وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأشارت الآية إلى التفرق الشهير الذي أصيبت به قبيلة سبا إذ حملهم خراب السد وقحولة الأرض إلى مفارقة تلك الأوطان مفارقة وتفريقا ضربت به العرب المثل في قولهم : ذهبوا أو تفرقوا أيدي سبا أو أيادي سبا بتخفيف همزة سبا لتخفيف المثل . وفي لسان العرب في مادة " يدي " قال المعري : لم يهمزوا سبا لأنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد . هكذا ولعله التباس أو تحريف وإنما ذكر المعري عدم إظهار الفتحة على ياء " أيادي " أو " أيدي " كما هو مقتضى التعليل لأن التعليل يقتضي التزام فتح همزة سبا كشأن المركب المزجي . قال في لسان العرب : وبعضهم ينونه إذا خففه قال ذو الرمة : .
فيا لك من دار تفرق أهلها ... أيادي سبا عنها وطال انتقالها والأكثر عدم تنوينه قال كثير : .
أيادي سبا يا عز ما كنت بعدكم ... فلم يحل بالعينين بعدك منظر والأيادي والأيدي فيه جمع يد . واليد بمعنى الطريق .
والمعنى : أنهم ذهبوا في مذاهب شتى يسلكون منها إلى أقطار عدة كقوله تعالى ( كنا طرائق قددا ) . وقيل : الأيادي جمع يد بمعنى النعمة لان سبا تلفت أموالهم . وكانت سبا قبيلة عظيمة تنقسم إلى عشرة أفخاذ وهم : الأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار وبجيلة وعاملة وهم خزاعة وغسان ولخم وجذام .
فلما فارقوا مواطنهم فالستة الأولون تفرقوا في اليمن ولأربعة الأخيرون خرجوا إلى جهات قاصية فلحقت الأزد بعمان ولحقت خزاعة بتهامة في مكة ولحقت الأوس والخزرج بيثرب ولعلهم معدودون في لخم ولقت غسان ببصرى والغوير من بلاد الشام ولحقت لخم بالعراق .
وقد ذكر أهل القصص لهذا التفرق سببا هو أشبه بالخرافات فأعرضت عن ذكره وهو موجود في كتب السير والتواريخ . وعندي أن ذلك من خذلان من الله تعالى سلبهم التفكير في العواقب فاستخفف الشيطان أحلامهم فجزعوا من انقلاب حالهم ولم يتدرعوا بالصبر حين سلبت عنهم النعمة ولم يجأروا إلى الله بالتوبة فبعثهم الجزع والطغيان والعناد وسوء التدبير من رؤسائهم على أن فارقوا أوطانهم عوضا من أن يلموا شعثهم ويرقعوا خرقهم فتشتتوا في الأرض ولا يخفى ما يلاقون من ذلك من نصب وجوع ونقص من الأنفس والحمولة والأزواد والحلول في ديار أقوام لا يرثون لحالهم ولا يسمحون لهم بمقاسمة أموالهم فيمونون بينهم عافين .
وجملة ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) تذييل فلذلك قطعت وافتتاحها بأداة التوكيد للاهتمام بالخير . والمشار إليه بذلك هو ما تقدم من قوله ( لقد كان لسبإ في مساكنه آية ) .
ويظهر أن هذا التذييل تنهية للقصة وأن ما بعد هذه الجملة متعلق بالغرض الأول المتعلق بأقوال المشركين والمنتفل منه إلى العبرة بداود وسليمان والممثل لحال المشركين فيه بحال أهل سب .
A E وجمع ( الآيات ) لأن في تلك القصة عدة آيات وعبر فحلة مساكنهم آية على قدرة الله ورحمته وإنعامه . وفيه آية على أنه الواحد بالتصرف وفي إرسال سير العرم عليه آية على انفراده وحده بالتصرف وعلى أنه المنتقم وعل أنه واحد فلذلك عاقبهم على الشرك وفي انعكاس حالهم من الرفاهة إلى الشظف آية على تقلب الأحوال وتغير العالم وآية على صفات الأحوال لله تعالى من خلق ورزق وإحياء وإماتة وفي ذلك آية من عدم الاطمئنان لدوام حال في الخير والشر . وفيما كان من عمران إقليمهم واتساع قراهم إلى بلاد الشام آية على مبلغ العمران وعظم السلطان من آيات التصرفات وآية من الأمن أساس العمران . وفي تمنيهم زوال ذلك آية على ما قد تبلغه العقول من الانحطاط المفضي إلى اختلال أمور الأمة وذهاب عظمتها وفيما صاروا إليه من النزوح عن الأوطان والتشتت في الأرض آية على ما يلجئ الاضطرار إليه الناس من ارتكاب الأخطار والمكاره كما يقول المثل : الحمى أرضعتني إليك .
والجمع بين ( صبار ) و ( شكور ) في الوصف لإفادة أن واجب المؤمن التخلق بالخلقين وهما : الصب على المكاره والشمر على النعم وهؤلاء المتحدث عنهم لم يشكروا النعمة فيطروها ولم يصبروا على ما أصابهم من زوالها فاضطربت نفوسهم وعمهم الجزع فخرجوا من ديارهم وتفرقوا في الأرض ولا تسأل عما لا قوة في ذلك من المتآلف والمذلات