وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الإيلاء .
يصح الإيلاء من كل زوج بالغ عاقل قادر على الوطء لقوله عز و جل : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } ( البقرة : 226 ) و أما الصبي و المجنون فلا يصح الإيلاء منهما لقوله صلى الله عليه و سلم : [ رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ و عن النائم حتى يستيقظ و عن المجنون حتى يفيق ] لأنه قول يختص بالزوجية فلم يصح من الصبي و المجنون كالطلاق و أما من لا يقدر على الوطء فأن كان بسبب يزول كالمريض و المحبوس صح إيلاؤه و إن كان بسبب لا يزول كالمجبوب و الأشل ففيه وجهان : أحدهما يصح إيلاؤه لأن من صح إيلاؤه إذا كان قادرا على الوطء صح إيلاؤه إذا لم يقدر كالمريض و المحبوس و الثاني قاله في الأم لا يصح إيلاؤه لأنه يمين على ترك ما لا يقدر عليه بحال فلم يصح كما لو حلف لا يصعد للسماء و لأن القصد بالإيلاء أن يمنع نفسه من الجماع باليمين و ذلك لا يصح ممن لا يقدر عليه لأنه ممنوع من غير يمين و يخالف المريض و المحبوس لأنهما يقدران عليه إذا زال المرض و الحبس فصح منهما المنع باليمين و المجبوب و الأشل لا يقدران بحال .
فصل : و لا يصح الإيلاء إلا بالله عز و جل و هل يصح بالطلاق و العتاق و الصوم و الصلاة و صدقة المال فيه قولان : قال في القديم : لا يصح لأنه يمين بغير الله عز و جل فلم يصح به الإيلاء كاليمين بالنبي صلى الله عليه و سلم و الكعبة و قال في الجديد : يصح و هو الصحيح لأنه يمين يلزمه بالحنث فيها حق فصح به الإيلاء كاليمين بالله عز و جل فإذا قلنا بهذا فقال إن وطئتك فعبدي حر فهو مول و إن قال إن وطئتك فلله علي أن أعتق رقبة فهو مول و إن قال إن وطئتك فأنت طالق أو امرأتي الأخرى طالق فهو مول و إن قال إن وطئتك فعلي أن أطلقك أو أطلق امرأتي الأخرى لم يكن موليا لأنه لا يلزمه بالوطء شيء و إن قال إن وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لأنه لا يلزمه بالوطء حق لأنه لا يصير بوطئها قاذفا لأن القذف لا يتعلق بالشرط لأنه لا يجوز أن تصير زانية بوطء الزوج كما لا تصير زانية بطلوع الشمس و إذا لم يصر قاذفا لم يلزمه بالوطء حق فلم يجز أن يكون موليا و إن قال إن وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا لأن المولي هو الذي يلزمه بالوطء بعد أربعة أشهر حق أو يلحقه ضرر وهذا يقدر على وطئها بعد أربعة أشهر من غير ضرر يلحقه و لا حق يلزمه لأن صوم شهر مضى لا يلزمه كما لو قال إن وطئتك فعلي صوم أمس و إن قال إن وطئتك فسالم حر عن ظهاري و هو مظاهر فهو مول و قال المزني لا يصير موليا لأن ما وجب عليه لا يتعين بالنذر كما لو قال : إن وطئتك فعلي أن أصوم اليوم الذي علي من قضاء رمضان في يوم الاثنين و هذا خطأ لأنه يلزمه بالوطء حق و هو إعتاق هذا العبد و أما الصوم فقد حكى أبو علي ابن أبي هريرة فيه وجها آخر أنه يتعين بالنذر كالعتق و الذي عليه أكثر أصحابنا و هو المنصوص في الأم أنه لا يتعين و الفرق بينهما أن الصوم الواجب لا تتفاضل فيه الأيام و الرقاب كتفاضل أثمانها و إن قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري إن ظاهرت لم يكن موليا في الحال لأنه يمكنه أن يطأها في الحال و لا يلزمه شيء لأنه يقف العتق بعد الوطء على شرط آخر فهو كما لو قال إن وطئتك و دخلت الدار فعبدي حر و إن ظاهر منها قبل الوطء صار موليا لأنه لا يمكنه أن يطأها في مدة الإيلاء إلا بحق يلزمه فصار كما لو قال إن وطئتك فعبدي حر .
