن عمر أجلانا من أرضنا فردنا إليها فقال علي : إن عمر كان رشيدا في أمره وإني لا أغير أمرا فعله عمر Bه .
فصل : ويجب على الإمام منع من يقصدهم من المسلمين ومن معهم من أهل الذمة لأن الهدنة عقدت على الكف عنهم ولا يجب عليه منع من قصدهم من أهل الحرب ولا منع بعضهم من بعض لأن الهدنة لم تعقد على حفظهم وإنما عقدت على تركهم بخلاف أهل الذمة فإن أهل الذمة عقدت على حفظهم فوجب منع كل من يقصدهم ويجب على المسلمين ومن معهم من أهل الذمة ضمان أنفسهم وأموالهم والتعزير بقذفهم لأن الهدنة تقتضي الكف عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فوجب ضمان ما يجب في ذلك .
فصل : إذا جاءت منعم حرة بالغة عاقلة مسلمة مهاجرة إلى بلد فيه الإمام أو نائب عنه ولها زوج مقيم على الشرك وقد دخل بها وسلم إليها مهرا حلالا فجاء زوجها في طلبها فهل يجب رد ما سلم إليها من المهر ؟ فيه قولان : أحدهما يجب لقوله تعالى D : { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا } [ الممتحنة : 10 ] ولأن البضع مقوم حيل بينه وبين مالكه فوجب رد بدله كما لو أخذ منهم مالا وتعذر رده والقول الثاني وهو الصحيح وهو اختيار المزني أنه لا يجب لأن البضع ليس بمال والأمان لا يدخل فيه إلا المال ولهذا لو أمن مشركا لم تدخل امرأته في الأمان ولأنه لو ضمن البضع الحيلولة لضمن بمهر المثل كما يضمن المال عند تعذر الرد بالمثل بقيمته ولا خلاف أنه لا يضمن البضع بمهر المثل فلم يضمن بالمسمى وأما الآية فإنها نزلت في صلح رسول الله A بالحديبية قبل تحريم رد النساء وقد منع الله تعالى من ذلك بقوله تعالى : { فلا ترجعوهن إلى الكفار } فسقط ضمان المهر فإن قلنا لا يجب رد المهر فلا تفريع وإن قلنا إنه يجب وعليه التفريع وجب ذلك في خمس الخمس لأنه مال يجب على سبيل المصلحة فوجب في خمس الخمس وإن لم يكن قد دفع إليها المهر لم يجب له المهر لقوله تعالى : { وآتوهم ما أنفقوا } [ الممتحنة : 10 ] وهذا لم ينفق وإن دفع إليها مهرا حراما كالخمر والخنزير لم يجب له شيء لأنه لا قيمة لما دفع إليها فصار كما لو لم يدفع إليها شيئا فإن دفع إليها بعض مهرها لم يجب له أكثر منه لأن الوجوب يتعلق بالمدفوع فلم يجب إلا ما دفع وإن جاءت إلى بلد ليس فيها إمام ولا نائب عنه لم يجب رد المهر لأنه يجب في سهم المصالح وذلك إلى الإمام أو النائب عنه فلم يطالب به غيره .
فصل : وإن جاءت مسلمة عاقلة ثم جنت وجب رد المهر لأن الحيلولة حصلت بالإسلام وإن جاءت مجنونة ووصفت الإسلام ولم يعلم هل وصفته في حال عقلها أو في حال جنونها لم ترد إليه لجواز أن يكون وصفته في حال عقلها فإذا ردت إليهم خدعوها وزهدوها في الإسلام فلم يجز ردها احتياطا للإسلام وإن أفاقت ووصفت الكفر وقالت : إنها لم تزل كافرة ردت إلى زوجها وإن وصفت الإسلام لم ترد فإذا جاء الزوج في طلبها دفع إليها مهرها لأنه حيل بينهما بالإسلام وإن طلب مهرها قبل الإفاقة لم يدفع إليه لأن المهر يجب بالحيلولة وذلك لا يتحقق قبل الإفاقة لجواز أن تفيق وتصف الكفر فترد إليه فلم يجب مع الشك .
فصل : فإن جاءت صبية ووصفت الإسلام لم ترد إليهم وإن لم يحكم بإسلامها لأنا نرجو إسلامها فإذا ردت إليهم خدعوها وزهدوها في الإسلام فإن بلغت ووصفت الكفر قرعت فإن أقامت على الكفر ردت إلى زوجها فإن وصفت الإسلام دفع إلى زوجها المهر لأنه تحقق المنع بالإسلام فإن جاء يطالب مهرها قبل البلوغ ففيه وجهان : أحدهما أنه يدفع إليه مهرها لأنها منعت منه بوصف الإسلام فهي كالبالغة والثاني أنه لا يدفع لأن الحيلولة لا تتحقق قبل البلوغ لجواز أن تبلغ وتصف الكفر فترد إليه فلم يجب المهر كما قلنا في المجنونة .
