وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقوله ( عدو لك ولزوجك ) هو كقوله في الأعراف ( وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) فذكرت عداوته لهما جملة هنالك وذكرت تفصيلا هنا فابتدئ في ذكر متعلق عداوته بآدم لأن آدم هو منشأ عداوة الشيطان لحسده ثم أتبع بذكر زوجه لأن عداوته إياها تبع لعداوته آدم زوجها وكانت عداوته متعلقة بكليهما لاتحاد علة العداوة وهي حسده إياهما على ما وهبهما الله من علم الأسماء الذي هو عنوان الفكر الموصل إلى الهدى وعنوان التعبير عن الضمير الموصل للإرشاد وكل ذلك مما يبطل عمل الشيطان ويشق عليه في استهوائهما واستهواء ذريتهما ولأن الشيطان رأى نفسه أجدر بالتفضيل على آدم فحنق لما أمر بالسجود لآدم .
( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى [ 117 ] إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى [ 118 ] وإنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى [ 119 ] ) قوله ( فلا يخرجنكما من الجنة ) تفريع على الإخبار بعداوة إبليس له ولزوجه : بأن نهيا نهي تحذير عن أن يتسبب إبليس في خروجهما من الجنة لأن العدو لا يروقه صلاح حال عدوه . ووقع النهي في صورة نهي عن عمل هو من أعمال الشيطان لا من أعمال آدم كناية عن نهي آدم عن التأثر بوسائل إخراجهما من الجنة كما يقال : لا أعرفنك تفعل كذا كناية عن : لا تفعل أي لا تفعل كذا حتى أعرفه منك . وليس المراد النهي عن أن يبلغ إلى المتكلم خبر فعل المخاطب .
وأسند ترتب الشقاء إلى آدم خاصة دون زوجه إيجازا لأن في شقاء أحد الزوجين شقاء الآخر لتلازمهما في الكون مع الإيماء إلى أن شقاء الذكر أصل شقاء المرأة مع ما في ذلك من رعاية الفاصلة .
وجملة ( إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ) تعليل للشقاء المترتب على الخروج من الجنة المنهي عنه لأنه لما كان ممتعا في الجنة برفاهية العيش من مأكل وملبس ومشرب واعتدال جو مناسب للمزاج كان الخروج منها مقتضيا فقدان ذلك .
و ( تضحى ) مضارع ضحي : كرضي إذا أصابه حر الشمس في وقت الضحى . ومصدره الضحو وحر الشمس في ذلك الوقت هو مبدأ شدته . والمعنى : لا يصيبك ما ينافر مزاجك فالاقتصار على انتفاء الضحو هنا امتفاء أي ولا تصرد . وآدم لم يعرف الجوع والعرى والظمأ والضحو بالوجدان وإنما عرفها بحقائقها ضمن تعليمه الأسماء كلها كما تقدم في سورة البقرة .
وجمع له في هذا الخبر أصول كفاف الإنسان في معيشته إيماء إلى أن الاستكفاء منها سيكون غاية سعي الإنسان في حياته المستقبلية لأن الأحوال التي تصاحب التكوين تكون إشعارا بخصائص المكون في مقوماته كما ورد في حديث الإسراء من توفيق النبي A لاختيار اللبن على الخمر فقيل له : لو اخترت الخمر لغوت أمتك .
A E وقد قرن بين انتفاء الجوع واللباس في قوله " أن لا تجوع فيها ولا تعرى " وقرن بين انتفاء الظمأ وألم الجسم في قوله ( لا تظمأ فيها ولا تضحى ) لمناسبة بين الجوع والعرى في أن الجوع خلو باطن الجسم عما يقيه تألمه وهو لفح الحر وقرص البر ولمناسبة بين الظمأ وبين حرارة الشمس في أن الأول ألم حرارة الباطن والثاني ألم حرارة الظاهر فهذا اقتضى عدم اقتران ذكر الظمأ والجوع وعدم اقتران ذكر العري بألم الحر وإن كان مقتضى الظاهر جمع النظيرين في كليهما إذ جمع النظائر من أساليب البديع في نظم الكلام بحسب الظاهر لولا أن عرض هنا ما أوجب تفريق النظائر .
ومن هذا القبيل في تفريق النظائر قصة أدبية طريفة جرت بين سيف الدولة وبين أبي الطيب المتنبي ذكرها المعري في " معجزة أحمد " شرحه على ديوان أبي الطيب إجمالا وبسطها الواحدي في شرحه على الديوان وهي : أن أبا الطيب لما أنشد سيف الدولة قصيدته التي طالعها : .
" على قدر أهل العزم تأتي العزائم قال في أثنائها يصف موقعة بين سيف لبدولة والروم في ثغر الحدث : .
وقفت ما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم .
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم فاستعادها سيف الدولة منه بعد ذلك فلما أنشده هذين البيتين . قال له سيف الدولة : إن صدري البيتين لا يلائنان عجزيهما وكان ينبغي أن تقول : .
وقفت وما في الموت شك لواقف ... ووجهك وضاح وثغرك باسم