وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب جامع الوصايا .
إذا وصى لجيرانه صرف إلى أربعين دارا من كل جانب لما روى أبو هريرة Bه أن النبي ( ص ) قال : [ حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا و قداما و خلفا ] .
فصل : وإن وصى لقراء القرآن صرف إلى من يقرأ جميع القرآن وهل يدخل فيه من لا يحفظ جميعه ؟ فيه وجهان : أحدهما يدخل فيه لعموم اللفظ والثاني لا يدخل فيه لأنه لا يطلق هذا الاسم في العرف إلا على من يحفظه وإن وصى للعلماء صرف إلى علماء الشرع لأنه لا يطلق هذا الاسم في العرف إلا عليهم ولا يدخل فيه من يسمع الحديث ولا يعرف طرقه لأن سماع الحديث من غير علم بطرقه ليس بعلم .
فصل : فإن وصى للأيتام لم يدخل فيه من له أب لأن اليتيم في بني آدم من فقد الأب ولا يدخل فيه بالغ لقوله : [ لا يتم بعد الحلم ] وهل يدخل فيه الغني فيه وجهان : أحدهما يدخل فيه لأنه يتيم بفقد الأب والثاني لا يدخل فيه لأنه لا يطلق هذا الاسم في العرف على غني فإن وصى للأرامل دخل فيه من لا زوج لها من النساء وهل يدخل فيه من لا زوجة له من الرجال فيه وجهان : أحدهما لا يدخل فيه لأنه لا يطلق هذا الاسم في العرف على الرجال والثاني يدخل فيه لأنه قد يسمى الرجل أرملا كما قال الشاعر : .
( كل الأرامل قد قضيت حاجتهم ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر ) .
وهل يدخل فيه من لها مال على وجهين كما قلنا في الأيتام .
فصل : وإن وصى للشيوخ أعطى من جاوز الأربعين وإن وصى للفتيان والشباب أعطى من جاوز البلوغ إلى الثلاثين وإن وصى للغلمان والصبيان أعطى من لم يبلغ لأن هذه الأسماء لا تطلق في العرف إلا على ما ذكرناه .
فصل : وإن وصى للفقراء جاز أن يدفع إلى الفقراء والمساكين وإن وصى للمساكين جاز أن يدفع إلى المساكين والفقراء لأن كل واحد من الإسمين يطلق على الفريقين وإن وصى للفقراء والمساكين جمع بين الفريقين في العطية لأان الجمع بينهما يقتضي الجمع في العطية كما قلنا في آية الصدقات وإن وصى لسبيل الله تعالى دفع إلى الغزاة من أهل الصدقات لأنه قد ثبت لهم هذا الاسم في عرف الشرع فإن وصى للرقاب دفع إلى المكاتبين لأن الرقاب في عرف الشرع اسم للمكاتبين وإن وصى لأحد هذه الأصناف دفع إلى ثلاثة منهم لأنه قد ثبت لهذه الألفاظ عرف الشرع في ثلاثة وهو في الزكاة فحملت الوصية عليها فإن وصى لزيد والفقراء فقد قال الشافعي C : هو كأحدهم فمن أصحابنا من قال : هو بظاهره أن يكون كأحدهم يدفع إليه ما يدفع إلى أحدهم لأنه أضاف إليه وإليهم فوجب أن يكون كأحدهم ومنهم من قال : يصرف إلى زيد نصف الثلث ويصرف النصف إلى الفقراء لأنه أضاف إليه وإليهم فوجب أن يساويهم ومنهم من قال يصرف إليه الربع ويصرف ثلاثة أرباعه إلى الفقراء لأن أقل الفقراء ثلاثة فكأنه وصى لأربعة فكان حق كل واحد منهم الربع وإن وصى لزيد بدينار وبثلثه للفقراء وزيد فقير لم يعط غير الدينار لأنه قطع الاجتهاد في الدفع بتقدير حقه في الدينار .
فصل : وإن وصى لقبيلة عظيمة كالعلويين والهاشميين وطيء وتميم ففيه قولان : أحدهما أن الوصية تصح وتصرف إلى ثلاثة منهم كما قلنا في الوصية للفقراء والثاني أن الوصية باطلة لأنه لا يمكن أن يعطي الجميع ولا عرف هذا اللفظ في بعضهم فبطل بخلاف الفقراء فإنه قد ثبت لهذا اللفظ عرف وهو في ثلاثة في الزكاة .