فصل : وإن جاءت مسلمة ثم ارتدت لم ترد إليهم لأنه يجب قتلها وإن جاء زوجها يطلب مهرها فإن كان بعد القتل لم يجب دفع المهر لأن الحيلولة حصلت بالقتل وإن كان قبل القتل ففيه وجهان : أحدهما أنه يجب لأن المنع وجب بحكم الإسلام والثاني لا يجب لأن المنع وجب لإقامة الحد لا بالإسلام .
فصل : وإن جاءت مسلمة ثم جاء زوجها ومات أحدهما فإن كان الموت بعد المطالبة بها وجب المهر لأن الحيلولة حصلت بالإسلام وإن كان قبل المطالبة لم يجب لأن الحيلولة حصلت بالموت .
فصل : فإن أسلمت ثم طلقها زوجها فإن كان الطلاق بائنا فهو كالموت وقد بيناه وإن كان رجعيا لم يجب دفع المهر لأنه تركها برضاه وإن راجعها ثم طالب بها وجب دفع المهر لأنه حيل بينهما بالإسلام وإن جاءت مسلمة ثم أسلم الزوج فإن أسلم قبل انقضاء العدة لم يجب المهر لاجتماعهما على النكاح وإن أسلم بعد انقضاء العدة فإن كان قد طالب بها قبل انقضاء العدة وجب المهر لأنه وجب قبل البينونة وإن طالب بعد انقضاء العدة لم يجب لأن الحيلولة حصلت بالبينونة باختلاف الدين .
فصل : وإن هاجرت منهم أمة وجاءت إلى بلد فيه الإمام نظرت فإن فارقتهم وهي مشركة ثم أسلمت صارت حرة لأنا يبنا أن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض فملكت نفسها بالقهر فإن جاء مولاها في طلبها لم ترد عليه لأنها أجنبية منه لا حق له في رقبتها ولأنها مسلمة فلا يجوز ردها إلى مشرك وإن طلب قيمتها فقد ذكر الشيخ أبو حامد الإسفرايني C فيها قولين كالحرة إذا هاجرت وجاء زوج يطلب مهرها والصحيح أنه لا تجب قيمتها قولا واحدا وهو قول شيخنا القاضي أبي الطيب الطبري C لأن الحيلولة حصلت بالقهر قبل الإسلام وإن أسلمت وهي عندهم ثم هاجرت لم تصر حرة لأنهم في أمان منا وأموالهم محظورة علينا فلم يزل الملك فيها بالهجرة فإن جاء مولاها في طلبها لم ترد لأنها مسلمة فلم يجز ردها إلى مشرك وإن طلب قيمتها وجب دفعها إليه كما لو غصب منها مال وتلف وإن كانت الأمة مزوجة من حر فجاء زوجها في طلبها لم ترد إليه وإن طلب مهرها فعلى القولين في الحرة وإن كانت مزوجة من عبد فعلى القولين أيضا إلا أنه لا يجب دفع المهر إلا أن يحضر الزوج فيطالب بها لأن البضع له فلا يملك المولى المطالبة به ويحضر المولى ويطالب بالمهر لأن المهر له فلا يملك الزوج المطالبة به .
فصل : وإن هاجر منهم رجل مسلم فإن كان له عشيرة تمنع عنه جاز له العود إليهم والأفضل أن لا يعود وقد بينا ذلك في أول السير فإن عقد الهدنة على رده واختار العود لم يمنع لأن النبي A أذن لأبي جندل وأبي بصير في العود وإن اختار المقام في دار الإسلام لم يمنع لأنه لا يجوز إجبار المسلم على الانتقال إلى دار الشرك وإن جاء من يطلبه قلنا للمطالب إن قدرت على رده لم نمنعك منه وإن لم تقدر لم نعنك عليه ونقول للمطلوب في السر إن رجعت إليهم ثم قدرت أن تهرب منهم وترجع إلى دار الإسلام كان أفضل لأن النبي A رد أبا بصير فهرب منهم وأتى النبي A وقال : قد وفيت لهم ونجاني الله منهم .
