ـ(88)ـ
المناقشة:
وأهم ما يقال فيه أنّه استناد إلى دليل الأصل العملي في حين أنّه يراد هنا الاستدلال به على أصل من أصول الفقه وهو ما يسمى بالأصل الاجتهادي.
ومن المعلوم أن الأصول العملية إنّما يرجع إليها لرفع الحيرة والشك عند فقدان الدليل الاجتهادي، والمفروض أن الأدلة الاجتهادية هنا قائمة على إباحة الذريعة باعتبارها هي، ولا معنى لتقديم مقتضى أصل عملي على دليل اجتهادي لأن الأصل الاجتهادي مقدم عليه رتبة ورافع لموضوعه.
على أن الاستناد لما ذكر وأشباهه ليس تاماً في إثبات أصل عملي بالاحتياط وتحريم كلّ شبهة تحريمية (كما يقول بذلك الأخباريون من الإمامية) والحديث في هذا المجال مفصل إلاّ إننا نشير إلى مجمله على النحو التالي:
فقد استند القائلون بوجود أصل شرعي يحكم الاحتياط في كلّ مورد مشتبه مطلقاً أو فيه شبهة تحريم إلى كثير من النصوص الشريفة نذكر منها ما يلي:
1 ـ قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)(1).
وقد نوقشت دلالة الآية على ذلك بأنها ربما كانت تحوي نهياً إرشادياً إلى أن الإنفاق المذكور في المقطع السابق على الآية الشريفة، يجب أن لا يكون إلى الحدّ الذي يوجب الإفلاس والتعرض إلى الهلاك وهو احتمال قربه المرحوم الصدر(2) أو أنها ترشد إلى لزوم الأنفاق في الجهاد وإلا تعرضت البلاد للفناء كما جاء في بعض التفاسير من قبيل تفسير الإمام الرازي (3) ومن الواضح أن الاستدلال يبطل مع هذا الاحتمال..
ثم أننا هنا نشك في أن العمل بهذه الذريعة فيه هلكة فيكون المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو باطل.
ثم أن النهي لو أريد به النهي عن التهلكة الأخروية لم يعد نهياً مولوياً وإنّما
__________________________________
1 ـ سورة البقرة الآية 195.
2 ـ بحوث في علم الأصول ج 2 ص 83.
3 ـ التفسير الكبير للفخر الرازي ج 5 ص 136.