وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب عقد الذمة .
لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو ممن فوض إليه الإمام لأنه من المصالح العظام فكان إلى الإمام ومن طلب عقد الذمة وهو ممن يجوز إقراره على الكفر بالجزية وجب العقد له لقوله D : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق } [ التوبة : 29 ] ثم قال : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] فدل على أنهم إذا أعطوا الجزية وجب الكف عنهم وروى بريدة Bه أن النبي A كان إذا بعث أميرا على جيش قال : إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم ولا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين بذل الجزية والتزام أحكام المسلمين في حقوق الآدميين في العقود والمعاملات وغرامات المتلفات فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح العقد والدليل عليه قوله D : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] والصغار هو أن تجري عليهم أحكام المسلمين ولا فرق بين الخيابرة وغيرهم في الجزية والذي يدعيه الخيابرة أن معهم كتابا من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالبراءة من الجزية لا أصل له ولم يذكره أحد من علماء الإسلام وأخبار أهل الذمة لا تقبل وشهادتهم لا تسمع .
فصل : وإن كان أهل الذمة في دار الإسلام أخذوا بلبس الغيار وشد الزنار والغيار أن يكون فيما يظهر من ثيابهم ثوب يخالف لونه لون ثيابهم كالأزرق والأصفر ونحوهما والزنار أن يشدوا في أوساطهم خيطا غليظا فوق الثياب وإن لبسوا القلانس جعلوا فيها خرقا ليتميزوا عن قلانس المسلمين لما روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذي كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام فشرط أن لا نتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر وأن نشد الزنانير في أوساطنا ولأن الله D أعز الإسلام وأهله وندب إلى أعزاز أهله وأذل الشرك وأهله ونذب إلى إذلال أهله والدليل عليه ما روى ابن عمر Bه أن النبي A قال : [ بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله ولا يشرك به شيء وجعل الصغار والذل على من خالف أمري ] فوجب أن يتميزوا عن المسلمين لنستعمل مع كل واحد منهم ما ندبنا إليه وإن شرط عليهم الجمع بين الغيار والزنار أخذوا بهما وإن شرط أحدهما أخذوا به لأن التمييز يحصل بأحدهما ويجعل في أعناقهما خاتم ليتميزوا به عن المسلمين في الحمام وفي الأحوال التي يتجردون فيها عن الثياب ويكون ذلك من حديد أو رصاص أو نحوهما ولا يكون من ذهب أو فضة لأن في ذلك إعظاما لهم وإن كان لهم شعر أمروا بجز النواصي ومنعوا من إرساله كما تصنع الأشراف والأخيار من المسلمين لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر على نصارى الشام وشرطنا أن نجز مقادم رؤوسنا ولا يمنعون من لبس العمائم والطيلسان لأن التمييز يحصل بالغيار والزنار وهل يمنعون من لبس الديباج ؟ فيه وجهان : أحدهما أنهم يمنعون لما فيه من التجبر والتفخيم والتعظيم والثاني أنهم لا يمنعون كما لا يمنعون من لبس المرتفع من القطن والكتان وتؤخذ نساؤهم بالغيار والزنار لما روى أن عمر كتب إلى أهل الآفاق أن مروا نساء أهل الأديان أن يعقدن زنانيرهن وتكون زنانيرهن تحت الإزار لأنه إذا كان فوق الإزار انكشفت رؤوسهن واتصفت أبدانهن ويجعلن في أعناقهن خاتم حديد ليتميزن به عن المسلمات في الحمام كما قلنا في الرجال وإن لبسن الخفاف جعلن الخفين من لونين ليتميزن عن النساء المسلمات ويمنعون من ركوب الخيل لما روي في حديث عبد الرحمن بن غنم شرطنا أن لا نتشبه بالمسلمين في مراكبهم وإن ركبوا الحمير والبغال ركبوها على الأكف دون السروج ولا يتقلدون السيوف ولا يحملون السلاح لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر ولا نركب بالسروج ولا نتقلد بالسيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ويركبون عرضا من جانب واحد لما روى ابن عمر أن عمر كان يكتب إلى عماله يأمرهم أن يجعل أهل الكتاب المناطق في أوساطهم وأن يركبوا الدواب عرضا على شق .
