وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب إبطال الاستحسان .
قال الشافعي : وكل ما وصفت مع ما أنا ذاكر وساكت عنه اكتفاء بما ذكرت منه عما لم أذكر من حكم الله ثم حكم رسو ل الله A ثم حكم المسلمين دليل على أن لا يحوز لمن استأهل أن يكون حاكما أن مفتيا أن لا يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم وذلك : الكتاب ثم السنة أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه أو قياس على بعض هذا ولا يجوز له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان واجبا ولا في واحد من هذا المعاني فإن قال قائل : فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا ؟ قيل قال الله D : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا نهى ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى وقد أعلمه الله انه لم يتركه سدى ورأى أن قال : أقول بما شئت وادعي ما نزل القرآن بخلافه في هذا وفي السنن فخالف منهاج النبيين وعوام حكم جماعة من روى عنه من العالمين فإن قال : فأين ما ذكرت من القرآن ومنهاج النبيين A أجمعين ؟ قيل : قال الله D لنبيه E : { اتبع ما أوحي إليك من ربك } وقال : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } الآية ثم جاءه قوم فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم فقال : أعلمكم غدا يعني : أسأل جبريل ثم أعلمكم فأنزل الله D : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله } الآية وجاءته امرأة أوس بن الصامت تشكوا إليه أوسا فلم يجبها حتى أنزل الله D { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } وجاءه العجلاني يقذف امرأته قال : لم ينزل فيكما وانتظر الوحي فلما نزل دعاهما فلاعن بينهما كما أمره الله D وقال لنبيه : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقال الله D { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق } الآية وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق إلا وقد علم الحق ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصا أو دلالة أن من الله فقد جعل الله حق في كتابه ثم سنة نبيه A فليس تنزل بأحد نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصا أو جملة فإن قال : وما النص والجملة ؟ قيل : النص ما حرم الله وأحل نصا : حرم الأمهات والجدات والعمات والخالات ومن ذكر معهن وأباح من سواهن وحرم الميتة والدم ولحم الخنزير والفواحش ما ظهر منها وما بطن وأمر بالوضوء فقال : { اغسلوا وجوهكم وأيديكم } الآية فكان مكتفي بالتنزيل في هذا عن الاستدلال فيما نزل فيه مع أشباه له فإن قيل : فما الجملة ؟ قيل : ما فرض الله من صلاة وزكاة وحج فد رسو ل الله A : كيف الصلاة وعددها ووقتها والعلم فيها وكيف الزكاة ؟ وفي أي المال هي ؟ وفي أي وقت هي ؟ وكم قدرها ؟ وبين كيف الحج والعمل فيه ؟ ومايدخل به فيه وما يخرج به منه قال الشافعي : فإن قيل : فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن الله ؟ قيل : نعم فإن قيل : فمن أين قيل ؟ قيل : عن الله لكلامه جملة وقبل تفسيره عن الله بان الله فرض طاعة نبيه فقال D { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } مع ما فرض من طاعة رسوله : فإن قيل : فهذا مقبول عن الله كما وصفت فهل سنة رسو ل الله A بوحي ؟ قيل : الله اعلم أخبرنا مسلم بن خالد عن طاوس قال الربيع هو عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن عنده كتابا من العقول نزل به الوحي قال الشافعي : وما فرض رسو ل الله A شيئا قط إلا بوحي فمن الوحي ما يتلى ومنه ما يكون وحيا إلى رسول الله A فيستن به أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله A قال : [ ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ولا شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه وإن الروح الأمين قد ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فأجملوا في الطلب ] قال الشافعي : وقد قيل : ما لم يتل قرآنا إنما ألقاه جبريل في روعه بأمر الله فكان وحيا إليه وقيل : جعل الله إليه لما شهد له به من أنه يهدي إلى صراط مستقيم أن يسن وأيهما كان فقد ألزمها الله تعالى خلقه ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سن لهم وفرض عليهم اتباع سنته قال الشافعي : فإن قال قائل : فما الحجة في قبول ما اجتمع بالناس عليه ؟ قيل : لما أمر رسو ل الله A بلزوم جماعة المسلمين لم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا لزوم قول جماعتهم وكان معقولا أن جماعتهم لا تجهل فمن قبل قول جماعتهم فبدلالة سنة رسو ل الله A قبل قولهم قال الشافعي : C : وإن قال قائل : أرأيت ما لم يمض فيه كتاب ولا سنة ولا يوجد الناس اجتمعوا عليه فأمرت بان يؤخذ قياسا على كتاب أو سنة أيقال لهذا قبل عن الله ؟ قيل نعم قبلت جملته عن الله فإن قيل : ما جملته ؟ قيل : الاجتهاد فيه على الكتاب والسنة فإن قيل : أفيوجد في الكتاب دليل عن ما وصفت ؟ قيل : نعم نسخ الله قبلة بيت المقدس وفرض على الناس التوجه إلى البيت فكان على من رأى البيت أن يتوجه إليه بالعيان وفرض الله على من غاب عنه البيت أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام لأن البيت في المسجد الحرام فكان المحيط بأنه أصاب البيت بالمعاينة والمتوجه قصد البيت ممن غاب عنه قابلين عن الله معا التوجه إليه وأحدهما على الإحاطة والآخر متوجه بدلالة فهو على إحاطة من صواب جملة ما كلف وعلى غير إحاطة كإحاطة الذي يرى البيت من صواب البيت ولم يكلف الإحاطة قال الشافعي : فإن قيل : فبم بتوجه الى البيت ؟ قيل : قال الله تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } وقال : { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } وكانت العلامات جبالا يعرفون مواضعها من الأرض وشمسا وقمرا ونجما مما يعرفون من الفلك ورياحا يعرفون مهابها على الهواء تدل على قصد البيت الحرام فجعل عليهم طلب الدلائل على شطر المسجد الحرام فقال : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } وكان معقولا عن الله D أنه إنما يأمرهم بتوليه وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لا بما استحسنوا ولا بما سنح في قلوبهم ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم لأنه قضى أن لا يتركهم سدى وكان معقولا عنه إذا أمرهم أن يتوجهوا شطره وغيب عنهم عينه أن لم يجعل لهم أن يتوجهوا حيث شاءوا لا قاصدين له بطلب الدلالة عليه قال الشافعي : وقال الله D { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال : { ممن ترضون من الشهداء } فكان على الحكام أن لا يقبلوا إلا عدلا في الظاهر وكانت صفات العدل عندهم معروفة وقد وصفتها في غير هذا الموضع وقد يكون في الظاهر عدلا وسريرته غير عدل ولكن الله لم يكلفهم ما لم يجعل لهم السبيل إلى علمه ولم يجعل لهم إذ كان يمكن إلا أنت يردوا من ظهر منه خلاف العدل عندهم وقد يمكن أن يكون الذي ظهر منه خلاف العدل خيرا عند الله D من الذي ظهر منه العدل ولكن كلفوا أن يجتهدوا على ما يعلمون من الظاهر الذي لم يؤتوا أكثر منه قال الشافعي : وقال الله جل ثناؤه : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } فكان معقولا عن الله في الصيد : النعامة وبقر الوحش وحماره والثيتل والظبي الصغير والكبير والأرنب واليربوع