وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقد مضى عند قوله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) في سورة البقرة أن حقيقة الشهادة إخبار لتصديق مخبر وتكذيب مخبر آخر . وتقدم أنها تطلق على الخبر المحقق الذي لا يتطرفه الشك عند قوله تعالى ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) في سورة آل عمران . فالشهادة في قوله ( لكن الله يشهد ) أطلقت على الإخبار بنزول القرآن من الله إطلاقا مجازيا لأن هذا الخبر تضمن تصديق الرسول وتكذيب معانديه وهو إطلاق على وجه الاستعارة من الإطلاق الحقيقي هو غير الإطلاق الذي في قوله ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) فإنه على طريقة المجاز المرسل . وعطف شهادة الملائكة على شهادة الله : لزيادة تقرير هذه الشهادة بتعدد الشهود ولأن شهادة الله مجاز في العلم وشهادة الملائكة حقيقة . وإظهار فعل ( يشهدون ) مع وجود حرف العطف للتأكيد . وحرف ( لكن ) بسكون النون مخفف لكن المشددة النون التي هي من أخوات ( إن ) وإذا خففت بطل عملها .
وقوله ( وكفى بالله شهيدا ) يجري على الاحتمالين .
وقوله ( بما أنزل إليك أنزله بعلمه ) وقع تحويل في تركيب الجملة لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ليكون أوقع في النفس . وأصل الكلام : يشهد بإنزال ما أنزله إليك بعلمه لأن قوله ( بما أنزل إليك ) لم يفد المشهود به إلا ضمنا مع المشهود فيه إذا جيء باسم الموصول ليوصل بصلة فيها إيماء إلى المقصود ومع ذلك لم يذكر المقصود من الشهادة الذي هو حق مدخول الباء بعد مادة شهد فتكون جملة ( أنزله بعلمه ) مكملة معنى الشهادة . وهذا قريب من التحويل الذي يستعمله العرب في تمييز النسبة . وقال الزمخشري : " موقع قوله ( أنزله بعلمه ) من قوله ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك ) موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة وأن شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز " . فلعله يجعل جملة ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك ) مستقلة بالفائدة وأن معنى ( بما أنزل إليك ) بصحة ما أنزل إليك وما ذكرته أعرق في البلاغة .
ومعنى ( أنزله بعلمه ) أي متلبسا بعلمه أي بالغا الغاية في باب الكتب السماوية شأن ما يكون بعلم من الله تعالى ومعنى ذلك أنه معجز لفظا ومعنى فكما أعجز البلغاء من أهل اللسان أعجز العلماء من أهل الحقائق العالية .
والباء في قوله ( وكفى بالله شهيدا ) زائدة للتأكيد وأصله : كفى الله شهيدا كقوله : .
" كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا أو يضمن ( كفى ) معنى اقتنعوا فتكون الباء للتعدية .
( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا [ 167 ] ) يجوز أن يكون المراد بالذين كفروا هنا أهل الكتاب أي اليهود فتكون الجملة بمنزلة الفذلكة للكلام السابق الراد على اليهود من التحاور المتقدم . وصدهم عن سبيل الله يحتمل أن يكون من صد القاصر الذي قياس مضارعه يصد بكسر الصاد أي أعرضوا عن سبيل الله . أي الإسلام أو هو من صد المتعدي الذي قياس مضارعه بضم الصاد أي صدوا الناس . وحذف المفعول لقصد التكثير . فقد كان اليهود يتعرضون للمسلمين بالفتنة ويقوون أوهام المشركين بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم . ويجوز أن يكون المراد بالذين كفروا المشركين كما هو الغالب في إطلاق هذا الوصف في القرآن فتكون الجملة استئنافا ابتدائيا انتقل إليه بمناسبة الخوض في مناواة أهل الكتاب للإسلام . وصدهم عن سبيل الله أي صدهم الناس عن الدخول في الإسلام مشهور .
والضلال الكفر لأنه ضياع عن الإيمان الذي هو طريق الخير والسعادة فإطلاق الضلال على الكفر استعارة مبنية على استعارة الطريق المستقيم للإيمان .
ووصف الضلال بالبعيد مع أن البعد من صفات المسافات هو استعارة البعد لشدة الضلال وكماله في نوعه بحيث لا يدرك مقداره وهو تشبيه شائع في كلامهم : أن يشبهوا بلوغ الكمال بما يدل على المسافات والنهايات كقولهم : بعيد الغور وبعيد القعر ولا نهاية له ولا غاية له ورجل بعيد الهمة وبعيد المرمى ولا منهى لكبارها وبحر لا ساحل له وقولهم : هذا إغراق في كذا .
ومن بديع مناسبته هنا أن الضلال الحقيقي يكون في الفيافي والموامي فإذا اشتد التيه والضلال بعد صاحبه عن المعمور فكان في وصفه بالبعيد تعاهد للحقيقة وإيماء إلى أن في إطلاقه على الكفر والجهل نقلا عرفيا .
A E