وإنذارهم بما يلقون من هوله وما يترقبهم من العذاب وتوعدهم بأن لا نصير لهم يومئذ وبأن كبراءهم يتبرؤون منهم .
وتثبيت الله رسوله ص بتحقيق نصر هذا الدين في حياته وبعد وفاته .
وتخلل ذلك الثناء على المؤمنين ووصف كرامتهم وثناء الملائكة عليهم .
وورد في فضل هذه السورة الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله " من قرأ حم المؤمن إلى ( إليه المصير ) وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح " .
( حم [ 1 ] ) القول فيه كالقول في نظائره من الحروف المقطعة في أوائل السور وأن معظمهما وقع بعده ذكر القرآن وما يشير إليه لتحدي المنكرين بالعجز عن معارضته . وقد مضى ذلك في أول سورة البقرة وذكرنا هنالك أن الحروف التي أسماؤها ممدودة الآخر ينطق بها في هذه الفواتح مقصورة بحذف الهمزة تخفيفا لأنها في حالة الوقف مثل اسم " حا " في هذه السورة واسم " را " في ألرواسم " يا " في يس .
( تنزيل الكتب من الله العزيز العليم [ 2 ] ) القول فيه كالقول في فاتحة سورة الزمر . ويزاد هنا أن المقصود بتوجيه هذا الخبر هم المشركين المنكرون أن القرآن منزل من عند الله . فتجريد الخبر عن المؤكد إخراج له على خلاف مقتضى الظاهر بجعل المنكر كغير المنكر لأنه يحف به من الأدلة ما إن تأمله ارتدع عن إنكاره فما كان من حقه أن ينكر ذلك .
( غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير [ 3 ] ) أجريت على اسم الله ستة نعوت معارف بعضها بحرف التعريف وبعضها بالإضافة إلى معرف بالحرف .
ووصف الله بوصفي ( العزيز العليم ) هنا تعريض بأن منكري تنزيل الكتاب منه مغلوبون مقهورون وبأن الله يعلم ما تكنه نفوسهم فهو محاسبهم على ذلك ورمز إلى أن القرآن كلام العزيز العليم فلا يقدر غير الله على مثله ولا يعلم غير الله أن يأتي بمثله .
وهذا وجه المخالفين بين هذه الآية ونظيرتها من أول سورة الزمر التي جاء فيها وصف ( العزيز الحكيم ) على أنه يتأتى في الوصف بالعلم ما تأتي في بعض احتمالات وصف ( الحكيم ) في سورة الزمر . ويتأتى في الوصفين أيضا ما تأتى هنالك من طريقي إعجاز القرآن .
وفي ذكرهما رمز إلى أن الله أعلم حيث يجعل رسالته وأنه لا يجاري أهواء الناس فيمن يرشحونه لذلك من كبرائهم ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) .
وفي إتباع الوصفين العظيمين بأوصاف ( غافر الذنب ) و ( قابل التوب ) ( شديد العقاب ) ( ذي الطول ) ترشيح لذلك التعريض كأنه يقول : إن كنتم أذنبتم بالكفر بالقرآن فإن تدارك ذنبكم في مكنتكم لأن الله مقرر اتصافه بقبول التوبة وبغفران الذنب فكما غفر لمن تابوا من الأمم فقبل إيمانهم يغفر لمن يتوب منكم .
وتقديم ( غافر ) على ( قابل التوب ) مع أنه مرتب عليه في الحصول للاهتمام بتعجيل الإعلام به لمن استعد لتدارك أمره فوصف ( غافر الذنب وقابل التوب ) تعريض بالترغيب وصفتا ( شديد العقاب ذي الطول ) تعريض بالترهيب .
والتوب : مصدر تاب والتوب بالمثناة والتوب بالمثلثة والأوب كلها بمعنى الرجوع أي الرجوع إلى أمر الله وامتثاله بعد الابتعاد عنه . وإنما عطفت صفة ( وقابل التوب ) بالواو على صفة ( غافر الذنب ) ولم تفصل كما فصلت صفتا ( العليم غافر الذنب ) وصفة ( شديد العقاب ) إشارة إلى نكتة جليلة وهي إفادة أن يجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيجعلها له طاعة وبين أن يمحو عنه بها الذنوب التي تاب منها وندم على فعلها فيصبح كأنه لم يفعلها . وهذا فضل من الله .
A E وقوله ( شديد العقاب ) إفضاء بصريح الوعيد على التكذيب بالقرآن لأن مجيئه بعد قوله ( تنزيل الكتاب من الله ) يفيد أنه المقصود من هذا الكلام بواسطة دلالة مستتبعات التراكيب .
والمراد ب ( غافر ) و ( قابل ) أنه موصوف بمدلوليهما فيما مضى إذ ليس المراد انه سيغفر وسيقبل فاسم الفاعل فيهما مقطوع عن مشابهة الفعل وهو غير عامل عمل الفعل فلذلك يكتسب التعريف بالإضافة التي تزيد تقريبه من الأسماء وهو المحمل الذي لا يناسب غيره هنا