وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فمعنى قوله ( تكليما ) هنا : أن موسى سمع كلاما من عند الله بحيث لا يحتمل أن الله أرسل إليه جبريل بكلام أو أوحى إليه في نفسه . وأما كيفية صدور هذا الكلام عن جانب الله فغرض آخر هو مجال للنظر بين الفرق ولذلك فاحتجاج كثير من الأشاعرة بهذه الآية على كون الكلام الذي سمعه موسى الصفة الذاتية القائمة بالله تعالى احتجاج ضعيف . وقد حكى ابن عرفة أن المازري قال في شرح التلقين : إن هذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم : إن الله لم يكلم موسى مباشرة بل بواسطة خلق الكلام لأنه أكده بالمصدر وأن ابن عبد السلام التونسي شيخ ابن عرفة رده بأن التأكيد بالمصدر لإزالة الشك عن الحديث لا عن المحدث عنه . وتعقبه ابن عرفة بما يؤول إلى تأييد رد ابن عبد السلام .
وقوله ( رسلا ) حال من المذكورين وقد سماهم رسلا لما قدمناه وهي حال موطئة لصفتها أعني مبشرين ؛ لأنه المقصود من الحال .
وقوله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) تعليل لقوله ( مبشرين ومنذرين ) ولا يصح جعله تعليلا لقوله ( إنا أوحينا إليك ) لأن ذلك مسوق لبيان صحة الرسالة مع الخلو عن هبوط كتاب من السماء ردا على قولهم ( حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ) . فموقع قوله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) موقع الإدماج تعليما للأمة بحكمة من الحكم في بعثيته الرسل .
والحجة ما يدل على صدق المدعي وحقية المعتذر فهي تقتضي عدم المؤاخذة بالذنب أو التقصير . والمراد هنا العذر البين الذي يوجب التنصل من الغضب والعقاب . فإرسال الرسل لقطع عذر البشر إذا سئلوا عن جرائم أعمالهم واستحقوا غضب الله وعقابه . فعلم من هذا أن للناس قبل إرسال الرسل حجة إلى الله أن يقولوا : ( لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ) .
وأشعرت الآية أن من أعمال الناس ما هو بحيث يغضب الله ويعاقب عليه وهي الأفعال التي تدل العقول السليمة على قبحها لإفضائها إلى الفساد والأضرار البينة . ووجه الإشعار أن الحجة إنما تقابل محاولة عمل ما فلما بعث الله الرسل لقطع الحجة علمنا أن الله حين بعث الرسل كان بصدد أن يؤاخذ المبعوث إليهم فاقتضت رحمته أن يقطع حجتهم ببعثة الرسل وإرشادهم وإنذارهم ولذلك جعل قطع الحجة علة غائية للتبشير والإنذار : إذ التبشير والإنذار إنما يبينان عواقب الأعمال ولذلك لم يعلل بعثة الرسل بالتنبيه إلى ما يرضي الله وما يسخطه .
فهذه الآية ملجئة جميع الفرق إلى القول بأن بعثة الرسل تتوقف عليها المؤاخذة بالذنوب وظاهرها أن سائر أنواع المؤاخذة تتوقف عليها سواء في ذلك الذنوب الراجعة إلى الاعتقاد والراجعة إلى العمل وفي وجوب معرفة الله . فإرسال الرسل عندنا من تمام العدل من الله لأنه لو لم يرسلهم لكانت المؤاخذة بالعذاب مجرد الإطلاق الذي تقتضيه الخالقية إذ لا يسأل عما يفعل وكانت عدلا بالمعنى الأعم .
فأما جمهور أهل السنة الذين تترجم عن أقوالهم طريقة الأشعري فعمموا وقالوا : لا يثبت شيء من الواجبات ولا مؤاخذة على ترك أو فعل إلا ببعثة الرسل حتى معرفة الله تعالى واستدلوا بهذه الآية وغيرها : مثل ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وبالإجماع . وفي دعوى الإجماع نظر وفي الاستدلال به على أصل من أصول الدين نظر آخر وفي الاستدلال بالآيات وهي ظواهر على أصل من أصول الدين نظر ثالث إلا أن يقال : إنها تكاثرت كثرة أبلغتها إلى مرتبة القطع وهذا أيضا مجال للنظر وهم ملجئون إلى تأويل هذه الآية لأنهم قائلون بمؤاخذة أهل الفترة على إشراكهم بالله . والجواب أن يقال : إن الرسل في الآية كل إفرادي صادق بالرسول الواحد وهو يختلف باختلاف الدعوة . فأما الدعوة إلى جملة الإيمان والتوحيد فقد تقررت بالرسل الأولين الذين تقرر من دعواتهم عند البشر وجوب الإيمان والتوحيد وأما الدعوة إلى تفصيل الآيات والصفات وإلى فروع الشرائع فهي تتقرر بمجيء الرسل الذين يختصون بأمم معروفة .
A E