وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ودلت الآية على أنهم كانوا يهجعون قليلا من الليل وذلك اقتداء بأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله ( قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بذلك كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص " أن رسول الله قال له : لم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قال : نعم . قال : لا تفعل إنك إن فعلت ذلك نفهت النفس وهجمت العين . وقال له : قم ونم فإن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا " .
وقد اشتملت هذه الجملة على خصائص من البلاغة .
أولاها : فعل الكون في قوله ( كانوا ) الدال على أن خبرها سنة متقررة .
الثاني : العدول عن أن يقال : كانوا يقيمون الليل أو كانوا يصلون في جوف الليل إلى قوله ( قليلا من الليل ما يهجعون ) لأن في ذكر الهجوع تذكيرا بالحالة التي تميل إليها النفوس فتغلبها وتصرفها عن ذكر الله تعالى وهو من قبيل قوله تعالى ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) فكان في الآية إطناب اقتضاه تصوير تلك الحالة والبليغ قد يورد في كلامه ما لا تتوقف عليه استفادة المعنى إذا كان يرمي بذلك إلى تحصيل صور الألفاظ المزيدة .
الثالث : التصريح بقوله ( من الليل ) للتذكير بأنهم تركوا النوم في الوقت الذي من شأنه استدعاء النفوس للنوم فيه زيادة في تصوير جلال قيامهم الليل وإلا فإن قوله ( كانوا قليلا ما يهجعون ) يفيد أنه من الليل .
الرابع : تقييد الهجوع بالقليل للإشارة إلى أنهم لا يستكملون منتهى حقيقة الهجوع بل يأخذون منه قليلا . وهذه الخصوصية فاتت أبا قيس بن الأسلت في قوله : .
قد حصت البيضة رأسي فما ... أطعم نوما غير تهجاع الخامس : المبالغة في تقليل هجوعهم لإفادة أنه أقل ما يهجعه الهاجع .
وانتصب ( قليلا ) على الظرف لأنه وصف بالزمان بقوله ( من الليل ) . والتقدير : زمنا قليلا من الليل والعامل في الظرف ( يهجعون ) . و ( من الليل ) تبعيض .
ثم أتبع ذلك بأنهم يستغفرون في السحر أي فإذا آذن الليل بالانصرام سألوا الله أن يغفر لهم بعد أن قدموا من التهجد ما يرجون أن يزلفهم إلى رضى الله تعالى .
وهذا دل على أن هجوعهم الذي يكون في خلال الليل قبل السحر . فأما في السحر فهم يتهجدون ولذلك فسر ابن عمر ومجاهد الاستغفار بالصلاة في السحر . وهذا نظير قوله تعالى ( والمستغفرين بالأسحار ) وليس المقصود طلب الغفران بمجرد اللسان ولو كان المستغفر في مضجعه إذ لا تظهر حينئذ مزية لتقييد الاستغفار بالكون في الأسحار .
والأسحار : جمع سحر وهو آخر الليل . وخص هذا الوقت لكونه يكثر فيه أن يغلب النوم على الإنسان فيه فصلاتهم واستغفارهم فيه أعجب من صلاتهم في أجزاء الليل الأخرى .
وجمع الأسحار باعتبار تكرر قيامهم في كل سحر .
وتقديم ب ( الأسحار ) على ( يستغفرون ) للاهتمام به كما علمت .
وصيغ استغفارهم بأسلوب إظهار المسند إليه دون ضميره لقصد إظهار الاعتناء بهم وليقع الإخبار عن المسند إليه بالمسند الفعلي فيفيد تقوي الخبر لأنه من الندرة بحيث يقتضي التقوية لأن الاستغفار في السحر يشق على من يقوم الليل لأن ذلك وقت إعيائه .
فهذا الإسناد على طريقة قولهم هو : يعطي الجزيل .
وحق السائل والمحروم : هو النصيب الذي يعطونه إياهما أطلق عليه لفظ الحق ؛ إما لأن الله أوجب على المسلمين الصدقة بما تيسر قبل أن يفرض عليهم الزكاة فإن الزكاة فرضت بعد الهجرة فصارت الصدقة حقا للسائل والمحروم أو لأنهم ألزموا ذلك أنفسهم حتى صار كالحق للسائل والمحروم .
وبذلك يتأول قول من قال : إن هذا الحق هو الزكاة .
والسائل : الفقير المظهر فقره فهو يسأل الناس والمحروم : الفقير الذي لا يعطى الصدقة لظن الناس أنه غير محتاج من تعففه عن إظهار الفقر وهو الصنف الذي قال الله تعالى في شأنهم ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافا " .
وإطلاق اسم المحروم ليس حقيقة لأنه لم يسأل الناس ويحرموه ولكن لما كان مآل أمره إلى ما يؤول إليه أمر المحروم أطلق عليه لفظ المحروم تشبيها به في أنه لا تصل إليه ممكنات الرزق بعد قربها منه فكأنه ناله حرمان .
A E