رئیس جامعة المصطفی العالمیه : التعاون المشترك لا يعني عدم وجود اختلافات في الرأي

رئیس جامعة المصطفی العالمیه : التعاون المشترك لا يعني عدم وجود اختلافات في الرأي

أكد رئیس جامعة المصطفی العالمیه في ايران "حجة الاسلام و المسلمین الدکتور علی عباسی"، بأن التعاون المشترك لا يعني عدم وجود اختلافات في الرأي؛ مبينا انه "من الممكن بأن تكون لدينا وجهات نظر وآراء مختلفة في بعض المجالات، ولكن عمليا يجب أن نكون معا ونتعاون، ويمكن تطوير هذا التعاون من خلال مؤسسات مختلفة".


جاء ذلك في مقال قدمه "الدكتور عباسي"، خلال المؤتمر الافتراضي الدولي الـ 37 للوحدة الاسلامية، حيث توجه بالشكر الى المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیه على دعوته للمشارکه في هذا الحدث الاسلامي الدولي، الذي يقام تحت هذا العام تحت عنوان "التعاون الاسلامی من اجل بلوره القیم المشترکه".

وافادت "تنـا" انه نص مقال رئيس جامعة المصطفى الدولية بالمناسبة جاء على الشكل  التالي :

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و صلی الله علی سیدنا محمد و آله الطاهرین و اصحابه المنتجبین
أرى أنه من الضروري في البداية أن أشكر أصدقائي الأعزاء في مجمع التقریب بین المذاهب الإسلامية الذين يعقدون المؤتمر الدولي للوحدة الاسلامية سنويا.
ويعد هذا المؤتمر فرصة عظيمة للحوار بين المفكرين والعلماء والشخصيات المؤثرة في العالم الإسلامي. نحن المسلمون نحتاج إلى هذه الأحاديث وتبادل الاراء والتعاطف بين الشخصيات المؤثرة وعلماء العالم الإسلامي؛ وخاصة في هذا الوقت الذي كثرت فيه مشاكل الفرقة بين المسلمين؛ ويتطلب ذلك المزيد من التواصل والحوار.

لقد قيل الكثير عن وحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية و أتباع الديانات الإسلامية، خلال هذه السنوات دارت مناقشات كثيرة حول الوحدة، وضرورة الوحدة، وأضرار الفرقة، سواء في هذا المؤتمر أو في المحافل الأخرى. هذا هو قول الله تعالى: " واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرقوا واذکروا نعمة الله علیکم اذ کنتم اعداء فالف بین قلوبکم فاصبحتم بنعمته اخوانا".

العداوة عمل شيطاني. محبة القلوب هي الوحدة والصحبة والرعاية والبركة من الله؛ هذه كلمة الله، كلنا نؤمن بها ونعلم أن الفرقة والصراع سيضعف الأمة الإسلامية ويفقد الأمة الإسلامية وسلطتها والعالم الإسلامي. ونحن جميعا نؤمن ونعلم أن أثر الفرقة والصراع سيودي الى إضعاف الأمة الإسلامية وضياع سلطة الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي.
وجاء في القرأن الكريم"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ریحکم".

ولذلك فإن مسألة الوحدة، وأهمية الوحدة، وضرورة الوحدة هي من قضايا الوحدة ؛ وما يجب مناقشته هو طريقة التعاون، وإطار التعاون وكيفية التعاون وتنمية الوحدة ومساعدة هذه الوحدة، وهو ما يحتاج إلى مناقشة.

نحن المسلمين لدينا تجارب مريرة من الانقسام خاصة في القرنين الماضيين؛ لقد رأينا الآثار المريرة لهذا الانقسام؛ وقد سيطر الاستعمار على جزء كبير من الأراضي الإسلامية في العالم الإسلامي في هذين القرنين بسبب هذه الفرقة؛ ولو كانت هناك وحدة بين العالم الإسلامي والأمة الإسلامية، لما تحمل جزء كبير من العالم الإسلامي هذه الفترة المريرة من الاستعمار. واحتلت الأراضي الإسلامية وألحقت أضرار كثيرة بالشعوب الإسلامية. تم نهب مواردهم من قبل المستعمرين .

