وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والمقام يدل على أن هذا القول كان باعثا على إنزال هذا الكتاب والعلة الباعثة على شيء لا يلزم أن تكون علة غائية فهذا المعنى في اللام عكس معنى لام العاقبة ويؤول المعنى إلى أن إنزال الكتاب فيه حكم منها حكمة قطع معذرتهم بأنهم لم ينزل إليهم كتاب أو كراهية أن يقولوا ذلك أو لتجنب أن يقولوه وذلك بمعونة المقام إيثارا للإيجاز فلذلك يقدر مضاف مثل : كراهية أو تجنب . وعلى هذا التقدير جرى نحاة البصرة . وذهب نحاة الكوفة إلى أنه على تقدير ( لا ) النافية فالتقدير عندهم : أن لا تقولوا والمآل واحد ونظائر هذا في القرآن كثيرة كقوله : ( يبين الله لكم أن تضلوا " وقوله " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله " وقوله " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) أي لتجنب ميدها بكم وقول عمرو بن كلثوم : .
" فعجلنا القرى أن تشتمونا وهذا القول يجوز أن يكون قد صدر عنهم من قبل فقد جاء في آية سورة القصص : ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) ويجوز أن يكون متوقعا ثم قالوه من بعد وأيا ما كان فإنه متوقع أن يكرروه ويعيدوه قولا موافقا للحال في نفس الأمر فكان متوقعا صدوره عند ما يتوجه الملام عليهم في انحطاطهم عن مجاوريهم من اليهود والنصارى من حيث استكمال الفضائل وحسن السير وكمال التدين وعند سؤالهم في الآخرة عن اتباع ضلالهم وعندما يشاهدون ما يناله أهل الملل الصالحة من النعيم ورفع الدرجات في ثواب الله فيتطلعون إلى حظ من ذلك ويتعللون بأنهم حرموا الإرشاد في الدنيا .
A E وقد كان اليهود والنصارى في بلاد العرب على حالة اكمل من أحوال أهل الجاهلية ألا ترى إلى قول النابغة يمدح آل النعمان بن الحارث وكانوا نصارى : .
مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب .
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب والطائفة : الجماعة من الناس الكثيرة وقد تقدم عند قوله تعالى : ( فلتقم طائفة منهم معك ) في سورة النساء والمراد بالطائفتين هنا اليهود والنصارى .
والكتاب مراد به الجنس المنحصر في التوراة والإنجيل والزبور . ومعنى إنزال الكتاب عليهم أنهم خوطبوا بالكتب السماوية التي أنزلت على أنبيائهم فلم يكن العرب مخاطبين بما أنزل على غيرهم فهذا تعلل أول منهم وثمة اعتلال آخر عن الزهادة في التخلق بالفضائل والأعمال الصالحة : وهو قولهم : ( وإن كنا عن دراستهم لغافلين ) أي وأنا كنا غافلين عن اتباع رشدهم لأنا لم نتعلم فالدراسة مراد بها التعليم .
والدراسة : القراءة بمعاودة للحفظ أو للتأمل فليس سرد الكتاب بدراسة . وقد تقدم قوله تعالى : ( وليقولوا درست ) في هذه السورة وتقدم تفصيله عند قوله تعالى : ( وبما كنتم تدرسون ) من سورة آل عمران .
والغفلة : السهو الحاصل من عدم التفطن أي لم نهتم بما احتوت عليه كتبهم فتقتدي بهديها فكان مجيء القرآن منبها لهم للهدي الكامل ومغنيا عن دراسة كتبهم .
وقوله : ( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) تدرج في الاعتلال جاء على ما تكنه نفوس العرب من شفوفهم بأنفسهم على بقية الأمم وتطلعهم إلى معالي الأمور وإدلالهم بفطنتهم وفصاحة ألسنتهم وحدة أذهانهم وسرعة تلقيهم وهم أخلقاء بذلك كله .
وفي الإعراب عن هذا الاعتلال منهم تلقين لهم وإيقاظ لإفهامهم أن يغتبطوا بالقرآن ويفهموا ما يعود عليهم به من الفضل والشرف بين الأمم كقوله تعالى : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ) . وقد كان الذين اتبعوا القرآن أهدى من اليهود والنصارى ببون بعيد الدرجات .
ولقد تهيأ المقام بعد هذا التنبيه العجيب لفاء الفصيحة في قوله : ( فقد جاءكم بينة من ربكم ) وتقديرها : فإذا كنتم تقولون ذلك ويهجس في نفوسكم فقد جاءكم بيان من ربكم يعني القرآن يدفع عنكم ما تستشعرون من الانحطاط عن أهل الكتاب