فصل : وإن أوصى أن يضع ثلثه حيث يرى لم يجز أن يضعه في نفسه لأنه تمليك ملكه بالإذن فلم يملك من نفسه كما لو وكله في البيع والمستحب أن يصرفه إلى من لا يرث الموصي من أقاربه فإن لم يكن له أقارب صرف إلى أقاربه من الرضاع فإن لم يكونوا صرف إلى جيرانه لأنه قائم مقام الموصي والمستحب للموصي أن يضع فيما ذكرناه فكذلك الوصي .
فصل : وإن وصى بالثلث لزيد وجبريل كان لزيد نصف الثلث وتبطل في الباقي فإن وصى لزيد وللرياح ففيه وجهان : أحدهما أن الجميع لزيد لأن ذكر الرياح لغو والثاني أن لزيد النصف وتبطل الوصية في الباقي كالمسألة قبلها فإن قال ثلثي لله ولزيد ففيه وجهان : أحدهما أن الجميع لزيد وذكر الله تعالى للتبرك كقوله تعالى : { فأن لله خمسه وللرسول } [ الأنفال : 41 ] والثاني أنه يدفع إلى زيد نصفه والباقي للفقراء لأن عامة ما يجب لله تعالى يصرف إلى الفقراء .
فصل : وإن وصى لحمل امرأة فولدت ذكرا وأنثى صرف إليهما وسوى بينهما لأن ذلك عطية فاستوى فيه الذكر والأنثى وإن وصى إن ولدت ذكرا فله ألف وإن ولدت أنثى فلها مائة فولدت ذكرا وأنثى استحق الذكر الألف والأنثى المائة فإن ولدت خنثى دفع إليه المائة لأنه يقين ويترك الباقي إلى أن يتبين فإن ولدت ذكرين أو الأنثيين ففيه ثلاثة أوجه : أحدها أن الوارث يدفع الألف إلى من يشاء من الذكرين والمائة إلى من يشاء من الأنثيين لأن الوصية لأحدهما فلا تدفع إليهما والاجتهاد في ذلك إلى الوارث كما لو أوصى لرجل بأحد عبديه والثاني أنه يشترط الذكران في الألف والأنثيان في المائة لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فسوى بينهما ويخالف العبد فإن جعله إلى الوارث وههنا لم يجعله إلى الوارث و الثالث أنه يوقف الألف بين الذكرين والمائة بين الأنثيين إلى أن يبلغا ويصطلحا لأن الوصية لأحدهما فلا يجوز أن تجعل لهما ولا خيار للوارث فوجب التوقف فإن قال إن كان ما في بطنك ذكرا فله ألف وإن كان أنثى فله مائة فولدت ذكرا وأنثى لم يستحق واحدا منهما شيئا لأنه شرط أن يكون جميع ما في البطن ذكرا أو جميعه أنثى ولم يوجد واحد منهما .
فصل : فإن أوصى لرجل بسهم أو بقسط أو بنصيب أو بجزء من ماله فالخيار إلى الوارث في القليل والكثير لأن هذه الألفاظ تستعمل في القليل والكثير .
فصل : فإن أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته أعطى مثل نصيب أقلهم نصيبا لأنه نصيب أحدهم فإن وصى له بمثل نصيب ابنه و له ابن كان ذلك وصية بنصف المال لأنه يحتمل أن يكون قد جعل له الكل ويحتمل أنه جعله مع ابنه فلا يلزمه إلا اليقين ولأنه قصد التسوية بينه وبين ابنه ولا توجد التسوية إلا فيما ذكرناه فإن كان له ابنان فوصى لهما بمثل نصيب أحد ابنيه جعل له الثلث وإن وصى له بنصيب ابنه بطلت الوصية لأن نصيب الابن للابن فلا تصح الوصية به كما لو أوصى له بمال ابنه من غير الميراث ومن أصحابنا من قال يصح ويجعل المال بينهما كما لو أوصى له بمثل نصيب ابنه فإن وصى له بمثل نصيب ابنه وله ابن كافر أو قاتل فالوصية باطلة لأنه وصى بمثل نصيب من لا نصيب له فأشبه إذا وصى بمثل نصيب أخيه وله ابن .