فصل : و لا يصح الإيلاء إلا على ترك الوطء في الفرج فإن قال و الله لا وطئتك في الدبر لم يكن موليا لأن الإيلاء هو اليمين التي يمتنع بها نفسه من الجماع و الوطء في الدبر ممنوع منه من غير يمين و لأن الإيلاء هو اليمين التي يقصد بها الإضرار بترك الوطء و الوطء الذي يلحق الضرر بتركه هو الوطء في الفرج و إن قال و الله لا وطئتك فيما دون الفرج لم يكن موليا لأنه لا ضرر في ترك الوطء فيما دون الفرج .
فصل : و إن قال و الله لا أنيكك في الفرج أو و الله لا أغيب ذكري في فرجك أو و الله لا أقتضك بذكري و هي بكر فهو مول في الظاهر و الباطن لأنه صريح في الوطء في الفرج و إن قال و الله لا جامعتك أو لا وطئتك فهو مول في الحكم لأن إطلاقه في العرف يقتضي الوطء في الفرج و إن قال أردت بالوطء وطء القدم و بالجماع الاجتماع بالجسم دين فيه لأنه يحتمل ما يدعيه و إن قال و الله لا أقتضك و لم يقل بذكري ففيه وجهان : أحدهما أنه صريح كالقسم الأول و الثاني أنه صريح في الحكم كالقسم الثاني لآنه يحتمل الاقتضاض بغير ذكره و إن قال و الله لا دخلت عليك أو لا يجتمع رأسي و رأسك أو لا جمعني و إياك بيت فهو كناية فإن نوى به الوطء في الفرج فهو مول و إن لم تكن له نية فليس بمول لأنه يحتمل الجماع و غيره فلم يحمل على الجماع من غير نية كالكنايات في الطلاق و إن قال و الله لا باشرتك أو لامستك أو لا أفضي إليك ففيه قولان : قال في القديم هو مول لأنه ورد القرآن بهذه الألفاظ و المراد بها الوطء فإن نوى به غير الوطء دين لأنه يحتمل ما يدعيه و قال في الجديد : لا يكون موليا إلا بالنية لأنه مشترك بين الوطء و غيره فلم يحمل على الوطء من غير نية كقوله لا أجتمع رأسي و رأسك و اختلف أصحابنا في قوله لا أصيبك أو لا لمستك أو لا غشيتك أو لا باضعتك فمنهم من قال هو كقوله لا باشرتك أو لا مسستك فيكون على قولين و منهم من قال هو كقوله لا أجتمع رأسي و رأسك فإن نوى به الوطء في الفرج فهو مول و إن لم يكن له نية فليس بمول و إن قال و الله لا غيبت الحشفة في الفرج فهو مول لأن تغييب ما دون الحشفة ليس بجماع و لا يتعلق به أحكام الجماع فصار كما لو قال و الله لا وطئتك و إن قال و الله لا جامعتك إلا جماع سوء فإذا أراد به لا جامعتك إلا في الدبر أو فيما دون الفرج فهو مول لأنه منع نفسه من الجماع في الفرج في مدة الإيلاء و إن أراد به لا جامعتك إلا جماعا ضعيفا لم يكن موليا لأن الجماع الضعيف كالقوي في الحكم فكذلك في الإيلاء .
فصل : و لا يصح الإيلاء إلا في مدة تزيد على أربعة أشهر حرا كان الزوج أو عبدا حرة كانت الزوجة أو أمة فإن آلى على ما دون أربعة أشهر لم يكن موليا لقوله عز و جل : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } ( البقرة : 226 ) فدل على أنه لا يصير بما دونه موليا و لأن الضرر لا يتحقق بترك الوطء فيما دون أربعة أشهر و الدليل عليه ما روي أن عمر Bه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول : .
( ألا طال هذا الليل وازور جانبه ... و ليس إلى جنبي حليل ألاعبه ) .
( و الله لولا الله لا شيء غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه ) .
( مخافة ربي و الحياء يكفني ... و أكرم بعلي أن تنال مراكبه ) .
فسأل عمر Bه النساء كم تصبر المرأة عن الزوج فقلن شهرين و في الثالث يقل الصبر و في الرابع يفقد الصبر فكتب عمر إلى امرأة الأجناد أن لا تحبسوا الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر و إن آلى على أربعة أشهر لم يكن موليا لأن المطالبة بالفيئة أو الطلاق بعد أربعة أشهر فإذا آلى على أربعة أشهر لم يبق بعدها إيلاء فلا تصح المطالبة من غير إيلاء .