وغيره ومعقولا أن النعم : الإبل ولبقر والغنم وفي هذا ما يصغر عن الغنم وعن الإبل وعن البقر فلم يكن المثل فيه في المعقول وفيما حكم به حكم من صدر هذه الأمة إلا ان يحكموا في الصيد بأولى الأشياء شبها منه من النعم ولم يجعل لهم إذ كان المثل يقرب قرب الغزال من العنز والضبع من الكبش أن يبطلوا اليربوع مع بعده من صغير الغنم وكان عليهم أن يجتهدوا كما أمكنهم الاجتهاد وكل أمر الله جل ذكره وأشباه لهذا تدل على إباحة القياس وحظر أن يعمل بخلافه من الاستحسان لأن طلب أمر الله بالدلالة عليه فإنما طلبه بالسبيل التي فرضت عليه ومن قال : أستحسن لا عن أمر الله ولا عن أمر رسوله A فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله ماقال : ولم يطلب ما قال بحكم الله ولا بحكم رسوله وكان الخطأ في قول من قال هذا بينا بانه قد قال : أقول وأعمل بما لم أومر به ولم أنه عنه وبلا مثال على ما أمرت به ونهيت عنه وقد قضى الله بخلاف ما قال فلم يترك احدا إلا متعبدا قال الشافعي : في قول الله D { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أدى ما كلف وحكم وأفتى من حيث أمر فكان في النص مؤديا ما أمر به نصا وفي القياس مؤديا ما أمر به اجتهادا وكان مطيعا لله في الأمرين ثم لرسوله فغن رسو ل الله A أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد فيروى [ أنه قال لمعاذ بم تقضي ؟ قال : بكتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال بسنة رسو ل الله A قال : فإن لم يكن ؟ قال أجتهد قال الحمد الله الذي وفق رسو ل الله A ] وقال : [ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ] فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم قال الشافعي : ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لا زم ولا قياس عليه كان محجوجا بان معنى قوله : أفعل ما هويت وإن لم أومر به مخالف معنى الكتاب والسنة فكان محجوجا على لسانه ومعنى ما لم أعلم فهي مخالفا فإن قيل : ماهو ؟ قيل : لا أعلم أحدا من أهل العلم رخص لأحد من اهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالما بالذي تدور عيه أمور القياس من : الكتاب والسنة والإجماع والعقل لتفصيل المشتبه فإذا زعموا هذا قيل لهم : ولم لم يجز لأهل العقول التي تفوق كثيرا من عقول أهل العلم بالقرآن والسنة والفتيا أن يقولوا فيما قد نزل مما يعلمونه معا أن ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع وهم أوفر عقولا وأحسن إبانة لما قالوا من عامتكم ؟ فإن قلتم : لأنهم لا علم لهم بالأصول قيل لكم : فما حجتكم في علمكم بالأصول إذا قلتم بلا أصل ولا قياس على أصل ؟ هل خفتم على أهل العقول الجهلة بالأصول أكثر من أنهم لا يعرفون الأصول فلا يحسنون أن يقيسوا بما لا يعرفون ؟ وهل أكسبكم علمكم بالأصول القياس عليها أو أجاز لكم تركها ؟ فإذا جاز لكم تركها جاز لهم القول معكم لأن أكثر ما يخاف عليهم ترك القياس عليها أو الخطأ ثم لا أعلمهم إلا أحمد على الصواب إن قالوا على غير مثال منكم : لو كان أحد يحمد على أن يقول على غير مثال لأنهم لم يعرفون مثالا فتركوه وأعذر بالخطأ منكم وهم أخطأوا فيما لا يعلمون ولا ألمكم إلا أظم وزرا منهم إذ تركتم ما تعرفون من القياس على الأصول التي لا تجهلون فإن قلتم : فنحن تركنا القياس على غير جهالة بالأصل قيل : فإن كان القياس حقا فأنتم خالفتم الحق عالمين به وفي ذلل من المأثم ما إن جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم وإن زعمتم واسعا لكم ترك القياس والقول بما سنح في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته مسامعكم حججتم بما وصفنا من القرآن ثم السنة وما يدل عليه الإجماع : من أن ليس لأحد أن يقول إلا بعلم وما لا تختلفون فيه من أن الحاكم لو تداعى عنده رجلان في ثوب أو عبد تبايعاه عيبا لم يكن للحاكم - إذا كان مشكلا - أن يحكم فيه وكان عليه أن يدعو اهل العلم به فيسألهم عما تداعيا فيه هل هو عيب ؟ فإن تطالبا قيمة عيب فيه وقد فات سألهم عن قيمته ؟ فلو قال أفضلهم دينا وعلما : إني جاهل بسوقه اليوم وإن كنت عالما بها قبل اليوم ولكني أقول فيه : لم يسعه أن يقبل قوله بجهالته بسوق يومه وقبل قول من يعرف سوق يومه ولو جاء من يعرف سوق يومه فقال : إذا قست هذا بغيره مما يباع وقومته على ما مضى وكان عيبه دلني القياس على كذا ولكني أستحسن غيره لم يحل له أن يقبل استحسانه وحرم عليه إلا أن يحكم بما يقال إنه قيمة مثله في يومه وكذلك هذا في امرأة أصيبت بصداق فاسد يقال : كم صداق مثلا في الجمال والمال والصراحة والشباب واللب والأدب ؟ فلو قيل مائة دينار ولكنا نستحسن أن نزيدها درهما أو ننقصها لم يحل له وقال للذي يقول : أستحسن أن أزيدها أو أنقصها ليس ذلك لي ولا لك وعلى الزوج صداق مثلها وإذا حكم بمثل هذا في المال الذي تقل رزيته على من أخذ منه ولم يوضع فيه الاستحسان وألزم فيه القياس أهل العلم به ولم يجهل لأهل الجهالة قياسا فيه لأنهم لا يعلمون ما يقيسون عليه فحلال الله وحرامه من الدماء والفروج وعظيم الأمور أولى أن يلزم الحكام والمفتين قال الشافعي : أفرأيت إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة : ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال : أستحسن فلا بد أن يزعم أن جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وإن قال الذي يرى منهم ترك القياس : بل على الناس اتباع ما قلت قيل له : من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس ابتاعك ؟ أورايت إن ادعى غيرك هذا أنطيعه أم تقول : لا أطيع إلا من أمرت بطاعته ؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد وإنما الطاعة لمن أمر الله أو رسوله بطاعته والحق فيما أمر الله ورسوله باتباعه ودل الله ورسوله عليه نصا أو استنبطا بدلائل او رأيت إذ أمر الله بالتوجه قبل البيت وهو مغيب عن المتوجه هل جعل له أن يتوجه إلا بالاجتهاد بطلب الدلائل عليه ؟ أو رأيت إذا أمر بشهادة العدل فدل على أن لا يقبل غيرها هل يعرف العدل من غيره إلا بطلب الدلائل على عدله ؟ أو رأيت إذا أمرب الحكم بالمثل في الصيد هل أمر أن يحكم إلا بأن يحكم بنظره ؟ فكل هذا اجتهاد وقياس أو رأيت إذاأمر النبي A بالاجتهاد في الحكم هل يكون مجتهدا على غير طلب عين وطلب العين لا يكون إلا باتباع الدلائل عليها وذلك القياس لأن محالا أن يقال : اجتهد في طلب شيء من لم يطلبه باحتياله والاستدلال عليه لا يكون طالبا لشيء من سنح على وهمه أو خطر بباله منه قال الشافعي : وإنه ليلزم من ترك القياس أكثر مما ذكرت وفي بعضه ما قام عليه الحجة وأسال الله تعالى لي ولجميع خلقه التوفيق وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب وعلم ناسخه ومنسوخة وخاصه وعامه وأدبه وعالما ؟ بسنن رسول الله A وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا وعلاما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس فإن عدم واحدا من هذه الخصال لم يحل له أن يقول قياسا وكذلك لو كان عالما بالأصول غير عاقل للقياس الذي هو الفرع لم يجز أن يقال لرجل : قس وهو لايعقل القياس وإن كان عاقلا للقياس وهو مضيع لعلم الأصول أو شيء منها لم يجز أن يقال له : قس على مالا تعلم كما لا يجوز ان يقال قس لأعمى وصفت له اجعل كذا عن يمينك وكذا عن يسارك فإذا بلغت كذا فانتقل متيامنا وهو لا يبصر ما قيل له يجعله يمينا ويسارا