و ( شديد ) صفة مشبهة مضافة لفاعلها وقد وقعت نعتا لاسم الجلالة اعتدادا بان التعريف الداخل على فاعل الصفة يقوم مقام تعريف الصفة فلم يخالف ما هو المعروف في الكلام من اتحاد النعت والمنعوت في التعريف واكتساب الصفة المشبهة التعريف بالإضافة هو قول نحاة الكوفة طردا لباب التعريف بالإضافة وسيبويه يجوز اكتساب الصفات المضافة التعريف بالإضافة إلا الصفة المشبهة لأن إضافتها إنما هي لفاعلها في المعنى لأن أصل ما تضاف إليه الصفة المشبهة أنه كان فاعلا فكانت إضافتها إليه مجرد تخفيف لفظي والخطب سهل .
والطول يطلق على سعة الفضل وسعة المال ويطلق على القدرة كما في القاموس وظاهره الإطلاق وأقره في تاج العروس وجعله من معنى هذه الآية ووقوعه مع ( شديد العقاب ) ومزاوجتها بوصفي ( غافر الذنب وقابل التوب ) ليشير إلى التخويف بعذاب الآخرة من وصف ( شديد العقاب ) وبعذاب الدنيا من وصف ( ذي الطول ) كقوله ( أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ) وقوله ( قل إن الله قادر على أن ينزل آية ) .
وأعقب ذلك بما يدل على الوحدانية وبأن المصير أي المرجع إليه تسجيلا لبطلان الشرك وإفسادا لإحالتهم البعث .
فجملة ( لا إله إلا هو ) في موضع الصفة وأتبع ذلك بجملة ( إليه المصير ) إنذارا بالبعث والجزاء لأنه لما أجريت صفات ( غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ) أثير في الكلام الإطماع والتخويف فكان حقيقيا بأن يشعروا بان المصير إما إلى ثوابه وإما إلى عقابه فليزنوا أنفسهم ليضعوها حيث يلوح من حالهم .
وتقديم المجرور في ( إليه المصير ) للاهتمام وللرعاية على الفاصلة بحرفين : حرف لين وحرف صحيح مثل : العليم والبلاد وعقاب .
وقد اشتملت فاتحة هذه السورة على ما يشير إلى جوامع أغراضها ويناسب الخوض في تكذيب المشركين بالقرآن ويشير إلى أنهم قد اعتزوا بقوتهم ومكانتهم وأن ذلك زائل عنهم كما زال عن أمم أشد منهم فاستوفت هذه الفاتحة كمال ما يطلب في فواتح الأغراض مما يسمى براعة المطلع أو براعة الاستهلال .
( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد [ 4 ] ) استئناف بياني نشأ من قوله ( تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ) المقتضي أن كون القرآن منزلا من عند الله أمر لا ريب فيه كما تقدم فينشأ في نفوس السامعين أن يقولوا : فما بال هؤلاء المجادلين في صدق نسبة القرآن إلا الذين كفروا بالله وإذ قد كان المكذبين بالقرآن أمرا معلوما كان الإخبار عنهم بأنهم كافرون غير مقصود منه إفادة اتصافهم بالكفر فتعين أن يكون الخبر غير مستعمل في فائدة الخبر لا بمنطوقه ولا بمفهومه فإن مفهوم الحصر وهو : أن الذين آمنوا لا يجادلون في آيات الله كذلك أمر معلوم مقرر فيجوز أن يجعل المراد بالذين كفروا نفس المجادلين في آيات الله وأن المراد بكفرهم كفرهم بوحدانية الله بسبب إشراكهم فالمعنى : لا عجب في جدالهم بآيات الله فإنهم أتوا بما هو أعظم وهو الإشراك على طريقة قوله تعالى ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) .
ويجوز أن يجعل المراد بالذين كفروا جميع الكافرين بالله من السابقين والحاضرين أي ما الجدل في آيات الله إلا من شأن أهل الكفر والإشراك ومجادلة مشركي مكة شعبة من شعب مجادلة كل الكافرين فيكون استدلالا بالأعم على الخاص وعلى كلا الوجهين ترك عطف هذه الجملة على التي قبلها .
A E