فصل : و إن قال و الله لا وطئتك فهو مول لأنه يقتضي التأبيد و إن قال و الله لا وطئتك مدة أو و الله ليطولن عهدك بجماعي فإن أراد مدة تزيد على أربعة أشهر فهو مول و إن لم يكن له نية لم يكن موليا لأنه يقع على القليل و الكثير فلا يجعل موليا من غير نية و إن قال و الله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك سنة فهما إيلان في زمانين لا يدخل أحدهما في الآخر فيكون موليا في كل واحد منهما لا يتعلق أحدهما بالآخر في حكم من أحكام الإيلاء و إذا تقضى حكم أحدهما بقي حكم الآخر لأنه أقر كل واحد منهما في زمان فانقرد كل واحد منهما عن الآخر في الحكم و إن قال و الله لا وطئتك خمسة أشهر ثم قال والله لا وطئتك سنة دخلت المدة الأولى في الثانية كما إذا قال له علي مائة ثم قال له علي ألف دخلت المائة في الألف فيكون إيلاء واحدا إلى سنة بيمين فيضرب لهما مدة يوم واحدة و يوقف لهما وقفا واحدا فإن وطئ بعد الخمسة الأشهر حنث في يمين واحد فيجب عليه كفارة واحدة و إن وطئ في الخمسة الأشهر حنث في يمينين فيجب عليه في أحد القولين كفارة و في الثاني كفارتان و إن قال و الله لا وطئتك أربعة أشهر فإن مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر ففيه وجهان : أحدهما و هو الصحيح أنه ليس بمول لأن كل واحد من الزمانين أقل من مدة الإيلاء و الثاني أنه مول لأنه منع نفسه من وطئها ثمانية أشهر فصار كما لو جمعها في يمين واحدة .
فصل : و إن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك ففيه قولان : قال في القديم يكون موليا في الحال لأن المولى هو الذي يمتنع من الوطء خوف الضرر و هذا يمتنع من الوطء خوفا من أن يطأها فيصير موليا فعلى هذا إذا وطئها صار موليا و ذلك ضرر و قال في الجديد : لا يكون موليا في الحال لأنه يمكنه أن يطأها في غير ضرر يلحقه في الحال فلم يكن موليا فعلى هذا إذا وطئها صار موليا لأنه يبقى يمين يمنع الوطء على التأبيد و إن قال و الله لا وطئتك في السنة إلا مرة صار موليا في قوله القديم و لا يكون موليا في الحال في قوله الجديد فإن وطئها نظرت فإن لم يبق من السنة أكثر من أربعة أشهر لم يكن موليا و إن بقي أكثر من أربعة أشهر صار موليا .
فصل : و إن علق الإيلاء على شرط يستحيل وجوده بأن يقول و الله لا وطئتك حتى تصعدي إلى السماء أو تصافحي الثريا فهو مول لأن معناه لا وطئتك أبدا و إن علق على ما لا يتيقن أنه لا يوجد إلا بعد أربعة أشهر مثل أن يقول و الله لا وطئتك إلى يوم القيامة أو إلى أن أخرج من بغداد إلى الصين و أعود فهو مول لأن القيامة لا تقوم إلا في مدة تزيد على أربعة أشهر لأن شرائطها تتقدمها و يتيقن أنه لا يقدر أن يخرج من بغداد إلى الصين و يخرج إلا في مدة تزيد على أربعة أشهر و إن علق على شرط الغالب على الظن أنه لا يوجد إلا في الزيادة على أربعة أشهر مثل أن يقول و الله لا وطئتك حتى يخرج الدجال أو حتى يجيء زيد من خراسان و من عادة زيد أن لا يجيء إلا مع الحاج و قد بقي على وقت عادته زيادة عن أربعة أشهر فهو مول لأن الظاهر أنه لا يوجد شيء من ذلك إلا في مدة تزيد على أربعة أشهر و إن علق على أمر يتيقن وجوده قبل أربعة أشهر مثل أن يقول و الله لا وطئتك حتى يذبل .