في العقود الأخيرة، لقد تغير هذا النوع من الاستعمار و نحن في العالم الإسلامي نشهد نتائج مريرة أساساً بسبب هذا الانقسام والانفصال؛ تطور الإرهاب والتطرف والتكفير الذي يهدد أمن العديد من بلداننا ودول منطقتنا والدول الإسلامية؛ ولو كانت هناك وحدة الفكر ووحدة العمل والتعاون في العالم الإسلامي بين المراكز العلمية والمراكز الدينية والحكومات الإسلامية، لما شهدنا بالتأكيد الأضرار التي شهدناها بسبب نمو الحركات الإرهابية في هذه السنوات.

إن الإهانة التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية اليوم؛ ومن المؤكد أنه إذا تحركت الأمة الإسلامية بشكل موحد، فيمكننا، بل ويمكننا، أن نمنع الكثير من هذه الحوادث؛ إننا نشهد أن أعداء العالم الإسلامي، أعداء الأمة الإسلامية، استخدموا سياسة فرق تسد في هذه القرون، وخاصة في هذه العقود الأخيرة .

إن المستعمرين على دراية جيدة بهذه السياسة، فهم يستخدمون السياسات المثيرة للانقسام للسيطرة على الأمم. الانقسام بين الدول المجاورة الانقسام بين مجموعات مختلفة من أمة واحدة، دولة واحدة، مجموعات عرقية مختلفة، لغات مختلفة، ديانات مختلفة حاولت ترسيخ هيمنتها من خلال خلق الانقسامات، هذه سياسة معروفة، في السنوات الأخيرة نشهد الكيان الصهيوني المحتل باستخدام سياسة اثارة الفرقة هذه سعى إلى تطبيع العلاقات مع الحكومات والدول الإسلامية، وللأسف أبدت بعض الحكومات الإسلامية تأييدها للكيان الاحتلال في هذه السياسة، وهي غير مقبولة في نظر العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية.

وفي خصوص خطة تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والدول الإسلامية، فإن الدول الإسلامية ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل الذي يحتل أراضي المسلمين ويخضع لحكمه ويثير الفتنة في العالم الإسلامي بشكل مستمر ودائم من خلال الحرب والترهيب. ان الدول الاسلامية لا تعترف بمثل هذه الكيان المزيف وإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني وترفض اقامة علاقات طبيعية وعادية معه.

حسناً، لقد رأينا نحن (المسلمين) بتجربتنا آثار الانقسام المريرة، فما هو الحل لعلاج هذه المشاكل ومنع المزيد من ظهور المشاكل، فالوحدة جزء من تعاوننا إذا أردنا التغلب على هذه المشاكل ومنع استمرارها. علينا ومراكزنا العلمية، و الدينية، وحكوماتنا، والحكومات الإسلامية أن نتعاون أكثر؛ على الرغم من أنه من الممكن .

هناك اختلاف في وجهات النظر والخلافات في بعض المجالات بين المسلمين؛ التعاون المشترك لا يعني عدم وجود اختلافات في الرأي، فمن الممكن أن تكون لدينا وجهات نظر مختلفة وآراء مختلفة في بعض المجالات، ولكن عمليا يجب أن نكون معا ونتعاون، ويمكن تطوير هذا التعاون من خلال مؤسسات مختلفة. مراكزنا الدينية تكون مراكز دينية معروفة ومركزية لها مكانة تاريخية بين الأمة الإسلامية، وعليها أن تنمي علاقاتها وتعاونها بامكان الأزهر والحوزة العلمية في قم والحوزة العلمية في النجف الأشرف والمراكز العلمية والدينية في أقطار العالم الإسلامي والمدينة المنورة  تنمية التعاون بينها والدول التي كانت حاملة راية وحدة العالم الإسلامي في بعض الفترات ويمكنها لا يزال حتى اليوم .

