وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وعموم الطوفان هو مقتضى ظواهر الكتاب والسنة ومن قالوا إن الطوفان لم يعم الأرض فإنما أقدموا على إنكاره من جهة قصر المدة التي حددت بها كتب الإسرائيليين وليس يلزم الاطمئنان لها في ضبط عمر الأرض وأحداثها وذلك ليس من القواطع ويكون القصر إضافيا أي لم يبق من قومه الذين أرسل إليهم . وقد يقال : نسلم أن الطوفان لم يعم الأرض ولكنه عم البشر لأنهم كانوا منحصرين في البلاد التي أصابها الطوفان ولئن كانت أدلة عموم الطوفان غير قطعية فإن مستندات الذين أنكروه غير ناهضة فلا تترك ظواهر الأخبار لأجلها .
وزاد الله في عداد كرامة نوح عليه السلام قوله ( وتركنا عليه في الآخرين ) فتلك نعمة خامسة .
والترك : حقيقة تخليف شيء والتخلي عنه . وهو هنا مراد به الدوام على وجه المجاز المرسل أو الاستعارة لأن شأن النعم في الدنيا أنها متاع زائل بعد طال مكثها أو قصر فكأن زوالها استرجاع من معطيها كما جاء في الحديث " لله ما أخذ وله ما أعطى " فشرف الله نوحا بأن أبقى نعمة عليه في أمم بعده .
وظاهر ( الآخرين ) أنها باقية في جميع الأمم إلى انقضاء العالم وقرينة المجاز تعليق ( عليه ) ب ( تركنا ) لأنه يناسب الإبقاء يقال : أبقى على كذا أي حافظ عليه ليبقى ولا يندثر وعلى هذا يكون ل ( تركنا ) مفعول وبعضهم قدر له مفعولا يدل عليه المقام أي تركنا ثناء عليه فيجوز أن يراد بهذا الإبقاء تعميره ألف سنة فهو إبقاء أقصى ما يمكن إبقاء الحي إليه فوق ما هو متعارف .
ويجوز أن يراد بقاء حسن ذكره بين الأمم كما قال إبراهيم ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) فكان نوح مذكورا بمحامد الخصال حتى قيل : لا تجهل أمة من أمم الأرض نوحا وفضله وتمجيده وإن اختلفت الأسماء التي يسمونه بها باختلاف لغاتهم . فجاء في سفر التكوين الإصحاح التاسع كان نوح رجلا بارا كاملا في أجياله وسار نوح مع الله .
وورد ذكره قبل الإسلام في قول النابغة : .
فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون وذكره لبني إسرائيل في معرض الاقتداء به في قوله ( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ) .
وذكر ابن خلدون : أن بعضهم يزعم أن نوحا هو " أفريدون " ملك بلاد الفرس وبعضهم يزعم أن نوحا هو " أوشهنك " ملك الفرس الذي كان بعد " كيومرث " بمائتي سنة وهو يوافق أن نوحا كان بعد آدم وهو كيومرث بمائتي سنة حسب كتب الإسرائيليين . على أن كيومرث يقال : إنه آدم كما تقدم في سورة البقرة .
ومتعلق ( غليه ) من قوله ( وتركنا عليه ) لم يحم أحد من المفسرين حوله فيما اطلعت والوجه أن يتعلق ( عليه ) بفعل ( تركنا ) بتمضين هذا الفعل معنى ( أنعمنا ) فكان مقتضى الظاهر أن يعدى هذا الفعل باللام فلما ضمن معنى أنعمنا أفاد بمادته معنى الإبقاء له أي إعطاء شيء من الفضائل المدخرة التي يشبه إعطاؤها ترك أحد متاعا نفسيا لمن يخليه هو له ويخلفه فيه . وأفاد بتعليق حرف ( على ) به أن هذا الترك من قبيل الإنعام والتفضيل وكذلك شأن التضمين أن يفيد المضمن مفاد كلمتين فهو من ألطف الإيجاز .
ثم إن مفعول ( تركنا ) لما كان محذوفا وكان فعل ( أنعمنا ) الذي ضمنه فعل ( تركنا ) مما يحتاج إلى متعلق معنى المفعول كان محذوفا أيضا مع عامله فكان التقدير : وتركنا له ثناء وأنعمنا عليه فحصل في قوله ( تركنا عليه ) حذف خمس كلمات وهو إيجاز بديع .
ولذلك قدر جمهور المتقدمين من المفسرين ( وتركنا ) ثناء حسنا عليه .
وجملة ( سلام على نوح في العالمين ) إنشاء ثناء الله على نوح وتحية له ومعناه لازم التحية وهو الرضى والتقريب وهو نعمة سادسة . وتنوين ( سلام ) للتعظيم ولذلك شاع الابتداء بالنكرة لأنها كالموصوف .
A E والمراد بالعالمين : الأمم والقرون وهو كناية عن دوام السلام عليه كقوله تعالى ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) في حق عيسى عليه السلام وكقوله ( سلام على آل ياسين ) ( سلام على إبراهيم ) .
وفي ( العالمين ) حال فهو ظرف مستقر أو خبر ثان عن ( سلام )