فصل : فإن وصى بضعف نصيب أحد أولاده دفع إليه مثلا نصيب أحدهم لأن الضعف عبارة عن الشيء ومثله ولهذا يروى أن عمر Bه أضعف الصدقة على نصارى بني تغلب أي أخذ مثلي ما يؤخذ من المسلمين فإن وصى له بضعفي نصيب أحدهم أعطى ثلاثة أمثال نصيب أحدهم وقال أبو ثور : يعطي أربعة أمثاله وهذا غلط لأن الضعف عبارة عن الشيء ومثله فوجب أن يكون الضعفان عبارة عن الشيء ومثليه .
فصل : فإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه وأجاز الورثة قسم المال بينهما على خمسة للموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بالنصف ثلاثة أسهم فإن لم يجيزوا قسم الثلث بينهما على خمسة على ما ذكرناه لأن ما قسم على التفاضل عند اتساع المال قسم على التفاضل عند ضيق المال كالمواريث والمال بين الغرماء فإن أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه وأجاز الورثة قسم المال بينهما على أربعة للموصى له بالجميع ثلاثة أسهم وللموصى له بالثلث منهم لأن السهام في الوصايا كالسهام في المواريث ثم السهام في المواريث إذا زادت على قدر المال أعيلت الفريضة بالسهم الزائد فكذلك في الوصية فإن لم يجيزوا قسم الثلث بينهما على ما قسم الجميع .
فصل : فإن قال أعطوه رأسا من رقيقي ولا رقيق له أو قال أعطوه عبدي الحبشي وله عبد سندي أو عبدي الحبشي وسماه باسمه ووصفه بصفة من بياض أو سواد وعنده حبشي يسمى بذلك الاسم ومخالف له في الصفة فالوصية باطلة لأنه وصى له بما لا يملكه فإن كان له رقيق أعطى منه واحدا سليما كان أو معيبا لأنه لا عرف في هبة الرقيق فحمل على ما يقع عليه الاسم فإن مات ماله من الرقيق بطلت الوصية لأنه فات ما تعلقت به الوصية من غير تفريط فإن قتلوا فإن كان قبل موت الموصي بطلت الوصية لأنه جاء وقت الوجوب ولا رقيق له فإن قتلوا بعد موته وجبت له قيمة واحد منهم لأنه بدل ما وجب له .
فصل : فإن وصى بعتق عبد أعتق عنه ما يقع عليه الاسم لعموم اللفظ ومن أصحابنا من قال لا يجزي إلا ما يجزي في الكفارة لأن العتق في الشرع له عرف وهو ما يجزي في الكفارة فحملت الوصية عليه فإن وصى أن يعتق عنه رقبة فعجز الثلث عنها ولم وتجز الورثة أعتق قدر الثلث من الرقبة لأن الوصية تعلقت بجميعها فإذا تعذر الجميع بقي في قدر الثلث فإن وصى أن يعتق عنه رقاب أعتق ثلاثة لأن الرقاب جمع وأقله ثلاثة فإن عجز الثلث عن الثلاثة أعتق عنه ما أمكن فإن اتسع الثلث لرقبتين وتفضل شيء فإن لم يمكن أن يشتري بالفضل بعض الثالثة زيد في ثمن الرقبتين وإن أمكن أن يشتري به بعض الثالثة ففيه وجهان : أحدهما يزاد في ثمن الرقبتين لما روي أن النبي ( ص ) سئل عن أفضل الرقاب فقال : [ أكثرها ثمنا وأنفسها عند أهلها ] والثاني أن يشتري بعض الثالثة لقوله ( ص ) [ من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ] ولأن ذلك أقرب إلى العدد الموصى به .
فصل : فإن قال أعتقوا عبدا من عبيدي وله خنثى حكم له بأنه رجل ففيه وجهان : أحدهما أنه يجوز لأنه محكوم بأنه عبد والثاني لا يجوز لأن اسم العبد لا ينصرف إليه فإن قال أعتقوا أحد رقيقي وفيهم خنثى مشكل فقد روى الربيع فيمن وصى بكتابة أحد رقيقه أنه لا يجوز الخنثى المشكل وروى المزني أنه يجوز فمن أصحابنا من قال يجوز كما نقله المزني لأنه من الرقيق ومنهم من قال لا يجوز كما نقله الربيع لأن إطلاق اسم الرقيق لا ينصرف إلى الخنثى المشكل .
