ـ(226)ـ
هؤلاء الشعراء التأنيب والتقريع، والتشريد والتجويع، وعانوا من ألوان الظلم والاضطهاد والعذاب، صابرين صامدين، مؤكدين على تعاليهم عما يتهافت عليه الناس، من مال ومتاع، وعلى تفانيهم في سبيل مبدا آمنوا به إيماناً جعلهم يستحلون كلّ تعذيب، طلباً لأجر الآخرة.
ولا يمكن أن نعرف مدى استقامة هؤلاء الشعراء وصمودهم، إلاّ إذا عرفنا جو الإرهاب الذي عاشوا فيه ن والبطش الذي مارسه الحكام بحق الصامدين على المبدأ ويكفي أن نلقي نظرة على كتب التاريخ، لنعرف أن الأمويين والعباسيين مارسوا أفظع ألوان التقتيل والتنكيل، بحق كلّ من كانوا يشكون.. يشكون فقط.. في ولائه لآل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ (1).
يقول الكميت:
ألم تر ني من حب آل محمّد أروح وأغدو خائفاً أترقب
كأني جان محدث وكأنما بهم يتقى من خشية العر أجرب
على أي جرم أم بأية سيرة أعنف في تقريظهم وأؤنب(2)
هكذا كان شاعر أهل البيت..، فهو خائف مترقب، معنف مؤنب، لا لذنب اقترفة سوى حبه لآل البيت وهذا الصمود أمام ألوان التحديات، يؤكد رسالية المسلك الذي إلى الشاعر على نفسه أن يسلكه.
وواضح أن هذا الأدب يختلف تماماً عن أدب اللهى التي تنفتح باللهى (3)، وعن ذلك الأدب الذي يصدر عن عصبية حزبية أو عشائرية لا يقوى صاحبها على مواجهة
__________________________________
1 ـ بلغ الأمر بالشاعر الشيعي أن يتمنى بقاء جور بني مروان، فهو أفضل مما نزل بالعلويين من ظلم بني العباس
يا اليت جوربني مروان عادَلنا ياليت ظلم بني العباس في النار.
2 ـ الأبيات 75 ـ 77 من هاشميته التي مطلعها:
طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب؟
3 ـ اللهي بفتح اللام هي اللهاة في مؤخر الفم، واللهى: هي لقم الطعام.