هذا البقل أو يجف هذا الثوب فليس بمول لأنا نتيقن أن ذلك يوجد قبل أربعة أشهر و إن علقه على الأمر الغالب على الظن أنه يوجد قبل أربعة أشهر مثل أن يقول و الله لا وطئتك حتى يجيء زيد من القرية و عادته أنه يجيء في كل جمعة لصلاة الجمعة أو لحمل الحطب لم يكن موليا لأن الظاهر أنه يوجد قبل مدة الإيلاء و إن جاز أن يتأخر لعارض و إن قال و الله لا وطئتك حتى أموت أو تموتي فهو مول لأن الظاهر بقاؤهما و إن قال و الله لا وطئتك حتى يموت فلان فهو مول و من أصحابنا من قال ليس بمول و الصحيح هو الأول لأن الظاهر بقاؤه و لأنه لو قال إن وطئتك فعبدي حر كان موليا على قوله الجديد و إن جاز أن يموت العبد قبل أربعة أشهر .
فصل : و إن قال و الله لا وطئتك في هذا البيت لم يكن موليا لأنه يمكنه أن يطأها من غير حنث و لأنه لا ضرر عليها في ترك الوطء في بيت يعينه و إن قال و الله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن موليا لما ذكرناه من التعليلين و إن قال و الله لا وطئتك إن شئت فقالت في الحال شئت كان موليا و إن أخرت الجواب لم يكن موليا على ما ذكرناه في الطلاق .
فصل : و إن قال لأربع نسوة و الله لا وطئتكن لم يصر موليا حتى يطأ ثلاثا منهن لأنه يمكنه أن يطأ ثلاثا منهن من غير حنث فلم يكن موليا و إن وطئ ثلاثا منهن صار موليا من الرابعة لأنه لا يمكنه وطؤها إلا بحنث و يكون ابتداء المدة من الوقت الذي تعين فيه الإيلاء و إن طلق ثلاثا منهن كان الإيلاء موقوفا في الرابعة لا يتعين فيها لأنه يقدر على وطئها من غير حنث و لا يسقط منها لأنه قد يطأ الثلاث المطلقات بنكاح أو سفاح فيتعين الإيلاء في الرابعة لأنه يحنث بوطئها و الوطء المحظور كالمباح في الحنث و لهذا قال في الأم : و لو قال والله لا وطئتك و فلانة الأجنبية لم يكن موليا من امرأته حتى يطأ الأجنبية و إن ماتت من الأربع واحدة سقط الإيلاء في الباقيات لأنه قد فات الحنث في الباقيات لأن الوطء في الميتة قد فات و لأن الإيلاء على الوطء و إطلاق الوطء لا يدخل فيه وطء الميتة و يدخل فيه الوطء المحرم و إن قال لأربع نسوة و الله لا وطئت واحدة منكن و هو يريد كلهن صار موليا في الحال لأنه يحنث بوطء كل واحدة منهن و يكون ابتداء المدة من حين اليمين فأيتهن طالبت وقف لها فإن طلقها و جاءت الثانية وقف لها فإن طلقها و جاءت الثالثة وقف لها فإن طلقها وجاءت الرابعة وقف لها فإن طالبت الأولى فوطئها حنث و سقط الإيلاء فيمن بقي لأنه لا يحنث بوطئهن بعد حنثه بوطء الأولى و إن طلق الأولى و وطئ الثانية سقط الإيلاء في الثالثة و الرابعة و إن طلق الأولى و الثانية و وطئ الثالثة سقط الإيلاء في الرابعة وحدها و إن قال و الله لا وطئت واحدة منكن و أراد واحدة بعينها تعين الإيلاء فيها دون ما سواها و يرجع في التعيين إلى بيانه لأنه لا يعرف إلا من جهته فإن عين واحدة و صدقته الباقيات تعين فيها و إن كذبه الباقيات حلف لهن فإن نكل حلفن و ثبت فيهن حكم الإيلاء بنكوله و إيمانهن و إن قال و الله لا وطئت واحدة منكن و هو يريد واحدة لا بعينها فله أن يعين فيمن شاء و يؤخذ بالتعيين إذا طلبن ذلك فإذا عين في واحدة منهن لم يكن للباقيات مطالبة و في ابتداء المدة وجهان : أحدهما من وقت اليمين و الآخر من وقت التعيين كما قلنا في العدة في الطلاق إذا أوقعه في إحداهن لا بعينها ثم عينه في واحدة منهن و إن قال و الله لا أصبت كل واحدة منكن فهو مول من كل واحدة منهن و ابتداء المدة من حين اليمين فإن وطئ واحدة منهن حنث و لم يسقط الإيلاء في الباقيات لأنه يحنث بوطء كل واحدة منهن .
