وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وابتدأ بأمره بأول أشغال البناء للدلالة على العناية بالشروع من أول أوقات الأمر لأن ابتداء البناء يتأخر إلى ما بعد إحضار مواده فلذلك أمره بالأخذ في إحضار تلك المواد التي أولها الإيقاد أي إشعال التنانير لطبخ الآجر . وعبر عن الآجر بالطين لأنه قوام صنع الآجر وهو طين معروف . وكأنه لم يأمره ببناء من حجر وكلس قصدا للتعجيل بإقامة هذا الصرح المرتفع إذ ليس مطلوبا طول بقائه بإحكام بنائه على مر العصور بل المراد سرعة الوصول إلى ارتفاعه كي يشهده الناس ويحصل اليأس ثم ينقض من الأساس .
وعدل عن التعبير بالآجر قال ابن الأثير في المثل السائر : لأن كلمة الآجر ونحوها كالقرمد والطوب كلمات مبتذلة فذكر بلفظ الطين اه . وأظهر من كلام ابن الأثير : أن العدول إلى الطين لأنه أخف وأفصح .
وإسناد الإيقاد على الطين إلى هامان مجاز عقلي باعتبار أنه الذي يأمر بذلك كما يقولون : بنى السلطان قنطرة وبنى المنصور بغداد .
وتقدم ذكر هامان آنفا وأنه وزير فرعون . وكانت أوامر الملوك في العصور الماضية تصدر بواسطة الوزير فكان الوزير هو المنفذ لأوامر الملك بواسطة أعوانه من كتاب وأمراء ووكلاء ونحوهم كل فيما يليق به .
والصرح : القصر المرتفع وقد تقدم عند قوله تعالى ( قيل لها ادخلي الصرح ) في سورة النمل .
ورجا أن يصل بهذا الصرح إلى السماء حيث مقر إله موسى . وهذا من فساد تفكيره إذ حسب أن السماء يوصل إليها بمثل هذا الصرح ما طال بناؤه وأن الله مستقر في مكان من السماء .
والاطلاع : الطلوع القوي المتكلف لصعوبته .
وقوله ( وإني لأظنه من الكاذبين ) استعمل فيه الظن بمعنى القطع فكانت محاولته الوصول إلى السماء لزيادة تحقيق ظنه أو لأنه أراد أن يقنع قومه بذلك . ولعله أراد بهذا تمويه الأمر على قومه ليلقي في اعتقادهم أن موسى ادعى أن الله في مكان معين يبلغ إليه ارتفاع صرحه . ثم يجعل عدم العثور على الإله في ذلك الارتفاع دليلا على عدم وجود الإله الذي ادعاه موسى . وكانت عقائد أهل الضلالة قائمة على التخيل الفاسد وكانت دلائلها قائمة على تمويه الدجالين من زعمائهم .
وقوله ( من الكاذبين ) يدل على أنه يعده من الطائفة الذين شأنهم الكذب كما تقدم في قوله تعالى ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) .
ولم يذكر القرآن أن هذا الصرح بني وليس هو أحد الأهرام لأن الأهرام بنيت من حجارة لا من آجر ولأنها جعلت مدافن للذين بنوها من الفراعنة . واختلف المفسرون هل وقع بناء هذا الصرح وتم أو لم يقع ؛ فحكى بعضهم أنه تم وصعد فرعون إلى أعلاه ونزل وزعم أنه قتل رب موسى . وحكى بعضهم أن الصرح سقط قبل إتمام بنائه فأهلك خلقا كثيرا من عملة البناء والجند . وحكى بعضهم أنه لم يشرع في بنائه . وقد لاح لي في معنى الآية وجه آخر سأذكره في سورة المؤمن .
( واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون [ 39 ] ) الاستكبار : أشد من الكبر أي تكبر تكبرا شديدا إذ طمع في الوصول إلى الرب العظيم وصل الغالب أو القرين .
A E وجنوده : أتباعه . فاستكباره هو الأصل واستكبار جنوده تبع لاستكباره لأنهم يتبعونه ويتلقون ما يمليه عليهم من العقائد .
والأرض يجوز أن يراد بها المعهودة أي أرض مصر وأن يراد بها الجنس أي في عالم الأرض لأنهم كانوا يوم إذ أعظم أمم الأرض .
وقوله ( بغير الحق ) حالة لازمة لعاملها إذ لا يكون الاستكبار إلا بغير الحق . وقوله ( وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ) معلوم بالفحوى من كفرهم بالله وإنما صرح به لأهمية إبطاله فلا يكتفي فيه بدلالة مفهوم الفحوى ولأن في التصريح به تعريضا بالمشركين في أنهم وإياهم سواء فليضعوا أنفسهم في أي مقام من مقامات أهل الكفر وقد كان أبو جهل يلقب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة وأخذا من تعريضات القرآن .
ومعنى ذلك : ظنوا أن لا بعث ولا رجوع بأنهم كفروا بالمرجوع إليه . فذكر ( إلينا ) لحكاية الواقع وليس بقيد فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين . وتقديم ( إلينا ) على عامله لأجل الفاصلة