فصل : فإن قال أعطوه شاة جاز أن يدفع إليه الصغير والكبير والضأن والمعز لأن اسم الشاة يقع عليه ولا يدفع إلى تيس ولا كبش على المنصوص ومن أصحابنا من قال : يجوز الذكر والأنثى لأن الشاة اسم للجنس يقع على الذكر والأنثى كالإنسان يقع على الرجل والمرأة فإن قال : أعطوه شاة من غنمي والغنم إناث لم يدفع إليه ذكر فإن كانت ذكورا لم يدفع إليه أنثى لأنه أضاف إلى المال وليس في المال غيره فإن كانت غنمه ذكورا وإناثا فعلى ما ذكرنا من الخلاف فيه إذا أوصى بشاة ولم يضف إلى المال فإن قال أعطوه ثورا لم يعط بقرة فإن قال أعطوه جملا لم يعط ناقة فإن قال أعطوه بعيرا فالمنصوص أنه لا يعطي ناقة ومن أصحابنا من قال يعطى لأن البعير كالإنسان يقع على الذكر والأنثى فإن قال أعطوه رأسا من الإبل أو رأسا من البقر أو رأسا من الغنم جاز الذكر والأنثى لأنه ذلك اسم للجنس .
فصل : فإن قال أعطوه دابة فالمنصوص أنه يعطي فرسا أو بغلا أو حمارا واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس : هذا ما قاله على عادة أهل مصر فإن الدواب في عرفهم الأجناس الثلاثة فإن كان الموصي بمصر أعطى واحدا من الثلاثة وإن كان في غيرها لم يعط إلا الفرس لأنه لا تطلق الدابة في سائر البلاد إلا على الفرس وقال أبو إسحاق و أبو علي بن أبي هريرة : يعطي واحدا من الثلاثة في جميع البلاد لأن اسم الدواب يطلق على الجميع فإن قال أعطوه دابة من دوابي وليس عنده إلا واحدا من الثلاثة أعطى منه لأنه أضاف إلى ماله وليس له غيره فإن قال : أعطوه دابة ليقاتل عليها العدو لم يعط إلا فرسا فإن قال ليحمل عليه لم يعط إلا بغلا أو حمارا فإن قال لينتفع بنسله لم يعط إلا فرسا أو حمارا لأن القرينة دلت على ما ذكرناه .
فصل : فإن وصى بكلب ولا كلب له فالوصية باطلة لأنه ليس عنده كلب ولا يمكن ان يشتري فبطلت الوصية فإن قال أعطوه كلبا من كلابي وعنده كلاب لا ينتفع بها بطلت الوصية لأن ما لا منفعة فيه من الكلاب لا يحل اقتناؤه فإن كان ينتفع بها من أعطى واحدا منها إلا أن يقرن به قرينة من صيد أو حفظ زرع فيدفع إليه ما دلت عليه القرينة فإن كان له ثلاثة كلاب ولا مال له فأوصى بجميعها ولم تجز الورثة ردت إلى الثلث وفي كيفية الرد وجهان : أحدهما يدفع إليه من كل كلب ثلثه كسائر الأعيان والثاني يدفع إليه أحدها وتخالف سائر الأعيان لأن الأعيان تقوم وتختلف أثمانها والكلاب لا تقوم فاستوى جميعها وفيما يأخذ وجهان : أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يأخذ واحدا منها بالقرعة والثاني يعطيه الوارث ما شاء منها فإن كان له كلب واحد فوصى به ولم تجز الورثة ولم يكن له مال أعطى ثلثه فإن كان له مال ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يدفع الجميع إلى الموصى له لأن أقل المال خير من الكلب فأمضيت الوصية فيه كما لو أوصى له بشاة وله مال تخرج الشاة من ثلثه والثاني هو قول أبي سعيد الاصطخري أنه يدفع إليه ثلث الكلب لأنه لا يجوز أن يحصل للموصى له شيء إلا ويحصل للورثة مثلاه ولا يمكن اعتبار الكلب من ثلث المال لأنه لا قيمة له فاعتبر بنفسه .
