وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وحكى قولهم بما تؤديه في اللغة العربية جملة ( إن الله هو المسيح ابن مريم ) وهو تركيب دقيق المعنى لم يعطه المفسرون حقه من بيان انتزاع المعنى المراد به من تركيبه من الدلالة على اتحاد مسمى هذين الاسمين بطريق تعريف كل من المسند إليه والمسند بالعلمية بقرينة السياق الدالة على أن الكلام ليس مقصودا للإخبار بأحداث لذوات المسمى في الاصطلاح : حمل اشتقاق بل هو حمل مواطأة وهو ما يسمى في المنطق : حمل " هو هو " وذلك حين يكون كل من المسند إليه والمسند معلوما للمخاطب ويراد بيان أنها شيء واحد كقولك حين تقول : قال زياد فيقول سامعك : من هو زياد فتقول : زياد هو النابغة ومثله قولك : ميمون هو الأعشى وابن أبي السمط هو مروان بن أبي حفصة والمرعث هو بشار وأمثال ذلك . فمجرد تعريف جزأي الإسناد كاف في إفادة الاتحاد وإقحام ضمير الفصل بين المسند إليه والمسند في مثل هذه الأمثلة استعمال معروف لا يكاد يتخلف قصدا لتأكيد الاتحاد فليس في مثل هذا التركيب إفادة قصر أحد الجزأين على الآخر وليس ضمير الفصل فيه بمفيد شيئا سوى التأكيد . وكذلك وجود حرف ( إن ) لزيادة التأكيد ونظيره قوله رويشد بن كثير الطائي من شعراء الحماسة : .
وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا ... قولا يبرئكم إني أنا الموت فلا يأتي في هذا ما لعلماء المعاني من الخلاف في أن ضمير الفصل هل يفيد قصر المسند إليه وهو الأصح ؛ أو العكس وهو قليل لأن مقام اتحاد المسميين يسوي الاحتمالين ويصرف عن إرادة القصر . وقد أشار إلى هذا المعنى إشارة خفية قول صاحب الكشاف عقب قوله ( الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) " معناه بت القول على أن حقيقة الله هو المسيح لا غير " . ومحل الشاهد من كلام الكشاف ما عدا قوله ( لا غير ) لأن الظاهر أن ( لا غير ) يشير إلى استفادة معنى القصر من مثل هذا التركيب وهو بعيد . وقد يقال : إنه أراد أن معنى الانحصار لازم بمعنى الاتحاد وليس ناشئا عن صيغة قصر .
ويفيد قولهم هذا أنهم جعلوا حقيقة الإله الحق المعلوم متحدة بحقيقة عيسى عليه السلام بمنزلة اتحاد الاسمين للمسمى الواحد ومرادهم امتزاج الحقيقة الإلهية في ذات عيسى . ولما كانت الحقيقة الإلهية معنونة عند جميع المتدينين باسم الجلالة جعل القائلون اسم الجلالة المسند إليه واسم عيسى المسند ليدلوا على أن الله اتحد بذات المسيح .
وحكاية القول عنهم ظاهرة في أن هذا قالوه صراحة عن اعتقاد إذ سرى لهم القول باتحاد اللاهوت بناسوت عيسى إلى حد أن اعتقدوا أن الله سبحانه قد اتحد بعيسى وامتزج وجود الله بوجود عيسى . وهذا مبالغة في اعتقاد الحلول . وللنصارى في تصوير هذا الحلول أو الاتحاد أصل وهو أن الله تعالى جوهر واحد هو مجموع ثلاثة أقانيم " جمع أقنوم بضم الهمزة وسكون القاف وهو كلمة رومية معناها : الأصل كما في القاموس ؛ وهذه الثلاثة هي أقنوم الذات وأقنوم العلم وأقنوم الحياة وانقسموا في بيان اتحاد هذه الأقانيم بذات عيسى إلى ثلاثة مذاهب : مذهب الملكانية وهم الجاثلقية " الكاثوليك " ومذهب النسطورية ومذهب اليعقوبية . وتفصيله في كتاب المقاصد . وتقدم مفصلا عند تفسير قوله تعالى ( فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة ) في سورة النساء . وهذا قول اليعاقبة من النصارى وهم أتباع يعقوب البرذعاني وكان راهبا بالقسطنطينية وقد حدثت مقالته هذه بعد مقالة الملكانية ويقال لليعاقبة : أصحاب الطبيعة الواحدة وعليها درج نصارى الحبشة كلهم . ولا شك أن نصارى نجران كانوا على هذه الطريقة .
ولقرب أصحابها الحبشة من بلاد العرب تصدى القرآن لبيان ردها هنا وفي الآية الآتية في هذه السورة . وقد بينا حقيقة معتقد النصارى في اتحاد اللاهوت بالناسوت وفي اجتماع الأقانيم عند قوله تعالى ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) في سورة النساء .
A E