فصل : و إن كانت له امرأتان فقال لإحداهما : و الله لا أصبتك ثم قال للأخرى أشركتك معها لم يصر موليا من الثانية لأن اليمين بالله عز و جل لا يصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة و التشريك بينهما كناية فلم يصح بها اليمين بالله عز و جل و إن قال لإحداهما إن أصبتك فأنت طالق ثم قال للأخرى أشركتك معها و نوى صار موليا لأن الطلاق يصح بالكناية .
فصل : و إذا صح الإيلاء لم يطالب بشيء قبل أربعة أشهر لقوله عز و جل : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } و ابتداء المدة من حين اليمين لأنها ثبتت بالنص و الإجماع فلم تفتقر إلى الحاكم كمدة العقد فإن آلى منها و هناك عذر يمنع من الوطء نظرت فإن كان لمعنى في الزوجة بأن كانت صغيرة أو مريضة أو ناشزة أو مجنونة أو محرمة أو صائمة عن فرض أو معتكفة عن فرض لم تحسب المدة و إن طرأ شيء من هذه الأعذار في أثناء المدة انقطعت المدة لأن المدة إنما نظرت لامتناع الزوج من الوطء و ليس في هذه الأحوال من جهته امتناع فإن زالت هذه الأعذار استؤنفت المدة لأن من شأن هذه المدة أن تكون متوالية فإذا انقطعت استؤنفت كصوم الشهرين المتتابعين فإن كانت حائضا حسبت المدة فإن طرأ الحيض في أثنائها لم تنقطع لأن الحيض عذر معتاد لا ينفك منه فلو قلنا إنه يمنع الاحتساب اتصل الضرر و سقط حكم الإيلاء و لهذا لا يقلع التتابع في صوم الشهرين المتتابعين و إن كانت نفساء ففيه وجهان : أحدهما أنه يحتسب المدة لأنه كالحيض في الأحكام فكذلك في الإيلاء و الثاني لا يحتسب و إذا طرأ قطع لأنه عذر نادر فهو كسائر الأعذار و إن كان العذر لمعنى في الزوج بأن كان مريضا أو مجنونا أو غائبا أو مجبوبا أو محرما أو صائما عن فرض أو معتكفا عن فرض حسبت المدة فأن طرأ شيء من هذه الأعذار في أثناء المدة لم تنقطع لأن الامتناع من جهته و الزوجية باقية فحسبت المدة عليه و إن آلى في حال الردة أو في عدة الرجعية لم تحتسب المدة و إن طرأت الردة أو الطلاق الرجعي في أثناء المدة انقطعت لأن النكاح قد تشعث بالطلاق و الردة فلم يكن للإمتناع حكم و إن أسلم بعد الردة أو راجع بعد الطلاق و بقيت مدة التربص استؤنفت لمدة لما ذكرناه .
فصل : إذا طلقها في مدة التربص انقطعت المدة و لم يسقط الإيلاء فإن راجعها و قد بقيت مدة التربص استؤنفت المدة فإن وطئها حنث في اليمين و سقط الإيلاء لأنه أزال الضرر و إن وطئها و هي نائمة أو مجنونة حنث في يمينه و سقط الإيلاء و إن استدخلت ذكره و هو نائم لم يحنث في يمينه لارتفاع القلم عنه و هل يسقط حقها ؟ فيه وجهان : أحدهما يسقط لأنها وصلت إلى حقها و الثاني لا يسقط لأن حقها في فعله لا في فعلها و إن وطئها و هو مجنون لم يحنث لارتفاع القلم عنه و هل يسقط حقها ففيه وجهان : أحدهما يسقط و هو الظاهر من المذهب لأنها قد وصلت منه إلى حقها و إن لم يقصد فسقط حقها كما لو وطئها و هو يظن أنها امرأة أخرى و الثاني و هو قول المزني أنه لا يسقط حقها لأنه لا يحنث به فلم يسقط به الإيلاء .
فصل : و إن وطئها و هناك مانع من إحرام أو صوم أو حيض سقط به حقها من الإيلاء لأنها وصلت منه إلى حقها و إن كان بمحرم .
