وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وعدي فعلا ( يرى ) و ( ينزل ) إلى ضمير المخاطبين وهم المؤمنون لأنهم الذين انتفعوا بالآيات فآمنوا وانتفعوا بالرزق فشكروا بالعمل بالطاعات فجعل غيرهم بمنزلة غير المقصودين بالآيات لأنهم لم ينتفعوا بها كما قال تعالى ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) فجعل غير العالمين كمن لا يعقل ولا يفقه .
ولذلك ذيلت إراءة الآيات وإنزال الرزق لهم بقوله ( وما يتذكر إلا من ينيب ) أي من آمن ونبذ الشرك لأن الشرك يصد أهله عن الإنصاف وإعمال النظر في الأدلة .
A E والإنابة : التوبة وفي صيغة المضارع إشارة إلى أن الإنابة المحصلة للمطلوب هي الإنابة المتجددة المتكررة وإذا قد كان المخاطبون منيبين إلى الله كان قوله ( وما يتذكر إلا من ينيب ) دالا بدلالة الاقتضاء على أنهم رأوا الآيات وطمأنوا بها وأنهم عرفوا قدر النعمة وشكروها فكان بين الإنابة وبين التذكر تلازم عادي ولذلك فجملة ( وما يتذكر إلا من ينيب ) تذييل .
وتقديم ( لكم ) على مفعول ( ينزل ) وهو ( رزقا ) لكمال الامتنان بأن جعل تنزيل الرزق لأجل الناس ولو أخر المجرور لصار صفة ل ( رزقا ) فلا يفيد أن التنزيل لأجل المخاطبين بل يفيد أن الرزق صالح للمخاطبين وبين المعنيين بون بعيد فكان تقديم المجرور في الترتيب على مفعول الفعل على خلاف مقتضى الظاهر لأن حق المفعول أن يتقدم على غيره من متعلقات الفعل وإنما خولف الظاهر لهذه النكتة .
وجعل تنزيل الرزق لأجل المخاطبين وهم المؤمنين إشارة إلى أن الله أراد كرامتهم ابتداء وأن انتفاع غيرهم بالرزق انتفاع بالتبع لهم لأنهم الذين بمحل الرضى من الله تعالى .
وتثار من هذه الآية مسألة الاختلاف بين الأشعرية مع الماتريدي ومع المعتزلة في أن الكافر منعم عليه أولا فعن الأشعري أن الكافر غير منعم عليه في الدنيا ولا في الدين ولا في الآخرة وقال القاضي أبو بكر الباقلاني والماتريدي : هو منعم عليه نعمة دنيوية لا دينية ولا أخروية وقالت المعتزلة : هو منعم عليه نعمة دنيوية ودينية لا أخروية فأما الأشعري فلم يعتبر بظاهر الملاذ التي تحصل للكافر في الحياة فإنما ذلك إملاء واستدراج لأن مآلها العذاب المؤلم فلا تستحق اسم النعمة وأنا أقول : لو استدل له بأنها حاصلة لهم تبعا فهي لذائذ وليست نعما لأن النعمة لذة أريد منها نفع من وصلت إليه كما أشرت إليه آنفا .
وأما الباقلاني فراعى ظاهر الملاذ فلم يمنع أن تكون نعما وإن كانت عواقبها آلاما وآيات القرآن شاهدة لقوله .
وأما المعتزلة فزادوا فزعموا أن الكافر منعم عليه دينا وأرادوا بذلك أن الله مكن الكافر من نعمة القدرة على النظر المؤدي إلى معرفة الله وواجب صفاته .
والذي استقر عليه رأي المحققين من المتكلمين أن هذا الخلاف لفظي لأنه غير ناظر إلى حقيقة حالة الكافر في الدنيا والدين وإنما نظر كل شق من أهل الخلاف إلى ما حف بأحوال الكافر في تلك النعمة فرجع إلى الخلاف في الألفاظ المصطلح عليها ومدلولاتها في حقائق المقصود منها .
( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون [ 14 ] ) تفريع على ما شاهدوا من الآيات وما أفيض عليهم من الرزق وعلى أنهم المرجوون للتذكير أي إذ كنتم بهذه الدرجة فادعوا الله مخلصين ففي الفاء معنى الفصيحة كما تقدم في قوله وما يتذكر إلا من ينيب ) .
والمعنى : أن الله أراكم آياته وأنزل لكم الرزق وما يتذكر إلا المنيبون وأنتم منهم فادعوا الله مخلصين لتوفير دواعي تلك العبادة .
والأمر مستعمل في طلب الدوام لأن المؤمنين قد دعوا الله مخلصين له فالمقصود : دوموا على ذلك ولو كره الكافرون لأن كراهية الكافرين ذلك من المؤمنين تكون سببا لمحاولتهم صرفهم عن ذلك بكل وسيلة يجدون إليها سبيلا فيخشى ذلك أن يفتن فريقا من المؤمنين فالكراهية كناية عن المقاومة والصد لأنهما لازمان للكراهية لأن شأن الكاره أن لا يصبر على دوام ما يكرهه فالأمر بقوله ( فادعوا الله مخلصين ) إلى نحو الأمر في قوله ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) .
وإظهار اسم الجلالة في قوله ( فادعوا الله ) لأن الكلام تفريغ لاستجداد غرض آخر فجعل مستقلا عما قبله