وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

واعلم أن الحكمة في أن لا يكون القرآن من الشعر مع أن المتحدين به بلغاء العرب وجلهم شعراء وبلاغتهم هي الجمع بين الإعجاز وبين سد باب الشبهة التي تعرض لهم أو جاء القرآن على موازين الشعر وهي شبه الغلط أو المغالطة بعدهم النبي A في زمن الشعراء فيحسب جمهور الناس الذين لا تغوص مدركاتهم على الحقائق أن ما جاء به الرسول ليس بالعجيب وأن هذا الجائي به ليس بنبي ولكنه شاعر فكان القرآن معجزا لبلغاء العرب بكونه من نوع كلامهم لا يستطيعون جحودا لذلك ولكنه ليس من الصنف المسمى بالشعر بل هو فائق على شعرهم في محاسنه البلاغية وليس هو في أسلوب الشعر بالأوزان التي ألفوها بل هو في أسلوب الكتب السماوية والذكر .
ولقد ظهرت حكمة علام الغيوب في ذلك فإن المشركين لما سمعوا القرآن ابتدروا إلى الطعن في كونه منزلا من عند الله بقولهم في الرسول : هو شاعر أي أن كلامه شعر حتى أفاقهم من غفلتهم عقلاؤهم مثل الوليد بن المغيرة وأنيس بن جنادة الغفاري وحتى قرعهم القرآن بهذه الآية ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) .
وبعد هذا فإن إقامة الشعر لا يخلو الشاعر فيها من أن يتصرف في ترتيب الكلام تارات بما لا تقضيه الفصاحة مثل ما وقع لبعض الشعراء من التعقيد اللفظي ومثل تقديم وتأخير على خلاف مقتضى الحال فيعتذر لوقوعه بعذر الضرورة الشعرية فإذا جاء القرآن شعرا قصر في بعض المواضع عن إيفاء جميع مقتضى الحال حقة . وسنذكر عند تفسير قوله تعالى ( وما ينبغي له ) وجوها ينطبق معظمها على ما أشار إليه قوله تعالى هنا ( وما علمناه الشعر ) . وقد قال ابن عطية : إن الضمير المجرور باللام في قوله ( وما ينبغي له ) يجوز أن يعود على القرآن كما سيأتي .
وقوله ( وما ينبغي له ) جملة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين قصد منها اتباع نفي أن يكون القرآن الموحى به للنبي A شعرا بنفي أن يكون النبي A شاعرا فيما يقوله من غير ما أوحى به إليه أي فطر الله النبي A على النفرة بين ملكته الكلامية والملكة الشاعرية أي لم يجعل له ملكة أصحاب قرض الشعر لأنه أراد أن يقطع من نفوس المكذبين دابر أن يكون النبي A شاعرا وأن يكون قرآنه شعرا ليتضح بهتانهم عند من له أدنى مسكة من تمييز للكلام وكثير ما هم بين العرب رجالهم وكثير من نسائهم غير زوج عبد الله بن رواحة ونظيراتها والواو اعتراضية .
وضمير ( ينبغي ) عائد إلى الشعر وضمير ( له ) يجوز أن يكون عائد إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قوله ( علمناه ) وهو الظاهر . وجوز ابن عطية أن يعود إلى القرآن الذي يتضمنه فعل ( علمناه ) فجعل جملة ( وما ينبغي له ) بمنزلة التعليل لجملة ( وما علمناه الشعر ) .
A E ومعنى ( وما ينبغي له ) ما يتأتى له الشعر وقد تقدم عند قوله تعالى ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ أن يتخذ ولدا ) تفصيل ذلك في سورة مريم وتقدم قريبا عند قوله ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) . فأصل معنى ( ينبغي ) يستجيب للبغي أي الطلب الملح . ثم غلب في معنى يتأتى ويستقيم فتنوسي منه معنى المطاوعة وصار ( ينبغي ) بمعنى يتأتى يقال : لا ينبغي كذا أي لا يتأتى . قال الطيبي : روي عن الزمخشري أنه قال في كتاب سيوبية " كل فعل فيه علاج يأتي مطاوعه على الانفعال : كضرب وطلب وعلم وما ليسي فيه علاج : كعدم وفقد لا يأتي في مطاوعه الانفعال البتة " اه .
ومعنى كون الشعر لا ينبغي له : أن قول الشعر لا ينبغي له لأن الشعر صنف من القول له موازين وقواف فالنبي A منزه عن قرض الشعر وتأليفه أي ليست من طباع ملكته إقامة الموازين الشعرية وليس المراد أنه لا ينشد الشعر لأن إنشاد الشعر غير تعلمه وكم من رواية للأشعار ومن نقاد للشعر لا يستطيع قول الشعر وكذلك كان النبي A قد انتقد الشعر ونبه على بعض مزايا فيه وفضل بعض الشعراء على بعض وهو مع ذلك لا يقرض شعرا . وربما أنشد البيت فغفل عن ترتيب كلماته فربما اختل وزنه في إنشاده وذلك من تمام النافرة بين ملكة بلاغته وملكة الشعراء إلا ترى أنه لم يكن مطردا فربما أنشد البيت موزونا