وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ومن أجمل الأحبار المروية فيها ما رواه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال ( لما اجتمعنا على الهجرة اتعدت أنا وهشام بن العاص السهمي وعياش بن أبي ربيعة بن عتبة . فقلنا : الموعد أضاة بني غفار وقلنا : من تأخر منا فقد حبس فليمض صاحباه . فأصبحت أنا وعياش بن عتبة وحبس عنا هشام وإذا هو قد فتن فافتتن فكنا نقول بالمدينة : هؤلاء قد عرفوا الله ثم افتتنوا لبلاء لحقهم لا نرى لهم توبة . وكانوا هم يقولون هذا في أنفسهم فأنزل الله ( قل يا عبادي الذين أسرفوا ) إلى قوله ( مثوى للكافرين ) قال عمر فكتبتها بيدي ثم بعثتها إلى هشام . قال هشام : فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى فقلت : اللهم فهمنيها فعرفت أنها نزلت فينا فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله A اه . فقول عمر " أنزل الله " يريد أنه سمعه بعد أن هاجر وأنه مما نزل بمكة فلم يسمعه عمر إذ كان في شاغل تهيئة الهجرة فما سمعها إلا وهو بالمدينة فإن عمر هاجر إلى المدينة قبل النبي A .
فالخطاب بقوله ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) تمهيد بإجمال يأتي بيانه في الآيات بعده من قوله ( وأنيبوا إلى ربكم ) . وبعد هذا فعموم ( عبادي ) وعموم صلة ( الذين أسرفوا ) يشمل أهل المعاصي من المسلمين وإن كان المقصود الأصلي من الخطاب المشركين على عادة الكلام البليغ من كثرة المقاصد والمعاني التي تفرغ في قوالب تسعها .
وقرأ الجمهور ( يا عبادي الذين أسرفوا ) بفتح ياء المتكلم وقرأه أبو عمروا وحمزة والكسائي ويعقوب بإسكان الياء . ولعل وجه ثبوت الياء في هذه الآية دون نظيرها وهو قوله تعالى ( قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ) أن الخطاب هنا للذين أسرفوا وفي مقدمتهم المشركون وكلهم مظنة تطرق اليأس من رحمة الله إلى نفوسهم فكان إثبات ( يا ) المتكلم في خطابهم زيادة تصريح بعلامة التكلم تقوية لنسبة عبوديتهم إلى الله تعالى إيماء إلى أن شأن الرب الرحمة بعباده .
والإسراف : الإكثار . والمراد به هنا الإسراف في الذنوب والمعاصي وتقدم ذكر الإسراف في قوله تعالى ( ولا تأكلوها إسرافا ) في سورة النساء وقوله ( فلا يسرف في القتل ) في سورة الإسراء .
والأكثر أن يعدى إلى متعلقة بحرف ( من ) وتعديته هنا ب ( على ) لأن الإكثار هنا من أعمال تتحملها النفس وتثقل بها وذلك متعارف في التبعات والعدوان تقول : أكثرت على فلان فمعنى ( أسرفوا على أنفسهم ) : أنهم جلبوا لأنفسهم ما تثقلهم تبعته ليشمل ما اقترفوه من شرك وسيئات .
والقنوط : اليأس وتقدم في قوله ( فلا تكن من القانطين ) في سورة الحجر .
وجملة ( إن الله يغفر الذنوب جميعا ) تعليل للنهي عن اليأس من رحمة الله .
ومادة الغفر ترجع إلى الستر وهو يقتضي وجود المستور واحتياجه للستر فدل ( يغفر الذنوب ) على أن الذنوب ثابتة أي المؤاخذة بها ثابتة والله يغفرها أي يزيل المؤاخذة بها وهذه المغفرة تقتضي أسبابا أجملت هنا وفصلت في دلائل أخرى من الكتاب والسنة منها قوله تعالى ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) وتلك الدلائل يجمعها أن للغفران أسبابا تطرأ على المذنب ولولا ذلك لكانت المؤاخذة بالذنوب عبثا ينزه عنه الحكيم تعالى كيف وقد سماها ذنوبا وتوعد عليها فكان قوله ( إن الله يغفر الذنوب ) دعوة إلى تطلب أسباب هذه المغفرة فإذا طلبها المذنب عرف تفصيلها .
A E و ( جميعا ) حال من ( الذنوب ) أي حال جميعها أي عمومها فيغفر كل ذنب منها إن حصلت من المذنب أسباب ذلك . وسيأتي الكلام على كلمة ( جميع ) عند قوله تعالى ( والأرض جميعا قبضته ) في هذه السورة .
وجملة ( إنه هو الغفور الرحيم ) تعليل لجملة ( يغفر الذنوب جميعا ) أي لا يعجزه أن يغفر جميع الذنوب ما بلغ جميعها من الكثرة لأنه شديد الغفران شديد الرحمة .
فبطل بهذه الآية قول المرجئة إنه لا يضر مع الإيمان شيء .
( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون [ 54 ] ) لما فتح لهم باب الرجاء أعقبه بالإرشاد إلى وسيلة المغفرة معطوفا بالواو وللدلالة على الجمع بين النهي عن القنوط من الرحمة وبين الإنابة جمعا يقتضي المبادرة وهي أيضا مقتضى صيغة الأمر