وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأما آية هذه السورة فقد جاءت بعد ذكر ما أرسل به الرسل إلى أقوامهم من التوحيد وإبطال الشرك فكان حظ الرسل من ذلك أكثر كما يقتضيه افتتاح الخطاب ب ( يا أيها الرسل ) فكان ذكر الأمر بالتقوى هنا أنسب بالمقام لأن التقوى لا حد لها فالرسل مأمورون بها وبالازدياد منها كما قال تعالى في حق نبيه ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) ثم قال في حق الأمة ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) الآية . وقد مضى في تفسير سورة الأنبياء شيء من الإشارة إلى هذا ولكن ما ذكرناه هنا أبسط فضمه إليه وعول عليه .
وقد فات في سورة الأنبياء أن نبين عربية قوله تعالى ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) فوجب أن نشبع القول فيه هنا . فالإشارة بقوله ( هذه ) إلى أمر مستحضر في الذهن بينه الخبر والحال ولذلك أنث اسم الإشارة أي هذه الشريعة التي أوحينا إليك هي شريعتك . ومعنى هذه الإخبار أنك تلتزمها ولا تنقص منها ولا تغير منها شيئا ولأجل هذا المراد جعل الخبر ما حقه أن يكون بيانا لاسم الإشارة لأنه لم يقصد به بيان اسم الإشارة بل قصد به الإخبار عن اسم الإشارة لإفادة الاتحاد بين مدلولي اسم الإشارة وخبره فيفيد أنه هو هو لا يغير عن حاله .
قال الزجاج : ومثل هذه الحال من لطيف النحو وغامضه إذ لا تجوز إلا حيث يعرف الخبر . ففي قولك : هذا زيد قائما لا يقال إلا لمن يعرفه فيفيده قيامه ولو لم يكن كذلك لزم أن لا يكون زيدا عند عدم القيام وليس بصحيح .
وبهذا يعلم بأنه ليس المقصود من الإخبار عن اسم الإشارة حقيقته بل الخبر مستعمل مجازا في معنى التحريض والملازمة وهو يشبه لازم الفائدة وإن لم يقع في أمثلتهم ومنه قوله تعالى ( وهذا بعلي شيخا ) فإن سارة قد علمت أن الملائكة عرفوا أن إبراهيم بعلها إذ قد بشروها بإسحاق . وإنما المعنى : وهذا الذي ترونه هو بعلي الذي يترقب منه النسل المبشر به أي حاله ينافي البشارة ولذلك يتبع مثل هذا التركيب بحال تبين المقصود من الإخبار كما في هذه الآية . وقد تقدم ذكر لطيفة في تلك الآية .
( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون [ 53 ] ) جيء بفاء التعقيب لإفادة أن الأمم لم يتريثوا عقب تبليغ الرسل إياهم ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) أن تقطعوا أمرهم بينهم فاتخذوا آلهة كثيرة فصار دينهم متقطعا قطعا لكل فريق صنم وعبادة خاصة به . فضمير ( تقطعوا ) عائد إلى الأمم المفهوم من السياق الذين هم المقصود من قوله ( وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) . وضمير الجمع عائد إلى أمم الرسل يدل عليه السياق .
فالكلام مسوق مساق الذم . ولذلك قد تفيد الفاء مع التعقيب معنى التفريع أي فتفرع على ما أمرناهم به من التوحيد أنهم أتوا بعكس المطلوب منهم فيفيد الكلام زيادة على الذم تعجيبا من حالهم . ومما يزيد معنى الذم تذييله بقوله ( كل حزب بما لديهم فرحون ) أي وهم ليسوا بحال من يفرح .
والتقطع أصله مطاوع قطع . واستعمل فعلا متعديا بمعنى قطع بقصد إفادة الشدة في حصول الفعل ونظيره تخوفه السير أي تنقصه وتجهمه الليل وتعرفه الزمن . فالمعنى : قطعوا أمرهم بينهم قطعا كثيرة أي تفرقوا على نحل كثيرة فجعل كل فريق منهم لنفسه دينا . ويجوز أن يجعل ( تقطعوا ) قاصرا أسند التقطع إليهم على سبيل الإبهام ثم ميز بقوله ( أمرهم ) كأنه قيل : تقطعوا أمرا فإن كثيرا من نحاة الكوفة يجوزون كون التمييز معرفة . وقد بسطنا القول في معنى ( تقطعوا أمرهم بينهم ) في سورة الأنبياء .
والأمر هنا بمعنى الشأن والحال وما صدقه أمور دينهم .
والزبر بضم الزاي وضم الموحدة كما قرأ به الجمهور جمع زبور وهو الكتاب . استعير اسم الكتاب للدين لأن شأن الدين أن يكون لأهله كتاب فيظهر أنها استعارة تهكمية إذ لم يكن لكل فريق كتاب ولكنهم اتخذوا لأنفسهم أديانا وعقائد لو سجلت لكانت زبرا .
وقرأه أبو عمرو بخلاف عنه ( زبرا ) بضم الزاء وفتح الموحدة وهو جمع زبرة بمعنى قطعة .
وجملة ( كل حزب بما لديهم فرحون ) تذييل لما قبله لأن التقطع يقتضي التحزب فذيل بأن كل فريق منهم فرح بدينه ففي الكلام صفة محذوفة ل ( حزب ) أي كل حزب منهم بدلالة المقام .
A E