فصل : ومن أتلف منهم على مسلم مالا وجب عليه ضمانه وإن قتله وجب عليه القصاص وإن قدفه وجب عليه الحد لأن الهدنة تقتضي أمان المسلمين في النفس والمال والعرض فلزمهم ما يجب في ذلك ومن شرب منهم الخمر أو زنى لم يجب عليه الحد لأنه حق الله تعالى ولم يلتزم بالهدنة حقوق الله تعالى فإن سرق مالا لمسلم ففيه قولان : أحدهما أنه لا يجب عليه القطع لأنه حد خالص لله تعالى فلم يجب عليه كحد الشرب والزنا والثاني أنه يجب عليه لأنه حد يجب لصيانة حق الآدمي فوجب عليه كحد القذف .
فصل : إذا نقض أهل الهدنة عهدهم بقتال أو مظاهرة عدو أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقضت الهدنة لقوله D : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } فدل على أنهم إذا لم يستقيموا لنا لم نستقم لهم لقوله D : { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } [ التوبة : 4 ] فدل على أنهم إن ظاهروا عليكم أحدا لم تتم إليهم عهدهم ولأن الهدنة تقتضي الكف عنا فانتقضت بتركة ولا يفتقر نقضها إلى حكم الإمام بنقضها لأن الحكم إنما يحتاج إليه في أمر محتمل وما تظاهروا به لا يحتمل غير نقض العهد وإن نقض بعضهم وسكت الباقون ولم ينكروا ما فعل الناقض انتقضت الهدنة في حق الجميع والدليل عليه أن ناقة صالح عليه السلام عقرها القدار العيزار بن سالف وأمسك عنها القوم فأخذهم الله تعالى جميعهم به فقال الله D : { فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها } [ الشمس ك 14 ] ولأن النبي A وادع بني قريظة وأعان بعضهم أبا سفيان بن حرب على حرب رسول الله A في الخندق وقيل : إن الذي أعان منهم حيي بن أخطب وأخوه وآخر معهم فنقض النبي A عهدهم وغزاهم وقتل رجالهم وسبى ذراريهم ولأن النبي A هادن قريشا بالحديبية وكان بنو بكر حلفاء قريش وخزاعة حلفاء رسول الله A فحاربت بنو بكر خزاعة وأعان نفر من قريش بني بكر على خزاعة وأمسك سائر قريش فجعل النبي A ذلك نقضا لعهدهم وسار إليهم حتى فتح مكة ولأنه لما كان عقد بعضهم الهدنة أمانا لمن عق ولمن أمسك وجب أن يكون نقض بعضهم نقضا لمن نقض ولمن أمسك وإن نقض بعضهم العهد وأنكر الباقون أو اعتزلوهم أو راسلوا إلى الإمام بذلك انتقض عهد من نقض وصار حربا لنا بنقضه ولم ينتقض عهد من لم يرض لأنه لم ينقض العهد ولا رضي مع من نقض فإنكان من لم ينقض مختلطا بمن نقض أمر من لم ينقض بتسليم من نقض إن قدروا أو بالتميز عنهم فإن لم يفعلوا أحد هذين مع القدرة عليه انتقضت هدنتهم لأنهم صاروا مظاهرين لأهل الحرب وإن لم يقدروا على ذلك كان حكمهم حكم من أسره الكفار من المسلمين وقد بيناه في أول السير وإن أسر الإمام قوما منهم وادعوا أنهم ممن لم ينقض العهد وأشكل عليه حالهم قبل قولهم لأنه لا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا من جهتهم .
فصل : وإن ظهر منهم من يخاف معه الخيانة جاز للإمام أن ينبذ إليهم عهدهم لقوله D : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } [ الأنفال : 58 ] ولا تنتقض الهدنة إلا أن يحكم الإمام بنقضها لقولها D : { فانبذ إليهم على سواء } ولأن نقضها لخوف الخيانة وذلك يفتقر إلى نظر واجتهاد فافتقر إلى الحاكم وإن خاف من أهل الذمة خيانة لم ينبذ عليهم والفرق بينهم وبين عقد أهل الهدنة أن النظر في عقد الذمة وجب لهم ولهذا إذا طلبوا عقد الذمة وجب العقد لهم فلم ينقض لخوف الخيانة والنظر في عقد الهدنة لنا ولهذا لو طلبوا الهدنة كان النظر فيها إلى الإمام وإن رأى عقدها عقد وإن لم ير عقدها لم يعقد فكان النظر إليه في نقضها عند الخوف ولأن أهل الذمة في قبضته فإذا ظهرت منهم خيانة أمكن استدراكها وأهل الهدنة خارجون عن قبضته فإذا ظهرت خيانتهم لم يمكن استدراكها فجاز نقضها بالخوف وإن لم يظهر منهم ما يخاف معهم الخيانة لم يجز نقضها لأن الله تعالى أمر بنبذ العهد عند الخوف فدل على أنه لا يجوز مع عدم الخوف ولأن نقض الهدنة من غير سبب يبطل مقصود الهدنة ويمنع الكفار من الدخول فيها والسكون إليها وإذا نقض الهدنة عند خوف الخيانة ولم يكن عليهم حق ردهم إلى مأمنهم لأنهم دخلوا على أمان فوجب ردهم إلى المأمن وإن كان عليهم حق استوفاه منهم ثم ردهم إلى مأمنهم .
