وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فمعنى ( فكسونا ) أن اللحم كان كالكسوة للعظام ولا يقتضي ذلك أن العظام بقيت حينا غير مكسوة وفي الحديث الصحيح : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح " الحديث فإذا نفخ فيه الروح فقد تهيأ للحياة والنماء وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) لأن الخلق المذكور قبله كان دون حياة ثم نشأ فيه خلق الحياة وهي حالة أخرى طرأت عليه عبر عنها بالإنشاء . وللإشارة إلى التفاوت الرتبي بين الخلقين عطف هذا الإنشاء ب ( ثم ) الدالة على أصل الترتيب في عطف الجمل ب ( ثم ) .
وهذه الأطوار التي تعرضت لها الآية سبعة أطوار فإذا تمت فقد صار المتخلق حيا . وفي شرح الموطأ : ( تناجى رجلان في مجلس عمر بن الخطاب وعلي حاضر فقال لهما عمر : ما هذه المناجاة ؟ فقال أحدهما : إن إليهود يزعمون أن العزل هو الموؤدة الصغرى فقال علي : لا تكون موؤدة تمر عليها التارات السبع ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) الآية فقال عمر لعلي : ( صدقت أطال الله بقاءك ) . فقيل : ان عمر أول من دعا بكلمة ( أطال الله بقاءك ) .
وقرأ الجمهور ( فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام ) بصيغة جمع ( العظام ) فيهما وقرأه ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ( عظما ) . . ( والعظم ) بصيغة الإفراد .
وفرع على حكاية هذا الخلق العجيب إنشاء الثناء على الله تعالى بأنه ( أحسن الخالقين ) أي أحسن المنشئين إنشاء لأنه أنشأ ما لا يستطيع غيره إنشاءه .
ولما كانت دلالة خلق الإنسان على عظم القدرة أسبق إلى اعتبار المعتبر كان الثناء المعقب به ثناء على بديع قدرة الخالق مشتقا من البركة وهي الزيادة .
وصيغة تفاعل صيغة مطاوعة في الأصل وأصل المطاوعة قبول أثر الفعل وتستعمل في لازم ذلك وهو التلبس بمعنى الفعل تلبسا مكينا لأن شأن المطاوعة أن تكون بعد معالجة الفعل فتقتضي ارتساخ معنى الفعل في المفعول القابل له حتى يصير ذلك المفعول فاعلا فيقال : كسرته فتكسر فلذلك كان تفاعل إذا جاء بمعنى فعل دالا على المبالغة كما صرح به الرضي في شرح الشافية ولذلك تتفق صيغ المطاوعة وصيغ التكلف غالبا في نحو : تثنى وتكبر وتشامخ وتقاعس . فمعنى ( تبارك الله ) أنه موصوف بالعظمة في الخير أي عظمة ما يقدره من خير للناس وصلاح لهم .
وبهذا الاعتبار تكون الجملة تذييلا لأن ( تبارك ) لما حذف متعلقه كان عاما فيشمل عظمة الخير في الخلق وفي غيره . وكذلك حذف متعلق ( الخالقين ) يعم خلق الإنسان وخلق غيره كالجبال والسماوات .
( ثم إنكم بعد ذلك لميتون [ 15 ] ثم إنكم يوم القيمة تبعثون [ 16 ] ) إدماج في أثناء تعداد الدلائل على تفرد الله بالخلق على اختلاف أصناف المخلوقات لقصد إبطال الشرك . و ( ثم ) للترتيب الرتبي لأن أهمية التذكير بالموت في هذا المقام أقوى من أهمية ذكر الخلق لأن الإخبار عن موتهم توطئة للجملة بعده وهي قوله ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) وهو المقصود . فهو كقوله ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) وهذه الجملة لها حكم الجملة الابتدائية وهي معترضة بين التي قبلها وبين جملة ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ) . ولكون ( ثم ) لم تفد مهلة في الزمان هنا صرح بالمهلة في قوله بعد ذلك . والإشارة إلى الخلق المبين آنفا أي بعد ذلك التكوين العجيب والنماء المحكم أنتم صائرون إلى الموت الذي هو تعطيل أثر ذلك الإنشاء ثم مصيره إلى الفساد والاضمحلال . وأكد هذا الخبر ب ( إن ) واللام مع كونهم لا يرتابون فيه لأنهم لما أعرضوا عن التدبر فيما بعد هذه الحياة كانوا بمنزلة من ينكرون أنهم يموتون .
وتوكيد خبر ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) لأنهم ينكرون البعث . ويكون ما ذكر قبله من الخلق الأول دليلا على إمكان الخلق الثاني كما قال تعالى ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ) فلم يحتج إلى تقوية التركيز بأكثر من حرف التأكيد وإن كان إنكارهم البعث قويا .
ونقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات ونكتته هنا أن المقصود التذكير بالموت وما بعده على وجه التعريض بالتخويف وإنما يناسبه الخطاب .
( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين [ 17 ] )