فصل : ولا يبدؤون بالسلام ويلجئون إلى أضيق الطرق لما روى أبو هريرة Bه قال : قال رسول الله A : [ إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها ] ولا يصدرون في المجالس لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولأن في تصديرهم في المجالس إعزازا لهم وتسوية بينهم وبين المسلمين في الإكرام فلم يجز ذلك .
فصل : ويمنعون من إحداث بناء بعلو بناء جيرانهم من المسلمين لقوله A : [ الإسلام يعلو ولا يعلى ] وهل يمنعون مساراتهم في البناء ؟ فيه وجهان : أحدهما أنهم لا يمنعون لأنه يؤمن أن يشرف المشرك على المسلم والثاني أنهم يمنعون لأن القصد أن يعلو الإسلام ولا يحصل ذلك مع المساواة وإن ملكوا دارا عالية أقروا عليها وإن كانت أعلى من دور جيرانهم لأنه ملكها على هذه الصفة وهل يمنعون من الاستعلاء في غير محلة المسلمين ؟ فيه وجهان : أحدهما أنهم لا يمنعون لأنه يؤمن مع العبد أن يعلوا على المسلمين والثاني أنهم يمنعون في جميع البلاد لأنهم يتطاولون على المسلمين .
فصل : ويمنعون من إظهار الخمر والخنزير وضرب النواقيس والجهر بالتوراة والإنجيل وإظهار الصليب وإظهار أعيادهم ورفع الصوت على موتاهم لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر Bه على نصارى الشام شرطنا أن لا نبيع الخمور ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا إلا ضربا خفيا ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ولا نخرج شعانيننا ولا باعوثنا ولا نرفع أصواتنا على موتانا .
فصل : ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع والصوامع في بلاد المسلمين لما روي عن ابن عباس Bه أنه قال : أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه كنيسة وروى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر على نصارى الشام إنكم لما قدمتم علينا شرطنا لم على أنفسنا أن لا يحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب وهل يجوز إقرارهم على ما كان منها قبل الفتح ينظر فيه فإن كان في بلد فتح صلحا واستثنى فيه الكنائس والبيع جاز إقرارهما لأنه إذا جاز أن يصالحوا على أن لنا النصف ولهم النصف جاز أن يصالحوا على أن لنا البلد إلا الكنائس والبيع وإن كان في بلد فتح عنوة أو فتح صلحا ولم تستثن الكنائس والبيع ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يجوز كما لا يجوز إقرار ما أحدثوا بعد الفتح والثاني أنه يجوز لأنه لما جاز إقرارهم على ما كانوا عليه من الكفر جاز إقرارهم على ما يبنى للكفر وما جاز تركه من ذلك في دار الإسلام إذا انهدم فهل يجوز إعادته ؟ فيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري و أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يجوز لما روى كثير بن مرة قال سمعت عمر بن الخطاب Bه يقول : قال رسول الله A : [ لا تبنى الكنيسة في دار الإسلام ولا يجدد ما خرب منها ] وروى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر بن الخطاب على نصارى الشام ولا يجدد ما خرب منها ولأنه بناء كنيسة في دار الإسلام فمنع منه كما لو بناها في موضع آخر والثاني أنه يجوز لأنه لما جاز تشييد ما تشعب منها جاز إعادة ما انهدم وإن عقدت الذمة في بلد لهم ينفردون به لم يمنعوا من إحداث الكنائس والبيع والصوامع ولا من إعادة ما خرب منها ولا يمنعون من إظهار الخمر والخنزير والصليب وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل وإظهار ما لهم من الأعياد ولا يؤخذون بلبس الغيار وشد الزنانير لأنهم في دار لهم فلم يمنعوا من إظهار دينهم فيه .
