وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فإن قلت : إذا لم يهتدوا إلى الاسترشاد بيوسف في أمور دينهم وألهاهم الاعتناء بتدبير الدنيا عن تدبير الدين فلماذا لم يدعهم يوسف إلى الاعتقاد بالحق واقتصر على أن سأل من الملك ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) .
A E قلت : لأن الله لم يأمره بالدعوة للإرشاد إلا إذا سئل منه ذلك لحكمة كما علمت آنفا فأقامه اله مقام المفتي والمرشد لمن استرشد لا مقام المحتسب المغير للمنكر و ( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ) فلما أقامه الله كذلك وعلم يوسف من قول الملك ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) أن الملك لا يريد إلا تدبير مملكته وأمواله لم يسأله أكثر مما يفي له بذلك . وأما وجوب طلبهم المعرفة والاسترشاد منه فذلك حق عليهم فمعنى ( فما زلتم في شك مما جاءكم به ) الإنحاء على أسلافهم في قلة الاهتمام بالبحث عن الكمال الأعلى وهو الكمال النفساني باتباع الدين القويم أي فما زال أسلافكم يشعرون بأن يوسف على أمر عظيم من الهدى غير مألوف لهم ويهرعون إليه في مهماتهم ثم لا تعزم نفوسهم على أن يطلبوا منه الإرشاد في أمور الدين . فهم من أمره في حالة شك أي كان حاصل ما بلغوا إليه في شأنه أنهم في شك مما يكشف لهم عن واجبهم نحوه فانقضت مدة حياة يوسف بينهم وهم في شك من الأمر .
فالملام متوجه عليهم لتقصيرهم في طلب ما ينجيهم بعد الموت قال تعالى ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ) الآيتين .
و ( حتى ) للغاية وغايتها هو مضمون الجملة التي بعدها وهي جملة ( إذا هلك ) ( وإذا ) هنا اسم لزمان المضي مجرورة ب ( حتى ) وليست بظرف أي حتى زمن هلاك يوسف قلتم : لن يبعث الله بعده رسولا أي قال أسلافكم في وقت وفاة يوسف : لا يبعث الله في المستقبل أبدا رسولا بعد يوسف يعنون : أنا كنا مترددين في الإيمان بيوسف فقد استرحنا من التردد فإنه لا يجئ من يدعي الرسالة عن الله من بعده وهذا قول جرى منهم على عادة المعاندين والمقاومين لأهل الإصلاح والفضل أن يعترفوا بفضلهم بعد الموت تندما على ما فاتهم من خير كانوا يدعونهم إليه .
وفيه ضرب من المبالغة في الكمال في عصره كما يقال : خاتمة المحققين وبقية الصالحين ومن لا يأتي الزمان بمثله وحاصله أنهم كانوا في شك من بعثه رسول واحد وأنهم أيقنوا أن يدعي الرسالة بعده كاذب فلذلك كذبوا موسى .
ومقالتهم هذه لا تقتضي أنهم كانوا يؤمنون بأنه رسول ضرورة أنهم كانوا في شك من ذلك وإنما أرادوا بها قطع هذا الاحتمال في المستقبل وكشف الشك عن نفوسهم وظاهر هذه الآية أن يوسف كان رسولا لظاهر قوله ( قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) أن رسولا حال من ضمير " من بعده " . والوجه أن يكون قوله ( رسولا ) مفعول ( يبعث ) وأنه لا يقتضي وصف يوسف به فإنه لم يرد في الأخبار عده في الرسل ولا أنه دعا إلى دين في مصر وكيف والله يقول ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ) ولا شك في أنه نبي إذا وجد مساغا للإرشاد أظهر كقوله ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) وقوله ( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ) .
وعدي فعل ( جاءكم ) إلى ضمير المخاطبين . وأسند ( فما زلتم ) و ( قلتم ) إلى ضميرهم أيضا وهو ما كانوا موجودين حينئذ قصدا لحمل تبعة أسلافهم عليهم وتسجيلا عليهم بأن التكذيب للناصحين واضطراب عقولهم في الانتفاع بدلائل الصدق قد ورثوه عن أسلافهم في جبلتهم وتقرر في نفوسهم فانتقاله إليهم جيلا بعد جيل كما تقدم في خطاب بني إسرائيل في سورة البقرة ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) ونحوه .
( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب [ 34 ] الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار [ 35 ] )