ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع الخبير في الشؤون الاقتصاديّة الدوليّة مهدي أزرقي حول مدى تأثير قطع الدول الإسلاميّة الشريان الحيوي للكيان الصهيوني الذي يتمثّل في العلاقات الاقتصاديّة على الكيان والدول الإسلاميّة نفسها.

رأى الإمام الخامنئي أن قطع الدول الإسلاميّة علاقاتها الاقتصاديّة بالكيان الصهيوني ضربة حاسمة لهذا الكيان. إلى أيّ حدّ تجدون هذا المسار متاحاً وممكناً ولماذا أكّده قائد الثورة الإسلاميّة مرّات عدّة في مختلف خطاباته؟

في رأيي هناك هدفان حقيقيّان لهذا التوجيه. الأوّل هو أن تمارس الدول الإسلاميّة الضغوط على الكيان الصهيوني. كيف تجري ممارسة هذه الضغوط؟ في الوقت الحالي، تربط الدول الإسلاميّة علاقات تصدير واستيراد مباشرة بقيمة 14 مليار دولار مع الصهاينة. 14 مليار دولار ليس عدداً كبيراً في مجموع التجارة الخارجيّة للكيان، ونقصد بها البضائع فقط. صادرات النفط منفصلة عن هذه الأعداد والأرقام، وتلك أيضاً عددها ليس كبيراً. لذلك، يجب أن تقطع الدول الإسلاميّة التجارة المباشرة مع الكيان الصهيوني ومنها النفط والبضائع. ثمة نقطة أخرى هي أن تحظر الدول الإسلاميّة استيراد البضائع التي تحمل علامات تجاريّة لشركات متعدّدة الجنسيّات وتابعة للكيان الصهيوني. هذه المنتجات رغم أنّها لا تُعدّ تجارة مباشرة مع الكيان، فإنها من مصادر قوته الاقتصاديّة. إذا بادرت الدول الإسلاميّة والشعوب المسلمة إلى منع استيراد هذه العلامات التجاريّة، فإن هذا سيوجّه ضربة حاسمة إلى الكيان الصهيوني.

إذن، النقطة الثانية هي امتناع الدول الإسلاميّة عن التعاون مع الشركات التابعة للصهاينة. خلال المدة الماضية شهدنا أنّ اليمنيّين أثّروا بردّ فعلهم ضدّ "تل أبيب" في التجارة المباشرة مع هذا الكيان رغم أنّهم لا تربطهم تجارة مباشرة مع الصهاينة. ولذلك، إنّ بعض الأفعال التي يمكن للدول الإسلاميّة أن تؤديها ضمن إطار الحكومات والشعوب تتمثّل في مقاطعة شركات الشحن والنقل وشركات التكنولوجيا والشركات المصنّعة للقطع وغيرها من الشركات التي تتعامل مع الكيان على نحوٍ معين، وأن تمارس عليها الضغوط لإنهاء تعاملها مع "تل أبيب". هذه أيضاً حالة أخرى يمكنها وضع الدول الإسلاميّة على سكّة قطع الشرايين الحيويّة الاقتصاديّة عن الكيان الصهيوني.

الهدف الثاني من الطرح المتكرّر لقضيّة قطع الدول الإسلاميّة الشريان الحيوي عن الكيان الصهيوني هو ممارسة الضغوط على الكيان من النواحي النفسيّة والسياسيّة والإعلاميّة، لأنّ الأرضيّة والإمكانيّة الحقيقيّة لمنع الاستفادة من البضائع ذات الصّلة بالكيان الصهيوني غير متوفرة حالياً، لكن الخطوات الحقيقيّة والمتّحدة من الدول الإسلاميّة قادرة على تفعيل هذه الأرضيّة بسرعة. في طبيعة الحال هذه القضيّة ستترك أثراً نفسيّاً وسياسيّاً كبيراً في الكيان الصهيوني.

في الوقت عينه، من الأسباب والعوامل الأخرى التي أدّت إلى تأكيد الإمام الخامنئي تكراراً قطع الدول الإسلاميّة الشرايين الحيويّة عن الكيان الصهيوني أن قادة الدول الإسلاميّة محدودون جدّاً في تعريف نطاق إمكاناتهم وما يمتلكون من أدوات. قد يكون توقّع خطوة عسكريّة من هذه الدّول توقّعاً غير منطقي، لكن أقلّ ما يمكنها فعله هو ممارستها الضغوط على الكيان في الدائرة الاقتصاديّة. نتيجةً لذلك، إنّ توجيه الإمام الخامنئي بالتصدّي الاقتصادي للكيان يعود إلى أن الإمكانيّة وأدوات الممارسة لهذا الضغط في متناول الدول الإسلاميّة ولا حاجة إلى موافقة الكيان نفسه على هذا أو إعراب طرف آخر في هذه الساحة عن رأيه.