فصل : و إن لم يطلقها و لم يطأها حتى انقضت المدة نظرت فإن لم يكن عذر يمنع الوطء ثبت لها المطالبة بالفيئة أو الطلاق لقوله عز و جل : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } ( البقرة : 226 - 227 ) و إن كانت الزوجة أمة لم يجز للمولى المطالبة و إن كانت مجنونة لم يكن ثوابها المطالبة لأن المطالبة بالطلاق أو الفيئة طريقها الشهوة فلا يقوم الولي فيه مقامها و المستحب أن يقول له في المجنونة اتق الله في حقها فإما أن تفيء إليها أو تطلقها و إن ثبت لها المطالبة فعفت عنها الزوجة جاز لها أن ترجع و تطالب لأنها إنما ثبت لها المطالبة لدفع الضرر بترك الوطء و ذلك يتجدد مع الأحوال فجاز لها الرجوع كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ و إن طولب بالفيئة فقال أمهلوني ففيه قولان : أحدهما يمهل ثلاثة أيام لأنه قريب و الدليل عليه قوله عز و جل : { و لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب * فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } ( هود : 64 - 65 ) و لهذا قدر به الخيار في البيع و الثاني يمهل قدر ما يحتاج إليه للتأهب للوطء فإن كان ناعسا أمهل إلى أن ينام و إن كان جائعا أمهل إلى أن يأكل و إن كان شبعانا أمهل إلى أن يخف و إن كان صائما أمهل إلى أن يفطر لأنه حق حمل عليه و هو قادر على أدائه فلم يمهل أكثر من قدر الحاجة كالين الحال .
فصل : و إن وطئها في الفرج فقد أوفاها حقها و يسقط الإيلاء و أدناه أن تغيب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به و إن وطئها في الموضع المكروه أو وطئها فيما دون الفرج لم يعتد به لأن الضرر لا يزول إلا بالوطء في الفرج فإن وطئها في الفرج فإن كانت اليمين بالله تعالى فهل تلزمه الكفارة فيه قولان : قال في القديم : لا تلزمه لقوله عز و جل : { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } فعلق المغفرة بالفيئة فدل على أنه استغنى عن الكفارة و قال في الجديد : تلزمه الكفارة و هو الصحيح لقوله صلى الله عليه و سلم : [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير و ليكفر عن يمينه ] و لأنه حلف بالله تعالى و حنث فلزمته الكفارة كما لو حلف على ترك صلاة فصلاها و اختلف أصحابنا في موضع القولين فمنهم من قال القولان فيمن جامع وقت المطالبة فأما إذا وطئ في مدة التربص فإنه يجب عليه الكفارة قولا واحدا لأن بعد المطالبة الفيئة واجبة فلا يجب بها كفارة كالحلق عند التحلل و منهم من قال القولان في الحالين و يخالف كفارة الحج فإنها تجب بالمحظور و الحلق المحظور و هو الحلق في حال الإحرام و أما الحلق عند التحلل فهو نسك و ليس كذلك كفارة اليمين فإنها تجب بالحنث و الحنث الواجب كالحنث المحظور في إيجاب الكفارة و إن كان الإيلاء على عتق وقع بنفس الوطء لأنه عتق معلق على شرط فوقع وجوده و إن كان على نذر عتق أو نذر صوم أو صلاة أو التصدق بمال فهو بالخيار بين أن يفي بما نذر و بين أن يكفر كفارة يمين لأنه نذر نذرا على وجه اللجاج و الغضب فيخير فيه بين الكفارة و بين الوفاء بما نذر و إن كان الإيلاء على الطلاق الثلاث طلقت ثلاثا لأنه طلاق معلق على شرط فوقع بوجوده و هل يمنع من الوطء أم لا ففيه وجهان : أحدهما و هو قول أبي علي بن خيران أنه يمنع من وطئها لأنها تطلق قبل أن ينزع فمنع منه كما يمنع في شهر رمضان أن يجامع و هو يخشى أن