وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

تفريع جملة ( فإما يأتينكم مني هدى ) على الأمر بالهبوط من الجنة إلى الدنيا إنباء بأنهم يستقبلون في هذه الدنيا سيرة غير التي كانوا عليها في الجنة لأنهم أودعوا في عالم خليط خيره بشره وحقائقه بأوهامه بعد أن كانوا في عالم الحقائق المحضة والخير الخالص وفي هذا إنباء بطور طرأ على أصل الإنسان في جبلته كان معدا له من أصل تركيبه .
والخطاب في قوله ( يأتينكم ) لآدم باعتبار أنه أصل لنوع الإنسان إشعارا له بأنه سيكون منه جماعة ولا يشمل هذا الخطاب إبليس لأنه مفطور على الشر والضلال إذ قد أنباه الله بذلك عند إبايته السجود لآدم فلا يكلفه الله باتباع الهدى لأن طلب الاهتداء ممن أعلمه الله بأنه لا يزال في ضلال يعد عبثا ينزه عنه فعل الحكيم تعالى . وليس هذا مثل أمر أبي جهل وأضرابه بالإسلام إذ أمثال أبي جهل لا يوقن بأنهم لا يؤمنون ولم يرد في السنة أن النبي A دعا الشيطان للإسلام ولا دعا الشياطين . وأما الحديث الذي رواه الدارقطني : أن النبي A قال : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ولكن الله أعانني فأسلم " . فلا يقتضي أنه دعاه للإسلام ولكن الله ألهم قرينه إلى أن يأمره بالخير والمراد بالقرين : شيطان قرين والمراد بالهدى : الإرشاد إلى الخير .
وفي هذه الآية وصاية الله آدم وذريته باتباع رسل الله والوحي الإلهي . وبذلك يعلم أن طلب الهدى مركوز في الجبلة البشرية حتى قال كثير من علماء الإسلام : إن معرفة الإله الواحد كائنة في العقول أو شائعة في الأجيال والعصور . وإنه لذلك لم يعذر أهل الشرك في مدد الفتر التي لم تجئ فيها رسل للأمم . وهذه مسألة عظيمة وقد استوعبها علماء الكلام وحررناها في رسالة النسب النبوي .
وقد تقدم تفسير نظير الجملتين الأولين في سورة البقرة .
A E وأما قوله ( فلا يضل ) فمعناه : أنه إذا اتبع الهدى الوارد من الله على لسان رسله سلم من أن يعتريه شيء من ضلال وهذا مأخوذ من دلالة الفعل في حيز النفي على العموم كعموم النكرة في سياق النفي أي فلا يعتريه ضلال في الدنيا بخلاف من اتبع ما فيه هدى وارد من غير الله فإنه وإن استفاد هدى في بعض الأحوال لا يسلم من الوقوع في الضلال في أحوال أخرى . وهذا حال متبعي الشرائع غير الإلهية وهي الشرائع الوضعية فإن واضعيها وإن أفرغوا جهودهم في تطلب الحق لا يسلمون من الوقوع في ضلالات بسبب غفلات أو تعارض أدلة أو انفعال بعادات مستقرة أو مصانعة لرؤساء أو أمم رأوا أن من المصلحة طلب مرضاتهم . وهذا سقراط وهو سيد حكماء اليونان قد كان يتذرع لإلقاء الأمر بالمعروف في أثينا بأن يفرغه في قوالب حكايات على ألسنة الحيوان ولم يسلم من الخنوع لمصانعة اللفيف فإنه مع كونه لا يرى تأليه آلهتهم لم يسلم من أن يأمر قبل موته بقربان ديك لعطارد رب الحكمة . وحالهم بخلاف حال الرسل الذين يتلقون الوحي من علام الغيوب الذي لا يضل ولا ينسى وأيدهم الله . وعصمهم من مصانعة أهل الأهواء وكونهم تكوينا خاصا مناسبا لما سبق في علمه من مراده منهم وثبت قلوبهم على تحمل الأهواء ولا يخافون في الله لومة لائم . وإن الذي ينظر في القوانين الوضعية نظرة حكيم يجدها مشتملة على مراعاة أوهام وعادات .
والشقاء المنفي في قوله ( ولا يشقى ) هو شقاء الآخرة لأنه إذا سلم من الضلال في الدنيا سلم من الشقاء في الآخرة .
وبدل لهذا مقابلة ضده في قوله ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) إذ رتب على الإعراض عن هدي الله اختلال حاله في الدنيا والآخرة فالمعيشة مراد بها مدة المعيشة أي مدة الحياة .
والضنك : مصدر ضنك من باب كرم ضناكة وضنكا ولكونه مصدرا لم يتغير لفظه باختلاف موصوفه فوصف به هنا ( معيشة ) وهي مؤنث . والضنك : الضيق يقال : مكان ضنك أي ضيق . ويستعمل مجازا في عسر الأمور في الحياة قال عنترة : .
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا ... أشدد وإن نزلوا بضنك أنزل