فصل : وإن وصى له بطبل من طبوله وليس له إلا طبول الحرب أعطى واحدا منها وإن لم يكن له إلا طبول اللهو نظرت فإن لم يصلح وهو طبل لغير اللهو وإن فصل لمباح لم يقع عليه اسم الطبل فالوصية باطلة لأنه وصية بمحرم وإن كان يصلح لمنفعة مباحة مع بقاء الاسم جازت الوصية لأنه يمكن الانتفاع به في مباح وإن كان له طبل حرب وطبل لهو ولم يصلح طبل اللهو لغير اللهو أعطي طبل الحرب لأن طبل اللهو لا تصح الوصية به فيصير كالمعدوم وإن كان يصلح لمنفعة مباحة أعطاه الوارث ما شاء منهما .
فصل : فإن وصى بعود من عيدانه وعنده عود اللهو وعود القوس وعود البناء كانت الوصية بعود اللهو لأن إطلاق الاسم ينصرف إليه فإن كان عود اللهو يصلح لمنفعة مباحة دفع إليه ولا يدفع معه الوتر والمضارب لأن اسم العود يقع من غير وتر ولا مضراب وإن كان لا يصلح لغير اللهو فالوصية باطلة لأنه وصية بمحرم ومن أصحابنا من قال : يعطى من عود القوس والبناء لأن المحرم كالمعدوم كما قلنا فيمن وصى بطبل من طبوله وعنده طبل حرب وطبل لهو أنه يجعل الوصية في طبل الحرب ويجعل طبل اللهو كالمعدوم والمذهب أنه لا يعطى شيئا لأن العود لا يطلق إلا على عود اللهو والطبل يطلق على طبل اللهو وطبل الحرب فإذا بطل في طبل اللهو حمل على طبل الحرب فإن قال أعطوه عودا من عيداني وليس عنده إلا عود قوس أو عود البناء أعطي منها لأنه أضاف إلى ما عنده وليس عنده سواه .
فصل : فإن وصى له بقوس كانت الوصية بالقوس الذي يرمي عنه النبل والنشاب دون قوس الندف والجلاهق وهو قوس البندق لأن إطلاق الاسم ينصرف إلى ما يرمي عنه ولا يعطي معه الوتر ومن أصحابنا من قال : يعطى معه الوتر لأنه لا ينتفع به إلا مع الوتر والصحيح أنه لا يعطى لأن الاسم يقع عليه من غير وتر فإن قال : أعطوه قوسا من قسيي وليس عنده إلا قوس الندف أو قوس البندق أعطي مما عنده لأنه أضاف إلى ما عنده وليس عنده سواه وإن كان عنده قوس البندق وقوس الندف أعطي قوس البندق لأن الاسم إليه أسبق .
فصل : فإن وصى بعتق مكاتبه أو بالإبراء مما عليه اعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته أو مال الكتابة لأن الإبراء عتق والعتق إبراء فاعتبر أقلهما وألغي الآخر فإن احتملهما الثلث عتق وبرئ من المال وإن لم يحتمل شيئا منه لديوان عليه بطلت الوصية وأخذ المكاتب بأداء جميع ما عليه فإن أدى عتق أو عجز رق وتعلق به حق الغرماء والورثة فإن احتمل الثلث بعض ذلك مثل أن يحتمل النصف من أقل الأمرين عتق نصفه وبقي نصفه على الكتابة فإن أدى عتق وإن عجز رق وإن احتمل الثلث أحدهما دون الآخر اعتبر الأقل فعتق به فإن لم يكن له مال غير العبد نظر فإن كان قد حل عليه مال الكتابة عتق ثلثه في الحال وبقي الباقي على الكتابة إن أدى عتق وإن عجز رق وإن لم يحل عليه مال الكتابة ففيه وجهان : أحدهما لا يتعجل عتق شيء منه لأنه يحصل للموصى له الثلث ولم يحصل للورثة مثلاه وهذا لا يجوز كما لو أوصى بالثلث وله مال حاضر ومال غائب فإنه لا تمضي الوصية في شيء حتى يحصل للورثة مثلاه والثاني وهو ظاهر المذهب أنه يتعجل عتق ثلثه ويقف الثلثان على العتق بالأداء أو الرق بالعجز لأن الورثة على يقين من الثلثين إما بالأداء وإما بالعجز بخلاف ما لو كان له مال حاضر ومال غائب لأنه ليس على يقين من سلامة الغائب .