فصل : ويجب على الإمام الذب عنهم ومنع من يقصدهم من المسلمين والكفار واستنقاذ من أسر منهم واسترجاع ما أخذ من أموالهم سواء كانوا مع المسلمين أو كانوا منفردين عنهم في بلد لهم لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم فإن لم يدفع حتى مضى حول لم تجب الجزية عليهم لأن الجزية للحفظ وذلك لم يوجد فيه يجب ما في مقابلته كما لا تجب الأجرة إذا لم يوجد التمكين من المنفعة وإن أخذ منهم خمر أو خنزير لم يجب استرجاعه لأنه يحرم فلا يجوز اقتناؤه في الشرع فلم تجب المطالبة به .
فصل : وإن عقدت الذمة بشرط أن يمنع عنهم أهل الحرب نظرت فإن كانوا مع المسلمين أو في موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان طريقهم على المسلمين لم يصح العقد لأنه عقد على تمكين الكفار من المسلمين فلم يصح وإن كانوا منفردين عن المسلمين في موضع ليس لأهل الحرب طريق على المسلمين صح العقد لأنه ليس فيه تمكين الكفار من المسلمين وهل يكره هذا الشرط ؟ قال الشافعي Bه في موضع يكره وقال في موضع لا يكره وليست المسألة على قولين وإنما هي على اختلاف حالين فالموضع الذي قال يكره إذا طلب الإمام الشرط لأن فيه إظهار ضعف المسلمين والموضع الذي قال لا يكره إذا طلب أهل الذمة الشرط لأنه ليس فيه إظهار ضعف المسلمين وإن أغار أهل الحرب على أهل الذمة وأخذوا أموالهم ثم ظفر الإمام بهم واسترجع ما أخذوه من أهل الذمة وجب على الإمام رجه عليهم وإن أتلفوا أموالهم أو قتلوا منهم لم يضمنوا لأنهم لم يلتزموا أحكام المسلمين وإن أغار من بيننا وبينهم هدنة على أهل الذمة وأخذوا أموالهم وظهر بها الإمام واسترجع ما أخذوه وجب رده على أهل الذمة وإن أتلفوا أموالهم وقتلوا منهم وجب عليهم الضمان لأنهم التزموا بالهدنة حقوق الآدميين وإن نقضوا العهد وامتنعوا في ناحية ثم أغاروا على أهل الذمة وأتلفوا عليهم أموالهم وقتلوا منهم ففيه قولان : أحدهما أنه يجب عليهم الضمان والثاني لا يجب كالقولين فيما يتلف أهل الرد إذا امتنعوا وأتلفوا على المسلمين أموالهم أو قتلوا منهم .
فصل : وإن تحاكم مشركان إلى حاكم المسلمين نظرت فإن كانا معاهدين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهما وبين أن لا يحكم لقوله D : { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } [ المائدة : 42 ] ولا يختلف أهل العلم أن هذه الآية نزلت فيمن وادعهم رسول الله A من يهود المدينة قبل فرض الجزية وإن حكم بينهما لم يلزمهما حكمه وإن دعا الحاكم أحدهما ليحكم بينهما لم يلزمه الحضور وإن كانا ذميين نظرت فإن كان على دين واحد ففيه قولان : أحدهما أنه بالخيار بين أن يحكم بينهما وبين أن لا يحكم لأنهما كافران فلا يلزمه الحكم بينهما كالمعاهدين وإن حكم بينهما لم يلزمهما حكمه وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لم يلزمه الحضور والقول الثاني أنه يلزمه الحكم بينهما وهو اختيار المزني لقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } [ المائدة : 48 ] ولأنه يلزمه دفع ما قصد كل واحد منهما بغير حق فلزمه الحكم بينهما كالمسلمين وإن حكم بينهما لزمهما حكمه وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لزمه الحضور وإن كانا على دينين كاليهودي والنصراني ففيه طريقان : أحدهما أنه على القولين كالقسم قبله لأنهما كافران قصارا كما لو كانا على دين واحد والثاني قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا لأنهما إذا كانا على دين واحد فلم يحكم بينهما تحاكما إلى رئيسهما فيحكم بينهما وإذا كانا على دينين لم يرض كل واحد منهما برئيس الآخر فيضيع الحق واختلف أصحابنا في موضع القولين فمنهم من قال القولان في حقوق الآدميين وفي حقوق الله تعالى ومنهم من قال القولان في حقوق الآدميين وأما حقوق الله تعالى فإنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا لأن الحقوق الآدميين من يطالب بها ويتوصل إلى استيفائها فلا تضيع بترك الحكم بينهما وليس لحقوق الله تعالى من يطالب بها فإذا لم يحكم بينهما ضاعت ومنهم من قال القولان في حقوق الله تعالى فأما في حقوق الآدميين فإنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا لأنه إذا لم يحكم بينهما في حقوق الآدميين ضاع حقه واستضر ولا يوجد ذلك في حقوق الله تعالى فإن تحاكم إليه ذمي ومعاهد ففيه قولان كالذميين وإن تحاكم إليه مسلم وذمي أو مسلم ومعاهد لزمه الحكم بينهما قولا واحدا لأنه يلزمه دفع كل واحد منهما عن ظلم الآخر فلزمه الحكم بينهما ولا يحكم بينهما إلا بحكم الإسلام لقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } [ المائدة : 48 ] ولقوله تعالى : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } [ المائدة : 42 ] وإن تحاكم إليه رجل وامرأة في نكاح فإن كانا على نكاح لو أسلما عليه لم يجز إقرارهما عليه كنكاح ذوات المحارم حكم بإبطاله وإن كانا على نكاح لو أسلما عليه جاز إقرارهما عليه حكم بصحته لأن أنكحة الكفار محكوم بصحتها والدليل عليه قوله تعالى { وقالت امرأة فرعون } فأضاف إلى فرعون زوجته وقوله تعالى : { وامرأته حمالة الحطب } [ المسد : 5 ] فأضاف إلى أبي لهب زوجته ولأنه أسلم خلق كثير على أنكحة في الكفر فأقروا على أنكحتهم فإن طلقها أو آلى منها وظاهر منها حكم في الجميع بحكم الإسلام .
فصل : وإن تزوجها على مهر فاسد وسلم إليها بحكم حاكمهم ثم ترافعا إلينا ففيه قولان : أحدهما يقرون عليه لأنه مهر مقوبوض فأقرا عليه كما لو أقبضهما من غير حكم والثاني أنه يجب لها مهر المثل لأنها قبضت على إكراه بغير حق فصار كما لو لم تقبض .
فصل : ومن أتى من أهل الذمة محرما يوجب عقوبة نظرت فإن كان ذلك محرما في دينه كالقتل والزنا والسرقة والقذف وجب عليه ما يجب على المسلم والدليل عليه ما روى أنس Bه أن يهويا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رسول الله A بين حجرين وروى ابن عمر أن النبي A أتى بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فأمر بهما فرجما ولأنه محرم في دينه وقد التزم حكم الإسلام بعقد الذمة فوجب عليه ما يجب على المسلم وإن كان يعتقد إباحته كشرب الخمر لم يجب عليه الحد لأنه لا يعتقد تحريمه فلم يحب عليه عقوبة كالكفر فإن تظاهر به عزر لأنه إظهار منكر في دار الإسلام فعزر عليه .
