وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين [ 40 ] ) هذه جمل ثلاث معترضة الواحدة تلو الأخرى بين جملة ( والذين إذا أصابهم البغي ) الخ وجملة ( ولمن انتصر بعد ظلمة ) . وفائدة هذا الاعتراض تحديد الانتصار والترغيب في العفو ثم ذم الظلم والاعتداء وهذا انتقال من الإذن في الانتصار من أعداء الدين إلى تحديد أجرائه بين الأمة بقرينة تفريع ( فمن عفا وأصلح ) على جملة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) إذ سمي ترك الانتصار عفوا وإصلاحا ولا عفو ولا إصلاح مع أهل الشرك .
وبقرينة الوعد بأجر من الله على ذلك العفو ولا يكون على الإصلاح مع أهل الشرك أجر .
و ( سيئة ) صفة لمحذوف أي فعلة تسوء من عومل بها . ووزن ( سيئة ) فيعلة مبالغة في الوصف مثل : هينة فعينها ياء ولامها همزة لأنها من ساء فلما صيغ منها وزن فيعلة التقت ياءان فأدغمتا أي أن المجازي يجازي من فعل معه فعلة تسوءه بفعلة سيئة مثل فعلته في السوء وليس المراد بالسيئة هنا المعصية التي لا يرضاها الله فلا إشكال في إطلاق السيئة على الأذى الذي يلحق بالظالم .
ومعنى ( مثلها ) أنها تكون بمقدارها في متعارف الناس فقد تكون المماثلة في الغرض والصورة وهي المماثلة التامة وتلك حقيقة المماثلة مثل القصاص من القاتل ظلما بمثل ما قتل به ومن المعتدي بجراح عمد وقد تتعذر المماثلة التامة فيصار إلى المشابهة في الغرض أي مقدار الضر وتلك هي المقاربة مثل تعذر المشابهة التامة في جزاء الحروب مع عدو الدين إذ قد يلحق الضر بأشخاص لم يصيبوا أحدا بضر ويسلم أشخاص أصابوا الناس بضر فالمماثلة في الحرب هي انتقام جماعة من جماعة بمقدار ما يشفي نفوس الغالبين حسبما اصطلح عليه الناس .
ومن ذلك أيضا إتلاف بعض الحواس بسبب ضرب على الرأس أو على العين فيصار إلى الدية إذ لا تضبط إصابة حاسة الباغي بمثل ما أصاب به حاسة المعتدى عليه . وكذلك إعطاء قيم المتلفات من المقومات إذ يتعسر أن يكلف الجاني بإعطاء مثل ما أتلفه .
ومن مشاكل المماثلة في العقوبة مسألة الجماعة يتمالؤون على قتل أحد عمدا أو على قطع بعض أعضائه ؛ فإن اقتص من واحد منهم كان ذلك إفلاتا لبقية الجناة من عقوبة جرمهم وإن اقتص من كل واحد منهم كان ذلك زيادة في العقوبة لأنهم إنما جنوا على واحد .
فمن العلماء من لم يعتد بتلك الزيادة ونظر إلى أن كل واحد منهم جنى على المجني عليه فاستحق الجزاء بمثل ما ألحقه بالمجني عليه وجعل التعدد ملغى وراعى في ذلك سد ذريعة أن يتحيل المجرم على التنصل من جرمه بضم جماعة إليه وهذا قول مالك والشافعي أخذا من قضاء عمر بن الخطاب وقوله : لو اجتمع على قتله أهل صنعاء لاقتصصت منهم .
ومنهم من عدل عن الزيادة مطلقا وهو قول داود الظاهري ومنهم من عدل عن تلك الزيادة في القطع ولم يعدل عنها في القتل ولعل ذلك لأن عمر بن الخطاب قضى به في القتل ولم يؤثر عن أحد في القطع . وربما ألغى بعضهم الزيادة إذا كان طريق ثبوت الجناية ضعيفا مثل القسامة مع اللوث عند من يرى القصاص بها فإن مالكا لم ير أن يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد .
واعلم أن المماثلة في نحو هذا تحقق بقيمة الغرم كما اعتبرت في الديات وأورش الجنايات .
وجملة ( إنه لا يحب الظالمين ) في موضع العلة لكلام محذوف دل عليه السياق فيقدر : أنه يحب العافين كما قال ( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) . ونصره على ظالمه موكول إلى الله وهو لا يحب الظالمين أي فيؤجر الذين عفوا وينتصر لهم على الباغين لأنه لا يحب الظالمين فلا يهمل الظالم دون عقاب ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) . وقد استفيد حب الله العافين من قوله ( إنه لا يحب الظالمين ) وعلى هذا فما صدق الظالمين : هم الذين أصابوا المؤمنين بالبغي .
ويجوز أيضا أن يكون التعليل بقوله ( إنه لا يحب الظالمين ) منصرفا لمفهوم جملة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) أي دون تجاوز المماثلة في الجزاء كقوله ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) فيكون ما صدق ( الظالمين ) : الذين يتجاوزون الحد في العقوبة من المؤمنين على أن يكون تحذيرا من مجاوزة الحد كقول النبي A " من حام الحمى يوشك أن يقع فيه "