فصل : فإن قال ضعوا عن مكاتبي أكثر ام عليه وضع عنه النصف وشيء لأنه هو الأكثر فإن قال ضعوا عنه ما شاء من كتابته فشاء الجميع فقد روى الربيع C أنه يوضع عنه الجميع إلا شيئا وروى المزني أنه إذا قال ضعوا عنه ما شاء فشاءها كلها وضع الجميع إلا شيئا فمن أصحابنا من قال الصحيح مارواه الربيع لأن قوله من كتابته يقتضي التبعيض وما رواه المزني خطأ في النقل والذي يقتضيه أن يوضع عنه الكل إذا شاء لأن قوله ما شاء عدم في الكل والبعض وقال أبو إسحاق : ما نقله الربيع صحيح على ما ذكرناه وما نقله المزني أيضا صحيح فإنه يقتضي أن يبقى من الكل شيء لأنه لو أراد وضع الجميع لقال ضعوا عنه مال الكتابة فلما علقه على ما شاء دل على أنه لم يرد الكل فإن قال ضعوا عنه ما قل وما كثر وضع الوارث عنه ما شاء من قليل وكثير لأنه ما من قدر إلا وهو قليل بالإضافة إلى ما هو أكثر وكثير بالإضافة إلى ما هو أقل منه فإن قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضع عنه أكثرها مالا لأن إطلاق الأكثر ينصرف إلى كثرة المال دون طول المدة فإن قال ضعوا عنه أوسط النجوم واجتمع نجومه أوسط في القدر وأوسط في المدة وأوسط في العدد كان للوارث أن يضع أي الثلاثة شاء لأن الوسط يقع على الثلاثة فإن استوى الجميع في المدة والقدر وضع عنه الأوسط في العدد فإن كانت النجوم ثلاثة وضع عنه الثاني فإن كانت أربعة وضع عنه الثاني والثالث فإن كانت خمسة وضع عنه الثالث وعلى هذا القياس .
فصل : وإن كاتب عبده كتابة فاسدة ثم أوصى لرجل بما في ذمته لم تصح الوصية لأنه لا شيء له في ذمته فصار كما لو وصى بمال في ذمة حر ولا شيء له في ذمته وإن وصى له بما يقبضه منه صحت الوصية لأنه أضاف إلى مال يملكه فصار كما لو وصى له برقبة مكاتب إذا عجزه وفي هذا عندي نظر لأنه لا يملكه بالقبض وإنما يعتق بحكم الصفة كما يعتق بقبض الخمر إذا كاتبه عليه ثم لا يملكه وإن وصى برقبته والكتابة فاسد نظرت فإن لم يعلم بفساد الكتابة ففيه قولان : أحدهما أن الوصية جائزة لأنها صادفت ملكه والثاني أنها باطلة لأنه وصى وهو يعتقد أنه يملك الوصية وإن وصى بها وهو يعلم أن الكتابة فاسدة صحت الوصية قولا واحدا كما لو باع من رجل شيئا بيعا فاسدا ثم باعه من غيره وهو يعلم فساد البيع الأول ومن أصحابنا من قال : القولان في الجميع ويخالف البيع فإن فاسده لا يجري مجرى الصحيح في الملك وفي الكتابة الفاسدة كالصحيح في العتق والصحيح هو الطريقة الأولى .
فصل : وإن وصى بحج فرض من رأس المال حج عنه من الميقات لأن الحج من الميقات وما قبله سبب إليه فإن وصى به من الثلث ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يحج عنه من بلده فإن عجز الثلث عنه تمم من رأس المال لأنه يجب عليه الحج من بلده والثاني وهو قول أكثر أصحابنا أنه من الميقات لأن الحج يجب بالشرع من الميقات فحملت الوصية عليه وإن أوصى أن يجعل جميع الثلث في الحج الفرض حج عنه من بلده وإن عجز الثلث عن ذلك جح عنه من حيث أمكن من طريقه وإن عجز عن الحج من الميقات تمم من رأس المال ما يحج من الميقات لأن الحج من الميقات مستحق من رأس المال وإنما جعله من الثلث توفيرا على الورثة فإذا لم يف الثلث بالجميع بقي فيما لم يف من رأس المال .