ما مدى التأثير لقطع الشريان الحيوي عن الكيان الصهيوني وممارسة الضغوط الاقتصاديّة؟

في الواقع، إنّ قطع الشرايين الحيويّة الاقتصاديّة للكيان الصهيوني يُعدّ خطوة مؤثّرة ومشتركة بين الدول الإسلاميّة ويمكن تطويرها. هذا يعني أنّ الدول الإسلاميّة – على مستوى الشعوب والحكومات – قادرة على حجز مكان ودور لنفسها في إطار هذه الخطوة. إنّها أكثر خطوة عمليّة يمكن توقّعها من الدول الإسلاميّة في لعب دور مؤثّر على المستوى الاقتصادي.

النقطة الثانية أنّ جمود الدول الإسلاميّة عن أيّ خطوة تجاه الأحداث في غزّة سيُلحق ضرراً حقيقيّاً بمصالحها على المدى البعيد، وهي غير ملتفتة أبداً إلى هذا. بينما لو أجرينا تحليلاً تاريخيّاً لسلوكات الكيان الصهيوني، لتوصّلنا إلى نتيجة مفادها أنّ الكيان إذا استطاع تحقيق أهدافه المرجوّة في حرب معيّنة، فسيصير أكثر وقاحة ويشنّ هجمات أكبر بمختلف الأساليب على سائر الدول. ولذلك، في حال لم تخض الدول الإسلاميّة على نحو مؤثّر ميدان الدفاع عن فلسطين ولم تبادر إلى أي خطوة إيجابيّة داعمة لأهالي غزّة، فإنّها تتصرّف عمليّاً بما يتناقض مع مصالحها الوطنيّة. تحدّث السيد حسن نصر الله في إحدى كلماته بصراحة عن الدول المجاورة لفلسطين وشدّد على أنّ هذه الأحداث تتعارض مع المصالح الوطنيّة لهذه الدول وأنّ نأيها عن الميدان سيُلحق الضرر بمصالحها الوطنيّة نفسها. إنّ قطع الشريان الحيوي للكيان الصهيوني اقتراحٌ يصبّ في إطار المصالح الوطنيّة للدول الإسلاميّة ويُمكن أن يمنع مخاطر إضافية كثيرة ناتجة من سلوكات الكيان الصهيوني.

ما المسارات المؤدّية إلى تحقيق هذه القضيّة، وما العوائق أمامها أيضاً، وما أبرز الخطوات من أجل إزالة هذه العوائق؟

من المعلوم أنّ أهمّ نقطة مرتبطة بقطع الشريان الحيويّ عن الكيان الصهيوني هي هيمنة البنى الاقتصاديّة الغربية على المنطقة والعالم. إنّ الخطوة التي عرضها الإمام الخامنئي أمام الدول الإسلاميّة في خصوص ممارسة الضغوط الاقتصاديّة على الكيان تمهّد الأرضيّة للعمل المستقل عن نظام الهيمنة الغربي، كما تساعد هذه الخطوة على تحقيق التقدّم والتنمية خارج إطار النظام الغربي في المستقبل. النقطة التالية أنّ التحوّلات الحاليّة في المنطقة وفي مقدمها الهجمات ضدّ غزّة ومباغتة المقاومة الصهاينة في 7 أكتوبر كلّها تشير إلى انهيار النظام الحالي وتشكّلِ نظام جديد.

لذلك، إنّ الخطوة التي تُقدم عليها الدول الإسلاميّة اليوم ستساعدها على إعداد شعوبها للنظام المقبل أكثر فأكثر وستجعلهم يكتسبون امتيازات كثيرة في المستقبل. نظراً إلى توظيف النظام الغربي أداة الاقتصاد للسيطرة على الدول، يأتي تأكيد قائد الثورة الإسلاميّة من أجل تمكين الدول الإسلاميّة من اتخاذ خطوات في المجال الاقتصادي ضدّ الكيان الصهيوني، ويصير في مقدورها إضعاف هيمنة النظام الغربي الذي يستغل الأداة الاقتصاديّة والتمهيد لدخول المنطقة نظاماً جديداً يقوم على الإمكانات الإقليميّة ويستند إلى إرادة شعوب المنطقة.