وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والأظهر عندي أن يكون هذا القول قالوه جوابا عن مواعظ أنبيائهم والصالحين منهم حين ينهونهم عن الشرك فهم يعظونهم بأن الله أنعم عليهم بتلك الرفاهية فهم يجيبون بهذا القول إفحاما لدعاة الخير منهم على نحو قول كفار قريش : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب أليم ) قبل هذا لا ( فأعرضوا فإن الإعراض يقتضي دعوة لشيء ) ويفيد هذا المعنى قوه ( وظلموا أنفسهم ) عقب حكاية قولهم لفأنه أما معطوف على جملة ( فقالوا ) أي فأعقبوا ذلك بكفران النعمة وبالإشراك فإن ظلم النفس أطلق كثيرا على الإشراك في القرآن وما الإشراك إلا أعظم كفران نعمة الخالق .
ويجوز أن تكون جملة ( وظلموا أنفسهم ) في موضع الحال والواو واو الحال أي قالوا ذلك وقد ظلموا أنفسهم بالشرك فكان قولهم مقارنا للإشراك .
وعلى الاعتبارين فإن العقاب إنما كان مسببا بسببين كما هو صريح قوله ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ) إلى قوله ( إلا الكفور ) .
فالمسبب على الكفر هو استئصالهم وهو مدلول قوله ( فجعلناهم أحاديث ) كما ستعرفه والمسبب على كفران نعمة تقارب البلاد هو تمزيقهم كل ممزق أي تفريقهم فنظم الكلام جاء على طريقة اللف والنشر المشوش .
ودرج المفسرون على أنهم دعوا الله بذلك ويعكر عليه أنهم لم يكونوا مقرين بالله فيما يظهر فإن درجنا على أنهم عرفوا الله ودعوه بهذا الدعاء لأنهم لم يقدروا نعمته العظيمة قدرها فسألوا الله أن تزول تلك القرى العامرة ليسيروا في الفيافي ويحملوا الأزواد من الميرة والشراب .
ثم يحتمل أن يكون أصحاب هذه المقالة ممن كانوا أدركوا حالة تباعد الأسفار في بلادهم قبل أن تؤول إلى تلك الحضارة أو ممن كانوا يسمعون أحوال الأسفار الماضية في بلادهم أو أسفار الأمم البادية فتروق لهم تلك الأحوال وهذا من كفر النعمة الناشئ عن فساد الذوق في إدراك المنافع وأضدادها . ومباعدة بصيغة المفاعلة القائمة مقام همزة التعدية والتضعيف . فالمعنى : ربنا ابعد بين أسفارنا . وقال النبي A " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب " .
وقرأه الجمهور ( باعد ) . وقرأ ابن كثير وابن عمرو ( بعد ) بفتح الباء وتشديد العين . وقرأه يعقوب وحده ( ربنا ) بالرفع و ( باعد ) بفتح العين وفتح الدال بصيغة الماضي على إن الجملة خبر المبتدأ . والمعنى : أنهم تذمروا من ذلك العمران واستقلوه وطلبوا أن تزداد البلاد قربا وذلك من بطر النعمة بطلب ما يتعذر حينئذ .
والتركيب يعطي معنى ( أجعل البعد بين أسفارنا ) . ولما كانت ( بين ) تقتضي أشياء تعين أن المعنى : باعد بين السفر والسفر من أسفارنا . ومعنى ذلك إبعاد المراحل لأن كل مرحلة تعتبر سفرا أي باعد بين مراحل أسفارنا .
A E ومعنى ( فجعلناهم أحاديث ) جعلنا أولئك الذين كانوا في الجنات وفي بحبوحة العيش أحاديث أي لم يبق منهم أحد فصار وجودهم في الأخبار والقصص وأبادهم الله حين تفرقوا بعد سيل العرم فكان ذلك مسرعا فيهم بالفناء بالتغرب في الأرض والفاقة وتسلط العوادي عليهم في الطرقات كما ستعمله . وفعل الجعل يقتضي تغييرا ولما علق بذواتهم انقلبت من ذوات مشاهدة إلى كونها أخبارا مسموعة . والمعنى : انهم هلكوا وتحدث الناس بهم . وهذا نظير قولهم : دخلوا في خبر كان وإلا فإن الحديث لا يخلوا منها أحد ولا جماعة . وقد يكون في المدح كقوله : .
هاذي قبورهم وتلك قصورهم ... وحديثهم مستودع الأوراق أو أريد : فجعلناهم أحاديث اعتبار وموعظة أي فأصبناهم بأمر غريب من شأنه أن يتحدث به الناس فيكون " أحاديث " موصوفا بصفة مقدرة دل عليها السياق مثل قوله تعالى ( يأخذ كل سفينة غصبا ) أي كل سفينة صالحة بقرينة قوله ( فأردت أن أعيبها ) .
والتمزيق : تقطيع الثوب قطعا استعير هنا للتفريق تشبيها لتفريق جامعة القوم شذر مذر بتمزيق الثوب قطعا .
و ( كل ) منصوب على المفعولية المطلقة لأنه بمعنى الممزق كله فاكتسب معنى المفعولية المطلقة من إضافته إلى المصدر .
ومعنى ( كل ) كثيرة التمزيق لأن " كلا " ترد كثيرا بمعنى الكثير لا بمعنى الجميع قال تعالى ( ولو جاءتهم كل آية ) وقال النابغة : .
" بها كل ذيال