فصل : وإن أوصى بحج التطوع وقلنا إنه تدخله النيابة نظرت فإن قال أحجوا بمائة من ثلثي حج عنه من حيث أمكن وإن لم يوجد من يحج بهذا القدر بطلت الوصية وعاد المال إلى الورثة لأنها تعذرت فبطلت كما لو أوصى لرجل بمال فرده وإن قال أحجوا عني بثلثي صرف الثلث فيما أمكن من عدد الحجج فإن اتسع المال لحجة أو حجتين وفضل ما لايكفي لحجة أخرى من بلده حج من حيث أمكن من دون بلده إلى الميقات فإن عجز الفضل عن حجة من الميقات رد الفضل إلى الورثة وإن أمكن أن يعتمر به لم يفعل لأن الموصى له هو الحج دون العمرة فإن قال أحجوا عني حج عنه بأجرة المثل من حيث أمكن من بلده إلى الميقات فإن عجز الثلث عن حجة من الميقات بطلت الوصية لما ذكرناه .
فصل : وإن وصى أن يحج عنه بمائة ويدفع ما يبقى من الثلث إلى آخر وأوصى بالثلث لثالث فقد وصى بثلثي ماله فإن كان الثلث مائة سقطت وصيته للموصى له بالباقي لأن وصيته فيما يبقى بعد المائة ولم يبق شيء فإن أجاز الورثة دفع إلى الموصى له بالثلث ثلثه وهو مائة وإلى الموصى له بالمائة مائة وإن لم يجيزوا قسم الثلث بين الموصى له بالثلث وبين الموصى له بالمائة نصفين لأنهما اتفقا في قدر ما يستحقان وهو المائة فإن كان الثلث أكثر من مائة وأجاز الورثة دفع الثلث إلى الموصى له بالثلث ودفع مائة إلى الموصى له بالمائة ودفع ما بقي إلى الموصى له بالباقي وإن لم يجيزوا ما زاد على الثلث ردت الوصية إلى نصفها وهو الثلث فيدفع إلى الموصى له بالثلث نصف الثلث وفي النصف الآخر وجهان : أحدهما يقدم فيه الموصى له بالمائة ولايدفع إلى الموصى له بالباقي شيء حتى يأخذ الموصى له بالمائة حقه وإن كان قد اعتد به مع الموصى له بالمائة في إحراز الثلث إلا أن حقه فيما يبقى بعد المائة فلا يأخذ شيئا قبل أن يستوفي الموصى له بالباقي ما يبقى والوجه الثاني أن الموصى له بالمائة والموصى له بالباقي يقسمان النصف على قدر وصيتهما من الثلث فإن كانا مائتين اقتسما المائة نصفين لكل واحد منهما خمسون وإن كان مائة وخمسون اقتسما الخمسة والسبعين أثلاثا للموصى له بالمائة خمسون وللموصى له بالباقي خمسة وعشرون وعلى هذا القياس لأنه إنما أوصى له بالمائة من كل الثلث لا من بعضه فلم يجز أن يأخذ من نصف الثلث ما كان يأخذ من جميعه كأصحاب المواريث إذا زاحمهم من له فرض أو وصية .
فصل : وإن بدأ فوصى بثلث ماله لرجل ثم وصى لمن يحج عنه بمائة ووصى لآخر بما يبقى من الثلث ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي إسحاق إن الوصية بالباقي بعد المائة باطلة لأن الوصية بالثلث تمنع من أن يبقى شيء من الثلث فعلى هذا إن أجاز الورثة نقدت الوصيتان وإن لم يجيزوا ردت الوصية إلى الثلث فإن كان الثلث مائة استوت وصيتهما فيقتسمان الثلث بينهما نصفين وإن كان الثلث خمسمائة قسم الثلث بينهما على ستة أسهم للموصى له بالثلث خمسة أسهم وللموصى له بالمائة سهم فإن كان الثلث ألفا قسم على أحد عشر سهما للموصى له بالثلث عشرة أسهم وللموصى له بالمائة سهم والوجه الثاني وهو قول أبي على بن أبي هريرة إن الحكم في هذه المسألة كالحكم في المسألة قبلها لأنه إذا أوصى بالمائة بعد الثلث علم أنه لم يرد ذلك الثلث لأن الوصية الأولى قد استوعبته وإنما أراد ثلثا ثانيا فإذا أوصى بعد المائة بما يبقى من الثلث دل على أنه أراد ما يبقى من الثلث الثاني فصار موصيا بثلثي ماله كالمسألة قبلها .