فصل : إذا امتنع الذمي من التزام الجزية أو امتنع من التزام أحكام المسلمين اتنقض عهده لأن عقد الذمة لا ينعقد إلا بهما فلم يبق دونهما وإن قاتل المسلمين انتقض عهده سواء شرط عليه تركه في العقد أو لم يشرط لأن مقتضى عقد الذمة الأمان من الجانبين والقتال ينافي الأمان فانتقض به العهد وإن فعل ما سوى ذلك نظرت فإن كان مما فيه إضرار بالمسلمين فقد ذكر الشافعي C تعال ستة أشياء وهو أن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم النكاح أو يفتن مسلما عن دينه أو يقطع عليه الطريق أو يؤوي عينا لهم أو يدل على عوراتهم وأضاف إليهم أصحابنا أن يقتل مسلما فإن لم يشرط الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض عهده لبقاء ما يقتضي العقد من التزام أداء الجزية والتزام أحكام المسلمين والكف عن قتالهم وإن شرط عليهم الكف عن ذلك في العقد ففيه وجهان : أحدهما أنه لا ينتقض به العقد لأنه لا ينتقض به العهد ومن غير شرط فلا ينتقض به مع الشرط كإظهار الخمر والخنزير وترك الغيار والثاني أنه ينتقض به العهد لما روي أن نصرانيا استكره امرأة مسلمة على الزنا فرفع إلى أبي عبيدة ابن الجراح فقال ما على هذا صالحناكم وضرب عنقه ولأن عقوبة هذه الأفعال تستوفي عليه من غير شرط فوجب أن يكون لشرطها تأثير ولا تأثير إلا ما ذكرنا من نقض العهد فإن ذكر الله D أو كناية أو ذكر رسول الله A أو دينه بما لا ينبغي فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق في حكمه حكم الثلاثة الأولى وهي الامتناع من التزام الجزية والتزام أحكام المسلمين والاجتماح على قتالهم وقال عامة أصحابنا حكمه حكم ما فيه ضرر بالمسلمين وهي الأشياء السبعة إن لم يشترط في العقد الكف عنه لم ينقض العهد وإن شرط الكف عنه فعلى الوجهين لأن في ذلك إضرارا بالمسلمين لما يدخل عليهم من العار فألحق بما ذكرناه مما فيه إضرار بالمسلمين ومن أصحابنا من قال من سب رسول الله A وجب قتله لما روي أن رجلا قال لعبد الله بن عمر سمعت راهبا يشتم رسول الله A فقال لو سمعته لقتلته إنا لم نعطه الأمان على هذا وإن أظهر من منكر دينهم ما لا ضرر فيه على المسلمين كالخمر والخنزير وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل وترك الغيار لم ينتقض العهد شرط أو لم يشرط واختلف أصحابنا في تعليله فمنهم من قال : لا ينتقض العهد لأنه إظهار ما لا ضرر فيه على المسلمين ومنهم من قال ينتقض لأنه إظهار ما يتدينون به وإذا فعل ما ينتقض به العهد ففيه قولان : أحدهما أنه يرد إلى مأمنه لأنه حصل في دار الإسلام بأمان فلم يجز قتله قبل الرد إلى مأمنه كما لو دخل دار الإسلام بأمان صبي والثاني وهو الصحيح أنه لا يجب رده إلى مأمنه كالأسير ويخالف من دهل بأمان الصبي لأن ذلك غير مفرط لأنه اعتقد صحة عقد الأمان فرد إلى مأمنه وهذا مفرط لأنه نقض العهد فلم يرد إلى مأمنه فعلى هذا يختار الإمام ما يراه من القتل والاسترقاق والمن والفداء كما قلنا في الأسر .