أو يقال : سر بلادا ولم يسرها قط ولم يأتها قط وليس له فيها علم يعرفه ولا يثبت له فيها قصد سمت بضبطه لانه يسير فيها عن غير مثال قويم وكما لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة أن يقال له : قوم عبدا من صفته كذا لأن السوق تختلف ولا لرجل أصر بعض صنف من التجارات وجهل غير صنفه الغير الذي جهل لا دلالة عليه ببضع علم الذي علم قوم كذا وكما لا يقال لبناء انظر قيمة الخياطة ولا لخياط انظر قيمة البناء فإن قال قائل : فقد حكم وأفتى من لم يجمع ما وصفت قيل : فقد رأيت احكامهم وفتياهم فرايت كثيرا منها متضادا متباينا ورأيت كل واحد من الفريقين يخطئ صاحبه في حكمه وفتياه والله تعالى المستعان فإن قال قائل : أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله ؟ قل : لا يجوز فيه عندنا - والله تعالى اعلم - أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدا : لأن لعم الله D واحكامه واحد لاستواء السرائر والعلانية عنده وأن علمه بكل واحد حل ثناؤه سواء فإن قيل : من له أن يجتهد فيقيس علىكتاب أوسنة هل يختلفون ويسعهم الاختلاف ؟ أويقال لهم : إن اختفوا مصيبون كلهم أومخطئون او لبعضهم مخطئ وبعضهم مصيب ؟ قيل : لا يجوز على واحد منهم إن اختلفوا إن كان ممن له الاجتهاد وذهب مذهبا محتملا ان يقال له : أخطأ مطلقا ولكن يقال لك واحد منهم : قد أطاع فيما كلف وأصاب فهي ولم يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه أحد فإن قال قائل : فمثل لي من هذا شيئا قيل : لا مثال أدل عليه من الغيب عن المسجد الحرام واستقباله فإذا اجتهد رجلان بالطريقين عالمان بالنجوم والرياح والشمس والقمر فرأى أحدهما القبلة متيامنا منه ورأى أحدهما القبلة منحرفة عن حيث رأى صاحبه كان على كل واحد منهما أن يصلي حيث يرى ولا يتبع صاحبه إذا أداه اجتهاده إلى غير ما أدى صاحبه اجتهاده إلى غير ما أدى صاحبه اجتهاده إليه ولم يكلف واحد منهما صواب عين البيت لأنه لا يراه وقد أدى ما كلف من التوجه إليه بالدلائل عليه فإن قيل : فيلزم أحدهما اسم الخطأ قيل : أما فيما كلف فلا وأما خطأ عين البيت فنعم لأن البيت لا يكون في جهتين فإن مطيعا بالخطأ قيل : هذا مثل جاهد يكون مطيعا بالصواب لما كلف من الاجتهاد وغير آثم بالخطأ إذ لم يكلف صواب المغيب العين عنه فإذا لم يكلف صوابه لم يكن عليه خطأ ما لم يجعل عليه صواب عينه فإن قيل : أفتجد سنة تدل على ما وصفت ؟ قيل : نعم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبدالله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن ابي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسو ل الله A يقول [ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ] قال يزيد بن الهاد : فحدثت بهاذ الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال : هكذا حدثني أبو سلمة عن ابي هريرة فإن قال قائلك فما معنى هذا ؟ قيل : ما وصفت من أنه إذا اجتهد فجمع الصواب بالاجتهاد وصواب العين التي اجتهد كان له حسنتان وإذا أصاب الاجتهاد وأخطأ العين التي أمر يجتهد في طلبها كانت له حسنة ولا يثاب من يؤدي في أن يخطئ العين ويحسن من يؤدي أن يكف عنه وهذا يدل على ما وصفت من أنه لم يكلف صواب العين في حال فإن قيل : ذم الله على الاختلاف قيل : وجهان : فما أقام الله تعالى به الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة منه ليس عليهم إ لا اتباعه ولا لهم مفارقته فإن اختلفوا فيه فذلك الذي ذم الله عليه والذي لا يحل الاختلاف فيه فإن قال : فأين ذلك ؟ قيل : قال الله تعالى { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل أو سنة قائمة فلا يحل له الخلاف ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد فذهب إلى معنى يحتمل ما ذهب اليه ويكون عليه دلائل لم يكن في من خلاف لغيره وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتابا نصا ولا سنة قائمة ولا جماعة ولا قياسا بانه إنما نظر في القياس فاداها إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما أدى إليه صاحبه فإن قال : ويكون هذا في الحكم ؟ قيل : نعم فإن قيل : فمثل هذا إذا كان في الحكم دلالة على موضع الصواب قيل : قد عرفناها في بعضه وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الأصلين شبه فيذهب ذاهب إلى اصل والآخر إلى أصل غيره فيختلفان فإن قيل : فهل يوجد السبيل إلى أن يقيم أحدهما على صاحبه حجة في بعض ما اختلفا فيه ؟ قيل : نعم - إن شاء الله تعالى - بأن تنظر النازلة فإن كانت تشبه أحد الاصلين في معنى والآخر في اثنين صرفت إلى الذي أشبهته في الاثنين دونا لذي أشبهته في واحد وهكذا إذا كان شبيها بأحد الأصلين أكثر فإن قال قائل : فمثل من هذا شيئا ؟ قيل : لم يختلف الناس في أن لا دية للعبد يقتل خطأ مؤقتة إلا قيمته فإن كانت قيمته مائة درهم أو أقل أو أكثر إلى أن تكون أقل من عشرة آلاف درهم فعلى من قتله وذهب بعض المشرقيين إلى أنه إن زادت ديته على عشرة آلاف درهم نقصها من عشرة آلاف درهم وقال : لا أبلغ بهادية حر وقال بعض أصحابنا نبلغ بها دية أحرار فإذا كان ثمنه مائة درهم لم يزد عليها صاحبه لأن الحكم فيها أنها ثمنه وكذلك إذا زادت على دية أحرار أخذها سيده كما تقتل له دابة تسوي ديات أحرار فتؤخذ منه وكان هذا عندنا من قول من قال من المشرقيين أمرا لا يجوز الخطأ فيه لما وصفت ثم عاد بعض المشرقيين فقال : يقتل العبد بالعبد وآخذ الأحرار بالعبيد ولا يقص العبد من حر ولا من العبد فيما دون النفس فقلت لبعض من تقدم منهم : ولم قتلتم العبد والأعبد بالعبد قودا ولم تقيدو العبد من العبد فيما دون النفس ؟ قال : من أصل ما ذهبنا إليه في العبيد إذا قتلوا خطأ أن فيهم أثمانهم وأثمانهم كالدواب والمتاع فقلنا : لا نقص لبعضهم من بعض في الجراح لأنه أموال فقلت لهم أفيقاس القصاص على الديات والأثمان أم القصاص مخالف للديات والأثمان ؟ فإن كان يقاس على الديات فلم تصنع شيئا قتلت عبدا يسوي ألف دينار بعبد يسوي خمسة دنانير وقتلت به عبيدا كلهم ثمنه أكثر من ثمنه ولم تصنع شيئا حين قتلت بعض العبيد بعض وأنت تمثلهم بالبهائم والمتاع وأن لا تقتل بهيمة لو قتلتها فإن زعمت أن الديات أصل والديات عبرة لأنك تقتل الرجل بالمرأة وديتها نصف دية الرجل فلم تذهب مذهبا بتركك القصاص بني العبيد فيما دون النفس إذا قتلت العبد بالعبد كان أن يتلف بعضه ببعضه أقل : وإن اختلفت أثمانهم مع ما يلزمك من هذا القول : قال : وما يلزمني بقولي هذا ؟ قلت : أنت تزعم أن من قتل عبدا فعليه الكفارة وعليه ما على من قتل الحر من الإثم لأنه مسلم عليه فرض اله وله حرمة الإسلام ولا تزعم هذا فيمن قتل بعيرا أ وحرق متاعا وتزعم ان على العبد حلالا وحراما وحدودا وفرائض وليس هذا على البهائم قال الشافعي C تعالى : إن الله D حكم على عباده حكمين : حكما فيما بينهم وبينه أن أثابهم وعاقبهم علىما أسروا كما فعل بهم فيما أعلنوا وأعلمهم إقامة للحجة عليهم وبينها لهم أنه علم سرائرهم وعلم علانيتهم فقال : { يعلم السر وأخفى } وقال : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } وخلقه لا يعلمون إلا ما شاء D وحجب علم السرائر عن عباده وبعث فيهم رسلا فقاموا باحكامه على خلقه وأبان لرسله وخلقه أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا وأباح دماء أهل الكفر من خلقه فقال : { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وحرم