وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأما حال المسلمين بعضهم مع بعض فليس من غرض الآية فلو أن أحدا ساوره أحد ببادئ عمل من البغي فهو مرخص له أن يدافعه عن إيصال بغيه إليه قبل أن يتمكن منه ولا يمهله حتى يوقع به ما عسى أن لا يتداركه فاعله من بعد وذلك مما يرجع إلى قاعدة أن ما قارب الشيء يعطى حكم حصوله أي مع غلبة ظنه بسبب ظهور بوادره وهو ما قال فيه الفقهاء : " يجوز دفع صائل بما أمكن " .
ومحل هذه الرخصة هو الحالات التي يتوقع فيها حصول الضر حصولا يتعذر أو يعسر رفعه وتداركه . ومعلوم أن محلها هو الحالة التي لم يفت فيها فعل البغي فأما إن فات فإن حق الجزاء عليه يكون بالرفع للحاكم ولا يتولى المظلوم الانتصاف بنفسه وليس ذلك مما شملته هذه الآية ولكنه مستقرى من تصاريف الشريعة ومقاصدها ففرضناه هنا لمجرد بيان مقصد الآية لا لبيان معناها .
والمراد بالسبيل موجب المؤاخذة باللائمة بين القبائل واللمز بالعدوان والتبعة في الآخرة على الفساد في الأرض بقتل المسالمين سمي ذلك سبيلا على وجه الاستعارة لأنه أشبه الطريق في إيصاله إلى المطلوب وكثر إطلاق ذلك حتى ساوى الحقيقة .
والفاء في قوله : ( فأولئك ما عليهم من سبيل ) فاء جواب الشرط فإن جعلت لام ( لمن انتصر ) لام الابتداء فهو ظاهر وإن جعلت اللام موطئة للقسم كان اقتران ما بعدها بفاء الجواب ترجيحا للشرط على القسم عند اجتماعهما والأعرف أن يرجح الأول منهما فيعطى جوابه ويحذف جواب الثاني وقد يقال : إن ذلك في القسم الصريح دون القسم المدلول باللام الموطئة .
وجيء باسم الإشارة في صدر جواب الشرط لتمييز الفريق المذكور أتم تمييز وللتنبيه على أن سبب عدم مؤاخذتهم هو أنهم انتصروا بعد أن ظلموا ولم يبدأوا الناس بالبغي .
( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم [ 42 ] ) استئناف بياني فإنه لما جرى الكلام السابق كله على الإذن للذين بغي عليهم أن ينتصروا ممن بغوا عليهم ثم عقب بأن أولئك ما عليهم من سبيل كان ذلك مثار سؤال سائل عن الجانب الذي يقع عليه السبيل النفي عن هؤلاء .
والقصر المفاد ب ( إنما ) تأكيد لمضمون جملة ( فأولئك ما عليهم من سبيل ) لأنه كان يكفي لإفادة معنى القصر أن يقابل نفي السبيل عن الذين انتصروا بعد ظلمهم بإثبات أن السبيل على الظالمين لأن إثبات الشيء لأحد ونفيه عمن سواه يفيد معنى القصر وهو الأصل في إفادة القصر بطريق المساواة أو الإطناب كقول السمؤال أو غيره : .
تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير الظبات تسيل وأما طرق القصر المعروفة في علم المعاني فهي من الإيجاز فلما أوردت أداة القصر هنا حصل نفي السبيل عن غيرهم مرة أخرى بمفاد القصر فتأكد حصوله الأول الذي حصل بالنفي ونظيره قوله تعالى ( ما على المحسنين من سبيل ) إلى قوله ( إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء ) في سورة براءة .
والمراد ب ( السبيل ) عين المراد به في قوله ( فأولئك ما عليهم من سبيل ) بقرينة أنه أعيد معرفا باللام بعد أن ذكر منكرا فإن إعادة اللفظ النكرة معرفا بلام التعريف يفيد أن المراد به ما ذكر أولا . وهذا السبيل الجزاء والتبعة في الدنيا والآخرة .
وشمل عموم ( الذين يظلمون ) وعموم ( الناس ) كل ظالم وبمقدار ظلمه يكون جزاؤه . ويدخل ابتداء فيه الظالمون المتحدث عنهم وهم مشركو أهل مكة والناس المتحدث عنهم وهم المسلمون يومئذ .
والبغي في الأرض : الاعتداء على ما وضعه الله في الأرض من الحق الشامل لمنافع الأرض التي خلقت للناس مثل تحجير الزرع والأنعام المحكي في قوله تعالى ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ) ومثل تسييب السائبة وتبحير البحيرة والشامل لمخالفة ما سنه الله في فطرة البشر من الأحوال القويمة مثل العدل وحسن المعاشرة فالبغي عليها بمثل الكبرياء والصلف وتحقير الناس المؤمنين وطردهم عن مجامع القوم بغي في الأرض بغير الحق .
والأرض : أرض مكة أو جميع الكرة الأرضية وهو الأليق بعموم الآية كما قال تعالى ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ) وقال : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) فكل فساد وظلم يقع في جزء من الأرض فهو بغي مظروف في الأرض .
A E