يطلع الفجر قبل أن ينزع و الثاني و هو المذهب أنه لا يمنع لأن الإيلاج صادف النكاح و الذي يصادف غير النكاح هو النزع و ذلك ترك الوطء و ما تعلق التحريم بفعله لا يتعلق بتركه و لهذا لو قال لرجل ادخل داري و لا تقم فيها جاز أن يدخل ثم يخرج و إن كان الخروج في حالة الحظر و أما مسألة الصوم فقد ذكر بعض أصحابنا أنها على وجهين : أحدهما أنه لا يمنع فلا فرق بينها و بين مسألتنا فعلى هذا لا يزيد على تغييب الحشفة في الفرج ثم ينزع فإذا زاد على ذلك أو استدام لم يجب عليه الحد لأنه وطء اجتمع فيه التحليل و التحريم فلم يجب به الحد و هل يجب به المهر ؟ فيه وجهان : أحدهما يجب كما تجب الكفارة على الصائم إذا أولج قبل الفجر و استدام بعد طلوعه و الثاني لا يجب لأن ابتداء الوطء يتعلق به المهر الواجب بالنكاح لأن المهر في مقابلة كل وطء يوجد في النكاح و قد تكون مفوضة فيجب عليه المهر بتغييب الحشفة فلو أوجبنا بالاستدامة مهرا أدى إلى إيجاب مهرين بإيلاج واحد و ليس كذلك الكفارة فإنها لا تتعلق بابتداء الجماع فلا يؤدي إيجابها في الاستدامة إلى إيجاب كفارتين بإيلاج واحد و إن نزع ثم أولج نظرت فإن كانا جاهلين بالتحريم بأن اعتقدا أن الطلاق لا يقع إلا باستكمال الوطء لم يجب عليهما الحد للشبهة فلهذا يجب المهر و إن كانا عالمين بالتحريم ففي الحد وجهان : أحدهما أنه يجب لأنه إيلاج مستأنف محرم من غير شبهة فوجب به الحد كالإيلاج في الأجنبية فعلى هذا لا يجب المهر لأنها زانية و الثاني لا يجب الحد لأن الإيلاجات وطء واحد فإذا لم يجب في أوله لم يجب في إتمامه فعلى هذا يجب لها المهر و إن علم الزوج بالتحريم و جهلت الزوجة أو علمت و لم تقدر على دفعه لم يجب عليها الحد و يجب لها المهر و في وجوب الحد على الزوج وجهان و إن كان الزوج جاهلا بالتحريم و هي عالمة ففي وجوب الحد عليها وجهان : أحدهما يجب فعلى هذا لا يجب لها المهر و الثاني لا يجب فعلى هذا يجب لها المهر .
فصل : و إن طلق فقد سقط حكم الإيلاء و بقيت اليمين فإن امتنع و لم يف و لم يطلق ففيه قولان : قال في القديم : لا يطلق عليه الحاكم لقوله صلي الله عليه و سلم : [ الطلاق لمن أخذ بالساق ] و لأن ما خير فيه الزوج بين أمرين لم يقم الحاكم فيه مقامه في الاختيار كما لو أسلم و تحته أختان فعلى هذا يحبس حتى يطلق أو يفيء كما يحبس إذا امتنع من اختيار إحدى الأختين و قال في الجديد : يطلق الحاكم عليه لأن ما دخلت النيابة فيه و تعين مستحقه و امتنع من هو عليه قام الحاكم فيه مقامه كقضاء الدين فعلى هذا يطلق عليه طلقة و تكون رجعية و قال أبو ثور : تقع طلقة بائنة لأنها فرقة لدفع الضرر لفقد الوطء فكانت بائنة كفرقة العنين و هذا خطأ لأنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض و لا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق من غير إيلاء و يخالف فرقة العنين فإن تلك الفرقى فسخ و هذا طلاق فإذا وقع الطلاق و لم يراجع حتى بانت ثم تزوجها و المدة باقية فهل يعود الإيلاء على ما ذكرناه في عود اليمين في النكاح الثاني ؟ فإن قلنا يعود فإن كانت المدة باقية استؤنفت مدة الإيلاء ثم طولب بعد انقضائها بالفيئة أو الطلاق فإن راجعها و المدة باقية استؤنفت المدة و طولب بالفيئة أو الطلاق و على هذا إلى أن يستوفي الثلاث فإن عادت إليه بعد استيفاء الثلاث و المدة باقية فهل يعود الإيلاء على قولين .
