وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ولذلك كان ضمير ( لعلهم يهتدون ) ظاهر العود إلى غير مذكور في الكلام بل إلى معلوم من المقام وهم القوم المخاطبون بالتوراة وهم بنو إسرائيل فانتساق الضمائر ظاهر في المقام دون حاجة إلى تأويل قوله ( آتينا موسى ) بمعنى : آتينا قوم موسى كما سلكه في الكشاف .
و ( لعل ) للرجاء لأن ذلك الكتاب من شأنه أن يترقب من إيتائه اهتداء الناس به .
( وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين [ 50 ] ) لما كانت آية عيسى العظمى في ذاته في كيفية تكوينه كان الاهتمام بذكرها هنا ولم تذكر رسالته لأن معجزة تخليقه دالة على صدق رسالته . وأما قوله ( وأمه ) فهو إدماج لتسفيه إليهود فيما رموا به مريم عليها السلام فإن ما جعله الله آية لها ولابنها جعلوه مطعنا ومغمزا فيهما .
وتنكير ( آية ) للتعظيم لأنها آية تحتوي على آيات . ولما كان مجموعها دالا على صدق عيسى في رسالته جعل مجموعها آية عظيمة على صدقه كما علمت .
وأما قوله ( وآويناهما إلى ربوة ) فهو تنويه بهما إذ جعلهما الله محل عنايته ومظهر قدرته ولطفه .
والإيواء : جعل الغير آويا أي ساكنا . وتقدم عند قوله ( أو آوي إلى ركن شديد ) في سورة هود وعند قوله ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) في سورة هود .
والربوة بضم الراء : المرتفع من الأرض . ويجوز في الراء الحركات الثلاث . وتقدم في قوله تعالى ( كمثل جنة بربوة ) في البقرة . والمراد بهذا الإيواء وحي الله لمريم أن تنفرد بربوة حين اقترب مخاضها لتلد عيسى في منعزل من الناس حفظا لعيسى من أذاهم .
والقرار : المكث في المكان أي هي صالحة لأن تكون قرارا فأضيفت الربوة إلى المعنى الحاصل فيها لأدنى ملابسة وذلك بما اشتملت عليه من النخيل المثمر فتكون في ظله ولا تحتاج إلى طلب قوتها .
والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض وهو وصف جرى على موصوف محذوف أي ماء معين لدلالة الوصف عليه كقوله ( حملناكم في الجارية ) . وهذا في معنى قوله في سورة مريم ( قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا ) .
( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صلحا إني بما تعملون عليم ( 51 ) .
يتعين تقدير قول محذوف اكتفاء بالمقول وهو استئناف ابتدائي أي قلنا : يا أيها الرسل كلوا . والمحكي هنا حكي بالمعنى لأن الخطاب المذكور هنا لم يكن موجها للرسل في وقت واحد بضرورة اختلاف عصورهم . فالتقدير : قلنا لكل رسول ممن مضى ذكرهم كل من الطيبات واعمل صالحا إني بما تعمل عليم .
وذلك على طريقة التوزيع لمدلول الكلام وهي شائعة في خطاب الجماعات . ومنه : ركب القوم دوابهم .
والغرض من هذا بيان كرامة الرسل عند الله ونزاهتهم في أمورهم الجسمانية والروحانية فالأكل من الطيبات نزاهة جسمية والعمل الصالح نزاهة نفسانية .
والمناسبة لهذا الاستئناف هي قوله ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) وليحصل من ذلك الرد على اعتقاد الأقوام المعللين تكذيبهم رسلهم بعلة أنهم يأكلون الطعام كما قال تعالى في الآية السابقة ( ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ) وقال ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ) وليبطل بذلك ما ابتدعه النصارى من الرهبانية . وهذه فوائد من الاستدلال والتعليم كان لها في هذا المكان الوقع العظيم .
والأمر في قوله ( كلوا ) للإباحة وإن كان الأكل أمرا جبليا للبشر إلا أن المراد به هنا لازمه وهو إعلام المكذبين بأن الأكل لا ينافي الرسالة وأن الذي أرسل الرسل أباح لهم الأكل .
وتعليق ( من الطيبات ) بكسب الإباحة المستفادة من الأمر شرط أن يكون المباح من الطيبات أي أن يكون المأكول طيبا . ويزيد في الرد على المكذبين بأن الرسل إنما يجتنبون الخبائث ولا يجتنبون ما أحل الله لهم من الطيبات . والطيبات : ما ليس بحرام ولا مكروه .
وعطف العمل الصالح على الأمر بأكل الطيبات إيماء إلى أن همة الرسل إنما تنصرف إلى الأعمال الصالحة وهذا كقوله تعالى ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ) والمراد به ما تناولوه من الخمر قبل تحريمها .
A E