فصل : ولا يمكن مشرك من الإقامة في الحجاز قال الشافعي C هي مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها قال الأصمعي سمي حجازا لأنه حاجز بين تهامة ونجد والدليل عليه ما روى ابن عباس Bه قال : اشتد برسول الله A وجعه فقال : [ أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ] وأراد الحجاز والدليل عليه ما روى أبو عبيدة بن الجراح Bه قال : آخر ما تكلم به رسول الله A أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب وروى ابن عمر أن عمر Bه أجلى اليهود والنصارى من الحجاز ويم ينقل أن أحدا من الخلفاء أجلى من كان باليمن من أهل الذمة وإن كانت من جزيرة العرب فإن جزيرة العرب في قول الأصمعي من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطرار الشام في العرض وفي قول أبي عبيدة ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول وما بين النهرين إلى المساواة في العرض قال يعقوب : حفر أبي موسى على منازل من البصرة من طريق مكة على خمسة أو ستة منازل وأما نجران فليست من الحجاز ولكن صالحهم رسول الله A على أن لا يأكلوا الربا فأكلوه ونقضوا العهد فأمر بإجلائهم فأجلاهم عمر ويجوز تمكينهم من دهول الحجاز لغير الإقامة لأن عمر Bه أذن لمن دخل منهم تاجرا في مقام ثلاثة أيام ولا يمكنون من الدخول بغير إذن الإمام لأن دخولهم إنما أجيز لحاجة المسلمين فوقف على رأي الإمام فإن استأذن في الدخول فإن كان للمسلمين فيه منفعة بدخوله لحمل ميرة أو أداء رسالة أو عقد ذمة أو عقد هدنة أذن فيه لأن فيه مصلحة للمسلمين فإن كان في تجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يؤذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارتهم شيئا لأن عمر Bه أمر أن تؤخذ من أنباط الشام من حمل القطنية من الحبوب العشر ومن حمل الزيت والقمح نصف العشر ليكون أكثر للحمل وتقدير ذلك إلى رأي الإمام لأن أخذه باجتهاده فكان تقديره إلى رأيه فإن دخل للتجارة فله أن يقيم ثلاثة أيام ولا يقيم أكثر منها لحديث عمر Bه ولأنه لا يصير مقيما بالثلاثة ويصير مقيما بما زاد وإن أقام في موضع ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر وأقام ثلاثة أيام ثم كذلك ينتقل من موضع إلى موضع ويقيم في كل موضع ثلاثة أيام جاز لأنه لم يصر مقيما في موضع ولا يمنع من ركوب بحر الحجاز لأنه ليس بموضع للإقامة ويمنع من المقام في سواحله والجزائر المكونة فيه لأنه من بلاد الحجاز وإن دخل لتجارة فمرض فيه ولم يمكنه الخروج أقام حتى يبرأ لأنه موضع ضرورة وإن مات فيه وأمكن نقله من غير تغير لم يدفن فيه لأن الدفن إقامة على التأبيد وإن خيف عليه التغير في النقل عنه لبعد المسافة دفن فيه لأنه موضع ضرورة .
فصل : ولا يمكن مشرك من دخول الحرم لقوله D : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [ التوبة : 28 ] والمسجد الحرام عبارة عن الحرم والدليل عليه قوله D : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } [ الإسراء : 1 ] وأراد به مكة لأنه أسرى به من منزل خديجة وروى عطاء أن النبي A قال : [ لا يدخل مشرك المسجد الحرام ] فإن جاء رسولا خرج إليه من يسمع رسالته وإن جاء لحمل مبرة خرج إليه من يشتري منه وإن جاء ليسلم خرج إليه من يسمع كلامه وإن دخل ومرض فيه لم يترك فيه وإن مات لم يدفن فيه وإن دفن فيه نبش وأخرج منه للآية ولأنه إذا لم يجز دخوله في حياته فلأن لا يجوز دفن جيفته فيه أولى وإن تقطع ترك لأن النبي A لم يأمر بنقل من مات فيه منهم ودفن قبل الفتح وإن دخل بغير إذن فإن كان عالما بتحريمه عزر وإن كان جاهلا أعلم فإن عاد عزر وإن أذن له في الدخول بمال لم يجز فإن فعل استحق عليه المسمى لأنه حصل له المعوض ولا يستحق عوض المثل وإن كان فاسدا لأنه لا أجرة لمثله والحرم من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق على تسعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على عرفة على سبعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال .
فصل : وأما دخول ما سوى المسجد الحرام من المساجد فإنه يمنع منه من غير إذن لما روى عياض الأشعري أن أبا موسى وفد إلى عمر ومعه نصراني فأعجب عمر خطه فقال : قل لكاتبك هذا يقرأ لنا كتابا فقال أنه لا يدخل المسجد فقال لم ؟ أجنب هو ؟ قال لا هو نصراني قال : فانتهره عمر فإن دخل من غير إذن عزر لما روت أم غراب قالت : رأيت عليا كرم الله وجهه على المنبر وبصر بمجوسي فنزل فضربه وأخرجه من باب كندة فإن استأذن في الدخول فإن كان لنوم أو أكل لم يأذن له لأنه يرى ابتذاله تدينا فلا يحميه من أقذاره وإن كان لسماع قرآن أو علم فإن كان ممن يرجى إسلامه أذن له لقوله D : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } [ التوبة : 6 ] لأنه ربما كان سببا لإسلامه وقد روي أن عمر Bه سمع أخته تقرأ طه فأسلم وإن كان جنبا ففيه وجهان : أحدهما أنه يمنع من المقام فيه لأنه إذا منع المسلم إذا كان جنبا فلأن يمنع المشرك أولى والثاني أنه لا يمنع لأن المسلم يعتقد تعظيمه فمنع والمشرك لا يعتقد تعظيمه فلم يمنع وإن وفد قوم من الكفار ولم يكن للإما موضع ينزلهم فيه جاز أن ينزلهم في المسجد لما روي أن النبي A أنزل سبي بني قريظة والنضير في مسجد المدينة وربط ثمامة بن أثال في المسجد .
فصل : ولا يمكن حربي من دخول دار الإسلام من غير حاجة لأنه لا يؤمن كيده ولعله يدخل للتجسيس أو شارء سلاح فإن استأذن في الدخول لأداء رسالة أو عقد ذمة أو خدنة أو حمل ميرة وللمسلمين إليها حاجة جاز الإذن له من غير عوض لأن في ذلك مصلحة للمسلمين وإذا انقضت حاجته لم يمكن من المقام فإن دخل من غير ذمة ولا أما فللإمام أن يختار ما يراه من القتل والاسترقاق والمن والفداء والدليل عليه ما روى ابن عباس في فتح مكة ومجيء أبي سفيان مع العباس إلى رسول الله A أن عمر دخل وقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه من غير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه فقال العباس : يا رسول الله إني قد أجرته ولأنه حربي لا أمان له فكان حكمه ما ذكرناه كالأسير وإن دخل وادعى أنه دخل لرسالة قبل قوله لأنه يتعذر إقامة البينة على الرسالة وإن ادعى أنه دخل بأمان مسلم ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يقبل قوله لأنه لا يتعذر إقامة البينة على الأمان والثاني أنه يقبل قوله وهو ظاهر المذهب لأن الظاهر أنه لا يدخل من غير أمان وإن أراد الدخول لتجارة ولا حاجة للمسلمين إليها لم يؤذن له إلا بمال يؤخذ من تجارته لأن عمر Bه أخذ العشر من أهل الحرب ويستحب أن لا ينقص عن ذلك اقتداء بعمر Bه فإن نقص باجتهاده جاز لأن أخذه باجتهاده فكان تقديره إليه ولا يؤخذ ما يشترط على الذمي في دخول الحجاز في السنة إلا مرة كما لا تؤخذ الجزية منا في السنة إلا مرة وما يؤخذ من الحربي في دخول دار الإسلام فيه وجهان : أحدهما أنه يؤخذ منه في كل سنة مرة كأهل الذمة في الحجاز والثاني أنه يؤخذ منه في كل مرة يدخل لأن الذمي تحت يد الإمام ولا يفوت ما شرط عليه بالتأخير والحربي يرجع إلى دار الحرب فإذا لم يؤخذ منه فات ما شرط عليه وإن شرط أن يؤخذ من تجارته أخذ منه باع أو لم يبع وإن شرط أن يؤخذ من ثمن تجارته فكسد المتاع ولم يبع لم يؤخذ منه لأنه لم يحصل الثمن وإن دخل الذمي الحجاز أو الحربي دار الإسلام ولم يشرط عليه في دخوله مال لم يؤخذ منه شيء ومن أصحابنا من قال : يؤخذ من تجارة الذمي نصف العشر ومن تجارة الحربي العشر لأنه قد تقرر هذا في الشرع بفعل عمر Bه فحمل مطلق العقد عليه والمذهب الأول لأنه أمان من غير شرط المال فلم يستحق به مال كالهدنة