دمائهم إن أظهروا الإسلام فقال : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقال : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } وقال : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة وقتالهم حتما وفرضا عليهم إن لم يظهروا الأيمان ثم أظهره قوم من المنافقين فأخبر الله نبيه عنهم أن ما يخفون خلاف ما يعلنون فقال : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } وقال : { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم } مع ما ذكر به المنافقين فلم يجعل لنبيه قتلهم إذا أظهروا الإيمان ولم يمنعهم رسو ل الله A مناكحة المسلمين ولا موارثتهمقال الشافعي : C : ورأيت مثل هذا في سنة رسو ل الله A قال : رسو ل الله A [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ] [ قال المقداد : أرأيت يا رسول الله لو أن مشركا قاتلني فقطع يدي ثم لاذ مني بشجرة فأسلم أفأقتله ؟ قال لا تقتله ] وقال الله تبارك وتعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } وقال D : { ويدرأ عنها العذاب } الآية فحكم بالأيمان بينهما إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الأجنبيون ودرأ عنه وعنها بها على أن أحدهما كاذب وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحد إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال ولاعن رسو ل الله A بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها وقذفها بشريك بن السحماء فقال رسو ل الله A [ أنظروها إن جاءت به - يعني الولد - أسحم أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا صدق ] وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها وزعم أن حبلها منه قال رسو ل الله A : [ وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كذب عليها ] وكانت تلك الصفة صفة زوجها فجاءت به يشبه شريك بن السحماء فقال النبي A : [ إن أمره لبين لولا ما حكم الله ] أي لكان لي فيه قضاء غيره يعني - والله أعلم - لبيان الدلالة بصدق زوجها فلما كانت الدلالة لا تكون عند العباد إحاطة دل ذلك على إبطال كل ما لم يكن إحاطة عند العباد من الدلائل إن لم يقروا به من الحكم عليه لم يمتنع مما وحجب عليه أو تقوم عليه بينة فيؤخذ من حيث أمر الله أن يؤخذ لا يؤخذ بدلالة وطلق ركانة بن عبد يزيد امرأته البتة ثم أتى النبي فأحلفه ما أراد إلا واحدة وردها عليه قال الشافعي : C تعالى : لما كان كلامه محتملا لأن لم يرد إلا واحدة جعل القول قوله كما حكم الله فيمن أظهر الإيمان بان القول قوله في الدنيا فينكح المؤمنات و يوارث المؤمنين وأعلم بان سرائرهم على غيره ما أظهروا وأنه يغلب على من سمع طلاق البتة أنه يريد الإبتات الذي لا غاية له من الطلاق و [ جاءه رجل من بني فزارة فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود فجعل يعرض بالقذف فقال له النبي A هل لك من إبل ؟ قال : نعم قال ما ألوانها ؟ قال فهل فيها من أورق ؟ قال نعم قال : فأنى أتاه ؟ قال : لعله نزعه عرق قال : ولعل هذا نزعة عرق ] ولم يحكم عليه بحد ولعان إذ لم يصرح بالقذف لأنه قد يحتمل أن لا يكون أراد قذفا وإن كان الأغلب على سامعه أنه أراد القذف مع أن أحكام الله D ورسوله A تدل على ما وصفت من انه لا يجوز للحاكم أن يحكم بالظن وإن كانت له عليه دلائل قريبة فلا يحكم إلا من حيث أمره الله بالبينة تقوم على المدعى عليه أو إقرار منه بالأمر البين وكما حكم الله أن ما أظهر فله حكمه كذلك حكم أن ما أظهر فعليه حكمه لأنه أباح الدم بالكفر وإن كان قولا فلا يجوز في شيء من الأحكام بين العباد أن يحكم في إلا بالظاهر لا بالدلائل