وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

استئناف ثان بناء على أحسن الوجوه التي فسرنا بها موقع قوله ( الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ) كما تقدم فلذلك لم تعطف على التي قبلها لأن المقام مقام تعداد دلائل انفراده تعالى بالتصرف وبالإنعام عليهم حتى بفتضح خطلهم في الإشراك به وكفران نعمه فذكرهم في الآية السابقة بآثار قدرته في إيجاد الأعراض القائمة بجواهر هذا العالم وهما عرضا الظلمة والنور وفي كليهما نعم عظيمة على الناس وذكرهم في هذه الآية بآثار خلق الجواهر في هذا العالم على كيفيات هي نعمة لهم وفي خلق أنفسهم على صور صالحة بهم فأما إن جعلت اسم الجلالة في قوله ( الله الذي جعل ) الخ بدلا من ( ربكم ) في ( وقال ربكم ادعوني ) فإن جملة الله الذي جعل لكم الأرض قرارا ) تكون مستأنفة استئنافا ابتدائيا .
والموصول وصلته يجوز أن يكون صفة لاسم الجلالة فيكون الخبر قوله ( ذلكم الله ربكم ) وهو أولى لأن المقصود إثبات إلهيته وحده بدليل ما هو مشاهد من إتقان صنعه الممزوج بنعمته .
ويجوز أن يكون الموصول خبرا فيكون الخبر مستعملا في الامتنان والاعتبار . ولما كان المقصود الأول من هذه الآية الامتنان كما دل عليه قوله ( لكم ) قدمت الأرض على السماء لأن الانتفاع بها محسوس وذكرت السماء بعدها كما يستحضر الشيء بضده مع قصد إيداع دلائل علم الهيئة لمن فيهم استعداد للنظر فيها وتتبع أحوالها على تفاوت المدارك وتعاقب الأجيال واتساع العلوم .
والقرار أصله مصدر قر إذا سكن . وهو هنا من صفات الأرض لأنه في حكم الخبر عن الأرض فالمعنى يحتمل : أنه جعلها قارة غير مائدة ولا مضطربة فلم تكن مثل كرة الهواء مضطربة متحركة ولو لم تكن قارة لكان الناس في عناء من اضطرابها وتزلزلها وقد يفضي ذلك بأكثرهم إلى الهلاك وهذا في معنى قوله ( وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ) في سورة الأنبياء .
ويحتمل أن المعنى جعل الأرض ذات قرار أي قرار لكم أي جعلها مستقرا لكم كقوله تعالى ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) أي خلقها على كيفية تلائم الاستقرار عليها بأن جعلها يابسة غير سائلة ولو شاء لجعل سطح الأرض سيالا كالزئبق أو كالعجل فلا يزال الإنسان سائخا فيها يطفو تارة ويسيخ أخرى فلا يكاد يبقى على تلك الحالة وذلك كوسط سبخة " التكمرت " المسماة " شط الجريد " الفاصل بين نفطة ونفزاوة من الجنوب التونسي فإن فيها مسافات إذا مشت فيها القوافل ساخت في الأرض فلا يعثر عليها ولذلك لا تسير فيها القوافل إلا بهداة عارفين بمسالك السير في علامات منصوبة فكانت خلقه الأرض دالة على عظيم قدرة الله وعلى دقيق حكمته وعلى رحمته بالإنسان والحيوان المعمور بهما وجه الأرض .
والبناء : ما يرفع سمكه على الأرض للاتقاء من الحر والبرد والمطر والدواب . ووصف السماء بالبناء جار على طريقة التشبيه البليغ وتقدم الكلام مستوفي عند قوله تعالى ( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ) في سورة البقرة .
( وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ) لا جرم أن حكمة الله تعالى التي تعلقت بإيجاد ما يحف بالإنسان من العوالم على كيفية ملائمة له مدة بقاء نوعه على الأرض وتحت أديم السماء ولذلك أعقب التذكير بما مهد له من خلق الأرض والسماء بالتذكير بأنه خلقه مستوفيا مصلحته وراحته .
وعبر عن هذا الخلق بفعل ( صوركم ) لأن التصوير خلق على صورة مراده تشعر بالعناية ألا ترى إلى قوله تعالى ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) فاقتضى حسن الصور فلذلك عدل في جانب خلق الإنسان عن فعل الجعل إلى فعل التصوير بقوله ( وصوركم ) فهو كقوله تعالى ( الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ) ثم صرح بما اقتضاه فعل التصوير من الإتقان والتحسين بقوله ( فأحسن صوركم ) .
والفاء في قوله ( فأحسن صوركم ) عاطفة جملة على جملة ودالة على التعقيب أي أوجد صورة الإنسان فجاءت حسنة .
A E