وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقوله ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) خفي فيه محصل المعنى المنتزع من تركيبه فكان مجال تردد المفسرين في تنيينه واعتكرت محامل كلماته فما استقام محمل إحداها إلا وناكده محمل أخرى . وهي ألفاظ : جناح ورهب وحرف ( من ) . فسلكوا طرائق لا توصل إلى مستقر . وقد استوعبت في كلام القرطبي والزمخشري . قال بعضهم : إن في الكلام تقديما وتأخير وإن قوله ( من الرهب ) متعلق بقوله ( ولى مدبرا ) على أن ( من ) حرف للتعليل أي أدبر لسبب الخوف وهذا لا ينبغي الالتفات إليه إذ لا داعي لتقديم وتأخير ما زعموه على ما فيه من طول الفصل بين فعل ( ولى ) وبين ( من الرهب ) .
وقيل الجناح : اليد ولا يحسن أن يكون مجازا عن اليد لأنه يفضي إما إلى تكرير مفاد قوله ( اسلك يدك في جيبك ) وحرف العطف مانع من احتمال التأكيد . وادعاء أن يكون التكرير لاختلاف الغرض من الأول والثاني كما في الكشاف بعيد أو يؤول بأن وضع اليد على الصدر يذهب الخوف كما عزي إلى الضحاك عن ابن عباس وإلى مجاهد وهو تأويل بعيد . وهذا ميل إلى أن الجناح مجاز مرسل مراد به يد الإنسان . وللجناح حقيقة ومجازات مرسل بين مرسل واستعارة وقد ورد في القرآن وغيره في تصاريف معانيه وليس وروده في بعض المواضع بمعنى بقاض بحمله على ذلك المعنى حيثما وقع في القرآن . ولذا فالوجه أن قوله ( واضمم إليك جناحك ) تمثيل بحال الطائر بدلا من أن تطير خوفا . وهذا مأخوذ من أحد وجهين ذكرهما الزمخشري قيل وأصله لأبي علي الفارسي . والرهب معروف أنه الخوف كقوله تعالى ( يدعوننا رغبا ورهبا ) .
والمعنى : انكفف عن التخوف من أمر الرسالة . وفي الكلام إيجاز وهو ما دل عليه قوله بعده ( قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ) فقوله ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) في معنى قوله تعالى ( فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) .
وقرأ الجمهور ( الرهب ) بفتح الراء والهاء وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف بضم الراء وسكون الهاء . وقرأه حفص عن عاصم بفتح الراء وسكون الهاء وهي لغات فصيحة .
( فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملإيه إنهم كانوا قوما فاسقين [ 32 ] ) تفريع على قوله ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) والإشارة إلى العصا وبياض اليد . والبرهان : الحجة القاطعة . و ( من ) للابتداء و ( إلى ) للانتهاء المجازي أي حجتان على أن أرسل بهما إليهم .
وجملة ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) تعليل لجملة ( فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه ) لتضمنها أنهم بحيث يقرعون بالبراهين فبين أن سبب ذلك تمكن الكفر من نفوسهم حتى كان كالجبلة فيهم وبه قوام قوميتهم لما يؤذن به قوله ( كانوا ) . قوله ( قوما ) كما تقدم في قوله تعالى ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة . والفسق : الإشراك بالله .
وقرأ الجمهور ( فذانك ) بتخفيف النون من ( ذانك ) على الأصل في التثنية . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بتشديد نون ( فذانك ) وهي لغة تميم وقيس . وعللها النحويون بأن تضعيف النون تعويض على الألف من ( ذا ) و ( تا ) المحذوفة لأجل صيغة التثنية . وفي الكشاف : أن التشديد عوض عن لام البعد التي تلحق اسم الإشارة فلذلك قال " فالمخفف مثنى ذاك والمشدد مثنى ذلك " . وهذا أحسن .
( قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون [ 33 ] ) A E جرى التأكيد على الغالب في استعمال أمثاله من الأخبار الغريبة ليتحقق السامع وقوعها وإلا فإن الله قد علم ذلك لما قال له ( اضمم إليك جناحك من الرهب ) . والمعنى : فأخاف أن يذكروا قتلي القبطي فيقتلوني . فهذا كالاعتذار وهو يعلم أن رسالة لله لا يتخلص منها بعذر ولكنه أراد أن يكون في أمن إلهي من أعدائه . فهذا تعريض بالدعاء ومقدمة لطلب تأييده بهارون أخيه .
( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردا يصدقني إني أخاف أن يكذبون [ 34 ] ) هذا سؤال صريح يدل على أن موسى لا يريد بالأول التنصل من التبليغ ولكنه أراد تأييده بأخيه . وإنما عينه ولم يسأل مؤيدا ما لعلمه بأمانته وإخلاصه لله ولأخيه وعلمه بفصاحة لسانه