فصل : و إن انقضت المدة و هناك عذر يمنع الوطء نظرت فإن كان لمعنى فيها كالمرض و الجنون الذي لا يخاف منه أو الإغماء الذي لا تمييز معه أو الحبس في موضع لا يصل إليه أو الإحرام أو الصوم الواجب أو الحيض أو النفاس لم يطالب لأن المطالبة تكون مع الاستحقاق و هي لا تستحق الوطء في هذه الأحوال فلم تجز المطالبة فيه و إن كان العذر من جهته نظرت فإن كان مغلوبا على عقله لم يطالب لأنه لا يصلح للخطاب و لا يصلح منه جواب فإن كان مريضا مرضا يمنع الوطء أو حبس بغير حق حبسا يمنع الوصول إليه طولب أن يفيء فيئة المعذور بلسانه و هو أن يقول لست أقدر على الوطء و لو قدرت لفعلت فإذا قدرت فعلت و قال أبو ثور : لا يلزمه الفيئة باللسان لأن الضرر بترك الوطء لا يزول بالفيئة باللسان و هذا خطأ لأن القصد بالفيئة ترك ما قصد إليه من الأضرار وقد ترك القصد إلى الإضرار بما أتى به من الاعتذار و لأن القول مع العذر يقوم مقام الفعل عند القدرة و لهذا نقول إن إشهاد الشفيع على طلب الشفعة في حال الغيبة يقوم مقام الطلب في حال الحضور في إثبات الشفعة و إذا فاء باللسان ثم قدر طولب بالوطء لأنه تأخر بعذر فإذا زال العذر طولب به .
فصل : و إن انقضت المدة و هو غائب فإن كان الطريق آمنا فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو بحملها إليه أو بالطلاق و إن كان الطريق غير آمن فاء فيئة معذور إلى أن يقدر فإن لم يفعل أخذ بالطلاق .
فصل : و إن انقضت المدة و هو محرم قيل له إن وطئت فسد إحرامك و إن لم تطأ أخذت بالطلاق فإن طلقها سقط حكم الإيلاء و إن وطئها فقد أوفاها حقها و فسد نسكه و إن لم لم يطأ و لم يطلق ففيه وجهان : أحدهما يقتنع منه بفيئة معذور إلى أن يتحلل لأنه غير قادر على الوطء فأشبه بالمريض و المحبوس و الثاني لا يقتنع منه و هو ظاهر النص لأنه امتنع من الوطء بسبب من جهته .
فصل : و إن انقضت المدة و هو مظاهر قيل له إن وطئت قبل التفكير أثمت للظهار و إن لم تطأ أخذت بالطلاق فإن فقال أمهلوني حتى أشتري رقبة أكفر بها أمهل ثلاثة أيام و إن قال أمهلوني حتى أكفر بالصيام لم يمهل لأن مدة الصيام تطول و إن أراد أن يطأها قبل أن يكفر و قالت المرأة لا أمكنك من الوطء لأني محرمة عليك فقد ذكر الشيخ أبو حامد الإسفرايني C أنه ليس لها أن تمتنع فإن امتنعت سقط حقها من المطالبة كما نقول فيمن له دين على رجل فأحضر مالا فامتنع صاحب الحق من أخذه و قال لا آخذه لأنه مغصوب أن يلزمه أن يأخذه أو يبرئه من الدين و عندي أن لها أن تمتنع لأنه وطء محرم فجاز لها أن تمتنع منه كوطء الرجعية و يخالف صاحب الدين فإنه يدعي أنه مغصوب و الذي عليه الدين يدعي أنه ماله و الظاهر معه فإن اليد تدل على الملك و ليس كذلك وطء المظاهر منها فإنهما متفقان على تحريمه فنظيره من المال أن يتفقا على أنه مغصوب فلا يجبر صاحب الدين على أخذه .
فصل : و إن انقضت المدة فادعى أنه عاجز و لم يكن قد عرف حاله أنه عنين و قادر ففيه وجهان : أحدهما و هو ظاهر النص أنه يقبل قوله لأن التعنين من العيوب التي لا يقف عليها غيره فقبل قوله فيه مع اليمين فإن حلف طولب بفيئة معذور أو يطلق و الوجه الثاني أنه لا يقبل قوله لأنه متهم فعلى هذا يؤخذ بالطلاق .
فصل : و إن آلى المجبوب و قلنا أنه يصح إيلاؤه أو آلى و هو صحيح الذكر و انقضت المدة و هو مجبوب فاء فيئة معذور و هو أن يقول لو قدرت فعلت فإن لم يفيء أخذ بالطلاق .
فصل : و إن اختلف الزوجان في انقضاء المدة فادعت المرأة انقضاءها و أنكر الزوج فالقول قول الزوج لأن الأصل أنها لم تنقض و لأن هذا اختلاف في وقت الإيلاء فكان القول فيه قوله و إن اختلفا في الإصابة فادعى الزوج أنه أصابها و أنكرت المرأة فعلى ما ذكرناه في العنين