فصل : وإن وصى لرجل بعبد ولآخر بما بقي من الثلث قوم العبد مع التركة بعد موت الموصى فإن خرج من الثلث دفع إلى الموصى له فإن بقي من الثلث شيء دفع إلى الآخر وإن لم يبق شيء بطلت الوصية بالباقي لأن وصيته فيما بقي وإن أصاب العبد عيب بعد موت الموصي قوم سليما ودفع إلى الموصى له بالباقي لأنه وصى له بالباقي من قيمته وهو سليم وإن مات العبد بعد موت الموصي بطلت الوصية فيه وقوم وقت الموت مع التركة ودفع إلى الموصى له الباقي من الثلث لأنهما وصيتان فلا تبطل إحداهما ببطلان الأخرى كما لو وصى لرجلين فرد أحدهما .
فصل : فإن وصى له بمنفعة عبد ملك الموصى له منافعه واكتسابه فإن كان جارية ملك مهرها لأنه بدل منفعتها ولا يجوز للمالك وطؤها لأنه تملك الرقبة من غير منفعة ولا للموصى له وطؤها لأنها تملك المنفعة من غير الرقبة والوطء لا يجوز إلا في ملك تام و يجوز تزويجها لاكتساب المهر وفيمن يملك العقد ثلاثة أوجه : أحدها يملكه الموصى له بالمنفعة لأن المهر له والثاني يملكه المالك لأنه يملك رقبتها والثالث لا يصح العقد إلا باتفاقهما لأن لكل واحد منهما حقا فلا ينفرد به أحدهما دون الآخر فإن أتت بولد مملوك ففيه وجهان : أحدهما أنه للموصى له لأنه من جملة فوائدها فصار كالكسب والثاني أنه كالأم رقبته للمالك ومنفعته للموصى له لأنه جزء من الأم فكان حكمه حكم الأم فإن قتل ففي قيمته وجهان : أحدهما أنها للمالك لأنها بدله فكانت له والثاني وهو الصحيح أنه يشتري به مثله للمالك رقبته وللموصى له منفعته لأنه قائم مقام الأصل فكان حكمه كحكم الأصل فإن جنى على طرفه ففي أرشه وجهان : أحدهما أنه للمالك لأنه بدل ملكه والثاني وهو الصحيح أن ما قابل منه ما نقص من قيمة الرقبة للمالك وما قابل منه ما نقص من المنفعة للموصى له لأنه دخل النقص عليهما فقسط الأرش عليهما فإن احتاج العبد إلى نفقة ففيه ثلاثة أوجه : أحدها وهو قول أبو سعيد الاصطخري أن النفقة على الموصى له بالمنفعة لأن الكسب له والثاني أنها على المالك وهو قول أبي علي بن أبي هريرة لأن النفقة على الرقبة فكانت على مالكها والثالث أنها في كسبه فإن لم يف الكسب ففي بيت المال لأنه لا يمكن إيجابها على المالك لأنه لا يملك الإنتفاع ولا على الموصى له لأنه لا يملك الرقبة فلم يبق إلا ما قلناه فغن احتاج البستان الموصى بثمرته إلى سقي أو الدار الموصى بمنفعتها إلى عمارة لم يجب على واحد منهما لأنه لو انفرد كل واحد منهما بملك الجميع يجبر على الإنفاق فإذا اشتركا لم يجب .
فصل : فإن أراد المالك بيع الرقبة ففيه ثلاثة أوجه : أحدها أنه يجوز لأنه يملكها ملكا تاما والثاني أنه لا يجوز لأنها عين مسلوبة المنفعة فلم يجز بيعها كالأعيان التي لامنفعة فيها والثالث يجوز بيعها من الموصى له لأنه يمكنه الانتفاع بها ولا يجوز من غيره لأنه لا يمكنه الإنتفاع بها فإن أراد أن يعتقه جاز لأنه يملكه ملكا تاما وللموصى له أن يستوفي المنفعة بعد العتق لأنه تصرف في الرقبة فلم يبطل به حق الموصى له من المنفعة ولا يرجع العبد على المالك بأجرته كما يرجع العبد المستأجر على مولاه بعد العتق في أحد القولين لأن هناك ملك بدل منفعته ولم يملك المولى ههنا بدل المنفعة