يمكن لمصر والجمهورية الإسلامية الايرانية وغيرها من الدول المهمة في العالم الإسلامي، ومراكزها العلمية ومراكزها الدينية أن تكون أكثر معًا وتتعاون؛ والآن جامعاتنا ومراكزنا العلمية عادة ما تكون لها اتصالات علمية واسعة مع جامعات الدول الغربية، ولكن مع الأسف لا بد أن نقول إن هذه الروابط العلمية بين المراكز الأكاديمية والعلمية في الدول الإسلامية قليلة جداً، بينما لدينا قدرات جيدة، لدينا قدرات كثيرة، ويمكننا تطوير العلوم من خلال تجميع هذه القدرات وتحقيق إنجازات كبيرة. التقدم العلمي؛ لكن بسبب ضعف التواصل، ضعف التواصل العلمي، فإن مراكزنا العلمية إما تجهل قدرات بعضها البعض أو لا تدركها ولا تستخدمها؛ نحن بحاجة إلى التطور العلمي؛ العلم يجلب السلطان، قال علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام):" العلم سلطان من وجده صال و من لم یجده صیل علیه" ولذلك فإن التعاون العلمي بين مراكزنا العلمية والأكاديمية أمر ضروري.

 إن التعاون بين مراكزنا الدينية، المراكز الدينية المركزية والرئيسية في العالم الإسلامي، هو من الضروريات؛ وعلى شخصياتنا الدينية البارزة ومراكزنا الدينية المعروفة والمحورية أن تطور علاقاتها، وبالطبع الحكومات الإسلامية؛ واليوم لدينا منظمة اسمها منظمة التعاون الإسلامي، وهي تعتبر المنظمة الحكومية الدولية الأكثر شمولاً بعد الأمم المتحدة. حسنًا، من المتوقع أن يتطور التعاون بين الدول الإسلامية في مختلف المجالات، بتوجيه وتوجيهات منظمة المؤتمر الإسلامي، ما حجم التعاون الاقتصادي بيننا وبين الدول الإسلامية وبتوجيهات منظمة المؤتمر الإسلامي؟  في حين أن القدرات الاقتصادية للعالم الإسلامي واعدة للغاية. أما على المستوى الأمني، فقد اعتمدت العديد من الدول الإسلامية اليوم على قوى من خارج المنطقة. 

بالتعاون المشترك بين هذه الدول؛ إن بلادنا الإسلامية لا تحتاج إلى رجال عبر البحار لتوفير الأمن؛ ومن لا يتعاطف معنا بالتأكيد لا يتعاطف مع الأمة الإسلامية؛ وبسبب هذه الانفصالات نشهد اليوم هذه الإساءة على المقدسات الإسلامية، لو كان لدى الحكومات الإسلامية المزيد من التنسيق والتعاون، ولكانت تلك الحكومات التي توفر الأساس لهذه الإساءة ستعاقب. وقلصت اتصالاتهم معهم، واتخذوا موقفاً منسقاً مع بعضهم البعض وأمام هذه الأحداث لم نشهد مثل هذه الأحداث المريرة أو شهدنا هذه الأحداث بشكل أقل.

لدينا دول إسلامية تحتاج حقًا إلى المساعدة اليوم. جزء من الأمة الإسلامية، يعاني من مشاكل اقتصادية اليوم، في قارات مختلفة، في أفريقيا، في أماكن أخرى، كان من الممكن أن يكون هذا التعاون علاجًا للمشاكل؛ وفي النهاية أود أن أقول إننا كممثل جامعة المصطفى وهي جامعة إسلامية عالمية مستعدون لأن نخطو خطوات وجهودًا في هذا المجال، ونأمل أن نبذل في المستقبل المزيد من الجهود لتطوير الروابط العلمية مع المراكز العلمية في العالم الإسلامي، ومد يد الصداقة إلى المراكز العلمية المهمة في العالم الإسلامي؛ بما فيها جامعة الأزهر، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية في ماليزيا، في إندونيسيا، والعديد من المراكز الإسلامية في باكستان،  تركيا، يمكننا أن نقيم تعاونًا أوسع.

ومن المؤكد أن آثار وبركات هذا التعاون سوف تعود بالنفع على الأمة الإسلامية، ويمكن أن تحل العديد من المشاكل التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم؛ وفي النهاية أدعو الله التعالى عزة ونصر للإسلام والمسلمين، كما أدعو المزيد من التوفيق للقائمين على هذا المؤتمر.والسلام علیکم و رحمه الله و برکاته.