فصل : إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان في تجارة أو رسالة ثبت له الأمان في نفسه وماله ويكون حكمه في ضمان النفس والمال وما يجب عليه من الضمان والحدود حكم المهادن لأنه مثله في الأمان فكان مثله فيما ذكرناه وإن عقد الأمان ثم عاد إلى دار الحرب في تجارة أو رسالة فهو على الأمان في النفس والمال كالذمي إذا خرج إلى دار الحرب في تجارة أو رسالة وإن رجع إلى دار الحرب بنية المقام وترك ماله في دار الإسلام انتقض الأمان في نفسه ولم ينتقض في ماله فإن قتل أو مات اتقل المال إلى وارثه وهل يغنم أم لا ؟ فيه قولان : قال في سير الواقدي ونقله المزني أنه يغنم ماله وينتقل إلى بيت المال فيئا وقال في المكاتب يرد إلى ورثته فذهب أكثر أصحابنا إلى أنها على قولين : أحدهما أنه يرد إلى ورثته وهو اختيار المزني والدليل عليه أن المال لوارثه ومن ورث مالا ورثه بحقوقه وهذا الأمان من حقوق المال فوجب أن يورث والقول الثاني أنه يغنم وينتقل إلى بيت المال فيئا ووجهه أنه لما مات انتقل ماله إلى وارثه وهو كافر لا أمان له في نفسه ولا في ماله فكان غنيمة وقال أبو علي بن خيران : المسألة على اختلاف حالين فالذي قال يغنم إذا عقد الأمان مطلقا ولم يشرط لوارثه والذي قال لا يغنم إذا عقد الأمان لنفسه ولوارثه وليس للشافعي C ما يدل على هذه الطريقة وأما إذا مات في دار الإسلام فقد قال في سير الواقدي أنه يرد إلى ورثته واختلف أصحابنا فيه فيمنهم من قال هو أيضا على قولين كالتي قبلها و الشافعي نص على أحد القولين ومنهم من قال يرد إلى وارثه قولا واحدا والفرق بين المسألتين أنه إذا مات في دار الإسلام مات على أمانه فكان ماله على الأمان وإذا مات في دار الحرب فقد مات بعد زواله أمانه فبطل في أحد القولين أمان ماله فإن استرق زال ملكه عن المال بالاسترقاق وهل يغنم ؟ فيه قولان : أحدهما يغنم فيئا لبيت المال والقول الثاني أنه موقوف لأنه لا يمكن نقله إلى الوارث لأنه حي ولا إلى مسترقه لأنه مال له أمان فإن عتق دفع المال إليه بملكه القديم وإن مات عبدا ففي ماله قولان حكاهما أبو علي بن أبي هريرة : أحدهما أنه يغنم فيئا ولا يكون موروثا لأن العبد لا يورث والثاني أنه لوارثه لأنه ملكه في حريته .
فصل : فإن اقترض حربي من حربي مالا ثم دخل إلينا بأمان أو أسلم فقد قال أبو العباس عليه رد البدل على المقرض لأنه أخذه على سبيل المعاوضة فلزمه البدل كما لو تزوج حربية ثم أسلم قال : ويحتمل أنه لا يلزمه البدل فإن الشافعي C قال في النكاح : إذا تزوج حربي حربية ودخل بها وماتت ثم أسلم الزوج أو دخل إلينا بأمان فجاء وارثها يطلب ميراثه من صداقها أنه لا شيء له لأنه مال فائت في حال الكفر قال : والأول أصح ويكون تأويل المسألة أن الحربي تزوجها على غير مهر فإن دخل مسلم دار الحرب بأمان فسرق منهم مالا أو اقترض منهم مالا وعاد إلى دار الإسلام ثم جاء صاحب المال إلى دار الإسلام بأمان وجب على المسلم رد ما سرق أو اقترض لأن الأمان يوجب ضمان المال في الجانبين فوجب رده